|
كشف حساب، لنتائج الحرب على غزة
عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني
(Abdel Ghani Salameh)
الحوار المتمدن-العدد: 4562 - 2014 / 9 / 2 - 14:40
المحور:
القضية الفلسطينية
في مشهد مؤسف، عادت من جديد لغة الشتائم والتخوين وتبادل الاتهامات بين فتح وحماس، وبدا كأن مشهد التوحد بينهما موشك على التلاشي. وكنت أود الامتناع عن الكتابة في هذا الموضوع حتى لا يُفهم من كلامي على أنه صب للزيت فوق النار؛ لكن أهمية اللحظة التاريخية الفارقة هي ما دفعني للكتابة .. إضافة إلى فداحة الخسائر، ومئات الشهداء، وعذابات الأمهات، والإهانات التي يعانيها المهجّرون عن بيوتهم قصرا، في كل لحظة، وفي كل تفصيل صغير في حياتهم اليومية الصعبة، والأطفال الذين خسروا حيواتهم، والجرحى الذي خسروا مستقبلهم ..
هؤلاء من يجب أن يكونوا حاضرين في ضمير كل واحد منا، لا أدعي أني ناطق باسمهم، لكنهم هم من منحوني الشجاعة لأكتب .. حتى لا تكون تضحياتهم هباء، وحتى لا يتاجر بهم أحدا، وحتى لا تتكرر نفس المـأساة .. لهذه الأسباب يجب علينا جميعا، وبكل موضوعية وأمانة، أن نجري عملية تقييم، ومراجعة، لكل ما جرى، وأن نطرح كل سؤال دون خوف، وأن نقدم كشف حساب لهؤلاء .. كشف حساب صادق، بدون عنتريات، بدون مزاودة، بدون انتهازية .. لأن ما جرى ليس شئيا عاديا.
إحدى عناوين الخلاف هو اعتبار نتائج العدوان على غزة نصر، أو شبه نصر، أو هزيمة. هذا الموضوع بالذات كان من المفترض أن يكون مجال عمل لجان وطنية متخصصة، تقوم بتقييم الوضع بحيادية وموضوعية، برؤية نقدية ناضجة، هدفها استخلاص العِبر، أو أن يكون محور نقاش داخلي، ولكن بدون لغة الشعارات والكلام الإنشائي والتخوين والأحكام القطعية.
لكن ما حدث فعليا وللأسف، شيوع نوع من الخطاب الذي يصادر الرأي الآخر، ويحكم عليه مسبقا بتهم جاهزة، فمن يرون أن ما تحقق هو نصرا مؤزرا ينظرون لكل من يشككون بهذا النصر، أو حتى يناقشونه على أنهم ليسو وطنيين، وأنهم طابور خامس، مرجفين، مهزومين .. بل ويحكمون على نواياهم ومشاعرهم؛ فإذا تحدث أحد عن الشهداء والضحايا، يصفونه بأنه "يتباكى"، أي يدّعي الحزن، وأنه ليس صادقا في مشاعره.
وهذا النوع من الخطاب هو في حقيقته ضرب من الإرهاب الفكري، يريد قمع كل وجهات النظر التي لا تتفق معه، يريد بأسلوب ديماغوجي إثارة زوبعة من الشعارات الرنانة لتغطي على حقيقة الموقف، وتمنع رؤيته بوضوح، يريد تثبيت روايته، وطبع صورة معينة في وجدان وعقول الناس، تجعل حتى من نقاشها خروجا عن الوطنية !!
وفي المقابل، فإن من يقللون من شأن نتائج الحرب، ولا يريدون اعتبار ما تحقق انتصارا بأي شكل، لا يخلون من الانتهازية السياسية، يريدون تجريد خصومهم من كل مجد بنوه بصمودهم ومقاومتهم، وبعضهم يسعى للتغطية على عجزهم، وتبرير تقاعصهم، وشيطنة الطرف الآخر بأي صورة ممكنة.
وحتى نسمي الأشياء بأسمائها، لا بد من الاعتراف أن أطرافا من فتح، ومن حماس على حد سواء متورطون بهذا النهج الخطابي البائس، يريد كل طرف منهم اقتناص اللحظة التاريخية لصالح حزبه، برؤية فئوية ضيقة، البعض من حماس لا يريد الاعتراف بأي خطأ، ولا يسمح بأي نقد، وكأن جماعته ملائكة منزهين. والبعض من فتح لا يرى سوى نصف الحقيقة، ويغمض عينيه عن كل ما تم إنجازه، بمنهج انتقائي متعصب.
