|
فكر آدم سميث
محمد عادل زكى
الحوار المتمدن-العدد: 4561 - 2014 / 9 / 1 - 01:34
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
آدم سميث يمكننا تحديد أهم أفكار آدم سميث التي جاءت في ثروة الأمم، والتي تحددت معها معالم الاقتصاد السياسي لديه، على النحو التالي: 1- انشغل ذهن سميث بمجموعة من الأسئلة وحاول الانطلاق ابتداءً من الإجابة عليها في سبيله إلى إقامة مذهبه؛ إذ انشغل بتحليل كيف يمكن لمجتمع يسعى جميع أفراده إلى مصلحتهم الفردية أن يستمر ولا ينهار؟ وما الذي يجعل تصرفات أفراد المجتمع، على الرغم من أنانيتها تلك، تأتي متفقة مع المصلحة الجماعية؟ بل كيف ينجح المجتمع في تأدية المهام اللازمة لبقائه على الرغم من أن الحكومة، كما يفترض سميث، يقتصر دورها على الدفاع وحفظ الأمن الداخلي؟ وإذ يُقدم سميث إجابات عمّا يُثيره من أسئلة، فإنما يتوصل إلى أول صياغة لقوانين السوق التي ترتكز على"اليد الخفية" (سنرى أن ماركس لديه نفس النظرية بشكل مركزي) التي تسير بمقتضاه مصالح الناس الخاصة وأهواؤهم في الاتجاه الأكثر اتفاقاً مع مصلحة المجتمع بأسره. 2- ولكن، كيف تزيد ثروات الأمم؟ فقد كان سميث مُنشغلاً أيضاً بحركة المجتمع عبر الزمن، ولذا تكون قوانين السوق لديه ذات بُعد ديناميكي وهي تَقوم بعملها على الصعيد الاجتماعي. وستكون هذه الفكرة جوهرية في مجرى تحليله بصفة خاصة للقيمة التي يخلقها العمال أثناء عملية الإنتاج. 3- وقد لاحظ، وهو في سبيله إلى تحليل طبيعة السوق وقواعدها، وصياغة قوانينها، أن المصلحة الفردية تقوم بدور مركزي. ولكن، ثمة شيء ما يُعد عاملاً آخر، هو الذي بإمكانه تنظيم السوق والسيطرة على انفلات الأثمان. هذا العامل المنظِم هو المنافسة (نفس الأمر عند ماركس كما سنرى) وهو العامل الذي يمنع تحكّم أحد العارضين في الثمن، والمقصود هنا هو ثمن السوق، اللهم إلا إذ حدث اتفاق بين العارضين لسلعة ما، وهنا أيضاً يتدخل نفس المبدأ، مبدأ المنافسة، إذ سيأتي رأسماليٌ آخر من خارج سوق تلك السلعة ويدخل سوقها بأثمان أقل؛ بما يؤدي إلى توازن الثمن في السوق مرة أخرى. 4- يلاحِظ سميث في تحليله أن قوانين السوق لا تَفرض أثمان السلع في السوق فحسب؛ بل تُحدد أيضاً كميات السلع المختلفة التي يحتاج إليها المجتمع؛ فالسلعة التي يرغب المجتمع في زيادة استهلاكه منها ستقود المنتجين إلى العمل على إنتاج المزيد منها على حساب سلعة أخرى كفّ المجتمع، ولو مؤقتاً عن استهلاكها، بما يؤدي إلى زيادة الإنتاج من السلعة التي قرر المجتمع زيادة استهلاكه منها، ومن ثم يزيد الفائض منها في مقابل اختفاء الفائض من السلعة التي توقف الإنتاج بشأنها لعدم رغبة المجتمع فيها، بما يؤدي إلى انخفاض المعروض منها عن حاجة المجتمع. هنا تتدخل قوانين السوق كي تُصحح الوضع ولترجعه إلى ما كان عليه من توازن، فتبدأ أثمان السلعة التي انخفض قدر المعروض منها عن حاجة المجتمع في الارتفاع، نظراً لاختفاء الفائض واحتياج المجتمع إليها. ويتم ذلك كله، في تصور سميث، من دون تدخل أية سلطة مركزية، وإنما بفضل التناقض بين المصالح الذاتية، والمنافسة. كتب سميث:"إن الإنسان يحتاج دائماً إلى مساعدة غيره