|
ليالي المنسية/رواية/القسم الثالث/
تحسين كرمياني
الحوار المتمدن-العدد: 4557 - 2014 / 8 / 28 - 20:51
المحور:
الادب والفن
طبيعة الحكي عندي تختلف عمّا هو شائع ومعمول به،لكل راوي حكايات منهج وطقوس،قد تتشابه الكثير من هذه التعازيم الجنونية بين الحكواتيين،لكن ثمت فلتات نادرة تتواجد عند معظم الكتّاب،حتى أن البعض يسموهم بالمنحرفين،قول ناجم من أن أغلب الكتّاب يمارسون حياة الهامشية والصعلكة،يخالفون الأذواق بتصرفاتهم وانغماسهم بالسباحة داخل مستنقع الشهوات والعربدة،هذا النشاط(المفيستوفيليسي)جعلهم كائنات منبوذة من الحكومات عبر كل الأحقاب. لكن ما درجت تحت لوائه،هو أنني كاتب مزاجي،لم أشعر بدافع أو برغبة وضع أساس رصين يمكنني أن أنطلق منه،كانت الحكايات دائماً تهجم وتصيبني بأرق المغامرة،لم يحصل أن دوّنت أو أرشفت تفاصيل وحلول لحكاية قبل الخوض في متاهاتها،كنت دائماً أجد العنوان هو الحكاية،جرس الذهن يقرع بعنوان طائش سريعاً ما أجده حقيبة مغلقة،تندفع رغبتي لفك الطلاسم وفتح القفل لأغطس في بحر العذاب. العنوان هو الحكاية. العنوان المصباح الذي يدفع سفن المغامرين نحو متاهاتها الآمنة. من العنوان يمكنني أن أرى المسالك،السليمة منها والوعرة،ماذا يعني لو وضعنا كلمة(قلب امرأة)بين قوسين،لابد وكما هو شائع وملموس لدى القاصي والداني،لدى كل ذكر وأنثى،أن القلب مستودع الحياة، فيها أسرار وعلنيات،يمكننا أن نحشد كل شيء،سواء عاطفيات أو كيديات داخل هذا(قلب امرأة)المحاصر بين قوسين،هكذا تفعل كل العناوين التي تتصدر متن الحكايات. فاكهة الشتاء النار،فاكهة الجسد الطعام،حسناً وجدت النساء فواكه القلب. جفوتي بعد حكايتي الأخيرة،مالت حيث يسبح الآخرين،لم يتوقد ذهني سريعاً،وجدت نفسي داخل غابة من غير دليل أو خريطة إرشاد،لابد أن أفقد الكثير من قدراتي الذهنية،والكثير من زيت شعلة موهبتي بغية إيجاد مسلكاً أبحر فيه،مع وضع الشك مصباحاً مناراً،لأن المسالك غير المسلوكة دائماً تقود نحو المتاهات،متاهات غير مأهولة بطبيعة الحال. تدخل(وداد)كان السراج الوهاج لي،انتشلتني ووضعتني داخل فخ جديد،هذا التغير الجوهري جعلني أن أتلمس دربي بحساسية مفرطة وهلع متفاقم،كون الحكاية الماثلة بين يدي،تتطلب منهجية سردية مختلفة، وقالباً فنياً لم أجربه أو لم أسمع أن جربه حاكي حكايات أو ناقلها أو سارقها من قبل. بدأت الحكاية تضغط وتغري وتغوي. تتوالد الأسئلة وتدفعني أن أبحث عن ممكنات الحلول،فالدفتر الصغير وبعد عدة جلسات جديدة وحكايات متفرعة غرقت داخل ضجيج يضج من منافذ مجهولة. صاحبي،لم أنتزع منه في تلك الرحلة القديمة سوى جملة حوارات دلّت على شخصيته المتحركة،هذا التبدل يدخل الحكاية داخل معضلة(الفصامية)مما يدفعني اللجوء إلى مصادر طبيّة لدس فقرات علميّة تثبت أقوالي،كل قول لابد أن يكون(الفصل)،ليست