|
القضاء المغربي في قفص الاتهام
نبيل بكاني
الحوار المتمدن-العدد: 4567 - 2014 / 9 / 7 - 21:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لطالما وُظف القضاء في المغرب كأداة للحجر على الحريات و قمع كل من تجاوز الخطوط الحمراء التي خطها بعض المتنفذين داخل أجهزة الدولة، لحماية مصالحهم و مصالح شركائهم و أعوانهم. و بسبب عقود من الفساد و الشطط في استخدام السلط و الصلاحيات الممنوحة للمسؤولين داخل جهاز القضاء، عم الخراب منظومة العدالة المغربية و تحول القضاء إلى أحد أهم مكامن الفساد و المتاجرة في حقوق المواطنين. و قد ظل حتى وقت قريب، أي كلام حول هذا الجهاز، من أكبر المحرمات، و التي بسببها وجد الكثير من الصحفيين و الحقوقيين أنفسهم قيد المتابعة و في العديد من الأحيان، السجن.
اليوم، و بعد الحكم الذي أصدره القضاء الأميركي و القاضي برفض تنفيذ منطوق حكم صادر عن القضاء المغربي قبل سنوات، فيما بات يعرف بقضية جون بول ديجوريا، رجل الأعمال الأميركي، و الذي أدانته احدى المحاكم المغربية، بدفع تعويض وصل إلى 122.9 مليون دولار لصالح شركائه في مشروع للتنقيب عن البترول في الأراضي المغربية، بمبرر عدم استقلال القضاء المغربي، مستدلا على استنتاجه ذلك، من خلال تصريحين سابقين لكل من المستشار الملكي، و وزير الخارجية الأسبق "طيب فاسي فهري" الذي قال فيه بالحرف إن "هناك قضاة يتلقون تعليماتهم عبر الهاتف"، و أيضا استنادا إلى مجموعة من التقارير الدولية، و على احتجاجات القضاة سنة 2012 التي نادت باستقلال مؤسسة القضاء، و الذي أدلت بعض الأطر القضائية نفسها، بشهادات تفضح استشراء الفساد و الرشوة داخلها. و بعد هذا الحكم الذي وجد وزير العدل و الحريات نفسه، عاجزا أمام وقعه، صامتا، غير قادر على إبداء مرافعاته ضد الجهة التي أصدرته، أو توجيه أي اتهام لها بالإنحياز و عدم الموضوعية؛ و هي المفردات التي ألف ترديدها بعض مسؤولي الحكومة أمام الصحافة و في الملتقيات، كلما صدر تقرير حقوقي دولي يدين غياب العدالة و حقوق الإنسان في المغرب. يجد القضاء المغربي، اليوم، نفسه مدانا أمام منظومة العدالة الدولية، مطالبا هو و الوزارة الوصية عليه أكثر من أي وقت مضى، بالدفاع عن "النزاهة" التي طالما صُبغ بها قضاءنا؛ و هي "النزاهة" التي تسببت في رمي العديد من الصحافيين في غياهب السجون، بتهمة التشكيك في نزاهة القضاء، إلى حدود مجيء حركة 20 فبراير التي كسرت هذا الطابو، و منحت لأول مرة في تاريخ المغرب الحديث، الجرأة لطرح الموضوع للنقاش العام، و لأول مرة أصبح القضاة نفسهم يخرجون للعلن محذرين من انتشار الفساد و الرشوة داخل مؤسستهم.