من بني جنسه، ولا يمكن توقع صدور هذه المساعدة عن طيب خاطر فحسب، إذ يتعين دوماً إقناعهم بأن من مصلحتهم مساعدتنا، فنحن لا نتوقع الحصول على الغذاء من الجزار والخباز بفضل حسن أخلاقهم، ولكننا نتوقع ذلك منهم كنتيجة لاهتمامهم بمصلحتهم الشخصية.. إننا لا نخاطب النزعة الإنسانية في أنفسهم بل نخاطب حبهم لذاتهم، ولا نتحدث إليهم عن ضرورياتنا بل عن منافعهم"(3) 5- ومثلما تُنظم قوانين السوق الأثمان وكميات السلع المنتجة، فهي تنظم كذلك دخول الذين يشاركون في إنتاج تلك السلع؛ فإذا كانت الأرباح في قطاع ما مِن الأعمال مشجعة، فسوف يَتَدفق الرأسماليون على هذا القطاع؛ فيزداد الإنتاج، ويزداد الطلب على العمال. ومن ثم يَزداد الفائض، أي الكمية المعروضة، حتى تنخفض الأثمان... وهكذا تتم الدورة في السوق، وفقاً لقوانين السوق التي تُنظم المنافسة الكاملة. والدخول هنا إنما ترتبط، وفقاً لقوانين السوق لدى سميث، بمدى تدفق العمال على قطاع السلعة التي زاد الطلب عليها، فيظل هذا التدفق مستمراً حتى يَكثر العمال في هذا القطاع وتزداد المزاحمة في ما بينهم، كما سيشرح ريكاردو ومن بعده ماركس، فيبدأ الدخل في الانخفاض؛ نظراً لزيادة الكمية المعروضة من العُمال، فيأخذ العمال في الانسحاب من القطاع بحثاً عن أجور أعلى في قطاع آخر، فيقل المعروض من السلعة التي سبق أن زاد الطلب عليها، فيرتفع ثمنها،...، وهكذا، حتى يتم التوازن. 6- يتعامل سميث حتى الآن مع السلعة في مرحلة التداول، وليس الإنتاج، وقوانين السوق هي القادرة، وفقاً له، على تنظيم المجتمع وضبط ايقاع نشاطه الاقتصادي، ولكن تلك القوانين التي كشف عنها سميث لم تكن مساهمته الأكثر أهمية؛ إذ أن مساهمته الفعلية إنما تتركز في نظره إلى السلعة في المرحلة السابقة على طرحها في السوق للتبادل. فقد نظر، هو والكلاسيك بوجه عام، إلى العملية الاقتصادية في المجتمع ككُل، ابتداءً من الإنتاج، ومروراً بالتبادل، وانتهاءً بالتوزيع الذي سيكون الانشغال الرئيسي لدى ريكاردو، كما سنرى لاحقاً. 7- فحينما أراد سميث التعرف إلى ثمن السلعة، كان عليه أولاً أن يُحدد موقفه من مشكلة القيمة. ومن أجل تحديد هذا الموقف كان عليه أن يَنتقل من دائرة التداول إلى دائرة الإنتاج حيث تُنتَج القيمة، ومن ثم التراكم، ويرى سميث مصدر هذا التراكم في قيام بعض الناس بإدخار المال، وهم الذين سيتحولون إلى تجار ثم إلى رأسماليين يستخدمون عمالاً بالأجرة. وبغض النظر عن هذه الفرضية، الأوروبية أيضاً، التي سوف يرفضها ماركس لعدم اتفاقها مع التاريخ الدموي للتراكم في المستعمرات، فلدى سميث الوعي بكون كمية العمل الضروري اللازم للإنتاج هو مقياس التبادل، ويضرب على ذلك مثلاً: الصيد؛ فإذ ما كان صيد حيوان ما يتكلف إصطياده ساعتين من العمل، وآخر يتكلف ساعة واحدة من العمل؛ فإنه يتعين مبادلة زوج من الحيوان الذي تكلف صيده ساعة عمل واحدة بحيوان واحد من الذي تكلف صيده ساعتين من العمل. كتب سميث: "إذا كان صيد القندس يتطلب عادة ضعف العمل اللازم لصيد الغزالة، يتعين إذاً أن يُبادل القندس بزوجين من الغزالة. ومن الطبيعي أن يستحق ما يُنتج عادة في يومي عمل أو ساعتين عمل ضعف ما