ومن نقاط الخلاف الأخرى: تتهم حركة فتح أطرافاً من حماس أنها قامت خلال فترة الحرب بفرض الإقامة الجبرية على أكثر من مائتين من عناصر ومقاتلي فتح، وأعدمت بعضهم، وأطلقت النار على أرجل بعض آخر، واغتالت قائد ميداني للجبهة الشعبية. وفي المقابل تتهم حماس السلطة بالتورط في التنسيق الأمني، والدخول في حلف إقليمي معادي لحماس، وأن السلطة قمعت الانتفاضة الشعبية في الضفة، وأن كتائب الأقصى في الضفة لم تقم بالدور المأمول منها.
وعلى المستوى الشعبي (خارج نطاق الفصائل) هناك رؤى متباينة يخشى كثيرون من البوح بها .. وأسئلة عديدة وخطيرة، لا يجرؤون على طرحها، تتعلق بنهج وأسلوب المقاومة، وجدوى الصواريخ، ومدى فاعلية المفاجآت التي تحدثت عنها المقاومة، وعن أداء الوفد المفاوض في القاهرة، وعن نتائج الاتفاق الذي تم التوصل إليه، ومقارنته باتفاقات سابقة، ولماذا تأخر التوقيع عليه، وعن مستقبل القضية برمتها، وعن خطابات أبو مازن غير الثورية، وتلكؤه بشأن المحكمة الدولية، وعن دور منظمة التحرير، ودور القوى الشعبية، والأهم من هذا عن قيمة الإنسان في ثقافتنا، وعن الاستخفاف بحجم التضحيات، ثم تجييرها لصالح الحزب، وعن غياب الرؤية الوطنية الشاملة، وعن غياب العَلَم الفلسطيني !!
هذه كلها أسئلة مشروعة، وكل واحد منا لديه إجابات معينة، لكنها للأسف تنطلق من رؤى فصائلية وحزبية، أكثر من كونها إجابات صادقة وموضوعية، بمعنى أن أنصار كل فريق يرددون ما يقوله الناطقون الرسميون باسم الحزب أو الحركة بدون تفكير، وبكل تحيز، وبانتشاء غير مفهوم لجزالة الألفاظ وقوة الشعارات ..
آن الأوان للإجابة على كل هذه التساؤلات .. بمنهج نقدي مسؤول .. لأن النقد الموضوعي هو الذي يقوّم المسيرة، ويمنع تكرار الأخطاء، ويحاسب كل مقصر وكل مخطئ، ويجعل لتضحياتنا ثمنا وقيمة. بينما استمرارية لغة الشتائم والتخوين والانفعالات الغرائزية، والتركيز على الخلافات وتضخيمها، وتصيد أخطاء الآخرين، وممارسة الانتهازية السياسية، والتفكير بالعقلية الحزبية المغلقة .. وغيرها من الممارسات السلبية، ستقضي على منجزاتنا الوطنية، وستحول نصرنا إلى هزيمة، وسنكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.
#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)
Abdel_Ghani_Salameh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيديولوجية داعش، وعلاقتها بالإسلام
-
داعش، والكبت الجنسي
-
في غزة .. انتصرنا ، أم لم ننتصر ؟
-
إمبراطورية قطر العظمى
-
حتى في وقت المعركة .. لا بد من النقد
-
قراءة في الحرب على غزة
-
وماذا بعد !؟ الحرب على غزة
-
دفاعاً عن الشيعة .. دفاعا عن العراق
-
العلاقات المكسيكية الإسرائيلية - دراسة بحثية
-
العلاقات الكندية الإسرائيلية - دراسة بحثية
-
هرتزل، والسلطان عبد الحميد ونكبة فلسطين
-
السويد والقضية الفلسطينية
-
وعاد الربيع .. وبقينا كما نحن
-
صديقي .. المهدي المنتظر
-
أسبوع في بلاد قوس قزح
-
تعذيب طفلة مصابة بالغرغرينا
-
قراءة على جدار فيسبوكي
-
صورة على جدار ..
-
القارئ رقم مليون
-
نظرة من البعيد .. إلى كوكب الأرض
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|