أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي المدن - عذابات النص بين كاتبه ومترجمه ومتلقيه















المزيد.....

عذابات النص بين كاتبه ومترجمه ومتلقيه


علي المدن

الحوار المتمدن-العدد: 4567 - 2014 / 9 / 7 - 08:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قصة العلاقة بين الكاتب ومترجمه في عالمنا العربي ليست بالقصة السارة في جميع فصولها. سبق للعروي أن اشتكى من ذلك بشأن كتابه الذائع الصيت (الأيديولوجيا العربية المعاصرة)، فاتهم ونيل منه!! إلا أن الرجل حوّل القضية إلى إشكالية، إلى سؤال حقيقي، بدل الدخول في نفق التنابز المبتذل. قال: إن الترجمة الرديئة تعطل مشروع تحديث عقول أبناء مجتمعاتنا. تساءل قائلا: ماذا سيكون حال العقل والوعي العربيين لو توقفنا قليلا وتأملنا هذه القضية، هل يمكننا أن نتخيل مدى فداحة المسألة؟! مسألة أننا نترجم أحدث ما يقوله مفكرو الغرب بنحو مشوّه!! ماذا سيرى الغربيون في ترجماتنا لو كان بإمكانهم الاطلاع عليها: استثماراً لأفكارهم أم تشويها وطمرا لها؟ أليس في نظائر هذه الترجمة ترسيخا للوهم القائل بعمق كل ما هو تراثي ووضوحه وبلاغته وفصاحته، وسطحية كل ما هو حديث ومنقول وغموضه وعجمته؟!
ومن الواضح أن كلام العروي يشمل المنقول عن اللغات الغربية عامة، بلا فرق بين أن يكون كاتب النص غربيا أو شرقيا (يكتب بتلك اللغات).
أحيانا يكون المترجم بمستوى نصه الذي ينوي ترجمته، أقصد أنه يكون مستوعبا لمضمونه، مدركا لمصطلاحاته ومفاهيمه، خبيرا بالمناهج والجدلات الفكرية التي أفرزته، واعيا بإشكاليته والسياقات التاريخية التي وُلد فيها. ولكنه يواجه مشكلة من نوع آخر؛ مشكلة اللغة التي ينقل إليها. جميعنا نعلم ماذا خلقت كلمة " myth" من التباسات في نص أركون حين ترجمها عادل العوا بـ "الأسطورة" في كتاب أركون "الفكر العربي". لم يكن التقصير من العوا (وهو من عمالقة مفكري العرب ومترجميهم، وفضله على الثقافة والفكر العربيين تعجز الكلمات عن وصفه)، وقد اعترف أركون بذلك. إنما كان القصور من المفردة العربية التي عجزت عن استيعاب جميع المداليل المضمنة للكلمة في اللغة الفرنسية. بعبارة موجزة: المشكلة في المجال الثقافي التداولي للمفردة العربية. تفصل المصطلحات عن سياقها التاريخي والمعرفي الذي ولدت فيه، فيعيد متلقيها شحنها بالمعاني التقليدية التي ورثها وأنسها داخل ثقافته الأصلية، فتتحول إلى "طلاسم" و"عجمة" لا تثمر شيئا، بل تشكل عائقا أكثر منها محفّزا. تحدث عن ذلك العروي مفصلا، واصطلح عليه بمشكلة "المحاكاة"، ثم لخص كل ذلك (وهو يتحدث عن ترجمة كتب مناهج التاريخ) بقوله: (لا يُفهم أي كتاب عن التاريخ في غياب فكر تاريخي مسبَّق) (مفهوم التاريخ: 19). ويمكننا قول نفس الشيء في كتب الفلسفة والنفس والاجتماع وغيرها: لا يفهم أي كتاب في هذه الحقول في غياب فكر فلسفي ونفسي واجتماعي ... إلخ مسبَّق.
لقد كان العروي في معرض النقد لترجمة كتاب (سينيوبوس ولانكلوا)، المقرر الدراسي الجامعي الفرنسي، الذي ترجمه عبدالرحمن بدوي تحت عنوان (النقد التاريخي).
وهكذا نرى أن مشكلة الترجمة لا تقتصر على قضية عجز المترجم، أو قلة تجربته واستيعابه، في فهم اللغة التي ينقل عنها، بل تشمل، وهذا ما هو أهم وأخطر، أكبر المترجمين احترافا وتألقا، من أمثال بدوي والعوا، حين يتم تجاهل ما أشرنا إليه من الحقول التداولية والسياقات المعرفية والتاريخية للنص. ويمكن الإشارة إلى تكرار هذه المشكلة مع كثير من مترجمين الجيل الحاضر أيضا. لقد تركت هذه المهمة للقارئ نفسه، عليه أن يقضي عمره بالتنقل بين الكتب والمقارنة بينها حتى يفهم أسئلة تلك الكتب وما تناقشه والأدوات المنهجية التي تستخدمها. ويضع العمر سدى في منعرجات الفهم، فيتيه في المغالطات والافتراضات العقيمة.
لنترك فعلا جيل "المشايخ" من أمثال بدوي، والعوا، وأركون، والعروي ... إلخ، ولنلاحظ، اليوم، فصلا جديدا من هذه القصة. مع عزيز العظمة هذه المرة. من اطلع على كتابات عزيز العظمة من خلال مؤلَّفه (العلمانية من منظور مختلف) وغيره من أبحاث الرجل القيمة، سيعرفه كاتبا على مستوى كبير من الوضوح والثراء المنهجي والتماسك المنطقي في التحليل والمناقشة .. ولكن لنرى كيف يبدو هذا الباحث والمفكر الكبير من خلال مترجمه المعاصر.
الأستاذ "حمّود حمّود " كاتب سوري .. يكتب نصوصا وأبحاثا جميلة في اللغة العربية، ويناقش قضايا في منتهى الأهمية والخطورة، ولكن من النادر أن نراه مترجما. نقل للعربية قبل أيام مقالا للعظمة بعنوان: (هل الإسلاموية قدر العرب). وهو السؤال الذي لا يوجد ما هو أشد أهمية وراهنية منه. فكان الكثير، وأنا منهم، ممن يجد في العظمة قامة تنويرية جدير بالانصات لتحليلاتها، ينتظر منه جوابه يُضيء جانبا من المشهد الفكري والسياسي الذي نعيشه بمرارة لا سابق لنا بها. كلنا نتوقع منه تحليلا معمقا يلي صمته الطويل طيلة هذه الفترة. فكيف كان جوابه بحسب "حمّود حمّود"؟ في رأيي أنه كان مخيبا للآمال!! وهذا ما دعاني تحديدا لإعادة إثارة أزمة الترجمة لدينا.
وجدت في جوابه (وأكرر: تبعا للمتن الذي صاغه حمّود) نصا أهون ما يقال فيه إنه ترجمة اعتباطية، آلية!! تترنح فيه الضمائر والجمل في كل اتجاه دون معنى يذكر !! وإلا فكيف يمكن لنا أن نستسيغ متنا بهذا النحو من العبثية والغموض والركاكة؟! وفي أي موضوع؟!! "الإسلاموية" وليس موضوعا آخر؟!! أليس من حق المتلقي أن يتساءل مع هذا النص: يا ترى من سينتصر: العظمة أم مناوئوه؟! التنوير الذي يدعو له أم الظلامية التي يقاتل الإسلامويون بضراوة من أجلها؟!!
نقرأ في الترجمة العبارة الآتية:
(إنني أرى أنّ ما يتخذه به أسد بخصوص الهوية المسلمة، وما يأخذ به كازانوفا وتايلور بخصوص المسارات الحضارية، ليسوا قوى طبيعية تسيّر الجماعات البشرية إلى نتائج محددة أو إلى آفاق محدودة من الإمكانية. فلا يمكن اختزال المسلمين البريطانيين والمسلمين على نحو مجمل إلى مجتمع متجانس. هكذا، فإنّ الصوت المحلي، سواء أكان ذاك الصوت في الرياض أو في لندن، ليس صوت الطبيعة. إنه بناء من الاصطناع والاختلاق، متمفصل من خلال الأداء الملائم، وإن كان على ما يبدو من السذاجة والعفوية، وإنْ يؤدى بإخلاص. ما ينطبق في كل من جاكرتا والقاهرة بالنسبة للصوت المسلم المحلي هو نتيجة التطورات التاريخية الأخيرة التي تحمل الكثير من الهندسة السياسية والاجتماعية. وفي كل ذلك، فحينما تكون علامات ورموز الأصالة فعلاً أصيلة، فإنهم من ثم، كما هو حال الفولكلور، مزيج من بقايا، بدرجات متفاوتة من الجاذبية والملائمة).
إن لم يكن هذا الكلام؛ أسلوبا ومضمونا، هراءً! فما عساه يكون؟! في تصوري، أننا نعيش مرحلة من تاريخنا الفكري والسياسي، أشد ما نحتاج إليه هو "الوضوح". الوضوح في التحليل، والوضوح في المقارنة، والوضوح في توظيف المنهجيات والمفاهيم، والوضوح في كشف الخلفيات التاريخية والمعرفية، والوضوح في الاستنتاج والحكم، والوضوح في التعبير عن كل ذلك. وإلا فما الفائدة من الكتابة؟ وأي تنوير ينتظر من كاتب يفكر بهذا النحو؟ لقد ولّى زمن المراهقة والتحذلق والاضطراب والخلط .. نريد أن نفهم، أن نحلل، أن نناقش، أن نفضح السياقات، أن نهتك الأيديولوجيات الارتكاسية التي حطمت كل شيء فينا. ليس لدينا المزيد من الوقت لنضيعه في التضليل وفك الأحاجي .. من الأفضل لمن لا يملك الفراسة ليوضح لنا نهاية الأنفاق المظلمة التي قذفنا فيها أن يكف عن مشاغلتنا بالحديث عن روعة النور.