قد يستهين البعض بأهمية القرار القضائي الأميركي و تأثيره على سمعة المغرب، و قد يعتبرونه مجرد لحظة قضائية و سينتهي به الأمر بعد حين الى عالم النسيان، كما جرى في عدد من المحطات. لكن، على الفاعل الرسمي المغربي أن يضع في ذهنه أن أصدقاء الأمس الذين طالما نوهوا بالاصلاحات التي تبناها، قد ضجروا من وعوده التي لم تتحقق، خاصة في فترة حكومة بن كيران، التي يشهد فيها المغرب أكبر تراجع على مستوى حقوق الانسان، و هي الاصلاحات التي وعدت أعلى سلطة في الدولة بمباشرتها، ردا على الخروج المدوي للشارع المغربي بداية 2011 حاملا جملة من المطالب، صب جزء منها في مجال حقوق الانسان و العدالة بمفهومها العام. لقد مل هؤلاء "الأصدقاء" سماع أسطوانات البوليميك المكررة التي لا تصلح الا للاستهلاك الاعلامي. و استمرار دعم هذه الأطراف للمغرب الرسمي، أمام ما ينجز من تقارير دولية ضد المغرب، سيتسبب في ضرب مصداقية هذه الأطراف أمام المعارضة في بلدانها و أمام الصحافة و سيسيء لصورتها في العالم. هذا، و دون أن نتغافل قراءت التأثيرات المستقبلية لحالة علاقتنا الرسمية مع فرنسا، و ما طبعها من نفور بعد صعود اليسار الى الحكم، و ما لحق ذلك الصعود من أزمات بين البلدين، من ضمنها حادثتي تفتيش وزير الخارجية صلاح الدين مزوار بالمطار الباريسي و استدعاء رئيس المخابرات المغربية حين تواجده في اقامة سفير المغرب بفرنسا. أيضا، الولايات المتحدة التي شكلت على الدوام مصدر اطراء و تنويه للمسيرة الملكية فيما يخص الجانب الاجتماعي و الحقوقي في المغرب، و هنا يمكن التذكير بموقف ادارة الرئاسة الأميركية، تجاه طلب الزيارة الملكية الذي تقدم به المغرب للبيت الأبيض، و التي اشترط أوباما للموافقة عليها اطلاق سراح الصحفي علي أنوزلا مدير نشر موقع "لكم" الذي اعتقل تحت طائلة قانون الارهاب. ان تراكم أوراق خروقات المغرب لحقوق الانسان على طاولات المنظمات الدولية المهتمة بهذا المجال و المشهود لها عالميا بالموضوعية و المهنية، سيضع المغرب في موقف ضعف، أمام المنتظم الدولي و أمام اتهامات خصومه بانتهاك حقوق الانسان، و سيجعله عاجزا عن ايجاد أجوبة مقنعة حول استمرار توظيف القضاء، توظيفا سياسيا في اضطهاد فاضحي الفساد من حقوقيين و صحافيين، كما حصل مع علي أنوزلا مدير نشر موقع "لكم" المحجوب بقرار من وزارة الاعلام و حميد المهدواوي رئيس تحرير جريدة "بديل" الالكترونية و توفيق بوعشرين مدير جريدة "أخبار اليوم" و الناشطة الحقوقية وفاء لشقر و غيرهم كثير، ناهيك عن العشرات من الناشطين السياسيين الذي زج بهم في السجن بتهم في ظاهرها تتعلق بالحق العام، لكن في باطنها هي تهم سياسية وجهت لهم بسبب تعبيرهم عن أراء مخالفة بواسطة التظاهرات الاحتجاجية في الشارع العام. الا أن هذا التراكم، و ان بدا أمامه المغرب صامدا، الى اليوم، الا ان الأكيد، أن المستقبل سيحمل تداعيا أقوى لن تقدر أي حكومة مستقبلية الصمود في وجهها.
كاتب و مدون
#نبيل_بكاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر الجريحة في حاجة إلى أصدقاءها
-
الأحكام القضائية تعيد الحياة لحركة 20 فبراير
-
الديكتاتور أردوعان
-
الجزء الثالث- مقتطف من كتاب لدي حلم - 2008 ثلاث انتفاضات متت
...
-
مقتل الطالب المغربي الإسلامي بين السياسي و الإنساني و قيم ال
...
-
مقتطف من كتاب- لدي حلم- من تأليف نبيل بكاني
-
-تشرميل- الدولة المغربية
-
قضية فساد.. وزير المالية المغربي الأسبق صلاح الدين مزوار
-
محاربة الفساد مع وقف التنفيذ، النموذج محاكمة مسرب وثيقة صلاح
...
-
الدورة العشرون للمجلس الوطني للجامعة الوطنية للأندية السينما
...
-
عودة باسم يوسف
-
معانات الأفارقة غير الشرعيين بالمغرب
-
وداعا مانديلا..
-
بن كيران، كل شيء مباح في الحب و الحرب
-
فاصل و نواصل، مع الشوط الحكومي الثاني
-
لا تحزن يا علي، الفرق؛ أن الزنزانة عندك ضيقة، أما الزنازن عن
...
-
أكباش فداء ما بعد العفو الملكي
-
كيران و التحالف مع العفاريت
-
بن كيران و التحالف مع العفاريت
-
حتى لا تتكرر مأساة انتفاضة 1981
المزيد.....
-
هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل
...
-
في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو-
...
-
الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م
...
-
البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
-
الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
-
السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز
...
-
دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
-
ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد
...
-
تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
-
مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|