|
الحرب والسلام مسئولية العالم المتحضر
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4576 - 2014 / 9 / 16 - 20:49
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
كلمتا الحرب والسلام كمفهومين متناقضين ومتنافرين من مفاهيم السياسة الدولية لا يلتقيان الا في أطار مفهوم أمريكا بحربها ضد ما تسميه هي الحرب على الارهاب ,الى أي مدى يمكن تصور اقرانهما مع بعضهما ليؤديا وظيفة واحدة؟ هذا السؤال الصعب الذي لا يمكن فهمه الا من خلال فهم تركيب وبنيوية السياسة الامريكية وصياغاتها البراغماتية, في محوريها المحلي والدولي وتأثير استشعار القوة والاستجابة لهذه التأثيرات تحت مسميات حماية نمط الحياة الامريكية وأسلوب العيش الامريكي الذي يعني في النهاية رؤية أن تنتج القوة أسلوب أمريكا الحياتي على العالم ومن ضمنها أن تصاغ وان يعاد تشكيل الروابط الاجتماعية والفكرية والعقائدية لمجتمعاتنا وفق النمط الامريكي القائم على الحرية المطلقة لقوى المصالح في فرض شروطها ومناهجها على المجتمع دون السماح لأي محدد أخر يعارض ذلك حتى لو كان مقومنا التاريخي الاعتقادي وهو الاسلام. إن التسليم بهذه الحيثية ونتائجها دون الالتفات الى استحالة تنفيذها على أرض الواقع تؤشر النقاط التالية المستمدة من خصائص التجارب التاريخية ومن ذاتيات المقدمات الصياغية لها وافتراضات إمكانية التطبيق وحتمية فشلها وهي: •_ان التاريخ السياسي قد سجل فشل نماذج مماثلة من قبل اختطت لنفسها خطوط فكرية مشابهة وانطلقت من نفس القواعد التي انطلقت منه الرؤية الامريكية في الصياغات والاهداف والوسائل وأقربها تجربة الاستعمار البريطاني للكثير من المجتمعات والدول ابتداءً من الهند الى مصر مرورا بالكثير من البلدان وقبل ذلك الاحتلال البريطاني لأمريكا نفسها, لاسيما اذا ما أضفنا لها سياسة فرنسا للمجتمعات العربية والافريقية والاسيوية أبان فترات الاستعمار الغربي لها وما ألت اليه هذه السياسة من صراع ادى بالنتيجة الى تحطم الإمبراطوريات الاستعمارية ومنها الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس حتى اضحت منحصرة في بلادها الذي لا تكاد تشرق فيها الشمس حتى تغيب. •_إن المحرضات على المقاومة في زمن الاستعمار الاوربي الغربي للبلدان الناشئة لا زالت حاضرة وبقوة في أن تفعل دورها في محاربة النظام العالمي الجديد الذي صاغته هذه المرة المصالح الامريكية الاقتصادية وأيدولوجيتها القائمة على اختلاق الصراع ومع اتساع قوة تأثيرها من خلال نفس القوة التي يستعملها النظام العالمي الجديد وهو مناخ العولمة وحرية انتقال الاعلام والمعلومة والافكار عبر ما يسمى الفضاء المفتوح وتيسر وسائل الاتصال والوصول الى مصادر الوعي الجمعي والجماعي بما فيها الرأي العام العالمي. •_اتساع المؤثر الشعبي العالمي من خلال منظمات المجتمع المدني وأثرها المباشر في صياغة مستقبلها بالسلاح الذي يطرحه النظام العالمي الجديد وهو الديمقراطية ونتائج الاحتكام الرسمي والمؤسساتي له في الكثير من البلدان وقد شهدت الكثير من المجتمعات رفض الكثير من مظاهر النظام العالمي تحت شعار الديمقراطية وفرض ارادة الشعوب بهذا السلاح كما حدث في أسبانيا وفرنسا واليابان وغيرها من الدول التي رفضت المشاركة بالغزو بل واسقاط رموزه في بلدانها كما حدث في أسبانيا لصالح التوجهات الاقل تحمسا لنظام العالمي الجديد وهذا سلاح أخر يمكن به المساعدة على مقاومة دعاة الصراع من أجل السلام المبني على قوة المصالح لا على مصلحة القوى في تثبيت السلام ,وهي نقطة جديرة بالاهتمام والتأمل. •_إهمال النظام العالمي الجديد لمستحكمات التغير الطبيعي للمجتمعات وحصرها بالفرض المبني على القوى وتجنب النظر في موضوعية الدافع الشخصي الفاعل في إحداث التغير مما افشل في افتراض تطبيقات تكتيكات النظام العالمي بما فيها فرض