موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4562 - 2014 / 9 / 2 - 00:59
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
:: تكملة ::
في الفصل الثاني / عولمة الرأسمال أخطر مراحل الرأسمالية على البشرية :
{ حقيقة ما توصل إليه ماركس من أن الرأسمالية في جميع مراحل تطورها لا تلغي مراحلها السابقة , فجاء في عدة مواقع في كتاباته : (لا توجد رأسمالية نقية) فإلى جانب المرحلة السائدة من تطورها توجد بقايا المراحل السابقة } .. و ذلك إستشهادا على : { المرحلة المعاصرة من الرأسمالية (مرحلة عولمة الرأسمال) فهي تحتفظ بجميع مراحلها السابقة و بجميع قوانينها و تناقضاتها الأساسية و لا سيما مرحلة الإمبريالية و تسخرها جميعا لمرحلتها الجديدة } .. و لكن ماذا بقى من الرأسمالية لتكون السائدة ؟! سواء معولمة أو حتى مأبرلة ؟! و الدكتورة تقول : { إن كل مرحلة من مراحل تطور الرأسمالية لا تأتي إعتباطا و لا برغبة و تصميم و إنما تفرضها الأزمات الإقتصادية (...) فبعد الإهدار العالمي للثروات البشرية نتيجة الحرب العالمية الثانية أطلقت الرأسمالية العنان للتقدم التكنولوجي المكثف في زمن الحرب المكرس لتطوير الأسلحة (...) و بعد عقدين من الزمن بدأت مواقع الرأسمالية الأمريكية بالإهتزاز نتيجة المنافسة الحادة لها من قبل ألمانيا و اليابان في مطلع السبعينات (...) مما أدى إلى إنهيار إتفاقية بريتون وودز التي ثبتت عام 1944 الدولار بإعتباره عملة عالمية و تثبيت قيمته للذهب عام 1971 , و للتخفيف من حدة المنافسة بين الشركات الكبرى لهذه الدول ظهرت أشكال جديدة من المنشأة الرأسمالية و هي الشركات المتعددة الجنسيات , و لكنها في البداية نمت في ظل عالم قائم على الممارسات ذات الطابع الوطني في مجال السياسات الضريبية و الحماية الجمركية و إدارات نقدية مستقلة تعمل في إطار نظام ثبات سعر الصرف و الإعتماد على الذهب , إلا أن هذه العوامل أخذت تدريجيا تفقد فعالياتها نتيجة تطور نظم الإنتاج نفسها , و كانت نقطة التحوّل الحدية هي إلغاء إتفاقية بريتون وودز عام 1971 الذي تلاه إقامة نظام تعويم الصرف و إقامة نظام التجارة الحرة و تطوره إلى إتفاقية الجات , و لعب صندوق النقد الدولي و البنك الدولي دورهما في توطيد عولمة الرأسمال } .
ترى الدكتورة سعاد خيري أننا في مرحلة من مراحل (( الرأسمالية )) و التي هي (( عولمة الرأسمال )) , على الرغم من : (( مرورها بمرحلة كرست فيها الإنتاج العسكري )) و (( إلغاء معاهدة بريتون وودز )) و (( الشركات المتعددة الجنسيات )) و (( العوامل التالية أخذت تفقد فعاليتها : السياسة الضريبية / الحماية الجمركية / إدارات تعمل في إطار ثبات سعر الصرف و الإعتماد على الذهب )) و (( تطور نظم الإنتاج نفسها _و هنا نستبق الفصل الثالث في القول أن التطور التي تقصده الدكتورة ها هنا هو إلغاء الفرق بين العمل اليدوي و العمل الذهني_ )) و (( إقامة نظام تعويم الصرف و ما يدعم ذلك )) , فإن إتفقنا مع ماركس بعدم وجود بل إستحالة وجود (( رأسمالية نقية )) لكن حتما سنهاجم ماركس نفسه إن إعتبر الرأسمالية _على سبيل المثال_ هي إحدى مراحل الإقطاعية , [لو أن] الدكتورة سعاد خيري رأت الواقع هو كما هو في جعل [ الإنتاج السلعي ] إنتاجا ثانويا و في المقابل جعل [ الإنتاج الخدماتي / الذهني ] هو الرئيسي و السائد .. لما قالت _في غالب الظن_ أن ما نعاصره اليوم مرحلة من مراحل الرأسمالية , فهو ليس فقط مجرد خروج عن النظام الرأسمالي بل هو نظام آخر مختلف عن النظام الرأسمالي سواء في قوانينها أو حتى تناقضاتها , لكن و هنا (( إعتقاد )) بأن الإرث التاريخي للدول الرأسمالية هو السبب في قول الدكتورة أن العولمة ميراث رأسمالي و إمبريالي متراكم و فاعل إلى اليوم .
