|
عولمة القيم
إسماعيل أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1288 - 2005 / 8 / 16 - 09:23
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
قضية القيم والأفكار هي أخطر القضايا على الإطلاق وهي مطروقة منذ أوائل هذا القرن ، وكان أول من طرقها المصلحون الإسلاميون أمثال الشيخ الأفغاني والشيخ رشيد رضا والإمام حسن البنا -عليهم رحمة الله جميعاً- . وعلى الرغم من أن مصطلح العولمة شاع حديثاً إلا أنه يؤثر في مجال القيم منذ أمدٍ بعيد ، وتناوله الكثيرون من المصلحين تحت اسم "الغزو الفكري" .ولعل أعلى مراحل الغزو الفكري ما أسميته هنا بعولمة القيم . لقد كان الغزو الفكري في بدايته "أيديولوجياً" بمعنى أنه كان عملية إعلامية ثقافية أيديولوجية تستهدف تقديم فكر الغرب لنا على أساس أنه الفكر الراقي المتمدن المتحضر الإنساني ، وكان يتم "تزيين" القيم المادية للناس من خلال تقديم الحياة الغربية كنمط معيشة براق ، وهذه الفكرة راقت لكثيرين ابتلعوا (الأيديولوجيا) وتوهموا أن أسلوب الحياة في الغرب هو الأسلوب الأمثل ، وفي هذا الإطار كتب كثير من المصلحين في هذه القضية حتى قتلوها بحثاً وتفنيداً ، ولا زالت الكتابات تترى في هذا الإطار ، ولا يزال هذا الجهد مستمراً لكن العولمة قفزت بالقضية إلى طفرة أبعد كثيراً عن الأيديولوجيا ، ومن هنا فتاريخ العولمة يرتبط بتاريخ هذه الطفرة ، وهذا الأمر يحتاج وقفة تاريخية :
بدأ مصطلح "القرية الكونية" أو "Global village" وهو الجذر اللغوي لكلمة عولمة مع كتاب عالم الاجتماع الكندي الشهير "أرثر ماك لوهان" الذي أسماه "القرية الكونية" وكان هذا الكتاب يدور حول أجهزة الاتصال وأثرها في نشر الاتصال والثقافة في المساحات التي تغطيها ، وقام وزير الخارجية الأمريكية جون فوستر دالاس بتناول الفكرة وتطويرها والإفادة منها في أساليب مكافحة الشيوعية ، ووجه كماً من الدعم المالي لشبكات البث التليفزيوني العالمية لكي تنشر نمط قيم الغرب في المجتمعات النامية التي يستهدف الاتحاد السوفييتي – السابق – وكتلته الانتشار فيها ، واستمر نشاط هذه الشبكات في الاتساع حتى وصل إلى عمق دول الكتلة الاشتراكية نفسها ، وعندما لاح في الأفق أن الاتحاد السوفييتي لن يتدخل لنصرة أي حزب شيوعي يفقد القدرة على اكتساب شرعية ذاتية ، بدأت الصروح الاشتراكية تتهاوى أمام معاول شبكات التليفزيون الغربي، وهذا ما ينقلنا لطبيعة المرحلة الثانية من الغزو الفكري . إذا كانت مرحلة الغزو الفكري السابقة هي مرحلة الأيديولوجيا فإن المرحلة اللاحقة كانت مرحلة "الحلم الغربي" ، أو بمعنى أدق "الحلم الأمريكي" ، فقد كانت المرحلة السابقة مرحلة تبشير بالأيديولوجيا ، أما المرحلة اللاحقة فتعدت ذلك ، حيث كانت استراتيجيتها هي حفز المشاهد والمستمع (المتلقي عموماً) على استبطان القيم الغربية ، ومن خلال هذا المدخل حصل الغزو الحقيقي ، حيث بات المتلقي يستبطن القيم الأمريكية في داخله ، ويحكم بها على الظواهر من حوله ، ومن هنا نلاحظ ونفسر مدى تغلغل فكر الربح والمنفعة والمصلحة والأنانية الفردية في المجتمعات العربية والإسلامية ، وإذا كان الأمر كذلك فإن القدر الأكبر من المشكلة كان في اقتحام عقل النخبة المثقفة، وهو ما أسميه: قضية الإدارة بالمعلومات. هذه القضية تعد امتداداً طبيعياً تلقائياً لقضية عولمة القيم ، لكنها حالة خاصة تمس قيم النخبة الحاكمة ، وجوهر هذه القضية هي إدارة شؤون البلاد بعيداً عن أي فكر مسبق أو عقيدة موجهة ، أو أيديولوجية جاهزة، والمقولة الأساسية لهذا الأسلوب الإداري هي أن أي فكر مسبق أو أية مرجعية مسبقة تحول دون إدراكنا للواقع من حولنا إدراكاً حقيقياً ، فهذه الرؤية المسبقة تجعلُنا لا نصدق بعض المعلومات الصحيحة بالغة الأهمية أو نهمشها أو نتجاهلها ، ومن ثم وجب التحرر الكامل من الأيديولوجيا حين إدارة شؤون مؤسسة كبيرة ، وعلى رأس هذه المؤسسات الدولة، وهذا المبدأ هو ما يرفعه دعاة العولمة باسم "موت الأيديولوجيا" أو "موت السياسة" فالاعتماد على المعلومات وحدها دون أيديولوجيا أدى إلى تقارب كبير في أفكار أحزاب أوروبا والولايات المتحدة ، مما يعني أن التنافس السياسي صار بلا أساس حيث لا أيديولوجيا . والحق أن الأيديولوجيا لا تحول دون إدراك المعلومات لكنها ترتب الأولويات حسب الحاجات القومية والاعتبارات العقائدية أو الاجتماعية، وهذا يتعارض أحياناً مع مصالح القوى المالكة لناصية العولمة، ومن هنا سعت هذه القوى إلى عولمة نموذج الإدارة من خلال المعلومات لا من خلال الرؤى والعقائد والأيديولوجيات، وساعد على انتشار هذا النمط من التفكير ما استشرى في المجتمع من قيم علمانية سهلت مثل هذه الإدارة البراجماتية.