يُنتج عادة في يوم عمل أو ساعة عمل" (4) 8- ولكن، حين استكمل سميث تحليله، في واقع المجتمع المعاصر، وجد مشكلة تكمن في صعوبة المقارنة بين المجهود المبذول في سبيل إنتاج السلعة من جهة شدة العمل، ومن جهة البراعة، إذ يصعب للغاية، وفقاً لتحليله النهائي، مقارنة ساعة عمل حداد أو عامل منجم مع ساعة عمل منسق ورود، أو حلاق. أو مقارنة ساعة عمل فلاح، أو إسكافي، مع ساعة عمل صائغ، أو صانع ساعات. ولذلك قرر سميث أن العمل هو مقياس القيمة، ولكن حينما يتعلق الأمر بالمبادلة في السوق، أي قيمة المبادلة، فإن قيمة السلعة لا تتحدد بحسب كمية العمل المنفق في إنتاجها هي، إنما بحسب كمية العمل المبذول في سبيل إنتاج السلعة الأخرى المتبادل بها. وعلى قدر التشوش الذي كان يملأ ذهن مُفكر يَعلم أنه يؤسس لعِلم جديد، جاءت عباراته مشوشة؛ فسميث وفقاً لمثل القندس والغزالة يُقرر أن كمية العمل المبذول في صيد كل من الحيوانين هي التي تحدد نسبة المبادلة بينهما. معنى ذلك أنه يرى أن كمية العمل المبذول في سبيل إنتاج السلعة هو مقياس قيمتها، ولكنه لم يستكمل فكرته وانحرف بها حين أراد اختبارها على أرض واقع المجتمع المعاصر، نظراً لصعوبة المقارنة بين العمل من جهتي الشدة والبراعة. ونتيجة هذا الارتباك؛ فبدلاً من أن يكتب، ووفقاً لما انتهى إليه تحليله:"مع ان العمل هو المقياس الحقيقي للقيمة، لكن حين التبادل لا تقدر القيمة بالعمل المبذول في إنتاجها هي، إنما تقدر بالعمل المبذول في سبيل إنتاج السلعة الأخرى المتبادل بها". كتبَ، وبارتباكٍ ملحوظ:"مع ان العمل هو المقياس الحقيقي للقيمة التبادلية للسلع كافة، لكنه ليس الشيء الذي تقدر به قيمة السلع عادة، فمن الصعب في كثير من الأحيان التأكد من النسبة بين كميتين مختلفتين من العمل. فالزمن المنفق في نوعين مختلفتين من العمل لن يحدد بمفرده دائماً هذه النسبة. فالاختلاف في كمية الجهد المبذول، والبراعة، ينبغى أن يؤخذا في الحسبان. بالإضافة إلى ذلك، يتم تبادل كل سلعة عادة بالمقارنة مع سلع أخرى لا مع العمل. ولذلك كان من الطبيعي أكثر أن تقدر قيمتها التبادلية بكمية من سلعة أخرى لا بكمية العمل الذي يمكنها ابتياعه والسواد الأعظم من الناس أيضاً يفهمون ما تعنيه كمية معينة من سلعة معينة أحسن مما يفهمون كمية من العمل".(5) 9- والأساتذة. أساتذة الاقتصاد في الجامعات، ابتداءً من تجزئة كلام سميث، المرتبك بالأساس، وتأويله، دون وعي بهذا التشوش، على نحو يستبعد قانون القيمة الذي يؤرق النظرية الرسمية! يقولون للطلبة، وبمنتهى الثقة، أن سميث كان يرى أن قيمة السلعة تتحدد بالعمل، أي انه كان يؤمن بنظرية القيمة، ثم قام بتغيير رأيه وأعتنق نظرية نفقة الإنتاج، أي انحلال القيمة التبادلية إلى مكونات الثمن الطبيعي (الأجر، والربح، والريع). والواقع ان التحليل الدقيق لمجمل مذهب سميث وتحليل نصوصه بشكل عِلمي يوضح، كما سنرى أدناه، أن سميث لم يعدل نهائياً إلى نظرية في نفقة الإنتاج؛ لأنه، في نهاية المطاف، يُرجع عناصر هذه النفقة إلى المجهود الإنساني الواعي المنتِج، أي إلى العمل البشري. فوفقاً لتصور سميث لانحلال ثمن السلعة الطبيعي، أو قيمة مبادلتها، إلى