أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - طواف حول أسوار الكتابة















المزيد.....


طواف حول أسوار الكتابة


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 4568 - 2014 / 9 / 8 - 01:33
المحور: الادب والفن
    


أظنُّ أنَّ مبدعَ الكتابةِ الأولَ ، ذلكَ السومريّ كان يُصلي حينما اخترعَ الكتابةَ ، الكتابةُ طقسٌ تسبقهُ أزمةٌ والصلاةُ كذلك تنبعُ من إحساسٍ بأزمةٍ فتعقبها صلاةٌ ،يوماً ما تناول ذلك السومري عوداً من شجر حين كان يستظل به على شاطئ الفرات وما كان أمامه غير السماء والماء وطين الشاطئ الطري والصقيل قد تركت بعض المخلوقات آثار أقدامها عليه كان السومري يقرأ ما خطته آثار أقدام المخلوقات ((مرّ من هنا غراب ومن هنا كان اللقلق يتعقب أسماكاً صغيراتٍ على الشاطئ)) حينها خطّ الحرف الأول وهو يُصلي رغبةً في أن يترك أثرا يذكره بما يجيش في نفسه تلك اللحظة فكانت الكتابة و الآن نحن أحفاد أولئك الأسلاف نجلسُ ومن فوقنا سماء ملبدة بدخان حرائق أمريكا نجلسُ على ضفافِ نهرٍ من دمائنا نشعربأننا بحاجة إلى صلاةٍ أخرى فصلواتنا القديمة لم تعد تبلغ السماء إذ نتفوا أجنحتها فما عادت تُحلّق وما أمامنا إلا الكتابة، الكتابة مطرٌ يغسل الروح والعقل ويزيل ما تراكم من قلق.
نحنُ هنا لا نتحدث عن الكتابة بوصفها الحركي الميكني وهو نقل الوقائع بشكل مباشر إلى سطح الورق ولكننا نتكلم عن الكتابة بما هي فنٌ قائمٌ على نوع من الجدل المحتدم بين طرفين ، الإنسان ومحيطه بكل ما يعنيه المحيط من وجودات وانشغالاتها مع بعضها أي بمعنى آخر وجودات مع محيطاتها بتكرار لا نهائي لكننا يعنينا هذا الكائن المستريب والمتسائل دائما والذي لا يستطيع تجاوز كونه محورا لهذا الجدل اللانهائي بينه وبين ما يحيطه وما يحيط هو به وعلى هذا تتعدد المواقف من هذا الفن بين أقصى اليمين إلى أقصى اليسارمن قضية الوجود على شكل أسئلةٍ لا نهائية وتتباين التعبيرات حول ماهيته ومكانه من الحياة ودوره فيها ،يقول بورخس : (( الكتابةُ ما هي إلا حلمٌ موجهٌ)) ويبدو أن مقولة بورخس هذه قد اعتمدت بشكل أساس على مقولة أخرى لسيجموند فرويد صاحب مدرسة التحليل النفسي والتي مفادها أن جذر كل الروايات والقصص هي الأحلام فإذا خلطنا المقولتين نخلص إلى أن الأحلام تعمل عمل المحرض والمجهز للأفكار التي يسردها الكاتب في روايته أو قصته ، لكن فرويد لم يشر بهذه المقولةِ إلى أن الأحلام تكون جذرا للقصائد الشعرية وأظن أن القولين ينسجمان مع طبيعة السرد لكنني أجد أن قول بورخس الآخر حول الكتابة يشمل كل أنواع الكتابة إذ قال ((إن الكتابة نوع من أنواع الصلاة)) وهذا القول فيه من العمق ما لا تستطيع سبره كتابة تحاول البقاء عائمة على السطح لكي لا تنتهي إلى الغرق في هذا العمق الامتناهي لكننا نستطيع الإنتباه إلى ما قصده بورخس بتعريف مصطلح ( صلاة) وعند ذلك سنتعرف على القصد من الكتابة بما هي نوع من أنواع الصلاة فالمشهور أن الأصل اللغوي للصلاة هو الدعاء والصلاة في مجتمع بورخس المسيحي تعني نوع من المناجاة مع الربّ للتقرب إليه عبر العزلة مع الوجود والكون ، نخلص من ذلك إلى أن الكتابة عند بورخس هي نوع من المكاشفة في محاولة للإجابة عن أسئلة كونية تسربلت دائما بالغموض أو أنه كان يعني أنها طقس روحاني يجند فيه الكاتب روحه وضميره للتقرب من العوالم العلوية لكن الشاعر الإيطالي سيزار بافيزي يكون أكثر ثوريةً حين يقول:(( أن الكتابة هي الرد الوحيد على إهانات الحياة )) ماذا يعني ذلك كيف تكون الكتابة ردا وحيدا على إهانات الحياة ، باعتقادي أن بافيزي كان يعني ما يقول حرفيا إذ أن الحياة عندما توغل بصفع الإنسان والبصق عليه من خلال مآسيها ورطانتها غير المفهومة وابتذالها الذي يجعل روح الفنان المرهف عرضة لتلك الإهانات فلا شيء سيوقفها غير أن ينحاز إلى عزلته ليتحصن ضد هذه الإهانات ، العزلة ليست بمفهومها السايكوباثي ولكن بمفهومها الذي يعني التوقف قليلا للنظر فيما يفعل