محسن لفته الجنابي
كاتب عراقي مستقل
(Mohsen Aljanaby)
الحوار المتمدن-العدد: 4571 - 2014 / 9 / 11 - 22:28
المحور:
كتابات ساخرة
دخل الأستاذ في بداية أول درس وأرتجل معلقة أتصفت بالصلافة و الصدق و صاح بصوت مرير :
تعبدون الله مجاملة وتكذبون على أنفسكم طول العمر , جميعكم يضيّع حياته في إشباع أنانيته مابين شهوة وأطراء فارغ و وهم , كيف لكم أن تلحقوا بالعالم وها أنتم تتعمدون الفشل بل تسعون أليه , أعرفكم أذكياء متوقدين ولم تأتوا لتلك المرحلة أعتباطاً , بل سمحنا لكم بذلك بعد أجتيازكم لمراحل صعبة , أن تدرسوا الفيزياء معناها أنكم على قدر فوق المعتاد من الذكاء , تحصيلكم الشهري كان يبشر بخير لكنكم خذلتموني وخذلتم أنفسكم و المستقبل وبلدكم الفقير , أريد أن أعرف لماذا تتعمدون الرسوب ..
هذا الخطاب التأريخي أو بالأحرى (الرزاله الغسل ولبس) التي لا أنساها قالها لنا البروفيسور (سالم سريّه) الفلسطيني كان يدرسنا مادة (ميكانيكا الكم) بعد أن تعاقدت معه وزارة التعليم العالي في الثمانينات لتدريس طلاب جامعة بغداد وبحضور رئيس الجامعة (عبد الرحمن العاني) فكانت إهانة مضاعفة لايطيقها الحمار وحتى البعير وجّهها لنا على أثر تفشّي حالات الرسوب (المتعمد) المثير للشك , لم يجرؤ أحدنا على البوح بالأسباب فهي خطيرة لو نطق بها أحدنا لذهب جلده للدبّاغ , أن تنجح في السنوات الأخيرة معناها أن تتخرج , وبعدها تراجع (التجنيد) ليسوقوك الى الجبهه المشتعلة كواحد من العبيد , وستكون أحد ثلاثة , شهيد أو جريح أو قاتل صنديد , تلك الحكاية أردت بها الأعتذار للعالم عما يبدر منّا من غرابة في السلوك , يثير الدهشة فهو بحاجة دوماً لتفسير , أعلموا يا أهل العالم أن مايصيبنا من هزيمة و أنكفاء كل مرة ليس لنا يد فيه , كيف نتطور وهناك من يستعبدنا ويجعل مصيرنا جزءاً من مشروعه الأحمق في إشباع غرائزه بالتربع على رقاب العباد ولا يكترث إن تحول الناس الى كلاب لمايلاقوه من بطش و إخضاع و أستلاب , لنلقي نظرة على التاريخ القريب , حرب طويلة في الثمانيات , عادت الدولتان بعد أنقضائها الى نفس الحدود ذهبت خسائرها (بوله بشط) , حرب أخرى جعلتنا نعيش الجحيم , وحصار بعدها جعلنا نستجدي الرغيف , كنا حينها نردد المثل البغدادي (المفلس أخو الحرامي) فصار الشعب أغلبه لصوص , أستنجد (كنعان مكية) و معه جوقة الهاربين في الغرب بالصقور , ونجحوا في أقناع (الشايلوكيين) بالتدخل وترتيب الأمور , فكانت أبشع المجازر المستمرة الى اليوم , جعلت الناس فريقين , فريق القطط النهمة (تاكل ماتشبع) وفريق الجرذان المذعورة التي تقرض كل شيء , نخرج من مأزق لنقع في مأزق جديد و الأغرب أن الجديد يكون أعنف بالخسائر و التدمير , كلما أعادوا ترتيب الأمور نالنا المزيد من القتل والجوع والتشريد , دوامة لاخلاص منها الا بتطهير أنفسنا من (الخوف) عسى أن نملك البصيرة في صنع أصحاب الرأي وهو أمر شبه مستحيل اليوم وكل يوم , لازال الطريق نحو هكذا أمل بعيد , ومع تلك المأساة دعونا نعود الى الواقع مهما كان لنعيش أجوائه كما باقي القطعان ولا نخرج عن الطريق ,في البدء أبشّركم أحبتي فقد وصل المدد ولم يبق سوى قاب قرار عن السعد , فأخبار اليوم مفرحه معها بارقة أمل بخلاصنا من الذبح من الوريد الى الوريد على يد (جند الخلافة الصناديد) لفترة ربما سنة أو شهرين حتى ظهور جديد لأبطال من أبناء جلدتنا يرينوننا الويل ويذيقوننا الردى والعويل , من أين أتوا , وكيف , لاحق لنا في السؤال بالطبع , لا تقولوا إنهم خرجوا من إبط الحماقات والتدخلات والظلم والجوع فللحياطين آذان تسجل كل مانقول , ولا تهمسوا أنهم نتيجة حتمية للفساد والضياع فستتهمون بالصدق وهي أصعب تهمة تفوق في خطورتها معاداة السامية عند اليهود , دعوا الخلق للخالق و (للمسؤولين) وماعليكم سوى دفع الجزية حتى إن وصل سعرها الى دماء وأوطان وتدمير , أستبشروا أحبتي فقد وصل السيد (كيري) لبغداد