موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4570 - 2014 / 9 / 10 - 13:50
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
:: تكملة ::
في الفصل الثالث / السمات الإقتصادية لعولمة الرأسمال :
(ثانيا) تعميق التمايز الأفقي و العمودي بين المراكز و الأطراف :
{ عمقت الرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية التمايز بين المراكز و الأطراف و حكمت على بلدان كثيرة بالتخلف الإقتصادي و الإجتماعي و التبعية من خلال فرض الهيمنة المباشرة عليها و إستغلال خيراتها } .. و ذلك بالفعل ما كان يجري , لكن : { أما الرأسمالية في هذه المرحلة فقد أخضعت هذه البلدان بعد تحررها بواسطة إنشوطة الديون } , لكن هذه [الديون] لا تطال فقط دول الأطراف بل أيضا المراكز .. فهل الرأسمالية تخضع نفسها لنفسها ؟! .
{ يلعب صندوق النقد الدولي و البنك الدولي دورهما كأدوات للرأسمال العالمي (...) من خلال وصفة التكييف الهيكلي الذي يفرض (...) سياسته الإقتصادية لمصلحة الرأسمال العالمي , بما فيها فتح الأسواق لإستيراد الأغذية و الأدوية الفاسدة و النفايات و الصناعات المضرة بالإنسان و البيئة و التسلح , فضلا عن الخصخصة التي لا تعني سوى بيع الإقتصاد الوطني للرأسمال العالمي , و تخفيض سعر العملة (...) و تخفيض نفقات الحكومة على الخدمات (...) و تشجيع إقامة الأنظمة الديكتاتورية أو إثارة الصراعات القبلية و الإثنية و الطائفية , التي تعرض شعوبها إلى مذابح أهلية أو حروب إقليمية تمكن الدول الإمبريالية من القيام بعدوان مباشر بحجة حماية الأمن و الإستقرار و حقوق الإنسان (...) فضلا عن ترويج تجارة السلاح } .
يبدو أن الدكتورة سعاد خيري ترى [الإقتصاد] العالمي [رأسماليا] .. و هو ليس كذلك و نستدل بذلك بنقاط أوردتها في طبيعة هذا النظام : (( تجارة السلاح )) .. (( تخفيض سعر العملة )) .. (( تخفيض نفقات الحكومة على الخدمات )) , أما فيما يتعلق ب (( الخصخصة )) فنحن نرى كيف أن الدول التي طردت الإستعمار و طردت شركاته و مصانعه هي ذاتها اليوم التي تنادي الشركات و المصانع لكي تستثمر لديها و تنشئ إقتصادا .. فتقوم بحملات إعلانية و تسهيلات خدماتية و .. و .. إلخ , و الواقع أن الدول هذه تلهث خلف تلك الشركات و المصانع عكس ما كان في الماضي من لهاث تلك الشركات و المصانع لتلك الدول , لكن بقية النقاط تبدو موضوعة بشكل تعسفي بغية الإستزادة من التهم أو بالأحرى الجرائم لإلصاقها بالرأسمالية [الحالية !] , و لو تم تناولها ضمن سياقات واقعة واقعية لكان تحليل الدكتورة مختلف و النقد وفق ذلك أيضا يكون .
{ الرأسمال العالمي في مرحلته الجديدة (...) إن دول المراكز تحافظ على هيمنتها على السوق العالمية من خلال هيمنتها على مراكز التمويل و المبادرة في الإنتاج الصناعي المتجدد و فائض المنتجات الزراعية , فقد بلغت الصادرات الصناعية للأقطاب الثلاثة (الولايات المتحدة , أوروبا , اليابان) إلى البلدان النامية (...) تشكل حوالي 20% من التبادلات العالمية لهذه الصناعات } .. إن الهيمنة العالمية بما يمثل 20% من التبادلات العالمية ليس بهيمنة , و الحديث هنا عام 1985 , و تضيف : { و بموازاة ذلك ظهور منتجات صناعية متطورة تصدرها مجموعة من البلدان النامية ذات النمو المتقدم , و يشير تقرير البنك الدولي عن التنمية في العالم عام 1995 إن صادرات الدول النامية زادت بمعدل 5% سنويا , إلا إنها لا تمثل أكثر من 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الغنية } .
