عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4562 - 2014 / 9 / 2 - 13:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
معنى السلفية
السلفية كما يفهمها أصحاب الاعتقاد الجازم بها والمؤمنين باستحقاقاتها أنها تمثل لهم مكون روحي يجمع بين الأصالة والقداسة وبالتالي فإن أحكام العقل القاصر ولو بلغ أعلى الدرجات التكاملية لا يمكن له أن يمس هذه القداسة من جهة كونها مشرعة بزعمهم تكوينيا, ولا تتعدى على الأصالة لثبوتها تأريخيا وبالتالي لا يمكن أن تكون محل نظر أو تشكيك, نحن أمام إطارين يصنعان الفهم السلفي هو التاريخ والقداسة, فلا التاريخ قادرين على أسترجاعه ولا القداسة يمكن للبعض أن يتحرر منها لأنها مرتبطة بكلية قدرية تحترم ذاتها بذاتها.
هنا نجد أن هذا المعنى أي القداسة والتأريخية هو المجمع عليها عند من ينتسب إلى قواعد وتؤسس لمذهبهم الفكري والعقيدي ويصرحون به ويتمسكون بمحتواه, فمثلا نجد أبن عثمين وهو من علماء السلف المعاصرون يجعل هذين الحدين كضابط للمعنى أي يحصره ضمن أحكام القداسة والتأريخية دون أن يتعداه فيقول((اعلم أن كلمة السلف تعني السلف زمناً، والسلف معتقداً، فإن أريد بالسلف معتقداً صح أن نقول لمن هم موجودون الآن على مذهب السلف ؛نقول إن هؤلاء سلف، وإذا قلنا إن السلف هم السابقون زمنا فإنه يختص بالقرون الثلاثة المفضلة، الصحابة والتابعون وتابعوا التابعين ،وكل الأمرين قد استعمله أهل العلم، فتارة يريدون بالسلف من كان على طريقة السلف وإن كان متأخراً زمناً، وتارة يقولون أي يريدون بالسلف القرون الثلاثة المفضلة، ولهذا تجدهم يقولون مثلاً, وهذا ما ذهب إليه سلف الأمة وأئمتها، ويريدون بالسلف هنا القرون الثلاثة المفضلة )) .
ومعروف أن كلمة السلف في اللسان العربي كما نجدها في مصادر العربية تشير إلى الجانب التاريخي فحسب دون أن يكون هناك أي وصف خارجي أخر له إلا إذا أشير لمعنى مرافق يغير من الحال التوصيفي له, قال ابن فارس السين ،اللام والفاء أصل يدل على تقدم وسبق، ومن ذلك السلف الذين مضوا، والقوم السلاف المتقدمون وذكر ابن منظور أن للسلف معنيين, أحدهما كل شيء قدمه العبد من معنى صالح، أو ولد صالح والثاني الذي يتقدم الإنسان من آبائه وذوي قرابته الذين هم فوقه في السن, قال ابن الأثير في النهاية, وسلف الإنسان من تقدمه بالموت من آبائه وذوي قرابته، ولهذا سمي الصدر الأول من التابعين السلف الصالح ويدل لهذا قول النبي صل الله عليه وأله وسلم لابنته فاطمة(وَإِنِّي لَا أُرَى الْأَجَلَ إِلَّا قَدْ اقْتَرَبَ فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي فَإِنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ) .
إذن لا نجد في ما جاء بلسان العربية من معاني تشير إلى القداسة والتقديس في مفهوم السلفية, ولكن ما جاء على لسان أهل المذهب السلفي في التعاطي مع العقيدة الدينية من قراءة وفهم جعل له معنى اصطلاحي حافظوا فيه على معنى التاريخية وزادوا عليه اللمسة القدسية ليدعموا منحى التفكير وليعطي بذلك نوع من القهرية الإستلابية تجاه خصومهم من خلال زرع هذا المفهوم الغريب عن العقيدة والمنطق العقلي في قواعد التمسك العقيدي لأتباعهم لغرض ما, قد نكتشف أسراره في مضان البحث لاحقا.
