دينا سليم حنحن
الحوار المتمدن-العدد: 4573 - 2014 / 9 / 13 - 09:20
المحور:
الادب والفن
قادم يأتي، من آخِر الطريق يظهر، يعود ليدخل في العتمة مرة أخرى، صدره يعوي، خارج من قبره أو ربما يكون قادما من آخر التكوين!
بطرف عينه ينظر إلى الطريق بينما رأسه مطأطأ إلى أسفل، وعندما وصل نصفه راح يصرخ بكل جنونه، جميع الطوابق في البنايات المجاورة أُضيئت وانهمك الناس بالنظر إليه، لم يتعرف أحد عليه، صرخ وبحجم صوته قال:
- الغريب قد عاد، انتظروني!
بنصف اغماضة راح يلملم كل ما تبقى من خبز على الأرض، ها هناك كسرة خبز وحجر وبقايا أطلال، أكلها كلها والأيدي تضرب كفا بكف تطلب له الغفران، دار حول نفسه وعينه تتطاير شررا من نار، نظر إلى الآخرين باستخفاف، كل طابق من تلك البناية تشكل له سنة عاشها وعمرا غادره، يعرف مكامن البيوت كلها، ولد وترعرع بين كل هذه الجدران وحتى عندما أصبح رجلا من رماد لن ينسى كل الحكايات التي كانت.
امرأة واحدة تقف بين كل هؤلاء، في يوم ما سيُبقي عليها الدّود كما أبقت هي الآن على عناوين حياته، صرخ مجددا وهو ينظر إليها:
- يا أنتِ، أو لا أنتِ، ها أنا الغريب هنا يعود إليك مجددا فاستقبليه ولآخر مرة في حياته، ابتسامة وحيدة منكِ تحييه فلا تبخلي عليه وقولي أنكِ كنتِ في يوم ما حبيبتي!
انتظر كلمة ما تسقط من فوق فتصل أذنه والناس شهود، وعندما طال مكوثه ولم تسقط عادوا إلى أسِرّتهم، أغلقوا الشرفات وأطفئوا الأنوار، حينها قال في نفسه:
- لا استقبال هنا ولا وداع، ماذا عليّ أن أفعل، وكيف لي البقاء في هذه الساحة المظلمة، بدأ الطريق يضيق بي والناس قد تعوّدوا على صراخي، حبيبتي لم تقل كلمتها بعد، تقمصت اليوم شخصية المتسوّل والتهمت لقمة متسخة، أي شخصية يمكنني تقمصها بالغد، وكما في كل مرة أظهر فيها كرجل آخر دون جدوى؟
القناديل المتشحة بالعتمة لا يضيئها أحد، الظلام المستشري في المكان لا يتذمر، هو وحده يتذمر ويشتكي ويشتم، الشارع المؤدي إلى آخره يتسع لخطواته الواهنة، توقف النبض في عروقه فشرطيّ الحيّ قد وصل، اعتلى جبينه الغضب وبلع لسانه، قلّب نظراته وبحث عن مخرج للمأزق الذي وضع نفسه فيه، لكنه اكتشف أخيرا أن الشرطيّ كان قسا جاء ليعيده من حيث أتى ...جلس القرفصاء وبكى...
#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