إن 5% و التي تمثل نسبة زيادة [[ الصادرات ]] للدول النامية ((سنويا)) نسبة ليست قليلة البتة في مقابل نسبة 20% لنسبة التبادلات العالمية للولايات المتحدة و أوروبا و اليابان مجتمعين [!] , لكنها تبقى لا تمثل أكثر من 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الغنية , و هنا تتشكل غيمة من التساؤلات تختزل في الآتي : (( إن كان نمو صادرات الدول النامية يزداد سنويا بنسبة 5% في مقابل 20% من التبادلات العالمية للولايات المتحدة و أوروبا و اليابان مجتمعين .. لكن تبقى لا تمثل أكثر من 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الغنية , إذا لماذا [ تصدر ] البلدان النامية إن كانت رغم زيادة صادراتها لم تتجاوز 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الغنية ؟! , و لماذا إكتفت البلدان الغنية بما يتمثل ب 20% فقط من التبادلات العالمية ؟! .. أوليس جوهر الرأسمالية كما تؤكد و تكرر الدكتورة سعاد هو [ السعي وراء الربح ] , لكن أين الربح من كل ذلك ؟! )) .
و تجدر الإشارة إلى أن (( الصين )) و دول شرقي آسيا هن المقصودات بالدول النامية في ما سبق .
و في سياق ذلك تضيف الدكتورة : { بقاء أداء الأطراف بالإجمال ضعيفا (...) سجلت الثمانينات إنخفاضا في دخل الفرد في معظم هذه الدول بسبب سياسة التكيف المفروض عليها و خدمة الديون التي تستحوذ على نسبة كبيرة من الدخل الوطني , دع عنك الإنهيار التاريخي لإقتصاديات النمور الآسيوية الأربعة : أندنوسيا و كوريا الجنوبية و تايلند و الفلبين } .
إن كل من (( سياسة التكيف المفروضة )) و (( الديون )) لا يطال فقط دول الأطراف أو النمور الآسيوية الأربعة فقط .. بل أيضا المراكز , و الغريب هو أن الدكتورة تنعى الإنهيار التاريخي لإقتصاديات النمور الآسيوية الأربعة دون أن تنعى إنهيار [ بريتون وودز ] و ما ترتب على ذلك من تغييرات (( كيفية )) في الإقتصاد العالمي .
{ فاللا مساواة في توزيع الدخل تتفاقم في جميع دول العالم , حيث أدى إندماج الرأسمال المالي في الأطراف بالرأسمال المالي العالمي إلى زيادة مدخولات الحكام و الفئات الطفيلية التي لا ترتبط مدخولاتها بالدورة الإقتصادية الوطنية إلا بقدر ما تقدمه من الخدمات للرأسمال العالمي على حساب شعوبها , و أدت الخصخصة إلى إعادة توزيع ثروة الشعب لصالح الطفيليين و البيروقراطيين و قادة و كوادر الأحزاب الحاكمة الأمر الذي عمق التفاوت الإقتصادي و الإجتماعي في هذه البلدان حيث يزداد الأغنياء غنى (...) و يزداد الفقراء فقرا } .