هذا الميل الإستلابي القهري المزروع نستكشف أيضا في تعريف السلفية السابق وما أستقر عندهم كمصطلح ثابت يتداولونه كما لو أنه من الوحي الرسالي بل ويزعم البعض أنه من أصول الدين لديهم((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة ما أنا عليه وأصحابي وهذا الحديث أصل كبير من أصول السنة بل هو أكبر أصولها مطلقا والدين النصيحة لله ورسوله وللمسلمين ومن أحب لله وأبغض لله فهو الإيمان ولن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أمر أولها وليست الفرق تاريخا انتهى بل ما تزال كل فرق المسلمين ولكن يتسمون بغير أسمائهم التي عرفهم عليها السلف الصالح)) ,إذن هم عند السلفية((هم الصحابة رضي الله عنهم، والتابعون لهم بإحسان ،المتمسكون بالقرآن والسنة على فهم الصحابة رضي الله عنهم )), فنسبة السلفية للصحابة مؤشر على تقديس ما يجمعون عليه من كون الصحابة كمجموع هم في حالة عصمة وبذلك يكون النسبة للعصمة ألجمعية أيضا متحقق كما نرى في قول للعلامة الألباني حين يطرح هذا المفهوم للعرض العام.
الألباني يفهم السلفية ليس كمقاربة تأريخية بغطاء قدسي فحسب بل ينسبها للعصمة التي تعني عدم قابليتها طبيعيا وتكوينا أن تكون محل مخالفة لأن ذلك يعني الخروج عن الملة السليمة, وهذا القول مقطوع عند الكثير من السلفية باليقين الجازم ((الدعوة السلفية نسبة إلى ماذا؟ السلفية نسبة إلى السلف، فيجب أن نعرف من هم السلف إذا أطلق عند علماء المسلمين(السلف)،وبالتالي تفهم هذه النسبة، وما وزنها في معناها وفي دلالتها، السلف هم أهل القرون الثلاثة الذين شهد لهم رسول الله صل الله عليه وسلم بالخيرية، في الحديث الصحيح المتواتر المخرّج في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم "هؤلاء القرون الثلاثة الذين شهد لهم رسول الله صل الله عليه وسلم بالخيرية ،فالسلفية تنتمي إلى هذا السلف، والسلفيون ينتمون إلى هؤلاء السلف، إذا عرفنا معنى السلف والسلفية، حينئذٍ أقول أمرين اثنين .
الأمر الأول: أن هذه النسبة ليست نسبة إلى شخص أو أشخاص كما هي نسب جماعات أخرى موجودة اليوم على الأرض الإسلامية، هذه ليست نسبة إلى شخص ولا إلى عشرات الأشخاص، بل هذه النسبة هي نسبة إلى العصمة، ذلك لأن السلف الصالح يستحيل أن يجمعوا على ضلالة، وبخلاف ذلك الخلف، الخلف لم يأت في الشرع ثناء عليهم، بل جاء الذم في جماهيرهم، وذلك في تمام الحديث السابق، حيث قال النبي عليه السلام ..ثم يأتي من بعدهم أقوام يشهدون ولا يستشهدون ......إلى آخر الحديث "،كما أشار عليه السلام إلى ذلك في حديث آخر، فيه مدح لطائفة من المسلمين وذم لجماهيرهم بمفهوم الحديث، حيث قال عليه السلام "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله أو حتى تقوم الساعة, هذا الحديث خص المدح في آخر الزمان بطائفة، والطائفة هي الجماعة القليلة، فهي في اللغة تطلق على الفرد فما فوق ،فإذن إذا عرفنا هذا المعنى للسلفية، وأنها تنتمي إلى جماعة السلف الصالح، وأنهم العصمة فيما إذا تمسك المسلم بما كان عليه هؤلاء السلف الصالح، حينئذٍ يأتي الأمر الثاني، الذي أشرت إليه آنفاً ألا وهو أن كل مسلم يعرف حينذاك هذه النسبة، وما ترمي إليه من العصمة، فيستحيل عليه بعد هذا العلم والبيان أن لا أقول "أن يتبرأ " هذا أمر بدهي لكني أقول يستحيل عليه إلا أن يكون سلفياً، لأننا فهمنا أن الانتساب إلى السلفية يعني الانتساب إلى العصمة.
القول عند من يدعي أنه كل مؤمن حقيقي لابد أن يكون سلفيا بمعنى أن السلف السابق من الأمة الذين عاصروا النبي صل الله عليه وأله وسلم والقرون الثلاثة الأولى هم القدوة وهم القادة على أساس اعتبارات حددهما المنهج السابق وهما :.
• العصمة الجمعية للسلف مطلقا.
• تزكية النبي لهم جملة بدون حدود.
• ذم مخالفة السلف وتكفير من لم يتابعهم.
• التتابع على منهجهم ضرورة عقلية ولزوم عقدي.
• إن العقيدة الحقيقية هي ما هم عليه السلف الصالح.
• حصر قدرة التدبر وأدراك العقيدة لا بد أن يكون تحت عباءة السلف وما هو غير ذلك فهو باطل لآن فيه خروج عن المقدس والمعصوم بأمر الله ونص الرسول صل الله عليه وأله وسلم عليه حسب ما زعموا.