{ إن إنتقال الرأسمالية من مرحلة إلى أخرى ليس مجرد إنتصار للعلاقات الرأسمالية و دليلا على حيويتها و قدرتها على التكيف و التغلب على أزماتها , بل و تعميقا لتناقضاتها و توسيعا للقاعدة الإجتماعية للقوى المناهضة لها و شمول مخاطرها و تقريب نهايتها } .. و تضيف : { إن لكل مرحلة من مراحل الرأسمالية سماتها الخاصة على الرغم من إحتفاظها بجميع قوانين و تناقضات الرأسمالية الأساسية و إلا لما سميت بالمرحلة , و يفرض هذه السمات الجديدة تطور قوى الإنتاج و ما تتطلبه من تطوير في علاقات الإنتاج ضمن علاقات الإنتاج الرأسمالية } .
على الرغم من تساؤل إستنكاري طرحته الدكتورة سعاد في الفصل الأول { أين حيوية الرأسمالية ؟! } .. إلا أنها تعتبر إنتقال الرأسمالية من مرحلة إلى أخرى دليلا على حيوتها [!] , إن الرأسمالية تمثل نمط ذروة الإنتاج (السلعي) لا (الخدماتي / الذهني) _ملاحظة لابد منها : كل و أي رأسمالية هي تعبير عن إنتاج سلعي (الذروة) .. لكن ليس كل و أي إنتاج سلعي تعبير عن رأسمالية_ , أما فيما يتعلق بالقوانين و التناقضات الموروثة من الماضي إلى الحاضر فقد تم تناولها في النقطة السابقة , لكن الحديث عن (( تطور قوى الإنتاج )) و (( تطوير في علاقات الإنتاج )) ضمن علاقات الإنتاج الرأسمالية [الحالية] يدفع إلى القول أن هذا الحديث حديث تجريدي لا صحة له في الواقع التجريبي على الرغم من إمعان الدكتورة على الأخذ بالقراءة التجريبية .
========================================
في الفصل الثالث / السمات الإقتصادية لعولمة الرأسمال :
(أولا) تعميق التناقض بين العمل و الرأسمال .. و إلغاء الفرق بين إستغلال العمل اليدوي و الفكري :
تبدأ الدكتورة بمقدمة لا غبار عليها :{ يكمن جوهر علاقات الإنتاج الرأسمالية في إستغلال القيمة الزائدة التي تنتجها قوة العمل البشري بعد أن حوّلتها هذه العلاقات إلى بضاعة تباع و تشترى في سوق العمل , و تخضع قوة العمل كأي بضاعة إلى قوانين السوق لتحديد سعرها كالعرض و الطلب , و تتمتع بسمات مميزة و أهمها أنها البضاعة الوحيدة التي تنتج أكثر من قيمتها لدى إستعمالها , و الفرق بين قيمتها التي تتحدد بقيمة وسائل إعادة إنتاجها (الأجور) و قيمة ما تنتجه طول فترة العمل هو ما أطلق عليه ماركس إسم (القيمة الزائدة) التي يستحوذ الرأسماليون عليها و تشكل مصدر أرباحهم و تراكم الرأسمال لديهم } .. لكن تم إستخدامها لدعم التالي : { لقد جاءت الثورة العلمية التكنولوجية نتيجة الربط بين العمل الفكري و العمل الجسدي بقدر ربطها بين العلم و العمل , و فرضت رفع مستوى العمال ثقافيا و فنيا , كما فرضت على العمل الفكري الإرتباط بالممارسة العملية و لا سيما في الإنتاج , فأصبح العمل الفكري قوة إنتاجية مباشرة (...) فقد حوّلت العمل الفكري إلى بضاعة خاضعة للبيع و الشراء أسوة بقوة العمل الجسدي , فلم يعد العالم الذي إكتشف أو إخترع في مختبره شيئا جديدا يتحكم بمنجزه بعد أن يبيع براءة إختراعه للشركات الرأسمالية بل يصبح غريبا عنه أسوة بالبضائع التي ينتجها العامل الإعتيادي (...) الرأسمالية في مرحلتها الحالية قد وسعت القاعدة الإجتماعية لقوة العمل و أمدتها بكل الإمكانيات للقضاء عليها , و ربطت بين مصالح و طموحات شغيلة اليد و الفكر } .
