أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منال البستاني - الشعر وتحقق الأنوثة ، قراءة في قصيدة سامي الغباشي















المزيد.....

الشعر وتحقق الأنوثة ، قراءة في قصيدة سامي الغباشي


منال البستاني

الحوار المتمدن-العدد: 4568 - 2014 / 9 / 8 - 09:19
المحور: الادب والفن
    



الشعر وتحقق الأنوثة
قراءة في قصيدة سامي الغباشي
**
د. منال البستاني
(1)
النص
امرأة متخيلة : تتحقق فجأة
**
يستديرُ العام تلوَ العام
وهي سيدة المقام..
بهجة اللقيا وزلزلة التفاصيل..
بقدمين زنبقتين تعزفان على الأرض
خطوتها مموسقة
فتانة لعينين عالقتين بالخبب الأنثوي
يدبُّ على الأرض فتهتز العناقيد..,
" شهوى" يشاكسني بين أنحائها
وهي خجلى..
وتاريخ من عطر النساء ينزّ
عسل حار/عنب حلال/ياسمين
جسدٌ يشف فيستعد
وجسد يخف فيتحد
ولا لغة بيننا
سوى رقصة الروح الفتية
ونمدُّ أيدينا للهفتنا
نمسح العرق الحميم
ونستعد لرقصة أخرى

)2)
تدور قصيدة سامي الغباشي "امرأة متخيلة ..تتحقق فجأة " في فضاءات من الحلم والأنغام والعطور والزمن الذي يتألق في في مخيلة الشاعر فيهيج الخيال,وهو زمن صوفي مضيئ , كأنّ المرأة تشكل بالنسبة للشاعر خِفة الزمن الفني بالنسبة لسكونية الزمن الأبدية ، فالشاعر الذي يدور في دوامة الزمن يتخذ من الأنوثة وسيلة للحياة السرمدية.الشاعر هنا خارج الزمن ويتحداه ماضيا إلى عالم لازمن فيه يعيق ، ولا يعكر ماهية الروح التي هي ماهية الشعر.
إنّ شعرية الأنوثة توحي بقوة استثنائية تساعد الشاعر على الهروب من هوة الزمن "يستدير العام تلو العام",فهو إذ يتأمل هذا العالم الذي انقلبت فيه كل المعايير وانهارت,لا يجد ملاذا إلاّ في فراديس الأنوثة الشعرية , فالمرأة هي هنا"سيدة المقام" لأنها تشكل الثراء اللحني الذي يرمز إلى الشرق الأصيل , هي نقطة التحول الذي يقودنا إلى الوضع الطبيعي فنحن في زمن أسود أو ما فوق السواد."هي"ضمير الغائب يتنافى مع الحضور,غيابها هو غياب الجمال وحضورها هوحضور الجمال والبهجة التي تغذي الروح وتبعث الأمل.
إن الغباشي يرى الجمال بعين اخترقت الرؤيا الثاقبة حيث يندمج الفكر الحر وقوة الخيال, يريد أن يُضفي على الواقع جمالا ينبثق من صميم حياتنا,فالمرأة تثير فيه شعورا بالفرح والارتباك والنشوة لأنها العمل الفني الذي ينتصرعلى القبح والشر والظلم والفناء,إنه يربط المرأة بسائر الوظائف الحياتية التي تُحفِّز فيه النشاط المعرفي وتعطيه القدرة على تغيير النسيج الاجتماعي, وتحضير إنسان المستقبل,إنسان الحق,إنسان الجمال.
إنّ المرأة في هذه القصيدة ليست إلاّ تجليا من تجليات الحضور الإلهي الذي يستحضر البهجة والضياء,فحضور الأنوثة هو قيامة ,وهو زلزال,لكنه ليس زلزالا تدميريا أو وباء, بل هو زلزال جمالي يعيد هندسة بناء الروح بكل ما فيها من تفاصيل حياتية , بناء القيم,بناء الأخلاق والفضيلة, بناءً جوهريا ينير مصابيح الضياء المنطفئة "زلزلة التفاصيل".وإذ يقول الغباشي:

" بقدمين زنبقتين تعزفان على الأرض..
خطوتها مموسقة
بهذه السطور يأخذنا الشاعر إلى العطور والألحان فتلتحم الصور الحسية والسمعية والبصرية في أجواء يتحول فيها العالم إلى أفكار عليا وقيم أخلاقية بيضاء ونقية.إنّ الغباشي يستحضر بدقة شعرية أفول الجمال,ومقبرة الفكر, يبكي الإنسان الذي قهرته القوة القمعية,فالمرأة مرتبطة عنده بالفكر النقي والتجليات,حضورها قيامة فكما تُخرج الأرض أثقالها يوم القيامة,تّخرج الذات الشعرية أثقال الروح الإنسانية المكبلة بالظلم والانتهاك.إنّ كلمة "مموسقة" لها شعرية ذات وقع سمعي قوي لأنها تعبر عن رشاقة أثيرية كأنّ المرأة رقصة باليه ,هذا الرقص التعبيري الفائق في عذوبته ,حضورها يمثل هذا الانسياب الروحي الشفاف .إنّ المرأة تّضفي على روح الشاعر وعلى الواقع جمالا فتانا يشبهه الشاعر ببحر من بحور الشعر العربي الأصيل وهو بحر الخبب.إنّ إيقاع الأنوثة إيقاع يجذب , إيقاع راقص,كأنه فرس يعدو ، فكأنّ المرأة في رؤية الشاعر تشكل صورة كونية وروحية ,وهي التعبير الكلي للكمال,وهي التجلي والإلهام, وهي المرشد,وهي الفعل الخلاق الإيجابي.هي الشعر..طيبة النية وطيبة الكلام والفعل, تتنافى بذلك عن سوء النية وسوء الكلام وسوء الفعل.إنّ الغباشي إذ يرى فيها رمزا جنسيا فلأنّه يربط هذا الرمز بوظيفة الفن الذي يتصدى لكل العقبات النفسية والروحية التي تحاصر الإنسان,إنّه يعبر عن رغبته في إخصاء السلطة وتعطيلها عن فعل الشر,الغباشي يشير برموز شفافة إلى لذة تخصيب الفعل على الصعيد الجمعي والفردي. إنّ الأنوثة تُضفي على عين الذات الشعرية هذا السحر الجوهري الذي ينغمس في اللاوعي , فبهذه الأنوثة الفتانة يقتحم الشاعر بجرأة وجسارة لغة الشعر المنيعة , يخترقها في صورة من صور الحب الذي يؤدي فعله حد التوحد بالذات الألهية.إنّ العناقيد في القصيدة تشكل الفعل الخصب وإن كانت تحمل في خفاياها رمزا جنسيا فهو رمز مثقل بدلالات عميقة من الحياء والقدسية بحضور مفردة "خجلى" . إن العناقيد هنا ليست إلا تشييدا لكل الأفعال الحيوية التي يبنى عليها العالم ، ومنها العدالة التي هي قاعدة ارتكاز كونية ، فغياب العدالة يؤدي إلى انهيار كوني ومجتمعي وفردي .

