|
الخطاب الطائفي المعارض
محمد كمال
الحوار المتمدن-العدد: 4569 - 2014 / 9 / 9 - 22:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تاه وغاب ذاك الزمان الذي كان الوطن فيه قضاءً جامعاً لكل فئات الشعب والوطنية روح في النفوس يستلهم العقل منها موارد الفكر للسير بالوطن على صراط مستقيم يحث الخطى في وحدة وطنية متلاحمة الى فضاءات الحرية والتقدم والرقي، ذاك الزمان قد انقطعت مواصيله عن هذا الزمان وتراخت أيادي أهله عن الاستمساك بالعروة الوثقى، فلكل باحة مجزئة عن أرض الوطن رافعاً عليها بيرقه الطائفي والفئوي، وغاب الوطن الواحد بين دهاليز الباحات الطائفية، وتلعثمت الألسن وسكتت عن النطق بكلمة «الوطنية» بروحها الأصيلة لا بمجازات التأويلات الطائفية. نحن وهم، هم ونحن، نحن السنة وهم الشيعة، نحن الشيعة وهم السنة، وبين دفتيهما وفي مفاصلهما هناك اليمين واليسار من قومية وماركسية واشباههما تماهت، في أشطر منها، مع الطائفية وسكنت واستكانت في أبنية الفئوية والطائفية، وهكذا تصاعد في الأفق السمعي والبصري خطاب التلاطم الطائفي، وكل طائفة وفئة تنادي بالوطنية وإنهاء الطائفية، وهي بذلك تختزل الوطنية في طائفتها وتقصي الطوائف الاخرى عن دائرة الوطنية وتخونها، وأضحت الوطنية مقاساً طائفياً لا تمت لا الى الوطن ولا الى الوطنية بصلة سوى المجاز اللفضي المغلف بالتأويل الطائفي للوطنية. السنة في دفة من العالم الاسلامي تطالب بإنهاء التمييز الطائفي، والشيعة في الدفة الاخرى تطالب بإنهاء التمييز الطائفي وبقية المذاهب والأديان حائرة بينهما، فأين الوطنية والإنسانية بين الدفتين. الطائفية السنية في بقعة تمارس التمييز ضد الشيعة، والطائفية الشيعية في بقعة اخرى تمارس التمييز ضد السنة، هذا هو الإحساس المتبادل بين دفتي المذهبين، حتى وإن لم يكن هناك في الواقع أي تمييز طائفي، ولكن وبفعل التيار الطائفي القوي الجارف والسائد فإن الحس الطائفي يعطل ملكة العقل عن رؤية الواقع على واقعيته، حيث إن الطائفية ترى الواقع بالمنظار والمنظور الطائفي. «الأصل والفئة الناجية» تستهوي كل فئة لإقصاء الآخر والآخرين معاً، وبهذا الاستهواء والإقصاء يُرْكَنُ الوطن في المنفى. السنة والشيعة ومن لف لفهما، طالما أنهما يميزان أنفسهما طائفياً ويختزلان الوطن والوطنية في طائفتيهما، فكلاهما ظالم ومظلوم، ولا حجة لواحدة منهما على الآخر، وكلاهما مجحف بحق وطنه وبحق جميع أبناء الوطن بمن فيهم أبناء الطائفة ذاتها. وهكذا يتواصل الخطاب الطائفي متصاعداً دون رادع ولا منازع، فالجو الوطني كله ملوث بالهواء الطائفي. النَفَسُ الوطني يستنشق الهواء الوطني الطاهر بالوطنية بينما الطائفية بشقيها السني والشيعي تلويث للهواء الوطني، إن التمييز الطائفي، كان سنياً او شيعياً او مسيحياً او يهودياً فإنه انتهاك لحقوق البقية، وجريمة في حق الوطن والانسان، الخطاب المعارض ضد التمييز يجب أن لا يكون تمييزاً بحد ذاته، إنما الخطاب المعارض هو ضد التمييز من أجل إحقاق الحق للجميع وليس فقط لفئة معينة أو طائفة بعينها، إن معارضة السني ضد الشيعي والشيعي ضد السني من منطلق الطائفة هو بحد ذاته تمييز طائفي، يجب أن نحذر من الخطاب الطائفي المعارض ونقف في وجهه ونصحح الخطاب المعارض ليكون خطاباً وطنياً لا طائفياً، إن كثيراً منا قد تَدَثَّرَ تحت عباءة الخطاب الطائفي مثلما هو الحال مع بعض الجمعيات السياسية التي تدعي العلمانية. عجبي من علمانية لا تستطيع أن ترى وتعي أن الطائفية ليست وطنية، وأن الطائفية التي تصطف معها تستغل القوى العلمانية لتستقوي بها في صراعاتها وأن هذه الطائفية إذا ما تمكنت من تحقيق أي مكسب