ففكرة الربح والمنفعة والمصلحة وسائر الأفكار البراجماتية في ظل تغييب الدين وسائر القيم العليا أدت إلى شيوع الجريمة بصفة عامة، وكانت الجريمة حتى منتصف القرن الحالي محلية حيث كان المجرمون يعملون على أساس حرفي في مواطن جغرافية محدودة، وكان المجرمون في سوريا مثلاً أو في سائر أقاليم منطقتنا حتى ذلك التاريخ يتعيشون من الجريمة في مستوى متواضع لا يتجاوز في أحسن الأحوال مستوى معيشة فلاح غني أو عامل ينتمي للشريحة العليا من الطبقة الدنيا، ولم تكن فكرة تعظيم الربح واردة في أذهانهم، حتى جماعات المافيا إيطالية النشأة حال هجرتها إلى الولايات المتحدة اقتسمت الأسواق فيما بينها، ولم يخطر بذهن أحد من زعمائها أن يسعى لابتلاع الآخرين ويكون احتكاراً كما تفعل الشركات في عالم الاقتصاد، وكان نشاط هؤلاء قديماً يقتصر على تنظيم أعمال الميسر والدعارة والابتزاز والمراهنات السرية. لكن صورة الجريمة اختلفت الآن، وأصبحت أكثر تنظيما وتغولا! فمع منطق العولمة حيث الربح وتعظيم الربح بدأ زعماء المافيا يهجرون الأنشطة التي أسلفنا الإشارة ويباشرون أنشطة تدر أرباحاً كبيرة مثل تجارة المخدرات والتجارة غير المشروعة في السلاح (بما في ذلك مكونات السلاح النووي)، وتكوين شبكات عالمية للدعارة واستيراد العناصر البشرية من آسيا وأفريقيا لتلك الأغراض. وأعقب هذا اتخاذ بعض الدول ومنها الولايات المتحدة إجراءات صارمة لتحديد مصادر الأموال عند وصولها إلى البنوك ، ومع اتساع نشاط وسطوة شرطة الضرائب في فحص مظاهر الثروة بدأت عمليات غسيل الأموال القذرة تدخل بزعماء المافيا إلى زمرة الرأسماليين من رجال الأعمال، من خلال خلق مراكز جذب للأموال القذرة حيث يتم التعتيم على مصدرها ثم يتم تصديرها إلى أسواق أوروبا عبر عمليات تجارية، ثم تدخل بعد ذلك إلى الدول التي تمنع دخول الأموال القذرة من دون أية تخوفات، وفي هذا الإطار بدأت هذه العصابات تستغل أيضاً أسواق المال الحديثة في غسيل أموالها، كما أغرى هذا الأسلوب رجال العصابات الكبار بتوسيع نشاطهم في تجارة السلاح والمخدرات، وبدأت العصابات المنظمة تأخذ طابعاً دولياً، وظهر في الدراسات الأكاديمية تعبير الجريمة المنظمة تمييزاً لهذا اللون من الجرائم عن الجرائم العرضية أو الحرفية. ولا يخفى ما في هذا الأمر من صلة بين دعاوى حرية الاستثمار وحرية انتقال رؤوس الأموال، وبين نشاط غسيل الأموال القذرة أو هذه التجارات المجرمة، وبخاصة بعد أن ارتبط ظهور هذا اللون من الجرائم بتعاظم ظاهر الفساد من ناحية، وتعاون بعض أجهزة المخابرات معها من ناحية ثانية، وتوظيفها لها لتحقيق أهدافها. أرجو أن يتسنى لي لاحقا الحديث في هذا السياق عن ظاهرتين خطيرتين من وراء فوضى القيم التي تسعى الليبرالية الأمريكية لعولمتها وفرضها على شعوب المنطقة والعالم، الظاهرة الأولى: تمرد الشباب العربي والظاهرة الثانية عولمة المرأة!!! محوري الشباب والمرأة كانا من أكثر محاور التلاعب في كينونتنا الاجتماعية، عبر أدلجة القيم الليبرالية، عن طريق المتلبرلين العرب في منطقتنا حينا، وعن طريق الحروب من أجل الحرية التامة!!! حينا آخر والحديث ذو شجون، أرجو أن يكون له صدى من الحوار البناء، والتقويم المسؤول
#إسماعيل_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعبع الإخوان المسلمين لا زال يقض مضجع السلطات السورية بعد رب
...
-
الخارطة السياسية السورية 9
-
الخارطة السياسية السورية8
-
الخارطة السياسية السورية 7
-
الخارطة السياسية السورية 6
-
الخارطة السياسية السورية 5
-
الخارطة السياسية السورية 4
-
الخارطة السياسية السورية3
-
الخارطة السياسية السورية(2)
-
(1)الخارطة السياسية السورية
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|