|
كفى ترويجًا لأوهام جديدة
خليل كلفت
الحوار المتمدن-العدد: 4562 - 2014 / 9 / 2 - 09:23
المحور:
القضية الفلسطينية
لا شك فى أن التوصل إلى هدنة تُوقِف المذبحة الإسرائيلية للشعب الفلسطينى فى غزة كان نجاحا للمبادرة المصرية، بعد أن رفضتها حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية لفترة غير قصيرة انصياعا لرغبة الإخوان المسلمين وقطر وتركيا وأمريكا فى إفشال أىّ دور إيجابى مصرى لحساب دورها هى. ولم تتجاوز الهدنة حدود وقف مواصلة المذبحة، غير أن النجاح فى عقدها، كان فى المحل الأول نجاحا فى إنقاذ الشعب الفلسطينى بعد أكثر من ألفين ومائتين من الشهداء، وأكثر من عشرة آلاف وثمانمائة من المصابين، وأكثر من رُبْع مليون من المشرَّدين، وهدم عشرة آلاف إلى عشرين ألف منزل، وتدمير المستشفيات والمدارس ودور العبادة والبنية الأساسية وحتى مؤسسات للأمم المتحدة. وتعلن إسرائيل انتصارها المتمثل فى تلقين فصائل المقاومة درسا قاسيا من شأنه أن يُوقف كفاحها المسلَّح بالصواريخ وغيرها. وقد تمثَّل الدرس القاسى فى حجم القتل والدمار، وكذلك فى الإضعاف الجذرى للقدرة العسكرية للمقاومة، من خلال النزع العسكرى الفعلى لسلاحها، وحرمانها من مصادر السلاح والأموال، وإجبارها على نسيان إسرائيل والانكفاء على لعق جراحها، والتركيز على تشييد وترميم المبانى والبنية الأساسية. وبدلا من رفع الحصار الذى شددت عليه المقاومة، جرى تشديد الحصار بتدمير الأنفاق، مع إجراءات مثل توسيع محدد للمجال البحرى، وفتح المعابر بين غزة وإسرائيل، ولا يخفى أن فتح المعابر مع إسرائيل مصلحة اقتصادية وتجارية إسرائيلية فلسطينية مشتركة. وتقصد حماس بانتصارها نجاحها فى الصمود فى وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية أكثر من خمسين يوما، وقتل قرابة سبعين من أفراد الجيش الإسرائيلى، وترويع الإسرائيليِّين بإطلاق الصواريخ على عمق إسرائيل، رغم تواضُع النتائج، وإجبار إسرائيل على عدم توسيع نطاق حربها البرية تفاديا منها للمزيد من الخسائر البشرية، وحصولها على وعود بتفاوض قريب حول مطالبها، وكذلك انتصارها سياسيا وأخلاقيا باعتبار إسرائيل قاتلة أطفال وشيوخ ونساء، أمام العالم كله. فلماذا قبلت حماس المبادرة المصرية، بموافقة الإخوان المسلمين وقطر وتركيا وأمريكا، بعد رفضها طويلا، رغم أن نجاحها سيُحسب لمصر؟ هناك أسباب مترابطة منها مخاوف أن تقوم إسرائيل باحتلال غزة، ومنها مخاوف أن يؤدى المزيد من الدمار والخسائر البشرية إلى ثورة فى غزة ضد حماس وباقى الفصائل، ومنها البدء فى اغتيال قادة كبار لحماس والقسَّام والمقاومة، وكذلك اتضاح أن الاحتجاجات المتوقعة ضد مصر لم تنفجر ولا تبشر بالانفجار. ولا شك بالطبع فى أن الأطراف المعنية عرقلت المبادرة المصرية لإثبات فشل الحكم الجديد فى مصر، وعجزه عن إنقاذ غزة، استغلالًا لفرصة مواتية أتاحها خطف حماس لمستوطنين شبان وقتلهم، رغم أن العدوان الإسرائيلى على غزة كان أكثر من متوقَّع فى هذه الحالة، وإنْ كان هذا لِقاء التضحية بالشعب الفلسطينى فى غزة؟ وربما خلقت تلك الأطراف الفرصة خلقا فى سبيل تطوير أوضاع يمكن فيها إسقاط الحكم الجديد وعودة الإخوان؟ وقد اعترف خالد مشعل بأن حماس خطفت الإسرائيليِّين بالفعل، لكننا لا نعرف ما إذا كان الخطف مخططا أم عفويًّا. وإذا كان مخططا فكيف نسيت حماس درس حزب الله الذى أكد زعيمها حسن نصر الله أن قيادة الحزب ما كانت لتخطف الإسرائيليين لو علمت أن رد الفعل الإسرائيلى سيكون بذلك الحجم. وقد يبرِّر الوضع الراهن فى مصر التفكير فى كل اتجاه، رغم أن وجود مخطط كهذا كان سيعنى أن هذه الأطراف ربما كانت مضطرة إلى قبول ضربة إسرائيلية قاصمة مرجَّحة تضحِّى فيها بحماس والمقاومة، أىْ القبول بخسارة حماس فى سبيل كسب مصر. والحقيقة أن الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين كانت ضربة صاعقة لمشروع أمريكى لحكم المنطقة بهم. وسرعان ما صارت مصر مُحاصرة بطوق من الإسلام السياسى الإخوانى السلفى الداعشى من الغرب الليبى، والشرق الحمساوى، والجنوب السودانى، المدعوم بدعاية عدوانية أمريكية وغربية ضد مصر. فهل كانوا يتصورون أن عجز مصر عن إنقاذ غزة، سيؤدى إلى انفجار إعصار إخوانى سلفى جبار من الاحتجاجات الداخلية والخارجية من شأنها استعادة الشرعية المزعومة لحكم المرشد؟ غير أن النجاح المحدد للمبادرة المصرية أفشل المخطط المحتمل، وربما كان هذا مؤقتا لأن فشل المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس لرفع الحصار قد يؤدى إلى تجدُّد الحرب، إنْ لم تتخلَّ حماس عن عنتريتها. ومع أن حماس لا تخضع عمليا لمنظمة التحرير، وتضطر إلى الاعتماد على دورها فى المفاوضات، وإلى تسليم المعابر لحراستها، وتتشدق مؤقتا بالوحدة الفلسطينية المستعادة، مع أنها تحتفل بالنصر المتوهَّم الذى تنسبه لنفسها دون منازع، وتتنصل من مسئوليتها عن الخسائر الهائلة والمعاناة الطويلة التى ستجلبها، مع أنها تُدرك بالطبع أن هزيمتها أفقدتها مركزها الدينامى السابق على طريق مصيرها المجهول. ويُبشِّرنا أبو مازن بأن نتنياهو وافق على الدولة الفلسطينية فى إطار حل الدولتين داخل حدود 1967، ليُغرقنا هذا من جديد فى ترويج متجدد للأوهام التى تزرعها إسرائيل، التى أثبتت التجربة الطويلة أنها تريد أراضى فلسطين كاملةً غير منقوصة.
#خليل_كلفت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عرب 48 وعرب 67 فى إسرائيل
-
الفلسطينيون بين الحصار والترحيل
-
مجلس النواب وفصل السلطات
-
مجلس النواب والشعب
-
استشراف ما بعد الانتخابات
-
ضجة حول مقال للدكتور نصار عبد الله عن ظاهرة أطفال الشوارع
-
قراءة موضوعية للانتخابات
-
من المقاطعة إلى المشاركة
-
خليفة حفتر: بصيص أمل فى ليبيا؟
-
دعاوى المصالحة جريمة نظرية
-
الأخونة
-
حسابات الانتخابات الرئاسية فى مصر
-
الثورة والإخوان
-
ما الثورة؟
-
ضجة حول حرب قبائل مزعومة فى أسوان
-
الاقتصار على الحل الأمنى مصيره الفشل
-
المرأة بين النص الديني والقانون المدني الحديث، قانون الأحوال
...
-
إرهاب الإخوان المسلمين والحل الأمنى
-
مغزى المشاركة الشعبية فى الاستفتاء
-
فى سبيل تفادى حرب أهلية إخوانية مدمرة
المزيد.....
-
-غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق
...
-
بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين
...
-
تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف
...
-
مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو
...
-
تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات
...
-
يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض
...
-
الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع
...
-
قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
-
ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
-
ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|