|
العطالة.. أو الأزمة الحادة في سياسية النظام الرأسمالي التبعي بالمغرب..!!
محمد الحنفي
الحوار المتمدن-العدد: 1288 - 2005 / 8 / 16 - 12:04
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
في البداية لابد أن نتساءل هل يمكن الحديث عن السلم الاجتماعي في المغرب؟ إن الطبقة الحاكمة في المغرب ومعها جميع مصاصي دماء الجماهير الشعبية الكادحة لا تهتم ألا بما تنهبه من عرق وكدح الكادحين وتتلذذ بالآهات الصادرة عن المحرومين والمقهورين، ولا يهمها أن كان المجتمع المغربي سليما معافى من الأمراض الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، بل أن هذه الطبقة الحاكمة ومعها مصاصو الدماء لا تطمئن على مستقبلها إلا باستفحال تلك الأمراض التي نجد على رأسها مرض العطالة الذي صار مزمنا إلى درجة تحوله إلي مرض سرطاني يكاد ينخر كيان الجسد المغربي. واستفحال ظاهرة العطالة إذن من الكوارث التي وقفت وراء تفاحش أمرها الطبقة الحاكمة التي توظف ثرواتها في المشاريع ذات المر دودية العالية وذات التكلفة القليلة، وهو ما يعني إنها لا تعمل على إنجاز المشاريع الاقتصادية التي تحتاج إلى كثافة اليد العاملة الأمر الذي يزيد من عدد العاطلين الذين يتكاثرون في صفوف الشباب المغربي غير المؤهل، وفي صفوف المؤهلين وفي صفوف خريجي المدارس والجامعات والمعاهد العليا. ويعتبر انتشار العطالة واستفحال أمرها نتيجة طبيعة الأزمة الرأسمالية التبعية التي تلتزم بتنفيذ تعليمات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية حتى تتفرغ لخدمة الدين الخارجي وتفويت القطاع العام إلي القطاع الخاص في أفق التطبيق الكامل لاتفاقية التجارة العالمية الذي تصير بموجبه السوق المغربية مفتوحة أمام البضائع الأجنبية وهو ما يعني زيادة تعميق الأزمة المتمثلة في النظام العالمي الرأسمالي المعولم الذي ينظم هجومه على جميع البلدان التابعة لاستنزاف ما تبقى من خيرات لدى شعوبها وهو ما يعني إغلاق المزيد من المقاولات والمزيد من المصانع والمؤسسات الإنتاجية التي تزيد الوضع استفحالا فيصير العاملون فاقدون لعملهم. فلماذا وجدت الرأسمالية المغربية نفسها في مأزق الحرص على الاستفادة من زيادة تراكم ثرواتها وعدم مساهمتها في الحد من العطالة المستفحلة في المغرب؟ إن الأسباب البليغة التي وقفت وراء وقوع الرأسمالية المغربية في هذا المأزق تتمثل في: 1- اعتبار البورجوازية المغربية ليست إفرازا للصراع مع الإقطاع كما هو الشان بالنسبة للبورجوازية الأوروبية بقدر ما هي نتيجة لنظام الامتيازات الذي ساد في سنوات استقلال المغرب، ومن تهريب البضائع والاتجار في المخدرات، واستغلال النفوذ وسيادة الارشاء والارتشاء في العلاقة مع المواطنين وفي جميع القطاعات. 2- انصياع هذه البورجوازية لتعليمات صندوق الدولي والبنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية، وارتباطها بالشركات العابرة للقارات، وقيامها بدور الوسيط والوكيل في العلاقة بها مما جعلها اكثر استغلالا للشعوب لتحقيق المزيد من التراكم ولتلبية شروط تلك الشركات في نفس الوقت. 3- مصادرتها للممارسة الديموقراطية في العلاقة بالكادحين وبطليعتهم الطبقة العاملة ومصادرة كافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية، حتى لا ينعكس تمتع المواطنين بالحقوق على استفادتها من تراكم المزيد من الثروات. 4- إفسادها للحياة السياسية عن طريق تحويلها للمناسبات الانتاخبية إلى سوق للنخاسة، وإذلال الناخبين المحرومين والمقهورين والمظلومين وعديمي الضمير الذين يضطرون جميعا إلى بيع ضمائرهم للبورجوازية الهجينة والمتخلفة حتى تتربع على كراسي المجالس المحلية التي يستغلونها لنهب ثرواتها التي تصير جزءا من ثرواتهم ومكملا لها وحتى تصل إلى المجالس الوطنية لإصدار القوانين والتشريعات التي تخدم مصالحها وتحقق انطلاقا من تلك المجالس المزيد من الامتيازات. وهذه العقلية المتخلفة للبورجوازية التابعة المكونة للرأسمالية المغربية لا يمكن تجاوزها ألا بـ: 1- مراجعة هذه البورجوازية لمسلكيها ولارتباطها الخارجية وتخليها عن إفساد الحياة السياسية حتى تشرع في مباشرة إعطاء الاعتبار للرأسمال الوطني. 2- قبولها بتكريس ممارسة ديموقراطية حقيقية انطلاقا من وضع دستور ديموقراطي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة لإفراز مؤسسات حقيقية وإيجاد حكومة تخدم مصالح الشعب بجمع مكوناته الطبقية تطبيقا لشعار "دولة الحق القانون" 3- جعل التنمية المحلية في خدمة الإنسان عن طريق خلق فرص الشغل الكافية لاستيعاب جميع العاطلين على اختلاف مؤهلاتهم وفرض دعم المقاومة الوطنية حتى تقوم بدورها الوطني على مستوى التشغيل وعلى مستوى إنتاج الحاجيات الضرورية والكمالية للمجتمع المغربي. 