الديمقراطية في مجتمعات تفتقد الى المؤسساتية المطلوبة لنجاح التجربة الديمقراطية والضغط باتجاه تكوين هذه المؤسسات الهشة والغير قادرة على اثبات وجوديتها والتصاقها بالمصالح الوطنية والقومية لشعوبها مما جعلها تعيش حالة الافتراق والضاد بين هذه المصالح ومتوجبات النظام العالمي الجديد فكانت هذه المؤسسات صورية غير فاعلة في قيادة المجتمع ورفضتها القوى الاجتماعية الحقيقية في بلدانها من خلال عدم الاعتراف بشرعيتها اصلا كما حدث في الانتخابات في افغانستان مرورا بالعراق. ومصر النظام المشارك بجدية ومنغمس كليا في لعبة النظام الدولي الجديد عكس النموذج المقاوم الذي وجد تأييدا كاسحا له في حاضنته الطبيعية وبشهادة المراقبين الأوربيين والامريكان وعلى رأسهم الرئيس الامريكي الاسبق كارتر وأقصد بذلك الانتخابات الفلسطينية التي فازت بها حماس أو الانتخابات اللبنانية التي اكتسحت فيها المقاومة وقوى الممانعة المقاعد المخصصة لحاضنتها المفترضة بالرغم من التدخل الامريكي الفاضح بالضد منها. •_لم يعد العالم محكوما بقوة القطب الواحد كما يتصور الكثيرين وخاصة بعد أنتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق بالرغم من تفرد أمريكا في صياغة العالم وفق شروطها وهذا مفهوم غير حقيقي وإن بدا للناظر كذلك ولكنه في حقيقته تشكل نظام دولي جديد في طور النشأة يكون فيه لمصالح الشعوب والامم الحية دورا هاما وحيويا ومؤثرا في تسير عجلة الحركة فيه مع نشوء قوى اقتصادية وعسكرية جديدة لها امكانيات التأثير في مفاصل عديدة من مفاصل السياسة الدولية منها الصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا ودول مجموعة البريكس والنمور الاسيوية اضافة الى تكامل مؤسسات الاتحاد الاوربي الذي سوف تلعب دورا اقليميا ودوليا موثر مع الصين وروسيا في الحد من التوجهات الامريكية لمرحلة ما بعد مرحلة الامبريالية الجديدة. •_ازدياد الفهم وتنامي الوعي بحقيقة الاسلام كونه دين تسامح ومحبة مع انكشاف الكثير من الحقائق التي بنت عليها السياسة الامريكية فرضيتها وسوقت تلك الفرضيات كمبرر للحرب منها مثلا ثبوت كذب الادعاءات بوجود أسلحة الدمار الشامل العراقية وارتباط نظام صدام حسين وعلاقته المفترضة مع القاعدة ووعي الشرائح الكثيرة بان السياسات الاسرائيلية والامريكية هي التي تشكل الخطر الاكبر على السلام العالمي وافتضاح دوافع الاحتلال الامريكي بشقيه الديني العنصري وما عبره عن الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن من ان حربه انما هي حرب صليبية جديدة وفي شقها السياسي من كون السيطرة على بترول الشرق الاوسط هو الهدف الحقيقي من وراء الغزو الامريكي للعراق . وما يؤشر ذلك من التحكم باقتصاديات الدول الاوربية والاسيوية المشاركة أو الداعمة للغزو الامريكي لعراق وأفغانستان ,أثر ذلك في صياغة رأي عام دولي نحو عزل النظام الدولي الجديد والتنبيه من مخاطر ليس على نطاق منطقتنا بل وحتى على المجتمعات الاوربية التي تصنف فكريا ايدلوجيا مع امريكا وسياستها القائمة على الهيمنة والتسلط بما يعزز من قوى الممانعة والمقاومة للمشروع الامريكي وأفشاله. •_إن المقاربة الجبرية بين السلام والصراع تكشف عن العنصرية المتأصلة في الفكر الامريكي الذي أختزن وكبت عنصريه تجاه السود الامريكان ليجد لها متنفسا جديدا قادر على تسويقه وتوجيهه بصياغات عصرية تنزع عنها غطاء العنصرية الظاهر ولكن المتفحص المدقق يجدها واضحة للعيان سواء بالوعي التأملي الفكري أو من خلال الممارسة السلوكية الحية وهذه العنصرية الفكرية الايدلوجية محكوم عليها الافتضاح والانكشاف طالما وضعت الاسلام كهدف للمواجهة والمقابلة الضدية مع المصالح وقوتها الايدلوجية . وهذا يعني انكشاف مقولة صراع الحضارات لتتحول الى صراع ارادات من أجل الهيمنة وليس من أجل السلام وهذا ما يعطي للمجتمعات