|
ماذا يحدث في سومرستان وأنباريا..!!؟
كريم كطافة
الحوار المتمدن-العدد: 1288 - 2005 / 8 / 16 - 12:00
المحور:
كتابات ساخرة
بعد توصل المنظمة الأممية لقرارها الثالث بالأغلبية؛ والقاضي بإلزام دولة (أنباريا) على تنفيذ حزمة مشروع النفط مقابل الماء وفق مبدأ ثلاثة إلى واحد، أي ثلاثة براميل ماء مقابل برميل نفط واحد، قيل أن أزمة عطاشى (سومرستان) في طريقها للانفراج. هذا ما صرح به المراقب الذي وصف أجواء (سومرستان) بالاحتفالية. قال أن الأعلام السوداء قد غطت معظم شوارع وفضاءات المدن (السواد هو اللون المفضل للاحتفال وللحزن معاً في هذه الدولة) وانتشرت قدور الهريسة على امتداد الشوارع، التي ستمر بها مواكب منظمة تنظيماً دقيقاً من الباب للمحراب، أنها مواكب الجالدين ذواتهم منذ القدم لذنب لم يقترفوه لا هم ولا الذين خلفوهم. كذلك، كان حداة المواكب يرفعون من وتيرة الحماس وجلد الظهور كلما تقدموا صوب نقطة التقاء المواكب قرب حسينية سومرستان الكبرى. أضاف المراقب؛ الجميع كانوا فرحين ومستبشرين خيراً هذه المرة، بحرص واندفاع وإصرار زعماء العالم خلف الحدود بإنهاء مأساتهم مرة وإلى الأبد. حتى ذهب بعض عقلائهم من الفطاحل والكتاكيت إلى تلك المقولة التاريخية التي يستعيدونها غالباً إذا أرادوا مدح العالم الخارجي: أن ما ينقص عالم الكفار هو لفظ الشهادتين فقط، وإلا هم مسلمون أكثر منا..!! نعم، ثلاثة إلى واحد بدت لهم قسمة عادلة. إذ ليس من المعقول الاستمرار على القسمة القديمة، واحد إلى واحد. القسمة، التي قيل أن من أقنع بها عقلاء دولة (أنباريا) في زمان بعيد هو أحد الرياضيين الخبثاء من المولعين بمقولة (مان تو مان). وعلى ذكر التومان، قيل كذلك، أن في حيثيات تشدد (أنباريا) هو نوع من لؤم وعداء قديم يكنونه لدولة مجاورة لـ(سومرستان) كانت عملتها قبل التعولم وتحول كل عملات العالم إلى عملة واحدة، تسمى بـ(التومان). اعتقدوا أن دولة التومان هي التي كبلت أرجل وأيدي عقلاء (سومرستان) بالمال والفتاوي وأوصلتهم إلى ما هم فيه عطاشى يحلمون بقطرة ماء. حتى أنها لم تدعهم يراجعون دروس الجغرافيا قليلاًً، ساطتهم بفتاوي من أوزان مختلفة، مع وعد إعطائهم نهير صغير منابعه في أرض أصحاب التومان (نهرنا لكم.. وخير البر عاجله). لذلك جاءت فعلتهم متسرعة غير مفكر بها ملياًً. لكن الفكرة لم تكن بعيدة تماماً عن عقول عقلاء ذلك الزمان، كثيراً ما داوروها داخل رؤوسهم وتحت العمامات السوداء والبيضاء "آبار النفط وأنابيبه وموانئ تفريغه هي في أرضنا.. طيب ما حاجتنا إلى كل بلاوي وخبث الأنباريين ومن لف لفهم.. لماذا لا نترك لهم بعيرهم يرعى على التل.. ونَعزِل..!!" نعم، كانت اللفظة التي لفظها ذلك العاقل الفدرالي مع نفسه أولاً، هي (نَعزِل) وهذا الاستخدام اللغوي يعود تاريخياً إلى ذلك الزمان البعيد، كان متداولاً في بيوت العوائل الكبيرة، حين يصعد الجنون برأس أحد الأبناء من مناقرات زوجته مع أمه وأبيه وزوجات الأخوان الآخرين، يعلن وعلى رؤوس الأشهاد وبالصوت العالي: "آني راح أعزل واللي يصير خل يصير.." طبعاً هو لم يفكر بالمقطع الثاني من تهديده، (اللي يصير خل يصير)، ولو كان حقاً قد فكر لما أقدم على فعلته، لأن (اللي يصير خل يصير) يعني عليه فتح بيت جديد، وهذا سيبتلع نصف أو ثلاثة أرباع دخله الشهري، ناهيك عن حاجات البيت الجديد، التي، إن هي بدأت بالإبرة قد لا تنتهي