فإنها ستنبذ حلفائها العلمانيين وتطلقهم بالثلاثة دون رجعة، وفي أحسن الحالات قد تتكرم الطائفية على العلمانية بكسرة خبز مهينة. حسرتي على علمانية تقدمية تهينها طائفية رجعية. هذا المآل من الحال هو قاع الفشل لعلمانية فقدت البصيرة فكيف لها أن تتمكن من الرؤية. كون الطائفة الشيعية أو السنية في موقع المعارضة من السلطة فهذا لا يعني ابدا أنها معارضة وطنية، الوطن حضن لجميع الطوائف دون تمييز، ومن شق الصف الوطني بالاستفراد الطائفي يجب مواجهته باللحمة الوطنية وتآزر القوى الوطنية وخاصة العلمانية منها، أية طائفة مهما تنامى عندها الإحساس بالمظلومية او بالتمييز كطائفة يجب عليها أن تنظر الى القضية، إن كانت هناك قضية، من المنظور الوطني الشامل والجامع وليس من منظور أحادية الطائفة في الحراك المطلبي من أجل إحقاق الحق، إن كانت هناك من مظلومية في أي مجتمع فان هذه المظلومية تمس جميع أبناء الوطن ولا تكون هذه المظلومية حكراً ضد فئة أو طائفة، حتى وإن بدت المظلومية حكرا، فهو حكر صوري، بينما الوطن كله مستهدف بتلك المظلومية. إن الخطاب المعارض ذو النفس الطائفي، بمختلف الألوان الطائفية، لا يمكن الوثوق به مهما ساق الحجج ووثقت الأحداث والقضايا وساق الذرائع، وميزة الخطاب الطائفي المعارض أنه يعمل على توجيه دفة القضية أو الأزمة في اتجاه تثبيت وشرعنة التشظي الوطني ويستهويه الحل في المحاصصة السياسية على أساس التوزيع الطائفي، وهذا الاتجاه هو شرعنة للانقسام والتشظي ودفع المجتمع الواحد الى حالة التوجس الدائم بين أبنائه الذين تشرذمت بهم القيادات الطائفية وحصرتهم في كيانات فئوية وطائفية تكون قابلة للانفجار والى صدامات طائفية وحتى حروب أهلية.. كل هذه الجرائم بحق الوطن والشعب من أجل حفنة أنانية انتهازية متمصلحة تقود الطائفة الى الطائفية وتحرق أبناء الطائفة في أتون صراعها دون أدنى اعتبار للوطن والانسان. المعارضة ما دامت هي طائفية، سنية أم شيعية أم غيرهما من المذاهب، فإنها غير وطنية ويجب عدم الانخداع ببرامجها والإعراض عن السير ورائها والذود بالنفس عن الترويج لخطابها، لأنها ليست معارضة وطنية بالمعنى السياسي والاجتماعي بل هي محاولة من أجل الصعود إلى السلطة أو الاستحواذ على نفوذ في السلطة والتربع على محاصصة من موارد الثروة الوطنية. المعارضة الوطنية الحقة والأصيلة، هي تلك التي تنبذ الطائفية والفئوية بكل تلاوينها وتحرص على صون الوحدة الوطنية وتعمل حسب معادلات موضوعية تقتضيها موازين القوى، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي إطار برنامج سياسي يصون دستور الوطن ويعمل على تطويره وتحسينه على مدارات الأزمنة بتطوراتها والمستجدات المتولدة بمقتضياتها وحاجاتها.
#محمد_كمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
توظيف الطائفة في الطائفية
-
التمازج بين العقيدة والتاريخ
-
التناظر بين البيولوجيا و الدولة
-
لاستبداد سَيِّدٌ في نفوسنا
-
من الأسرة إلى الدولة
-
الاستبداد يُوَلِّدُ الإرهاب
-
الجغرافيا العربية باحة لحرب المشاريع
-
وأد الديمقراطية في دارها!!
-
الاقتصاد أناني وسلبي
-
النُخَبُ وهذه «الجماهير»
-
رُبَّ ضارةٍ نافعة
-
المدى الاستيعابي للأزمات
-
المسيحية بين التبشير والسلطة
-
القوى السياسية بين الأيديولوجيا والبرنامج السياسي
-
الوعيُ المُغَيَّبُ عند نوابنا الكرام
-
نَبْعُ الفتنة وتردداتها
-
تحصين منظومة التعليم
-
حريق وزارة الإعلام
-
الجريمة والعقاب
-
الرقص طرباً على أنغام الطائفية
المزيد.....
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
-
ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|