4- ملاءمة جميع القوانين المحلية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان لجعل تلك القوانين وسيلة وإطارا لحماية حقوق الإنسان والتربية عليها. 5- الحرص على استقلال السياسة الخارجية للحكومة المغربية ووضع حد لتبعيتها للدول الكبرى، والعمل على الحد من قيام الحكومة المغربية بالانصياع لصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية، والتعامل مع الدول العظمى على أساس الاستقلال التام عنها والدفع في اتجاه واحترام الشرعية الدولية في العلاقة بين الدول انطلاقا من المؤسسات الدولية الملتزمة بالمواثيق الدولية المختلفة والعمل على الحد من قيام البورجوازية المغربية على أساس الوساطة بين السوق المغربية وبين الشركات العابرة للقارات. وبوقوفنا على الأسباب وسبل التجاوز نجد أنفسنا أمام وضع سؤال عريض هو: هل يمكن قيام مجتمع مغربي بدون عطالة؟ إن المجتمع المغربي لم يختر أن يكون أبناؤه عاطلين لان قيام العطالة وانتشارها قرار سياسي تتخذه الطبقة الحاكمة ذات الطبيعة الهجينة والمتخلفة من اجل تحقيق المزيد من التراكم على حساب إفقار الكادحين وقهرهم وهذا القرار لا يزول إلا بوجود قرار آخر وعقلية أخرى تحضر فيها المصلحة الوطنية والشعبية والإنسانية ومصلحة الكادحين، وحينها يمكن الحديث عن مجتمع بدون عطالة تحكمه دولة الحق والقانون انطلاقا من دستور ديموقراطي وبواسطة مؤسسات منبثقة عن انتخابات حرة ونزيهة وهو ما يعني بان قيام مجتمع بدون عطالة هو مجتمع قائم على أساس سيادة الديموقراطية الحقيقية من الشعب، والى الشعب وان الطبقة البورجوازية الحاكمة ستصير ديموقراطية وستختار أن تكون وطنية وتعمل على تحقيق الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية ولا تمانع من العمل على تحقيق الانتقال إلى التشكيلة الأعلى إذا كان في ذلك مصلحة للشعب ولسائر الكادحين وطليعتهم الطبقة العاملة. وهذه الخلاصة التي وصلنا إليها ليست إلا حلما مستعصيا لان طبيعة البورجوازية المغربية لا تتبدل ولا تتغير بقدر ما تزيد استئسادا وبطشا بالشعب المغربي وهدرا لحقوقه المختلفة. والخلاصة أن المأزق الذي تعيشه البورجوازية المغربية الهجينة والمتخلفة ناتج عن وقوعها في اسر الانضباط لتعليمات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية، وعن قبولها بالوساطة بين الشركات العابرة للقارات وبين السوق المغربية بالإضافة إلى كونها ليست أصيلة بقدر ما هي إفراز لنظام الامتيازات ولباقي الممارسات الأخرى التي صارت معروفة في المجتمع المغربي وفي صفوف الكادحين. وعمق أزمة العاطلين والمعطلين والمسرحين الذين يتكاثرون سنة بعد سنة يفرض المراجعة الشاملة لممارسة البورجوازية الهجينة، ولسياستها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية حتى يصير كل ذلك مساعدا على وضع حد للعطالة التي تنخر المجتمع المغربي وتكشف سوءات البورجوازية التابعة التي لا تهمها إلا مصلتحها ولهثها وراء شرهها لجمع المزيد من الثروات. ابن جرير في 01/08/2005 محمد الحنفي
#محمد_الحنفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يشكل المثقفون طبقة؟
-
قضية التعليم- قضية الإنسان
-
الطبيعة البورجوازية الصغرى ومعاناة الجماهير الشعبية الكادحة
...
-
ضربة شرم الشيخ وضربة حسني مبارك اي علاقة وايهما اكثر ارهابا؟
-
حول مفهوم اليسار وما جاوره..؟!
-
هل يمكن ان يغادر العرب باحة الصمت تجاه ما يجري في العرق؟
-
الدين / الماركسية نحو منظور جديد للعلاقة من أجل مجتمع بلا إر
...
-
هل أخطأت نادية ياسين أن تصيب الهدف في خلق الحدث ؟
-
حتى لا تتكرس المغالطة ضرب لندن ليس كوجها ضد الحكومة البريطان
...
-
هل بعد هذه الأزمات المتوالية يمكن أن تحلم الجماهير الشعبية ا
...
-
هل بعد هذه الأزمات المتوالية يمكن أن تحلم الجماهير الشعبية ا
...
-
هل بعد هذه الأزمات المتوالية يمكن أن تحلم الجماهيرالشعبية ال
...
-
هل بعد هذه الأزمات المتوالية يمكن أن نحلم بمستقبل لصالح الجم
...
-
الدين/الماركسية نحو منظور جديد للعلاقة من اجل مجتمع بلا إرها
...
-
نحو منظور جديد للعلاقة من اجل مجتمع بلا ارهاب- الجزء الخامس-
...
-
الدين/الماركسية من اجل منظور جديد للعلاقة نحو أفق بلا إرهاب
...
-
الموضوع : هل هو انتقام من حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي؟
-
الدين/الماركسية من اجل منظور جديد للعلاقة نحو أفق بلا إرهاب
...
-
الدين/الماركسية من اجل منظور جديد للعلاقة نحو أفق بلا إرهاب
-
لا عدالة و لا تنمية في خطاب العدالة و التنمية
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|