|
الخروج من الجغرافيا : على طريق الخروج من التاريخ
سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 1286 - 2005 / 8 / 14 - 09:59
المحور:
القضية الفلسطينية
ما بين 7 آذار / مارس 1957 إثر اندحار قوات الاحتلال الصهيوني بعد عدوان 1956 و15آب / أغسطس 2005 ، تاريخ بدء تفكيك المستوطنات الصهيونية في القطاع مر الحلم التوراتي الصهيوني بمراحل من النشوة والحضور في الواقع العربي والفلسطيني على أثر جملة الانكسارات التي عاشتها الأمة العربية طوال العقود الماضية ، حققت فيها الحركة الصهيونية وتجسيدها المادي المؤسسة السياسية والعسكرية الصهيونية اختراقات تاريخية عل صعيد جبهتي مصر والأردن ، بعقدهما اتفاقيتي " سلام " مع هذا الكيان الصهيوني الغاصب .
وبذلك بدا وكأن الحركة الصهيونية على عتبة إنجاز حلمها التوراتي في بناء " إسرائيل الكبرى " ، فانتشر قطعان المستوطنين في سيناء والجولان وفلسطين ، على أساس أن هذا وعد " يهوه " لهذه الغزوة الصهيونية الإحلالية في الوطن العربي وفلسطين في الأساس ، وهو تواجد محموم حتمته الأيديولوجيا أكثر منها شروط الواقع الجغرافي والسياسي في فلسطين المحتلة عام 1948 .
فقد عمد غلاة الصهاينة وبتشجيع من كل الأحزاب التي حكمت الكيان الصهيوني على مدى سني الاحتلال بتشجيع هؤلاء الأيديولوجيين بصرف النظر عن اللافتة السياسية التي يرفعها هؤلاء الحكام ، على اقتحام أراض جديدة وإقامة تجمعات استيطانية تستوعب المزيد من قطعان المستوطنين في مناطق الضفة والقطاع لفرض سياسة الأمر الواقع ليصبح ذلك الواقع مع الزمن من المسلمات الديمغرافية ، وذلك بحماية الآلة العسكرية الصهيونية التي سخرت كل تفوقها المادي من أجل تكريس هذا الواقع في الحياة الفلسطينية في المناطق المحتلة عام 1967.
وعلى أساس من ذلك البناء الذهني ، لم يكن يدور بخلد أحد من أولئك الغزاة ، أنه سيأتي ذلك اليوم الذي يطلب فيه منهم أحد أبرز غلاة زعماء التيار التوراتي في الكيان الصهيوني تفكيك حلمهم الأيديولوجي في جزء من الأرض الفلسطينية ، والذي يمس في الصميم الأساس الفكري الذي بني عليه المشروع الصهيوني في فلسطين والمتعلق باحتلال الأرض . والذي فرضته حالة المقاومة بكافة أشكالها وذلك الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني طوال سنوات الاحتلال ، بعد أن اعتقد البعض أن لا قبل للشعب الفلسطيني بمواجهة هذا التفوق المادي في ميزان القوى بين الكيان الصهيوني والشعب الفلسطيني .
ومع ذلك أتت لحظة الحقيقة التي فرضها في الأساس صمود ومقاومة هذا الشعب بكل قواه الحية رغم كل ما لاقاه من هؤلاء النازيين الجدد من محاولات لتدمير الحياة أينما حلو ، غير أنهم لم يدركوا أن هذا الشعب يختزن من الطاقة والقدرة والعزم وقوة الإرادة ما لا يمكن لكل مراكز الدراسات والمخططين الاستراتيجيين الصهاينة وغيرهم من سبر غوره ، ذلك أنه كلما ازداد طغيان وجبروت العدو ، كلما ازداد بالمقابل صبر ويقين وجلد وثبات وإصرار هذا الشعب على تحقيق أهدافه باقتلاع الأساس المادي للمشروع التوراتي في فلسطين .
