قاسم العزاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4563 - 2014 / 9 / 3 - 00:11
المحور:
الادب والفن
من قال اني لم اذهب هذه الليلة الى الحانة ....؟
لا ... بل لم اغادرها من ليلة البارحة , كل ما اعرفه وجدت نفسي مرميا تحت منضدتي اسمع بما يشبه الحلم انسدال باب الحانة وقرقعت الاقفال والمزاليج وتمتمات النادل اللعين ...! من هنا , من قعر الحانة المظلمة والاقداح المقلوبة ورائحة القيء وبقايا الخمر .... كنت اهذي بما تيسر لي من ثمالة اللغو وانثيالات الكلام اجر جسدا تعتعه السكر لعلي امسك بقضيب النافذة الموصدة الا من خرم شجته قنينة فارغة كان قد قذفها احد الجنود القدامى متوهما او مقتنعا _ على ما اظن _ بأنه اصاب عدوا متسللا اخترق منطقة الحجابات ..! لِمَ تذكرت تلك اللحظة ايام الحرب ...؟! والحروب متتابعة تحدث خرما لولبيا في تلافيف الذاكرة ... امعنت النظر الى كتل الصخور السود المتناثرة مثلما ثكالى مرملات ملفعات بالسواد يندبن بصوت اشبه بالعواء رحيل الاحبة وبقية العمر المسحوق بدون فحولتهن ...! الحكاية تقول ولو اني لم اصدقها , بل لم اقتنع بها اصلا : ان الله مسخ قوم لوط الى هذه الاحجار السود وجعلها تصدر ذلك الانين المكتوم ليلا , وتستقبل الذاهبين والاتين بمؤخراتها ...!
لكم انا حائر اين اذهب ....؟!
ولكني هنا في قعر الحانة الوك هذياني واعتل السلم من اخر الدرجات نزولا نحو ذروة الارتقاء الموصلة الى اكتمال الضجر , ارمم ذاكرتي المشروخة واعد مركبتي وجنح فراشتي واصرخ وحيدا في بئر الحانة , لكني لااسمع سوى زعيق السواق المتواصل , يله شام ... نفر واحد استاز , ليتني اسمع بغداد ... علاوي نفر واحد طالع .
اجنح بعيدا بالمسافات والزمن الى بغداد وتلمع ذاكرتي المزججة بشوارب كثة متهدلة , ونظرات ثور مستفز ,وكرش مندلق وصولجان بمسامير ناتئة ومدية تتراقص في نطاق عسكري , ويسأل بصوت آمر مستهتر عن الشيوعي القذر...! تقلصت الغرفة الآيلة للسقوط حتى صارت بحجم القنينة حينها لم ار سوى رحم امي , ولكن : كيف لرحم امي ان يستوعبني ثانية ...؟!
( ها اني امازح جورج الساقي ) هل حاولت الولوج الى رحم امك ...؟
جورج النادل يفتح فمه مستغربا ... لكنه لايلبث ان يقهقه عاليا وتنتفخ اوداجه ويقول : لقد سكر الولد الجميل قبل ان يشرب ! ( ثمة قلب اسود مقرور كل يوم عند اوان المفطس يسمر قدما في حائط الحجر واخرى فوق ارض تحتفي بالروث والبعرور والقش , القش وحده سلطة الوظيفة فهو الذي يستر شخة الكلب ويلجم فم الفضيحة ...) تحملوني سادتي فانا مازلت اواصل هذياني واصيخ السمع لهديل الاسد ونباح الطير ونعيق الكلب وحفيف الحجر وصهيل القطة وزقزقة الفيل و.... عوائي !!! الذي لم ينقطع من فرط هذيانه حتى وان انقطع ذيلي سأزحف ملء ارادتي لاشيع مكعبات الثلج الثلاثة بعد انتحارها بأخر قطرة ساخنة من الجن والانس وأرمم في ذاكرتي الهاذية مدينة لم تكن تشبه بحال تلك التي امنحها عيني الان ... وأعيد رصف طابوقها الفرشي , مدينة ما غادرتني يوما بيوتها وازقتها انهارها وبركها الاسنة قواديها وقواداتها جوامعها وكنائسها ومنائرها الذهبية مطاعمها وحاناتها وقاهيا ومقاصفها الليلية كلابها السائبة وقططها التشرينية ووجوه اناس الفتهم تقدح في ذاكرتي حتى وان طمرت بالاف الاطنان من الروث ...! مازلت اذن في الحانة ولكن هذه المرة عادت وغصت بالزبائن , يبدو اني لم ابارحها منذ ليلة ما قبل البارحة , ولكن من قال بأني لم اذهب الى الحانة ؟ ! وتشييع مكعبات الثلج ليس بالهين كما تعلمون ... وقاسم كبسلة يحاول جاهدا ان يعرف موضع قدمه ويتحاشى الخوض في مياه البحر الممتد حول فناء مقهى حسن عجمي ,ولكن بدون جدوى ينتحر المكعب الاخير من الثلج وفي الرشفة العاشرة بعد الالف وبالتحديد في الثمانينيات من اول حرب معلنة , كان عليه اعني قاسم كبسلة ان يحدد موضع المدفع المعادي بواسطة جهاز الثيود لايت ولكنه كان التهم رطلا من المكبسلات وبدلا من ان يرصد وميض المدفع المعادي كان ان رصد القمر الناهض من بين الجبال ومرر احداثياته الى بطرية المدفعية وبرشقة واحدة من بطرية كاملة كاد القمر ان يخر صريعا ...! ومن حينها لم يكلف كبسلة بأي واجب للرصد ...