إن [ الربط ] الحاصل بين العمل الفكري و العمل اليدوي لم يكن لغاية الثورة العلمية التكنولوجية ذاتها , فالربط كان في صالح الرأسمالية في تعزيز سيادته و ذروته في الإنتاج (( السلعي )) .. كان العمل الفكر ي / الخدماتي في سبيل دعم الإنتاج السلعي لا العكس , فعلى قدر حاجة الرأسمالية في الإنتاج السلعي للعمل الذهني / الخدماتي يكون دون زيادة .. لأن الإنتاج الذهني / الخدماتي إنتاج لا يمكن [ للرأسماليين الإستحواذ عليه ] , كما أن [ طبيعة الخدمة ] تختلف عن [ طبيعة السلعة ] و يبدو ذلك جليا في قوننه كلاهما في سوق العرض و الطلب , فالسلعة تملك إمكانية تحديد ثمنها بشكل ثابت نسبيا .. بينما الخدمة يتم تحديد ثمنها بشكل تعسفي , فالإنتاج الذهني / الخدماتي : ( نقد – خدمة – صفر ) .. دون أن ننسى أن (الخدمة) هذه لا تنفك عن صاحبها في شكل صنمي , على عكس الإنتاج السلعي الذي يتم تجسيد قوى العمل في كيان صنمي (سلعة) تنفك عن صاحبها و تصبح بالفعل غريبة عنه و يمكن للرأسماليين الإستحواذ عليها .
لكن { أصبح العمل الفكري قوة إنتاجية مباشرة } .. و السبب : الربط بين العمل اليدوي و العمل الذهني أدى إلى ثورة علمية تكنولوجية فأصبح العمل الفكري قوة إنتاجية مباشرة [!] , الربط كان لصالح العمل اليدوي أو للدقة لصالح الإنتاج السلعي .. فكيف يؤدي ذلك (( الربط )) إلى (( ثورة )) تجعل (( العمل الذهني / الخدماتي )) قوة إنتاجية مباشرة [!] , إن الثورة إن كانت فهي على (( الإنتاج السلعي )) لصالح (( الإنتاج الذهني / الخدماتي )) , و بذلك إلغاء لا لجوهر الرأسمالية و غايتها .
أما تحوّل{ العمل الفكري إلى بضاعة خاضعة للبيع و الشراء أسوة بقوة العمل الجسدي } فهو يأخذنا إلى الفروق بين الإنتاج الذهني / الخدماتي و الإنتاج السلعي .. فالذي يجعل من (( الخدمة )) مساوية لل (( السلعة )) إنما هو كمثل الذي يساوي بين المياة الجوفية و الحمم البركانية بحجة أن كلا منهما يخرجان من باطن الأرض [!] .
أما مثال { العالم الذي إكتشف أو إخترع } { لم يعد (...) يتحكم بمنجزه } فتناوله بهذه الصيغة خاطئ , فإن الإكتشاف لا يعطي حق الملكية لما تم إكتشافه .. كما إن الإخترع لا يلغي حق الملكية لمن إخترعه , فالكهرباء (( المُكتشفة )) ليست ملك لمن إكتشفها .. كما لا يملك (( مُكتشف )) الذرة أو إحدى العناصر الكيميائية حق ملكية حصري لها , و في المقابل (( مُخترع )) الهاتف يمكنه صنع هاتف آخر .. فهو يملك الهاتف في ذاته (( المُخترعة )) و إن باعه _و لا نقصد الإختراع هنا الإيجاد من العدم , فحتى المُخترع إنما يتوصل إلى إختراعه بفضل جهود موروثة سابقة إن أردنا تتبع سلسلة تلك الجهود سنصل إلى أن ملكية أي إختراع في الأساس أنما هي مشاعية للجميع_ , و لا تصبح الخدمة غريبة عن صاحبها إذ أنها تبقى لدى صاحبها حتى يموت .. بل على العكس إن بيعه للخدمة إنما هو شكل من أشكال الإحتيال , فالخدمة كقيمة إستعمالية تبقى لدى صاحبها المُنتج لها على غرار السلعة كقيمة إستعمالية تصبح غريبة عن صاحبها المُنتج لها .. أما الخدمة كقيمة تبادلية فكما سبق القول فتحديد سعرها يتم بشكل تعسفي على عكس السلعة التي لها ثمن لها صفة الثباث النسبية .