من هنا تأتي شدة الصدمة الأيديولوجية لدى اولئك النازيين الصهاينة من قطعان المستوطنين ، والتي تجلت في حالة الانقسام في معسكر الصهاينة الأيديولوجيين ، ذلك أنهم يدركون أن خروجهم من مستوطنات شمال الضفة وغزة يعني بداية الخروج من الجغرافيا الفلسطينية مقدمة لخروجهم من تاريخ الوطن الفلسطيني والمنطقة العربية .
ومع أن قناعتنا أن انكفاء المستوطنين من غزة وشمال الضفة يمثل خطوة صغيرة بمقياس تحرر الأرض ، ذلك لأن العدو الصهيوني سيبقى مسيطرا على الأجواء والماء والمعابر ، إلا أنها بالمعنى الفكري والسياسي تصب في مجرى زعزعة الأساس الأيديولوجي الذي جرى على أساسه تجسيد الكيان الصهيوني في فلسطين ، وما رافقه من حملات للتوسع الاستيطاني في المناطق المحتلة عام 1967 ، تحقيقا لمقولة " إسرائيل الكبرى " .
وإذا كانت " إسرائيل الكبرى " كمفهوم سياسي وايديولوجي قد بدأ طيها في الواقع مع البدء في بناء سور الضم العنصري في الضفة الغربية ، فإن الكيان الصهيوني الذي يتكئ على خرافة وعد " يهوه " لما يسمى بشعب الله المختار قد أصيب من زاوية أخرى في الصميم ، وهو يفكك تلك المستوطنات التي هي في الجوهر بناء أيديولوجيا أكثر منها مبان من " الحديد والخشب والحجر " يقطنها مجموعة من قطعان المستوطنين ، ذلك أنها تعني بداية تفكيك المشروع الاستيطاني الصهيوني بعد ما يقارب القرن من انطلاقة كفكرة .
ولا شك أن قراءة هذه الخطوة في هذا السياق الفكري والسياسي لتؤكد في الجوهر أن استمرار تفكيك هذا المشروع التوراتي يتطلب مزيدا من العمل والصبر وعدم التفريط بقضايا المستقبل وفق شروط اللحظة غير المناسبة ، ذلك أن النتائج مرهونة بأسبابها ، ومن ثم فإن الأهداف الكبرى والعظيمة تتطلب عملا كبيرا بحجم تلك الأهداف والمدخل لذلك هي الثقة بقدرة الشعب وإمكانياته غير المحدودة متى توفرت له شروط العطاء .
وهذا يفترض التوجه نحو بناء مجتمع ديمقراطي على أساس مؤسساتي يحترم الإنسان ويفتح أمامه ممكنات التعبير عن نفسه وتفجير طاقاته الخلاقة والإبداعية ، ليكون ذلك البناء الرافعة التي من شأنها أن تساهم في صياغة الوطن الفلسطيني الذي سيكون لكل أبنائه على طريق تحقيق عودة اللاجئين وإنجاز التحرير كمقدمة لكنس المشروع الصهيوني من الأرض العربية الفلسطينية في مستقبل الأيام .
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإرهاب الصهيوني : يوحد المشهد الفلسطيني
-
ما أروعكم ياأطفال وطني
-
خطاب الجماعات الإسلامية : بين الواقع والمتخيل
-
الانكفاء من غزة : والفرح المؤجل ..
-
القوى الديمقراطية : ودور يبحث عمن يقوم به
-
حماس : والكلمة الأعلى
-
قضايا الحل النهائي : والسير معصوبي الأعين
-
حذار: من النفخ في شرارة الفتنة
-
حق العودة : وتصويب المفاهيم
-
فتح ـ حماس : وفخ ثنائية الاستقطاب
-
شجرة الفساد : من التقليم إلى الاجتثثاث
-
الكيان الصهيوني ـ موريتانيا : مَنّ يستخدم مَنّ ؟
-
ديمقراطية بوش : بئس المثل
-
يانواب التشريعي : الزمن دوَّار
-
سوريا : وسد الذرائع
-
النظام الرسمي العربي : طريق التهافت
-
المقدس بوش : ومربط الفرس
-
حزب فرنسا : يلبس عباءة الحريري
-
عباس : حدود المناورة
-
الانتخابات : وقبائل اليسار
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|