دخول الطبقات المختلفة، أي إلى: أجر وربح وريع، يسير التحليل على النحو الأتي: يشتري الرأسمالي مواد العمل، وأدوات العمل، والعمل (نلاحظ أن آدم سميث والكلاسيك بوجه عام لا يفرقون بين العمل وقوة العمل، وهو ما سوف ينتبه إليه ماركس، على الرغم من أنه وقع في نفس الخطأ في كتاباته المبكرة) ثم يقوم العمال بالإنتاج، وحينما يخرج المنتَج يوجهه الرأسمالي إلى السوق. يبيعه. يحصل على أصل ماله بالإضافة إلى الربح. هذا الربح ينحل إلى (الأجر) للعمال، وإلى (الريع) للمُلاك العقاريين، وإلى (الربح) الذي يَستقل به الرأسمالي. أي أن الدخول المختلفة مصدرها واحد، هو العمل. ونفس التصور، كما سنرى، سيعتنقه ريكاردو، ولكن ماركس سيرفضه، جزئياً، حين يُعيد النظر في انقسام القيمة التي يضيفها العمال إلى الناتج، إذ سيرى ماركس أن هذه القيمة لا تنحل إلا إلى (ربح) و(ريع) فقط. ولا يحصل العمال على أي نصيب في القيمة التي يضيفونها إلى الناتج. وسوف نُعالج هذه المسألة لاحقاً. 10- فوفقاً لنصوص سميث؛ نجد أنه بعد أن حدد موقفه من مشكلة القيمة على هذا النحو، كان عليه أن يحدد لنفسه المنهج الذي سوف يسير بمقتضاه لمعرفة كيف تتكون، ابتداءً من القيمة، الأثمان، وكان لديه الوعي بضرورة مناقشة ثلاث أفكار مركزية: أولاً: المعيار الحقيقي للقيمة التبادلية، وكيف يتقوم الثمن الحقيقي لجميع السلع؟ ثانياً: معرفة الأجزاء المختلفة التي يتكون منها هذا الثمن الحقيقي. ثالثاً: معرفة الظروف المختلفة التي ترفع بعض أو كل هذه الأجزاء المختلفة التي يتألف منها الثمن الحقيقي، والتي تنخفض أحياناً إلى ما دون المعدل الطبيعي. وعليه، رأى سميث أن ثمن السلعة الطبيعي، أو قيمة مبادلتها، إنما يتكون مِن: الأجر، والربح، والريع. إذ كتب:"إن ثمن أية سلعة، في كل مجتمع، يرجع في النهاية إلى هذا الجزء أو ذاك من هذه الأجزاء: الأجور، والربح، والريع العقاري، أو ينحل إلى هذه الأجزاء الثلاثة جميعاً"(6) "إن الأجور والربح والريع العقاري هي المنابع الأصلية لكل ايراد ولكل قيمة مبادلة".(7) 11- أي أن الأجر والربح والريع، كدخول للطبقات المشاركة في الإنتاج السنوي للأمة، مصدرهم جميعاً العمل. ويرد أدم سميث، بهذه الصفة، جميع الأجزاء المكونة لثمن السلعة إلى العمل، كتب سميث:"في ثمن القمح مثلاً، قسم يؤدى ريع مالك الأرض، وقسم أجور العمال أو صيانة الدواب العاملة في إنتاجه، والقسم الثالث ربح المزارع، وتبدو هذه الأقسام الثلاثة بمثابة المكونات المباشرة أو النهائية لكامل ثمن القمح".(8) "إن القيمة التي يضيفها العمال إلى المواد تنحل إلى قسمين، أحدهما يوفى أجور العمال، والآخر أرباح رب العمل على كامل رأسمال المواد والأجور التي قدمها. وما كان لهذا الرأسمالي أن يهتم بتشغيلهم لو لم يكن يتوقع من بيع ثمرة أعمالهم شيئاً أكثر من مجرد تعويض الرأسمال الذي خاطر به، وما كان له أن يستخدم رأسمال كبيراً لا صغيراً، لو لم يكن لأرباحه أن تتقايس نسبياً مع سعة رأسماله".