بالصواريخ الباليستية، العراف وحده يعلم كيف وأين ستنتهي. على أية حال، ذلك العاقل الفهيم لم يتوان أكثر، قد أعلنها على رؤوس حشد جماهيري مهول، جمعوه له على عجل من كل الحسينيات القريبة. وقيل أنه حتى وهو يخطب في الحشد كان لم يزل متردداً، خائفاً من جسارة وخطورة خطوة من هذا النوع، لذلك جاءت استخداماته البلاغية كلها محاولة منه لكي يقنع نفسه أولاً: يا أخوان.. لقد طفح الكيل.. وبلغ السيل الزبى.. وبانت عورة اللئام الخبثاء.. العالم كله يعلم من أين تأتينا السيارات والبهائم المفخخة.. أنها تأتي من تلك البلدات والقرى والمدن التي حلبتنا على مدى الدهر.. إلى متى نظل بقرة حلوب لهم ولغيرهم.. لا والله.. لا والله.. ومن هذا المنبر الشريف أعلنها.. أننا سنَعزِل.. علينا أن نَعزِل..!!! بعد تلفظه بـ(سنعزل) و(علينا أن نَعزِل)، طفقت الجموع في صراخ وهتاف وضحك حتى دخل الحابل في النابل دون أن يعلم أحد؛ هل كان القوم فرحانين أم محتجين.. لكن منهم من كان يضحك حد الهستيريا إعجاباً باستعارة الفقيه الفهيم لمفردة (نَعزِل) الشعبية.. وآخرون تهستروا لمجرد تأملهم قليلاً لما سيجلبه لهم (سنَعزِل) من عائد نفطي متحول إلى عملة وبأرقام خيالية، إلى حد هم غير قادرين على حسابها.. حتى أن خطب الحسينيات في ذلك الزمان، قد تكرست كلياً لفك لغز الأرقام والدخول في متاهات الملايين والبلايين والماوراء البليوني، لقد تحولت من خطب دينية ومواعظ أخلاقية إلى ما يشبه بيانات البنوك والمصارف وهي تجمع وتطرح وتضرب وتقسم العائد النفطي على أبناء الدولة الجديدة المقترحة (سومرستان)، حتى أن بعض المواطنين من الذين لم يكونوا على وئام مع تكنولوجيا الحاسبات الرقمية، استمروا على استخدام تكنولوجيا الأصابع، تجد الواحد منهم ما أن ينتهي من أصابع يديه حتى ينتقل مباشرة ودون المرور بأصابع قدميه لاستعارة أصابع أبنه أو أية أصابع في جواره. ولما كان البليون هو الحد الأخير من الأرقام المتداولة آنذاك، ظهر فقهاء ينظرون للماوراء البليوني وكأنهم ينظرون لعالم ما بعد الشهادة.. أعود لوجاهة وأهمية القرار الأممي. كان الجميع يعلمون أن الماء ليس كالنفط.. النفط خزين أرضي قابل للنضوب بينما الماء لا ينضب وفق دورة الحياة المعروفة له. لذلك كانت فعلة (أنباريا) تدخل في باب العدوان مع سبق الإصرار والترصد، لأنهم وسعوا السدود القائمة أصلاً على مجرى النهرين الداخلين في دولة (سومرستان) ومن ثم توسعوا في بناء الكثير غيرها، حتى أنهم صاروا يتحكمون في كمية المياه الداخلة إلى (سومرستان). حدثت بينهم حروب كثيرة سميت (حروب النفط مقابل الماء)، لكن أحد لم يخرج منها منتصراً، ظلت الأوضاع كماهي، (أنباريا) بيدها الماء و(سومرستان) بيدها النفط. حتى تدخل العالم أخيراً بتلك القسمة واحد إلى واحد. كانت تحرك الجميع في تلك الأزمان ضغائن وعداوات وخبث لا شفاء منه، وكانت تلك القيم الشريرة تتورثها الأجيال الجديدة كما تتورث اللون والدين والمذهب واللغة. ربما هذا يفسر ردود أفعال مواطني (أنباريا) على القرار الأممي الجديد، إذ كانت أجواء البلد ملبدة بالحزن والشعور بالهزيمة. خرجت الصحف في اليوم التالي والتشاؤم يملأ صفحاتها. أخذت تكرر؛ أن هذا القرار يعد نكسة وهزيمة جديدة للأمة. ذهب بعضهم إلى حد تحريض ولاة الأمور على فعل شيء.. علينا أن لا نقف مكتوفي الأيدي.. هذه مؤامرة تستهدف أمتنا المجيدة.. لقد وضعت