هذا التكييف للعقيدة عند السلفي يعني كفهم لها وطرائق ذلك الفهم أن العقل واللب السليم ليسا دليلا للمؤمن في ما يثبت وينفي ويؤمن به وعليه أن يعتمد في تدبر أمر الله على ما قد ثبت عند مؤديات الإدراك والفهم والعقل العلم الحاصل للغير, ومن خلال حصر ذلك في طائفة من الأمة دون غيرها مما يجعل القرآن الكريم أسير الزمان ورهين المكان ويتموضع حيث يقف السلف الصالح, لا حق لأحد أن يخرج عن هذه المحددات.
النتيجة الأولى, من ملخص هذا الكلام هي أن العقل الإنساني خارج إطارية السلف غير صالح مطلقا للتعامل مع النقل المقدس ولا يصلح لإدراك المقاصد من المباني من النصوص وبالتالي هذا يعني أن العقلية التي تمتع بها السلف هي عقلية خارج حدود الإنسانية ومساوية في درجتها مع موضوع النبوة التكويني لأن مقام النبوة موصوف أصلا بالعصمة التكوينية ,لذا نكون هنا أمام حالة لا يمكن أن تتكرر ولا تعود مرة أخرى مطلقا, والانتساب لهذه العقلية يعني انتساب للحق المطلق.
النتيجة الثانية, القرآن الكريم كرسالة مرتبط بظرف وحال وهي مخصوصة لهما وما نتج عن هذا التخصيص هو البديل عن القرآن الكريم وخاصة في مجالات الدعوة الربانية التي أطلقها القرآن الكريم ذاته في الآيات التي أشارت إلى(يعقلون) (يتدبرون) (يتفكرون) (يعلمون), ونسبة دلالات هذه الآيات إلى ما صرفه السلفيون إلى النتاج العقدي الإيماني للسلف الصالح وليس للقرآن كون المتأخرين غير مخاطبين بتلك الدعوات.
النتيجة الثالثة, بناء على النتائج السابقة فيكون العقل الإسلامي ليس عقلا منتجا ولا مجتهدا ولا يمكنه أن يتوافق بين الأحوال المتجددة والقواعد الثابتة ,وهذا يعني رفض لحركة الزمن وفعلها وإنكارا لدور القرآن الكريم كونه حال متجدد ومتوائم ومتوافق مع تبدل الأحوال والأزمان وإن كل ما هو جديد ومستحدث من فكر ومعرفة وعلم لم يدركه السلف الصالح باطل وغير حقيقي ولا يمكن التعامل بمؤدياته ومعطياته لدرجة التحريم ليس لأنه غير حقيقي في الواقع العملي ولكن لأن السلف لا يدركه, وهذا يعني إنكار للحقائق برغم ثبوتها باليقين القاطع.
النتيجة الرابعة, إنكار قدرة العقل الإنساني على التطور والتوسع في المدى الإدراكي وعوامل اكتساب العلم والمعرفة ونكران ذلك على العقل خارج حدود عقل السلف الصالح, لكون الأخير قد وصل درجة البتات الحرجة التي تعني الكمال الذي لا يمكن أن يكون هناك إمكانية للتغلب على حدود البتات هذا مهما كانت الأسباب وحتى الضروري منها, وحتى لو خالف العلم والعقل السوي.
النتيجة الخامسة, وهي الأخطر في الموضوع هي إن كل الأوصاف التي مدح الله فيها المؤمنين لا يمكن أن تتحقق للمتأخرين عن القرون الثلاثة وعن هوية السلف الصالح, فمثل قول الله تعالى{ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} فلو ربطنا هذا الوصف بحدود معرفة السلفيين له فمعنى ذلك أننا كمؤمنين ولو كنا في أعلى درجات الإيمان لا يمكن أن نكون متقين لأننا ممنوع علينا الاهتداء بذلك الكتاب إلا من خلال هدى السلف الصالح الذين هم وحدهم يحق لهم الاهتداء بذلك الكتاب ,وما علينا إلا أن نكون نسخ طبق الأصل لهم ومن خلالهم وليس من خلال الكتاب نكون من المتقين.
هذا كل ما يمكن أن نستخلصه من خلال مؤديات ونتائج القيم السلفية في التعاطي مع الدين والعقيدة, وما على المسلم إن أراد أن يكون مؤمنا بعوامل الإيمان الحقيقي لا بد له أن يكون سلفيا روحا وعقلا ومنطقا ومنطلقا, دون الالتفاف إلى نعمة الله التي استودعها ربه عنده من ملكة التفكير والتعقل والتدبر والخروج عن كل قيم العقل والعلم نحو قيم التقليد الأعمى المذموم بقول الله تعالى {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ }الزخرف 22.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