(9) 12- ويضيف بشأن الرأسمال، مع وعيه بأن القيمة التي يضيفها العمال إلى مواد العمل وأدوات العمل هي مصدر الزيادة في القيمة التي تنحل إلى أجر وربح وريع:"إن الرأسمال يلعب دورين: أولهما: دور الإيراد بالنسبة للعمال، وثانيهما: دور الرأسمال بالنسبة للرأسمالي، وبعبارة أخرى: إن ذلك الجزء مِن الرأسمال الذي دُفع للعمال، ويُمثل لهم كإيراد، صار بهذه المثابة بعد أن لعب في البداية دور الرأسمال".(10) "إن العمال في مجال الصناعة يأخذون أجورهم مِن سيدهم، الرأسمالى، وهم في ذلك لا يجعلونه في الحقيقة يُنفِق شيئاً؛ حيث أن هذه الأجور، عادة، ما تُدفع من الأرباح" (11) 13- وبشأن اصطلاح الثمن، فإن سميث يستخدم أربعة مصطلحات مختلفة. يمعن الأساتذة. أساتذة الاقتصاد. في الخلط بينها، تتعلق بالثمن. سواء كان ثمن السلعة، أو ثمن العمل، وهي: الثمن الحقيقي، والثمن الأسمي، والثمن الطبيعي، وثمن السوق. أما الثمن الحقيقي، وهو يقترب في ذهن سميث من الثمن الطبيعي(12)، فهو مقدار العناء والتعب والجهد(13) الذي يبذله الإنسان في سبيله للحصول على سلعة ما. كتب سميث:"الثمن الحقيقي لكل شيء، أي الكلفة الحقيقية لكُل شيء بالنسبة إلى الشخص الذي يريد الحصول عليه هو المجهود والعناء المبذول في سبيل الحصول على هذا الشيء... فما يُشترى بالمال أو بالسلع إنما يُشترى بالعمل كالشيء الذي نحصل عليه بعناء بدننا الخاص. فهذا المال أو هذه السلع يجنباننا هذا العناء. وهما في الواقع يحتويان على قيمة كمية معينة من العمل التي نبادل بها ما يتعين فيه عند المبادلة أن يحتوي على قيمة كمية مماثلة"(14). ويرى سميث أن أول ثمن دُفع في التاريخ لم يكن الذهب ولا الفضة، إنما كان العمل. أما الثمن الأسمي فيتبدى من خلال شرح سميث حيث يقول ان للعمل ثمناً حقيقياً وثمناً اسمياً، الثمن الحقيقي يتقوم بكمية ضروريات الحياة وكمالياتها التي تبذل بدلاً عنها؛ والثمن الاسمي يتقوم بكمية النقود. كتب سميث:"الثمن الحقيقي والاسمي للسلع كافة يتناسبان بدقة في الوقت نفسه والمكان نفسه... فالمال هو المقياس الدقيق للقيمة التبادلية لكل السلع".(15) أما الثمن الطبيعي، فهو الثمن المطابق لأجور العمل وأرباح الرأسمال وريع الأرض. أي أن الثمن الطبيعي ينحل، كما ذكرنا، إلى الأجر، والربح، والريع. أما ثمن السوق، فهو الثمن الفعلي الذي تُباع به أية سلعة عادة، وقد يكون أعلى من ثمنها الطبيعي أو أدنى منه، أو مساوياً له. 14- ولم تقتصر الصعوبات التي واجهت سميث على مشكلته مع القيمة، إنما واجهته صعوبة أخرى حينما تدبر قيمة السلعة ووجد أن لكل سلعة قيمتين: قيمة استعمال، أي صلاحية السلعة لإشباع حاجة معينة. وقيمة مبادلة، أي قدرة السلعة على المبادلة بسلعة أخرى، فلم يتمكن من معرفة كيف تكون أشياء ذات قيمة استعمال عالية جداً ولكن قيمة مبادلتها قليلة أو منعدمة مثل الماء؟ وبالعكس، كيف تكون أشياء ذات قيمة استعمال قليلة أو معدومة ولكن ذات قيمة مبادلة مرتفعة جداً مثل الماس؟ وهو اللغز الذي سوف يحله ريكاردو. حينما يوضح أن المنفعة شرط قيمة المبادلة، وليست مقياساً لها، فأياً ما كانت ندرة السلعة، وأياً ما كانت كمية العمل الضرورية المنفقة فى الإنتاج، فلن يكون لقيمة المبادلة معنى دون منفعة السلعة، وهو الأمر الذي كان غامضاً أمام آدم سميث، الذي ظن أن للمنفعة أهمية في قياس قيمة المبادلة، فقد كتب: "يتعين أن نوضح أن لكلمة قيمة معنيين، فهي تشير أحياناً إلى منفعة شيء معين، وأحياناً تشير إلى القدرة على شراء سلع أخرى. الأولى تسمى قيمة الاستعمال، والثانية تسمى قيمة المبادلة. ولكن الأشياء التي تكون ذات قيمة استعمال كبيرة غالباً ما تكون ذات قيمة مبادلة قليلة أو معدومة؛ وبالعكس، فالأشياء ذات قيمة المبادلة المرتفعة غالباً ما تكون ذات قيمة استعمال قليلة أو معدومة. فالماء لا شيء أنفع منه ولكن لا يُشترى به تقريباً شيء، ولا يكاد يُبادل به شيء. على العكس من ذلك الجوهرة لا تكاد تكون ذات قيمة في الاستعمال، ولكن يمكن في كثير من الأحيان مبادلتها بكميات كبيرة من السلع"(16). 15- وحيث يبني آدم سميث مذهبه ابتداءً من تحليل عملية الإنتاج، فهو يرى أن الإنتاج إنما يتطلب توافر حد أدنى من الرأسمال(17) الذي يلج حقل الإنتاج في أشكال مختلفة، منها ما هو في صورة مواد أولية أو مواد مساعدة، ومنها ما هو في صورة آلات ومعدات ومبان، ومنها ما هو في صورة عمل يُنفق في سبيل تفعيل المواد من خلال الأدوات وتحويلها إلى سلع، هنا يقرر سميث أن الرأسمال يَنقسم إلى قسمين: أحدهما يُستخدم في سبيل الحصول على الأراضي والآلات والمعدات،...، أي أدوات الإنتاج، ويسمى هذا القسم"الرأسمال الأساسي"، والآخر يُستخدم في سبيل شراء مواد العمل والعمل، ويسمى هذا القسـم "الرأسمال الدائر". ووجه الاختلاف بين الرأسمال الأساسي والرأسمال الدائر، كما يرى سميث، يتجلى في شرط بقاء الملكية وهو الشرط الذي سيعدله ريكاردو فيما بعد؛ فسميث يجعل معيار التفرقة بين قسمي الرأسمال هو مدى احتمالية تغير مالك ذلك الجزء من الرأسمال الذي تجسد في السلعة عقب إنتاجها وطرحها في التداول، بمعنى أن كل سلعة من السلع المنتَجة طبقاً لنمط الإنتاج الرأسمالي والمعدّة للبيع في السوق، إنما تحتوي على"أدوات عمل، ومواد عمل، وعمل"، والذي يمضي في التداول هو "مواد العمل والعمل"، وتظل الأدوات، والمبانى، على ملك صاحبها، وإنما تتجسد في الناتج بمقدار الاستهلاك فقط، وبنسبة محدّدة، في حين أن المواد إنما تُستهلك كليةً في أثناء عملية الإنتاج، وكذلك العمل الذي هو كالمواد عرضة للتبدل والتغير في أي لحظة يراها الرأسمالي، وتبقى الآلات والمباني كي تمثل الرأسمال الأساسي، في حين تُعد مواد العمل، والعمل، رأسمالاً دائراً.
#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاقتصاد السياسى علم قانون القيمة
-
النشاط الاقتصادى فى العالم الوسيط (3)
-
النشاط الاقتصادى فى العالم الوسيط (1)
-
النشاط الاقتصادى فى العالم الوسيط (2)
-
النشاط الاقتصادى فى العالم القديم
-
قانون حركة الرأسمال
-
الجغرافية العامة لإيران
-
الجغرافية العامة لمصر
-
أصول الاقتصاد السياسى
-
التاريخ العام للرأسمالية
-
فى المسألة الفنزويلية
-
كيف نفهم، كعرب، إيران؟
-
السودان بعد التفكيك
-
ملاحظة بصدد أزمة التعليم فى العالم العربى
-
النداء الأخير
-
نقد المركزية الأوروبية فى الاقتصاد السياسى
-
نقد ديالكتيك ماركس فى رأس المال
-
هيكل اقتصاد مصر
-
خلاصة الرأسمالية
-
محاضرات دورة كتاب رأس المال
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|