متخفيا , هو ليس متخفياً بالمعنى الدقيق لكنه أستبق الموعد الذي أعلنه رئيسه بيومين , الضرورات تبيح المحظورات , خير البر عاجله , (أتحزم للواوي بحزام سبع) , كم يأخذون من ثقافتنا هؤلاء الهوليوديون فيما نحن نحفظها ونرددها دون أستيعاب أو تطبيق , أتى لأعادة ترتيب الأمور كما كان يفعل أسلافه الأنكليز أيام الأستعمار القديم , صار التدبير بعدهم للأميركيين آخره شهدناه في القرن الحادي والعشرين حين أنقذونا أصحاب الفيل , أقصد الجمهوريين, بالتحرير , وهاهم أبناء الحمار (الديمقراطيين) يحضرون في اللحظة المناسبة مستبقين (عيد الهالووين) ليكون تعويذة إنقاذ لبلاد الرافدين , مؤكد سمعتم به , ذلك الذي يصعد فيه مؤشر أسعار اليقطين أو (چـتّال خيگـان) بحسب تسمية (الفراتيين) وفي داخلها تضاء الشموع لأستحضارالأرواح ليفرز منها الطيّب والشرّير , أعاده لنا أبناء العم (إسحاق) ومعهم أربعين دولة بعد أكتشافهم أنه أختراع عراقي صرف , أستشعروا ذلك من مدى شغفنا بالأسلاف وكيف يؤثرون فينا حتى جعلونا ننقسم الى سبعين فرقة أنقرضت جميعها ولم يبق منها سوى فريقين , الأول يمجدهم و الآخر يحاكمهم من جديد , الغرب يأخذ من ثقافتنا , أقول ذلك على سبيل اليقين , سيعيدون كل أختراعاتنا من أجل تنظيف الشرق (الأوسخ) الكبير و سيفتحون موميائه مجدداً لأستئصال العفن والسرطانات التي تظهر فيها من حين الى حين , كيف لنا أن نكافيء هؤلاء المخلصين فمع تلك الفرحة الكبيرة في أحياء أمتنا من جديد بعد أن كادت تنقرض علينا أن نقضي على المنغصات , أبتداءاً بالكف عن التفكير ثم إيقاف تشغيل الضمير ثم الأبتعاد عن الشعور بالخجل والأخير صار عادة متنحية في جنسنا نحن العرب ولنحمد الله على ما نحن فيه , فليس علينا أن نبحث في أي شيء , تصفير التاريخ وأعادته الى نقطة الخلق الأولى أمر معتاد عند أمة (مثل أمتنا) لا يهمها الا أن تبقى حيّة تمارس إشباع غرائزها مع أدمان هواياتها في الخطابة و االتناحر والكسل والكسب السريع , وجميعنا يعرف أننا سقطنا كثيراً عبر التاريخ وكذلك أنتصرنا في الشحيح من التواريخ , والأخيرة لاتلبث أن تتحول هزائم بسبب أهمال الجانب الأهم في مفهوم الأنتصار , أن تحافظ عليه أصعب من أن تناله ليوم أو سنة أو عقدين , السلام ثمنه غال و لنا في الدول المتنعمة به (أميركا والغرب وحتى الشرق) مثال لازلنا لا نعرف أهميته بالضبط كوننا لم نره على مر التاريخ , سقطت وتسقط كل مشاريعنا المملوءة بالوهم و التدجيل كونها لم تزد عن المقايضة الصامته المشوبة بالغبن و التمشية العشوائية للعصور , مجرد أستهلاك للزمن والدم و البترول لتعيدنا للصفر من جديد , تفائلوا أحبتي فيكفي أن يكون أحدنا حيّاً ليشعر بالرضا فتلك مكرمة ألهية أرضية تستحق التبجيل , علينا أن نقابلها بالشكر وننكر بالصمت كل الخسائر التي أهدرت خلال الحقبة قيد التصفير فمن مات قد مات غير مأسوف عليه والأمر كذلك مع المقدرات , فلسنا سوى كومبارس و مؤثرات بصرية صوتية في لعبة حكامنا (الأذكياء) مع الغربيين الحذقين , كلما تصدعت الأمة أنجدنا الأمريكان على وجه السرعة متوثبين , أما نحن فعلينا أن نبقى نتفرج على مهرجان الضياع حتى ساعة عزرائيل , ولنأخذ مقولة سيدة بغداد الأرمنية (ريمه أم العظام) والتي أمتلكت يوماً ما كل تلك المنطقة والتي يسمّونها (الخضراء) مثال بل خارطة طريق ترسم أهدافنا نحو المجد حين قالت لجارتها القديمة أم حسين بعد أن طلبت منها الأخيرة التوبة النصوح فأجابتها بالحقيقة الملئى بالشجون :
معلوم باجي معلوم , وكلامك حيل معقول , بس أتأكدي خاتون لا الشط يروب ولا الگحبه أتّوب أبقي أنت شريفه مثل الگنبره العميه أما آني فأريد أعيش أيامي وكل يوم أصبحلك ذاك آني , اليوم أتوّنس و باچـر مدفون , وهو كذلك والعاقل يفهم وتعيشون وتسلمون .
#محسن_لفته_الجنابي (هاشتاغ)
Mohsen_Aljanaby#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