الإنسان بكل هذا الخراب والإندحار ومن خلال هذه العزلة يبدأ الرد الذي يأتي على شكل قصيدة أو قصة أو رواية لا تستطيع إهانات الحياة أن تفعل حيال هذا الرد شيئا ليكون الناتج تعويضا مجزيا ورد اعتبار ناجزٍ لروح الإنسان الكاتب الذي استهدفته الحياة بإهاناتها تلك بينما ذهبت الروائية التركية أليف شافاق إلى ما يوازي رؤية الشاعر بافيزي بشأن الكتابة حين قالت: (( الكتابةُ هي الضريبة التي ندفعها لقاء عزلتنا واختلائنا بذواتنا))ولكنها فضلت المسالمة على المجابهة وانصاعت لعسف الحياة وقبلت بدفع ماتوجب أن تدفعه بطريقةٍ مفعمة برائحة الإنهزام عكس ما أبداه بافيزي بقوله المدجج بالمقاومة والتمرد ولكن الموقفين يفضيان إلى النتيجةِ ذاتها بمحاولة حماية النفس المستهدفة من عسف الحياة وعنتها وكل على طريقتهِ.
قطعا ليس هناك من يولد كاتبا وهذا ليس معناه إغفال الموهبة لكن الكتابة كفنٍّ لا تتطور ولا تُصقل إلا بممارستها وتطويرها عن طريق القراءة والإطلاع على التجارب الأخرى.
أحياناً ننظرُ إلى الكتابةِ كنوعٍ من العزاءِ جراءَ الخساراتِ المتوالية التي يستشعرُها الكاتبُ فالمراثي العظيمة التي كُتبتْ على طول التاريخ تلك التي تحدثتْ عن خساراتٍ وانتكاساتٍ كبيرة وجدت فيها الأجيال اللاحقة نوعا من العزاء على ما تم فقده وخسارته وما أن تنتكس فصيلة من البشر يوما حتى تستحضرَ أبطالها وأمجادها وحضورها القديم عبر استعادة تلك الملاحم والمراثي العظيمة ، هكذا إذن نجد أن تسجيل كل ذلك بشكل مكتوب وبإسلوب مؤثر سيمنح نوعا من العزاء بعد الجائحات الكبيرة.
الكتابة نوع من العزاء على المستوى الشخصي أيضا فما أن يجابه الإنسان ذوالحس النبيل معاضلَ هذه الحياة منفردا ويشعر أن لا طاقة له على المجابهة والحضور في هذه الحياة كنِدّ لها تجده يخلي الساحة لها متجها نحو عزلته ولكي لا يكون انكفائَهُ سلبيا يلجأ إلى ذاتهِ يطالبها بكشف وتقييم كامل للوضع مسقطا كل ذلك على قطعة من الورق متخذا منها جليسا يحاوره يبث له ما يجد عبر حديث طويل مع النفس تكون فيه الكتابة الشاهد والموثق .
عند ماركيز ذلك الرجل النبيل الذي ترك كل شيء وراءه ونذر روحه للكتابة وظن بكل جدية أن الكتابة نوع من الإمتحان يؤديه الكاتب في مدرسة الحياة لتعطيه شهادةَ إنسان فليس كل من دب على قدمين ولبس الملابس وانخرط في أتيكيت الحياة البشرية قد تحصل على تلك الشهادة فمن الناس من هم أكثرُ ذئبيةً من الذئب ومنهم من هو أكثر قدرةُ من الأسد على الإفتراس ومنهم من هو أخبثُ من عقرب و أخيرا وبعد كل ما تعلم ماركيز من هذه الحياة كتلميذ صغير فيها كشف ورقته وأنبأنا بنجاحهِ في أداء هذا الإمتحان عبر وصيته الأخيرة التي يقول فيها((لو شاء الله أن ينسى أنني دمية، وأن يهبني شيئاً من حياة أخرى، فإنني سوف أستثمرها بكل قواي. ربما لن أقول كل ما أفكر به، لكنني حتماً سأفكر في كل ما سأقوله. سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه. سأنام قليلاً، وأحلم كثيراً، مدركاً أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النور. سوف أسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكلّ نيام)),
إحالات:
1-إقتباسات وأقوال
2- سيزار بافيزي-أنطولوجيا الشعراء المنتحرين- جمانة حداد
3- أليف شافاق- الوصايا العشر للكتابة
4- وصية ماركيز الأخيرة



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا أنت- قصيدة
- الخرس - قصة قصيرة
- الحكاية كما وردت
- إيزابيلا أنت السبب
- نزيف
- الحياة - شعر
- هموم السعدان -قصةٌ قصيرة
- إنطباعات حول الخيال والرمز في السرد
- كنا ثلاثة- تهويمات
- مُجرّدُ دُمى - قصة قصيرة
- صحراء - نص مدوّر
- الرماد
- طفل حطلة
- الرغيف
- كتاب الريح- قصيدة
- شجرة ملعونة - قصة قصيرة
- الضحية- قصة قصيرة
- المَخاضةُ - قصة قصيرة
- أزهار جابر السوداني الفجائعية- قراءة إنطباعية
- إخطبوط - تهويمات


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - طواف حول أسوار الكتابة