(( إندماج الرأسمال المالي في الأطراف بالرأسمال المالي العالمي )) [!] .. هل تقصد الدكتورة [العملة] ؟! , لكن على أي أساس تصفها بالرأسمال المالي سواء ((الأطراف)) أو ما تعتبره ((عالمي )) ؟! , هل العمل في القطاع المالي يدر إنتاجا سلعيا و فائضا فيه و بالتالي أرباحا بناء على ذلك ؟! , و بغض النظر عن [ قيمة المال ] شهدت الدول النامية مع بداية السبعينيات إرتفاع في دخلها .. ففي حين كان دخل رب أسرة في الشهر فيما قبل السبعينيات ما قيمته دينار و نصف الدينار تقريبا أصبح دخله في الشهر ما بين 100 إلى 300 دينار [!] , فزيادة المدخولات لم تقتصر على (( الحكام و الفئات الطفيلية )) بل حتى شعوبها _بغض النظر عن قيمة المال ذاته كيف أمسى من ذلك_ , و رغم أن القطاع المالي في مجمله هو جزء من القطاع الخدماتي لكن معني بالشؤون المالية إلا أنه هو الآخر يتلقى (( خدمات )) من تلك (( الفئات الطفيلية و الحكام )) لكي تزيد تلك الأخيرة من مدخولاتها [!] .. و هو صحيح لكن في ذلك تأثير على [ قيمة المال ] و إن كان يؤدي إلى زيادة في الدخل , و للتوضيح إن الخدمة لا تنتج سلعة : ( نقد – خدمة – صفر ) .. بالتالي ففي القطاع المالي فالخدمة تسلب النقد قيمته , فإن كانت مثلا [ الخمس دنانير ] تساوي ثمن سيارة .. فالسيارة تصبح تساوي ثمنا و قدره [ ثلاثة آلاف دينار ] .. فقيمة [ الخمس دنانير ] أصبحت تساوي قيمة [ ثلاثة آلاف دينار ] , وحده من يجهل [ القيمة و قانونها ] سيرى الغنى و الرفاهية في [ الآلاف ] .. و الحقيقة أن الإغتناء الحقيقي في قيمة [ الآحاد ] كما في ما قبل السبعينيات .
و ليست الخصخصة هي التي تؤدي إلى (( إغناء الإغنياء )) و (( إفقار الفقراء )) .. بل الأمر مرتبط بالعملة و إرتباطها بالعملة العالمية , فالدينار الذي كان يكفي سعرا لملجأ و طعام و لباس في شهر كامل .. أصبح بالكاد يسد رمق فقير في اليوم [!] , و الخصخصة على عكس ما تذهب إليه الدكتورة سعاد إنما يؤدي إلى تشغيل عدد ليس بقليل من أبناء تلك الدول التي يحكمها _كما تصفها الدكتورة_ الطفيليين و البيروقراطيين _و قد ذكرنا سابقا من يلهث خلف من في ما سلف فيما يتعلق بهذا الخصوص_ , و بتنا نرى أن الدول التي لا تلجأ إلى الخصخصة يتردى فيها الوضع الداخلي و يكون دخل الفرد فيها أقل _مرة أخرى بغض النظر عن قيمة المال_ , يمكن القول أن (( الخصخصة )) إنما لتلطيف الظروف و تحسينها ليس فقط لصالح تلك الشعوب و إنما للطفيليين و البيروقراطيين .. و إن كان هذا التلطيف و التحسين لا يتجاوز كونه [خمرة] تخفي حقيقة ما يحدث [للعملة الوطنية] فهي ترتبط أكثر بذلك مع النظام المالي العالمي من جراء التبادلات و التحويلات و غيرها من الإجراءات المالية .
{ و إذا إستطاعت الرأسمالية في مراحلها السابقة من تخفيف الفوارق في توزيع الدخل في مراكزها من خلال إستغلال شعوب البلدان الأخرى و تحت ضغط نضال شعوبها , فإنها في مرحلة عولمة الرأسمال التي جاءت بعد أن إستنفذت الرأسمالية كل إحتياطاتها و كل منافذ للهرب و صمامات الأمان و أتمت توسعها الجغرافي لم يعد ما تتغذى عليه إلا نفسها و إستنزاف عموم البشرية بما فيها شعوب المراكز } .