(3)
إن الغباشي يستهجن العهر المعنوي والسياسي اللا أخلاقي الذي أصبح سمة من سمات عصرنا الذي غابت فيع القيم السماوية ؛ ولهذا أضفى على فعل التخصيب صورة مجازية جاءت بصيغة مشاكسات لحنية وهي أبهى صورة من صور الحب والعدالة التي بغيابها تترهل القيم وتفقد الحياة قامتها الباذخة ، ثم يأخذنا الغباشي إلى صورة من صور الأنوثة العذبة ، فكأنها تاريخ من العطر موظفا الفعل " ينزُّ " فالأرض هي التي تنز ماء ، أما الأنوثة فتنزُّ عسلا حارا وعنبا حلالا ، وهي رمز للثراء والحلاوة الفردوسية تتنافى مع مرارة الحياة وتقدم له كل ما حرم منه الإنسان منذ هبوطه إلى الأرض وطرده من الجنة . إن الأنوثة هي جنات عدن فيها إثارات فاتنة ، إنها عسل الخلود وأعياد الحب ونبيذ العسل لا يكاد الشاعر ينجو من شراكها ؛ لأنها صورة للثقافة المعرفية والنعم الروحية ، وهي من أجمل الصور الاجتماعية التي تحقق السعادة المستقبلية للإنسان ؛ فهي السمو من حيث الوجود ومن حيث المعرفة ، فمعها يطلق الشاعر الصورة الفكرية إلى ما بعد التجربة . إن الأنوثة وقاية من أمراض العصر ، وأكثرها خطورة هي العمى ؛ لأن عالمنا المعاصر ينخدع بالمظاهر الكاذبة وقد أغمض عينيه عن ضياء القيم والفضيلة وعن ضياء الحقيقة .إن الشاعر يدعونا إلى النقاء الأبيض الذي يفوح بعطر الياسمين ، ويدعونا إلى العودة إلى قامتنا الحقيقية ، ثم تشتد النشوة حدَّ الوصول إلى هذا الفرح الجامح ، الهذياتي المحموم ، فالأنوثة والشعر يشكلان عنده رقصا باخوسيا يثيران فيه الشعور بالنشوة والانعتاق من الطاقة الانفعالية المفرطة . إن التوحد مع المرأة والشعر يشكل في رؤية الشاعر هذا الرقص الأعجوبي والرؤى الشعرية التي تنتج الجمال المتناسق ، إن المرأة والشعر يمثلان فضاءً مفتوحاً يلمسه الشاعر ، يشمه ، يتذوقه ، يسمعه ويعانقه ، فهما فرحة بانتظار فرحة ، إنهما لغة الاشراقات ، لغة النوافذ المطلة على الشمس ، ولغة الشرق التي يطمح الشاعر إلى أن يعود إلى رونقه الجوهري الأصيل .

إن الغباشي إذ يبحث عن المثال والجمال فلأنه يرى فيهما حالة ذات طابع يتسم بالتأمل العميق الذي يفتح نوافذ الحلم لتجربة إبداعية جديدة ، فهو يرى في المرأة والشعر هذه الدهشة الميتافيزيقية التي لا يمنحها إياه الواقع الشحيح ، بل يمنحه إياه الشعر بهذا السخاء. إن كلمة امرأة هي ملكة الكلمات ؛ لأن فيها لذة الفرح الإبداعي ، وهي فعل الحب الأكثر كمالا ، والتي تثمر منها الفكرة فتولد القصيدة بعد مكابدات واحتقانات روحية وجسدية.
إن قصيدة الغباشي " امرأة متخيلة .. تتحقق فجأة" ذات طابع فلسفي أبيقوري وصوفي ، فالشاعر هنا هو هذا الأبيقوري الشهواني في حبه للمرأة واللغة ، حب تمتزج فيه لذة الصبا والفتوة للمتصوف الذي انتشى بلذة التوحد مع الله .



#منال_البستاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذئب الامريكي في قصيدة - أمي - للشاعر البلجيكي أوليفيي بلان ...
- منتقيات ما بعد حداثية
- قصيدة - أمي .. - للشاعر البلجيكي أولفيي بلانكار
- الورود الكلمات يحلّقن في هذا المكان / من نصوص دومينيك فوركاد
- تحولات الجسد في قصيدة - موسيقى - للشاعرة بشرى البستاني


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منال البستاني - الشعر وتحقق الأنوثة ، قراءة في قصيدة سامي الغباشي