|
الكذب على لسان الأدباء الأموات (الأديب المرحوم و الشاهد الكاذب)
علي ياسين عبيدات
الحوار المتمدن-العدد: 4568 - 2014 / 9 / 8 - 13:01
المحور:
الادب والفن
من مأثورنا الشعبي : "يكفيك شر شب تغرب، وختيار ماتت جياله"
لم يفهم هواة الرثاء بعد أن التنكنولوجيا كفيلة بالحفر في المصادر والمراجع والسيّر، كما أن التكنولوجيا عينها تعمل عمل المحقق الجنائي وتفعل فعلة الدليل بالمتهم.! فبعد أن صار بوسع الكاتب المُهمش أن يصير كاتباً ذائع الصيت، صار يطمع أيضاً في أن يكون الكاتب الأول والشاهد الصادق والمُعاصر للكبار، رغم أن هذا استحمار للآخر وتعدي على حقوق من لا يخنس عنهم أمر ولا تخفى عليهم سرقة ومن يتلذذون بكشف النحول والسرقات الأدبية.
لم يتوقف الأمر على أن الكاتب الفلاني لص نصوص مترجمة أو مقتبسات غير موثقة وتخفى على العوام، بل صار الكاتب في شغف دائم للتفرد والتميز والعلو، وقد انتشرت مؤخراً ظاهرة الحديث على لسان الأموات، كأن يدعى الكاتب الفلاني أن الأديب المرحوم قال له كذا، وأعطاه كذا وكذا ونصحه بكذا وكذا وكذا ... رغم أن المرحوم لم يعرفه قط، وما مربه وهو أيضا لم يمر به.! لنكون بهذا في بث حي ومباشر للمقولة التي يتداوله كبار السن "يكفيك شر شب تغرب وختيار ماتت جياله"، فلو بقي الأمر في ركن السرقات لكان أهون، كأن تسرق بوابة لرواية أو صورة من قصيدة أو ظلاً ونوراً للوحة أو حتى إيحاءاً لمقطوعة موسيقية، بل صار الكاتب المُتفّذلك يبتكر الأكاذيب.
شاهد على العصر..!
دائماً ما يبدأ الشاهد الكاذب بعبارة " عندما كنا في مرحلة التسعينيات أو الثمنينيات"، أو " وقال لي أستاذنا المرحوم: الشارع الأدبي يمر بمنعطف خطير وأنا أعلق الآمال بك.."، وتستمر الأكاذيب التي لا أول لها ولا آخر، فتارة يحدثنا عن انتخابات الروابط والاتحاد، وتارة عن الحوار السري الذي دار بين الشاهد الكاذب والأديب المرحوم، والكذبة الأم هي حديث المرحوم للشاهد الكاذب عن أسرار قالها له على وجه الخصوص، مثلاً: أنا رفضت التكريم أكثر من مرة، وقد حاربني التيار الفلاني، أما علاقتي بفلانة فقد كانت ادعاء، وبالنسبة للقصة القصيرة في بلدنا فهي في نهوض وتطور، أما الرواية فستصير ديوان العرب الجديد والشعر يا ولدي في أفول وزوال... وإلى ما لتلك التعميمات والنظريات التي يضطر القارئ العربي أن يصدقها على مضض لأن الشاهد الكاذب ينشرها في كل مكان.
الشاهد الكاذب في مكتبة الأديب المرحوم..! عندما يبدأ الشاهد الكاذب بالحديث عن بيت الأديب المرحوم (دائماً يا يصفه بالمتواضع)، وعن مكتبة المرحوم المهولة ولباسه العادي وسيجارته التي لا تنطفئ (أو غليونه) وعن شَعر المرحوم المُرسل وجلسة المرحوم المنكمشة... يشعر القارئ أنه يشتهي البكاء على أثر حميمة المشهد والصور الشعرية التي فيه، خصوصاً بعد أن يحدثنا الكاتب الكاذب عن دموع المرحوم التي سحت بينما هو يتذكر حبيبته الفلانية التي أهدته الكتاب الفلاني أو قصيدته العينية التي أبكت عيون فلانة، كل هذا يجعل القارئ بحاجة ماسة للبكاء، بعد أن يقرأ البكائية المجبولة بالسيرة (الكاذبة) والتي خطها كاتب كاذب.
كل هذا حدث في لقاءات الشاهد الكاذب بالمرحوم، كأن الكاتب كان مقيماً مع المرحوم ولا يفارق غرفته.
ومن الشواهد التي تدين الشاهد الكاذب، تلك الإدعاءات التي يطلقها المدعون عن علاقتهم بمحمود درويش، أبان اقامته في عمان، فكل كُتاب الأردن جلسوا مع درويش وأخبرهم عن أسراره وتغندروا معه في الويبدة و وسط البلد، وكلهم شربوا القهوة في قهوة السنترال (البنك المركزي) وابتاعوا الكتب معه (وربما له) من تلك الشوارع، رغم أن المعروف عن درويش أنه كائنٌ بالكاد يلتقي بنفر قليل من الأصدقاء (هذا إن التقى) وهو كارهٌ للعلاقات الاجتماعية المتشعبة (سألت الثقاة طبعاً ولم أتشرف بمحادثته). وآخر يحدثك عن تيسير سبول وطميله ومؤنس الرزاز وإحسان عباس وهلسة ومظفر النواب والجواهري والسياب.. الخ. حتى أن القارئ المسكين صار في شك لا يقين له بأن الشاهد الكاذب كان لا يفعل شيئا في حياته إلا لقاء الأدباء وأخذ شهاداتهم، وعلى صعيد الشهادات فإن الكُتب الموسومة بـ "شهاداتي"، "مع الكبار"، "أنا والأساطين"، "عندما كنا شباب".. تتلألأ على أرصفّة الشوارع وتتربع على كل ناصيّة في عمان (تجارة ورق).
في المحصلّة..
نريد جهة مختصة ترعى وتراقب هذه المقالات (لا أراها مقالات) وتنقحها وتخفف من حدة الكذب الحرّفي الذي نراه كل يوم، ونحمد الله لأن أحمد مطر ومظفر بيننا ولم يموتوا بعد، لكنني على يقين تام بأن شهادات الشهود الكاذبين ستطالهم بعد موتهم، فهواة الرثاء يتأهبون وعلى استعداد تام للكذب، بل أظنهم يملكون استجابة فطرية للكذب....
*كاتب ومترجم عن الفارسية.
# علي_ياسين_عبيدات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري
-
وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث
...
-
وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه
...
-
تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل
...
-
تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون
...
-
محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا
...
-
الفيلم الفلسطيني -خطوات-.. عن دور الفن في العلاج النفسي لضحا
...
-
روى النضال الفلسطيني في -أزواد-.. أحمد أبو سليم: أدب المقاوم
...
-
كازاخستان.. الحكومة تأمر بإجراء تحقيق وتشدد الرقابة على الحا
...
-
مركز -بريماكوف- يشدد على ضرورة توسيع علاقات روسيا الثقافية م
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|