اعتقد بأني جنحت بعيدا عن تسييع مكعبات الثلج ونسيت :
1- اكرم حماقة : لاادري لماذا سمي بحماقة ؟
2- رحيم اين ساقي where is my lag البارحة رأيته في نادي اتحاد الادباء بعد ان شرب قنينة كاملة من الجن قال : اخطط جادا لاغتيال علي السوداني لكنه بعد ان حاول ان يغادر كان قد فقد قدمه الاخرى ..!
3- منصور مولير معذرة لصديقي الجاحظ .
4- عدي الصبي الذي لم يستحم منذ اربعين حولا .
5- و... و... و... علي السوداني .
يقال انه رأس الفتنة في مأزق دارفور بعد ان ذهب الى السودان ولكن , اغلب الظن ان منصورا تتبعه في غفلة من الزمن واطاح برأسه المنكوش مابين الخورنق والسدير , وتلك تالله رواية ضعيفة لاني واحلف بجميع الرسل والاولياء رأيته البارحة وبالتحديد قبيل انبلاج الفجر وكان يمتطي ديناصورا ويمخر في عمق المحيط الاطلسي تطارده الغيلان والسعالي حتى وهو في مدفنه المائي رغم توسلات امه ان يرجع للبيت والحمام الساخن والدارسين والسمك المسكوف ومريم الفاتنة لكنه يصر على الترحال والغور بعيدا حيث اور و 4250 سنة يضاف لها 2014 عام ليقابل هناك حنا ابو العرك وينام ولا يصحو الا على زغب خدران يختلس النظر حيث تنام سارة بنت خضوري زوجة حنا ابو العرك , ومن هناك يخطط بسرية تامة لاختيال حنا وابو داود المسكين الذي طالما قدم لنا الذ الشاي في مقهى حسن عجمي ,رحم الله لقد مات المسكين وهو ينتظر من علي السوداني دولارات تأتيه على جنح نورس تائه ...! نعم اقاسمك هذه المهمة النبيلة ولكن ليس لاختيال ابو داود وانما اخطط بترميل أمرأة دميمة ان كان لها بعل اتهمتني بالقرف .. لكن الطريق المؤدي الى المدينة مكتظة بالناس اياد كثر تتبادل المواقع يسار يمين امام خلف احصنة حمير جرارات شريط لحمي يتلوى عبر الجبال السود والوديان المحروقة لتلتقي في باحة المدينة ,هناك تقرع الطبول والصنوج وزغاريد النسوة الشبقات تشق عنان السماء ودبكات الرجال تثير زوبعة التراب .. الاطفال بملابس العيد والعربات تحوم فوقها بالونات ملونة الكل فرحون بهذا الاحتفاء البهي , احتفال تدشين مقبرة رائعة في قلب المدينة المفترضة التي لم يجف بعد مابها من دماء ينز من بين طابوقها المتآكل ...!
الحانة اقفلت ابوبها لليلة الثالثة على التوالي وانا مازلت مدفونا داخلها وما زلت اهذي بما تيسر لي من لغو الكلام اقلب ( اسمال بالية ) اليتيمة حينها يلصف بالظلام السن الوحيد لابن دمو يسافر مع الريح مايتردد صداه في عمق الليل البهيم خ ...ر...ا...ت...ي ي ي ي ي ت وسيل من الشتائم التي لم يحتويها قاموس لامن قبل ولا من بعد ... في الليلة ما بعد الثالثة وجدت نفسي مرميا داخل غرفتي فوق سريري وهذا يعني اني خارج الحانة ويعني ايضا ان حبل هذياني انقطع حتما ويعني ايضا ... وايضا لااستطبع ان اواصل بعد ولاأسأل عمن اخترع الكعب العالي لان الوجوه المدسوسة في ذاكرتي الدائر بها على مااتسع من المخيلة واندرس في تلافيفها قد غادرتني بمجرد ان انقطع حبل هذياني , فمن اين لي اعرف من اخترع كعب الحذاء العالي ..؟! وكيف لي ان اخبركم عما تشير اليه عقارب الساعة حتى وان مزقوني اربا اربا لاني كنت الثغ ( وساعتي تلثغ بالسين ) هي الاخرى ( والمشهد يتلاشى والحشر يوزع نفسه على طفلة حلوة ظلت تلثغ بالسين )
حاولت النهوض من فوق سريري لكني لم استطع حاولت مرة اخرى واخرى لكني عبثا ان استطيع النهوض , ومن حينها عرفت اني ما زلت اعوم داخل قبر متصل بقبور متصلة ... ليتني لم ابرح الحانة صحيح من هو ( الكلب ابن الكلب ) الذي انتشلني من الحانة ورمى بجسدي المتهالك في هذا القبر الجهنمي المتصل...
( هامش : ماتيسر له مجموعة قصصية مشتركة للقاصين علي السوداني وحسن دعبل , وهذه الرؤيا القصصية بمثابة رؤية نقدية ).
#قاسم_العزاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