الاسلامية الدعم المادي والمعنوي من قوى السلام والمحبة في العالم بما في بعض القوى المسيحية العالمية التي تعمل من أجل السلام وشيوع قوة السلام مقابل قوة المصالح الاقتصادية وكارتلات المال والنفوذ الاقتصادي مما يعري النظام العالمي الجديد من الاخلاقيات التي نادى بها ويعمل تحت شعاراتها وهي الديمقراطية وحقوق الانسان. إن شعار الصراع من أجل السلام أو الحرب العالمية ضد الارهاب لم تسجل أي نجاح يذكر يعزز مصداقية الشعار أو يثبت نظريته القائمة على خلق عالم جديد تتحكم في الديمقراطية وحقوق الانسان ليس بسبب قلة الامكانيات أو قلة الدعم المادي والمعنوي له وليس بسبب قوة الارهاب واشتدا عزيمته ولكن الفشل متعلق بجوهرية وذاتية هذا النظام الذي قام أساسا على الخداع والمراوغة والتنقل بين الاهداف بعد انكشاف الكثير من الشعارات العريضة التي رفعها ودعا اليها بعد أن هيأ الاسباب لها ووضع مساراته المسبقة بشريا وماديا وفكريا. وستشهد الاحداث القادمة الكثير من الخداع ومن العزلة التي يلاقيها المشروع ما بعد الامبريالية المسمى النظام الجديد وخاصة بعد الحرب الاسرائيلية على لبان وغزة وفشل المشروع الامريكي في فروض شروطه وإملاءاته على قوى المقاومة من خلال القوة الإسرائيلية العسكرية وألتها الحربية الضخمة ومن خلفها السياسة الامريكية بشقيها الدبلوماسي والاعلامي والدعم اللوجستي المباشر للكيان الصهيوني ومده بأسباب النجاح الى أقصى حد . فما انجلى غبار الصراع الا ليكشف حقيقة الشعارات الامريكية في الديمقراطية وحقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير المصير ويكشف هزيمة مدوية لمفهوم القوى وقدرتها على فرض شروطها أمام مقاومة حقيقية مرتبطة بواقعها وحاضنتها وتشهد انهزام ما يسمى بالفوضى الخلاقة لتحل محلها شعار التغيير وهو بحقيقته اعلان موت النظام العالمي الجديد وبخاصة إن شعار التغيير انطلق من أمريكا حاملة راية النظام العالمي الجديد. إن الصراع الأيديولوجي القائم على هدفية المصالح وقوة هذه المصالح الطامعة في ثورات الشعوب لن ولم تصنع سلاما على مر التاريخ ولا في المستقبل لأنه يخالف الناموس التاريخي والحضاري الذي يقوم على مبدأ البقاء للأصلح حضاريا وللأصلح للسلام وإن فرضت القوة أحكام خاصة لكن هذه الاحكام سرعان ما تنهار أمام قوانين الحضارة ونواميس التاريخ ,وحتميته التي حسمت الصراعات لصالح الشعوب وقيم الحضارة السامية واعلنت تفكك هذه القوى الغاشمة التي دفعتها المصالح لهذه الفورة الانفعالية فارتدت على أصحابها بالضد ففككت تلك القوى وحشرته في زوايا الضعف والتمزق والنسيان وليسأل المحافظون الجدد في أمريكا اساتذتهم في جامعات العالم وخاصة في بريطانيا وفرنسا وأسبانيا واليابان عن مصير تلك القوى التي تقاسمت النفوذ على العالم من قبل وأين غابت شموسها وكفى بذلك درسا بليغا للداعين للنظام العالمي الجديد.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأصولية النصية والأصولية الدلالية ح1
-
الأصولية النصية والأصولية الدلالية ح2
-
اليباب في اسطورة الخلق
-
قصة الخلق في الأسطورة العراقية
-
الخلق والأسطورة
-
صورة الخلق في الأساطير الأولى
-
الأسطورة والتاريخ والدين
-
القصد والأعتباط وخيارات عالم سبيط النيلي ح5 والأخير
-
القصد والأعتباط وخيارات عالم سبيط النيلي ح4
-
لميعة _ قصة قصيرة
-
تصريح لناطق لا يملك صوت
-
رسائل من وإلى باسم الحب
-
القصد والأعتباط وخيارات عالم سبيط النيلي ح3
-
القصد والأعتباط وخيارات عالم سبيط النيلي ح2
-
القصد والأعتباط وخيارات عالم سبيط النيلي ح1
-
سلطان القوة وقوة السلطة ح2
-
الفراق اللذيذ _ قصة قصيرة
-
سلطان القوة وقوة السلطة ح1
-
العقل وإشكالية صناعة المعرفة
-
رؤية ... قصيدة للغائب الأتي والرحيل المزمع
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|