|
التاريخ يتوب عن الكذب
محمود جرادات
الحوار المتمدن-العدد: 4559 - 2014 / 8 / 30 - 03:03
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
حمداً لوسائل الإتصال و التوثيق الحديثة ، التي اتاحت لنا معرفة نسبة من الحقيقة ، الحقيقة الظاهرة ( لأن المخفي منها أضعاف الظاهر) لكنها تبقى أفضل من حقيقة وهمية تستعمل لخداع الناس . لقد كان التاريخ ، قبل اختراع هذه الوسائل الحديثة، مجرد تواتر شفوي و كتابي تتناقله الأجيال ، و يضاف إليه ، أو يحذف ، كل ما من شأنه الإساءة للهدف المنشود من هذه النصوص التاريخية ، و التي كانت و لا زالت تستخدم لأهداف و أغراض معينة ، تفيد في الأساس طبقة / طبقات محددة تريد الحفاظ على مصالحها . للتوضيح أكثر ، كل قصص البطولات و المعجزات و الخوارق و سيرة العظماء ، ليست سوى قصص عادية إذا ما نزعنا عنها القداسة المفترضة ، لكن التوثيق الضعيف غير المستند إلى أدلة، حولها إلى أساطير تروى و يضاف إليها حسب الوعي الجمعي للمجتمع القائم آنذاك ، على سبيل المثال ، يبدي فرويد استغرابه في كتابه (مستقبل وهم) كيف لمجتمعات حديثة متطورة أن تصدق ما تناقلته مجتمعات بدائية غير مثقفة (يقصد بهذا الأديان) ، و كأنها لا زالت ترفض المخرجات العلمية التي تطالب برفع القداسة و النظر بالعقل إلى هذه القصص المتواترة ، لا زالت للأساطير سطوتها على البشر !! و بما أن محدثكم ، يعيش في مجتمع عربي ذو أغلبية سكانية مسلمة ، فإن أكثر ما يتم تداوله على مسامعه هي قصص التراث الإسلامي ، معارك أسطورية ، بطولات عنترية خارقة ، عدالة مطلقة، أنظمة اقتصادية متطورة جداً ، تسامح و رقي و تحضر ..... الخ . و رغم أن الكتب و المصادر ، تفضح زيف هذه الخرافات ، أو لنقل بعضها، لكنها تدعم البعض الآخر ، بروايات موثقة ذات سند متسلسل لا يشوبه شائبة ، ناهيك عن ان أغلب من تم تلقينه لعقولنا ، قبل أن نختار الإطلاع المباشر ، هو من الجزء الإيجابي لهذه القصص بينما يتم إخفاء السلبيات عن سابق إصرار ، معتمدين على ضعف الفضول لدى المتلقي للبحث الذاتي و الإستقصاء ، و هذه للأسف حقيقة لا يمكن انكارها . بصراحة كنت على الدوام أتسائل ، على سبيل المثال، عن قصة معركة مؤتة، التي واجه فيها ثلاثة آلاف مسلم ربع مليون جندي روماني !! و في النهاية انسحب المسلمون بعد ستة ساعات بخسائر بشرية لا تتعدى اثنا عشر شخصاً !! كيف لدولة عظمى أن ترسل ربع مليون جندي بكل ما يترتب على ذلك من تكاليف و مشقة من اجل ثلاثة آلاف شخص ؟؟ و على فرض أن ذلك قد تم .... النتيجة الطبيعة هي إبادة كاملة للجيش الصغير خلال أقل من ساعة ، إذاً نحن هنا أمام كذبة تاريخية مكشوفة نصدقها بكل بلاهة و دون أي محاولة ، مجرد محاولة، للتفكير فيها !! و قس على ذلك آلاف الأمثلة . اليوم و بفضل التكنولوجيا الحديثة، أصبح بالإمكان تسجيل معظم الأحداث المهمة التي تحصل ، دون أن نغفل أنها تتعرض للتزوير أيضاً بشكل كبير ، لكنها تبقى أفضل بكثير من وسائل التوثيق البدائية التي اعتمد البشر عليها في تحديد حياتهم . لذا فإن أجيال المستقبل ، لن يسمعوا و لن يقرأوا عن أحداث زائفة ، و بطولات وهمية ، و معجزات خارقة ، لأن الأرشيف سيفضح كل ما يمكن أن يدخل إلى الأذهان حقائق مقلوبة . باختصار و حتى لا أطيل ، إن البطولات الإسلامية المستنسخة اليوم ، ظهرت بالصوت و الصورة على حقيقتها ، فقراءة حد القطع و حد الجلد و الصلب في القرآن ، أو الاستماع إليها بصوت العفاسي الرخيم على مقام الحجاز ، يختلف عن مشاهدة تطبيقها على أرض الواقع . و ضرب الرقاب في سورة التوبة تختلف عن ضرب الرقاب المسجل على موقع اليوتيوب . الآن بإمكانكم أن تستمعوا بأحكام دينكم بالصوت و الصورة ، بعد أن كنتم فيما سبق تقومون بالمرور عنها مرور الكرام ، أو تخيلها بصورة مجملة محسنة كذلك الذي يتخيل فاتنة حسناء أثناء ممارسته لعادته السرية . البطولات الإسلامية ليست سوى أوهام ، و لو وجدت الكاميرات و أجهزة التسجيل الصوتي في ذلك الوقت ، لعرفنا أن التاريخ الإسلامي ليس سوى جزء رئيسي من أرهاب القرون الوسطى . أما الآن فلن يتسنى لكتب المستقبل أن تذكر أن المسلمين فتحوا الرقة و الموصل بأغصان الزيتون ، و أن الأزيديين أعلنوا إسلامهم لما رأوه من عدل الجيش الإسلامي المظفر و سماحة قادته .
#محمود_جرادات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا نرفض الأديان
-
النساء تحب الله أكثر
-
الحضارة الإسلامية : الميت لا يعود إلى الحياة
-
التحرش الجماعي بين الكبت الجنسي و علم النفس
-
الكبت الجنسي في خدمة العنف الديني
-
خروجاً من الدفاع السلبي
-
المتمرد : قراءة في متاهة كامو الخالدة
-
الإسلام و العلمانية : خرافة التوافق
المزيد.....
-
مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي يعلق على كلام ترامب الذي قال في
...
-
مصدر إيراني يكشف عدد الطائرات الحربية الإسرائيلية التي دمرت
...
-
احتفال يتحول إلى كارثة: انهيار جسر في جزيرة سابيلو في جورجيا
...
-
الكويت.. تبرئة برلماني سابق من تهمة النصب وحبس 3 وافدين
-
الدفاع الروسية: خسائر العدو على محور كورسك بلغت 310 عسكريين
...
-
حزب الله يكثف إطلاقاته الصاروخية تجاه شمال إسرائيل ويستهدف ت
...
-
بالفيديو.. هاريس تقر بوجود إبادة جماعية في غزة في سياق ردها
...
-
-الغذاء كسلاح-.. ما تاريخ الإستراتيجية الأميركية المثيرة للج
...
-
انضمام كيكل للجيش السوداني بولاية الجزيرة والدعم السريع يؤكد
...
-
ما الفرق بين مجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتحدة؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|