|
المصريون : شرعية الحاكم المقدس
هشام الطوخى
الحوار المتمدن-العدد: 1287 - 2005 / 8 / 15 - 11:23
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
يصف يونج ما يستقر فى ذاكرة الانسان من الخبرات البشرية المتكررة والمتراكمة عبر الأجيال منذ الماضى السحيق بالأنماط الأولية ، وقد أطلق عليها ما يسمى باللا شعور الجمعى ، ونحن حين نتذاكر الخبرات التى مرت على المصريين منذ عصور الأسرات ستبرز سريعاً أسماء الفرعون الاله ابن النيل (حابى ) وابن الشمس ( رع) وابن القمر ( خنسو ) وابن السمكة ( اكسرنخوس ) وابن الطائر (ايبس) وابن البقرة ( حتحور) وغيرهم من الفراعنة الآلهة و ابناء الآلهة الذين كانت شرعيتهم الدينية امتدادا طبيعيا لشرعية من سبقوهم فى عام 332 قبل ميلاد المسيح كان المصريون خاضعين لسيطرة حامية صغيرة من الفرس ، لذا فلم يجد الاسكندر وجيشه عناءاً كبيراً فى طرد هذه الحامية و بسط نفوذه سريعا ً على مصر ، ورغم أن هذا الأمير الشاب لم يكن أبداً الهاً بين جنوده المقدونيين أو فى أى من المدن اليونانية التى غزاها كماأنه لم يدع لنفسه حتى هذه اللحظة أية قداسة فقد أسرع المصريون وكهنتهم ساجدين تحت قدميه ليبلغوه بكل خضوع ومحبة عن النبوءة التى تقول بأنه ابن الاله وليعلنوه فى معبد سيوة ابناً لآمون رع ، ( الاغريق سخروا منه حين طالبهم بالسجود كالمصريين وقالوا بأن عليه الاكتفاء بألوهيته فى مصر ) ، ولكون المصريين أعلنوه الها لم يجد ضرورة تدفعه الى ترك أكثر من حامية صغيرة وعدد قليل من الموظفين الاداريين لينظموا له الحصول على الموارد والثروات المطلوبة تحت ادارة مواطن حقير من مستعمرة نوكراتيس بالدلتا ( دمنهور حالياً ) هو كليمونيز الذى سرعان ما اصبح ديكتاتوراً فى مصر بعد رحيل الاسكندر الى الفرات لمحاربة الفرس (الديكتاتور كليمونيز وحاميته القليلة العدد تحكم شعب مصر باسم شرعية الاسكندر ابن آمون رع ) حين توفى الاسكندر أسرع بطليموس الأول باعدام كليمونيز وأعلن نفسه حاكماً لمصر تحت اسم سوتر المنقذ وحرصاً على الشرعية الدينية قدم رشوة ل أريهيدايوس الضابط المسئول عن نقل جثمان الاسكندر الى مقدونيا ليغير اتجاه الموكب الجنائزى الى ممفيس العاصمة القديمة لمصر لحين اعداد مقبرة تليق باسم الاله ابن آمون فى العاصمة الجديدة الاسكندرية ، وحين تم بناء السوما المقبرة الملكية تم نقل جثمان ابن آمون اليها فى احتفال مهيب وأعلن انتقال الشرعية الى بطليموس سوتر المنقذ ، وفى سنوات قليلة نقش الكهنة المصريون على جدران معبد ادفو أن الاله حورس أهدى الى ابنه الملك حورس الحى بطليموس كل الأراضى المزروعة حول النيل ( المصريون هم فلاحو الاله بطليموس حورس الحى ، بعد عام 1807 م أصبح المصريون فلاحى الباشا محمد على الكبير ) حين بدأ المصريون التحول الى المسيحية ظهرت اشكالية جديدة ، فلم يعد مقبولا أن يكسبوا حكامهم الرومان الوثنيين الذين يضطهدون أتباع الدين الجديد القداسة والشرعية الدينية ، فكان الحل هو اسباغ الشرعية السياسية على زعمائهم الدينيين فتم منح شرعية الزعامة المدنية للبابا ديمتريوس البطريرك الثانى عشر للاسكندرية عام 189 م بعد مرسوم ميلان 313 م أعلن قسطنطين وماكسنتيوس انهاء اضهاد المسيحيين ، وفى عام 325 صدر مرسوم نيقية الذى أعلن ادانة الاريوسية وعدم الاعتراف بها ثم توفى البابا الاسكندر وخلفه اثناسيوس ، الذى تفرغ للصراع ضد آريوس والاريوسيين حول السيطرة المدنية وزعامة الثوار من الطرفين المتحاربين يقول وول ديورانت ( ان سلطة بطريرك الاسكندرية تكاد تضارع سلطة الفراعنة والبطالمة ، وكان هؤلاء البطاركة ساسة من رجال الدين ) ، ونتيجة لترسخ فكرة البطريرك الزعيم المدنى الذى يتبعه شعب الكنيسة صار على الاباطرة الرومان منذ عهد جستنيان ارضاء هذه الغريزة الموجودة لدى المصريين فصاروا يرسلون الولاة الذين يقودون السلطة السياسية ويرأسون الكنيسة ( البطريرك هو الزعيم الحقيقى الذى يتبعه الشعب دينيا ومدنيا ) دخل عمرو ابن العاص مصر ، وتقبل المصريون الذين دخلوا الى الدين الجديد الاسلام فكرة الطاعة الكاملة للزعيم السياسى الذى يحكم كخليفة لله فى الأرض ويستمد شرعيته من اسم الله لا ينازعه في سلطته الا عاص أو مارق عن الجماعة ، ولم يكن غريباً أن المصريين هم الذين تبنوا استمرارية امتداد الحقوق الالهية للعباسيين رغم انهيار دولتهم ، فاختاروا رجلاً أعلنوه خليفة عباسياً يأكل وينام ويعيش بينهم بلا دولة يحكمها (الشرعية الدينية المقدسة لا تفنى بل تمتد وتورث) اللاشعور الجمعى المصرى خاضع لفكرة الزعامة المقدسة ، فهل يمكن التخلص من تراث ستة آلاف سنة من العبودية الكاملة للحاكم لمجرد أن البعض يرغب فى الديمقراطية و تداول السلطة ؟
#هشام_الطوخى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العقل الأبوى : موت العقل العربى
-
نحن والتطرف : الصمت شريعتنا والمجد للصامتين
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|