#علي_المدن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة من الجماهير الغاضبة في البصرة
- التراث .. أداةً لتزييف الوعي
- بذرة التفلسف
- السياسة والأمل
- الرئيس فيلسوفا
- متى يكون السياسي فاشلا؟
- الأساطير المؤسسة للعمل السياسي في العراق: السياسة كحرفة
- هل يؤسس الإلحاد مذهبا إنسانيا في الحب؟ نقاشات تنموية في فضاء ...


المزيد.....




- ماما جابت بيبي..أضبط الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل ...
- توصية هامة وجهها قائد الثورة الاسلامية الى مرشحي إنتخابات ال ...
- قائد الثورة الاسلامية يستقبل المسؤولين في السلطة القضائية
- فرح اطفالك  .. أحدث تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سات و ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مقتل أحد عناصرها بقصف أمري ...
- -الجنائية الدولية- تصدر مذكرة اعتقال بحق زعيم -أنصار الدين- ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مرابض الاحتلال بالمسيّرات ...
- فرنسا : قلق من -إرهاب المتشددين الإسلاميين- قبل انطلاق الألع ...
- الرئيس التونسي يقيل وزير الشؤون الدينية وسط أزمة وفيات الحجا ...
- رئيس تونس يقيل وزير الشئون الدينية بعد وفاة 49 حالة في صفوف ...


المزيد.....

- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي المدن - عذابات النص بين كاتبه ومترجمه ومتلقيه