لكن و لأن السائد في هذا العصر هو الإنتاج الذهني / الخدماتي .. فإن كل ما يدعم هذا الإنتاج يتم لصالحها كما في إقرار قوانين الحماية الفكرية و إقرار حقوق الطبع و التوزيع و غيرها [!] .
مما سبق يمكن التأكد و التأكيد أن مصالح و طموحات شغيلة (( اليد )) و (( الفكر / الخدمة )) أبدا ليست واحدة و لا يمكن أن تكون واحدة _بالإستناد على طبيعة كل منهما و طبيعة إنتاجهما_ , فالرأسمالية هي الغائبة عن ساحة اليوم لصالح الإنتاج (( الذهني / الخدماتي )) .. و بذلك إن كان هناك من ترتبط مصالحه حقا فستكون الرأسمالية و شغيلة اليد , لكن هذا مستحيل أن يحدث فالنظام الإقتصادي الميت لا يمكن أن يُبعث من جديد إلا أن تملك إرادة المطلق و قدرته .
و من باب الإحاطة قدر الإمكان أورد نقاط ذكرتها الدكتورة في وسم أو وصف المرحلة الحالية (( عولمة الرأسمال )) _الترتيب من عندنا_ : {
1) أحدثت عولمة الرأسمال تطورات نوعية في حياة العمال في المراكز و الأطراف (...) نتيجة للتقسيم الدولي للعمل منذ السبعينيات (...) إعادة هيكلة العمالة (...) المرونة في سوق العمل .
2) إستخدام التكنولوجيا الحديثة (...) في ظل العلاقات الرأسمالية أدت إلى إسلوب في الإستغلال (...) إدارة العمل عن طريق الإجهاد .
3) تشغيل النساء بشكل واسع و لا سيما في مجال الخدمات .
4) إمكانية العمل في البيت ليس في مجالات العمل البيتي الكلاسيكي (...) بل و تصنيع الأجزاء الصغيرة الدقيقة للإلكترونيات فضلا عن إدارة الأعمال المكتبية .
5) إستحداث نظام مرونة وقت العمل .
6) إستعاضت الرأسمالية في عصر عولمة الرأسمال عن إسلوب تنظيم الإنتاج الواسع (...) بإسلوب الإنتاج المرن .
7) تزايد تشغيل الأطفال , و حسب آخر إحصائيات اليونيسيف لعام 1998 (...) و لا سيما في البلدان الفقيرة } .
لربما أهم النقاط هي (1) .. (3) .. (5) و (6) , فالنقطة الأولى تتكلم عن تغيير (نوعي/كيفي) لكن رغم ذلك تعتبره الدكتورة ضمن إطار الرأسمالية [!] , أما الثالثة فالحديث عن مجال الخدماتية على حساب الإنتاج السلعي , أما الخامسة و السادسة و جزء من النقطة الأولى فتتناول إسلوب الإنتاج (( المرن )) سوقا و وقتا و كلّا , و على الرغم مما تعبر عنه هذه النقاط من (( شك على الأقل )) في دوام و إستمرار الرأسمالية إلا أن الدكتورة سعاد خيري تعتبرهن سمة أو صفة للرأسمالية الحالية (( عولمة الرأسمال )) .. رغم تأكيدها أنها لا تزال تحتفظ بتناقضات و قوانين المراحل السابقة للرأسمالية (( التنافسية و الإحتكارية )) , و هي بهذه السمات أو الصفات و غيرها مما أوردته و ستورده تنفي إستمرارية تناقضات و قوانين المراحل السابقة للرأسمالية على أرض الواقع .. فتقع في مدار التجريد بتكرار عجيب مقيمة نظام (( عولمة الرأسمال )) بتناقض تناقضاته السابقة و الحالية و بنفي قوانينه الماضية بالقوانين الحاضرة [!] .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