كل واعي للواقع العالمي المعاصر يعرف تمام المعرفة أن طبقة البروليتاريا هي طبقة مهمشة و هامشية قد أصبحت , و كل عارف لنمط الإنتاج الرأسمالي يعي أن طبقة البروليتاريا هي جزء منها و فيها .. و من خلال زيادة البروليتاريا و الضغط عليها في هذا النمط هي تحفر قبرها بيديها , و نمط الإنتاج الرأسمالي هو تعبير عن ذروة الإنتاج السلعي _فالإنتاج الرأسمالي هو تعبير عن إنتاج سلعي .. لكن ليس كل إنتاج سلعي تعبير عن رأسمالية_ , أما الخدمات و الإنتاج الذهني [الصفري] ففي زيادتهما و بروزهما على الصعيد الداخلي و العالمي فهما تعبير عن خروج على النمط الرأسمالي إن لم يكن فناؤه , أما (( التوسع الجغرافي )) للرأسمالية و الذي يتمثل بالشركات المتعددة الجنسية فهو [هروب] أكثر مما هو [توسع] , أما إن كان المعني (( القطاع المالي في عالميته )) فهو لا يعبر عن رأسمالية بقدر ما هو يعبر عن خروج حقيقي عن نمط الرأسمال .
أما (( لم يعد ما تتغذى عليه إلا نفسها و إستنزاف عموم البشرية بما فيها شعوب المراكز )) فهذا صحيح لكن لا مكان [ للرأسمالية ] في ذلك .. لأن الإنتاج السلعي يُستهلك رغم أنه لا يمثل السائد أو حتى النمط المُسيطر في مقابل [عدمية] الإنتاج الخدماتي / الذهني السائد و المُسيطر في هذا العصر .
{ كما يشير كاتب البحث John Cassidy أن أفكار ماركس و لا سيما (نظرية الإفقار) و ما أكده بأن الأرباح ترتفع أسرع من الأجور نعيشها اليوم و لذلك يصبح العمال أفقر و يزداد الرأسماليون غنى } .. مع كون العمال [ البروليتاريا ] في موقع مُهمش و هامشي سواء في المراكز و الأطراف , إلا أن نقطة (( الأرباح ترتفع أسرع من الأجور )) غير صحيحة .. فالأجور ترتفع أسرع من الأرباح , فالربح مرتبط بالقيمة .. فكما سبق الذكر _كمثال_ إن قيمة [ خمسة دنانير ] في الماضي تساوي [ ثلاث آلاف دينار ] في الوقت الحاضر , فالأجر يرتفع لكن الربح لا يرتفع , و لا ننسى دور الخدمات في سلب الإنتاج السلعي من قيمته سواء نفسه كسلعة [صنمية] و المال أيضا كقيمة نقدية [في تمثيله نسبية صنمية في المقابل] .
{ و على أطراف المدن الكبرى مثل واشنطن و نيويورك تنتشر أحياء الفقراء في أبنية مهدمة } .. لربما كانت الدولة العباسية هي الأخرى رأسمالية و نحن لا ندري فبغداد [العباسية] هي الأخرى إنتشرت على أطرافها أحياء للفقراء , و هذه نقطة من نقاط أخرى موضوعة بشكل تعسفي في رأسملة كل ما لا يعجبنا .. فليست كل (( أمية و جهل )) و (( فقر و مرض )) رأسمالية , لا أحد قال أن ذلك جوهر الرأسمالية و صفات خاصة لها أو فيها .
{ عولمة الرأسمال قد عمقت التفاوت بين المراكز و الأطراف (...) عمقت التمايز الأفقي و العمودي بين المراكز و الأطراف } .. و السؤال الذي يطرح نفسه : هل التفاوت بين المراكز و الأطراف أفقيا و عموديا هو [ عولمة ] ؟! .. فإن كان هذا العصر الذي نعيشه عولمة فلماذا العالم ما قبل ظهور الإتحاد السوفييتي [المركز الإشتراكي] ليس بعولمة و التفاوت كان أشد مما هو عليه اليوم أفقيا و عموديا و من كل زاوية ؟! .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