الأمة كل ثقلها وإيمانها وآمالها في دولتنا.. علينا أن لا نخذل أمتنا.. وكلام كثير من هذا القبيل يريد تحريض ولاة الأمور، رغم أن هؤلاء لم يكن بيدهم شيء لأن القرار أممي وهم ملزمون به وإن رفضوه.. بعد حين رد على الحملة الصحفية التحريضية وزير السدود والحدود بخطبة عصماء مضمونها: لقد خسرنا جولة.. لكننا لم نخسر الحرب بعد.. أننا نستطيع العيش بدون نفط.. لكنهم لا يستطيعون العيش بدون ماء.. ما زالت رقابهم بأيدينا.. وكلام آخر تناول الإنجازات التاريخية في تحويل صحاريهم الجدباء القديمة على بساتين وبحيرات ماء.. بينما العدو السومرستاني حول بساتينه الخضراء الزاهية القديمة على ارض بور.. حتى أنهم ومن كثرة توسعهم أفقياً وعمودياً في حفر الآبار واستخراج النفط لسد النقص المتزايد في حاجتهم للماء، قد حولوا مدنهم إلى (سخام ولطام) هكذا قال وزير السدود والحدود. الواقع، كان في كلام الوزير الكثير من الحقائق، على الأخص بعد أن تخلت دولة التومان عن حليفتها سومرستان لأسباب داخلية فارضة عليها رسوم جديدة جراء استخدام ذلك النهير الذي لا يسمن ولا يغني.. وهل يحل نهير محل نهرين عظيمين..؟ لكن يظل أغرب ما في الحملة الأنبارية هو ذلك الغرور والشطط الذي يذهب بصحفها أي مذهب، خصوصاً في الأزمات، من مثل ما ذهب إليه أحد الصحفيين اللامعين، الذي ظل يقسم بشاربه وبشرف نسائه أن مصادره الخاصة أعلمته؛ أن فقهاء وقادة دولة (سومرستان) كانوا على وشك الموافقة على شرط دولتنا الخاص بـ(دفع الجزية وهم صاغرين).. لولا مجيء هذا القرار اللئيم.. باعتبار أن شعب (سومرستان) وحسب فتاوى فقهاء (أنباريا) قد خرج عن الملة وبالتالي أصبح حسابهم حساب الكفرة والمشركين.. والصحفي واصل إفشاءه لأسرار دولته، واصفاً التخريجة الفقهية للتسلم والتسليم مع شرط الصِغَر؛ أن يأتي وزير ماليتهم على رأس شاحنات تحمل الجزية ويقدمها إلى وزير ماليتنا الذي يكون في وقت الاستلام صاعداً على تلة حدودية والآخر في أسفلها وعلى تلك المسافة بين قمة التل وقاعه يكون التخاطب بين الاثنين..!! لكن ذلك المحلل اللامع لم يكن مقنعاً لمواطنيه، ليس لأنه يلح كثيراً على استخدام شاربه وشرف نسائه لإثبات افكاره، بل لظهور صحفي ليس أقل منه لمعاناً في صحيفة أخرى قد أفحمه بذكريات من التاريخ عن عواقب الوقوف بوجه العالم المتفق عليك.. لقد ذكره بتاريخ قديم. حتى ساعة كتابة هذه السطور ما زالت أجواء (سومرستان) صخباً وفرحاً وأجواء (أنباريا) صمتاً وحزناً.. 14/8/2005
#كريم_كطافة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أفشى السر..!!؟
-
ليس عندنا فساد.. عندنا تمويل ذاتي
-
أسلم.. تسلم أيها السيد (القمني)..!!؟
-
للحلاق رب يحميه..!!؟
-
بين ثقافة الداخل وثقافة الجوادر..!!؟
-
شؤون وشجون آخر امبراطورية للبعث
-
لماذا يلاحقون لواء الذئب..!!؟
-
الدنيوية بدل العلمانية..!!؟
-
ماذا يريد اليسار..!!؟
-
في ظلال مؤتمر نصرة الشعب العراقي
-
ما زلنا نواجه ماري أنطوانيت الطيبة
-
سؤال الصورة ومحنة الشاعر عقيل علي
-
لا خاطف ولا مخطوف في واقعة الجمل الجديدة
-
عن الشرف.. وأشياءه الأخرى
-
الموت للعرب.. لماذا..!!؟
-
أليس عندكم أفعل من مشعان
-
لنعمل من أجل المصالحة الأخرى
-
الدنصرة في السياسة
-
قانون أبو شامة والدكتورة الألمانية
-
جنون البقر السلفي -البعثي
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|