الحكايات حشد تهريجات كلماتية وقذف أمراض النفس والرؤى الطوباوية على سطوح الورق،الحكاية خطاب جوهري ما بين رائي المتمثل بالراوي وبين المتلقي،فالراوي يمتلك الكثير من العيون المخفية،أنها تطارد حركة الحياة،تقتنص وتطرح البضاعات كونها مطلب عقلي ومحركات دافعة لديمومة الحياة. أوّل المغامرة دوّنت ما قالته لي(وداد)،دوّنت ما جرى بيني وبين صاحبي عرّاب الحكاية في تلك الأيام،عندما جمعتنا الحرب جنديين في وحدة عسكرية،رغم أن لغماً أرضياً كان بالمرصاد،أنفلق وعزلنا إلى هذه اللحظة،لم أجد رغبة أو دافعاً يهيج ذهني للبحث عن واحدة أو أكثر من الرفيقات،يمكنهن أن يقدمن معروفاً سردياً تكحل الحكاية وتدفعها إلى ضفة اليقين،هذا الشطر غير وارد،كون نساءنا باقات أسرار. كان التأمل وفراغ الليل والدفتر الصغير وحوارات الفراش تزيد من ضياعي،حتى طبيعة قراءتي تغيرت،بت لا أمتلك الرغبة الكاملة لإنهاء كتاب،أتصفح وأقرأ صفحات قبل أن أجد القراءة كابوساً يخنقني،أبدل الكتاب ثم الكتاب تلو الكتاب. ما أيقظ فيّ الغيرة،النار التي أعادت لمرجل الذهن إنارة الرحلة،جاءت مصادفة،بعد ستة أشهر من التقلب والتردد والإحباط والغرق التام وسط ركام التفاصيل الملفقة،تناقلت الألسن خبر إطلاق سراح المعتقلين،هذا الخبر جاء بعد خبر أدخل بيوت(جلبلاء)في رعب مستطير. الخبر الأوّل يوم تناقلته الألسن،أن قوّات مجهولة،تأتي منتصف الليل،لا تطرق الأبواب،يتم تحطيمها بواسطة عبوات لاصقة ليست شديدة التأثير،بل ضيقة الخسائر،مهمتها كسر أقفال الأبواب،لتندفع أمواج بشرية كاسحة ومدججة بكل أنواع الأسلحة الغريبة،تركل الأقدام أبواب الغرف لتنهال على الرجال النائمين،تحت هلع أطفالهم وهذيانات نسائهم،تصفع الأيدي وتركل الأقدام تلك الأجساد الخائرة،قبل عصب عيونهم و(كلبجة)أيديهم وأقدامهم ودسهم داخل مركبات شبحية لتنطلق بهم نحو المجاهيل،ذلك النشاط الشبه ليلي دفع الناس أن تغادر البلدة لتسكن في أمكنة مجهولة خشية السقوط في شباك الوشاة،المخبرون السريّون،الذين تحولوا إلى جنود الشيطان بعدما فلتت ضمائرهم من واجباتهم الأخلاقية والوطنية،ولوثوا مهنتهم المخابراتية إلى وسيلة انتقام ومقامرة،أغرقت البلاد في فوضى مشاكل مما نهضت القلاقل والدعوات لإخراج الناس من سباتها والدخول إلى نيران الطائفية والعرقية والبضاعات الشوفينية الخائسة. ها هم بعد عام ونصف يتم تحريرهم أبرياء. عادت البلدة إلى الحديث المتشعب حولهم،كانت الشائعات تنحصر حولهم،كونهم كانوا أصحاب مراكز متقدمة في الحزب المخلوع،وأنهم يتواصلون سراً للملمة أشلائهم المبعثرة وإمكانية قيام ثورة شعبية عارمة تعيدهم للسيادة بعدما لاح في الأفق خبر خروج المحتل،هذا الخبر كان أكثر عقلانياً كونه مسنود من قبل فضائيات خارجية تعلن أنها غير معنية أو مغرضة،قنوات تصرخ بجهر القول ليل نهار أنها غير منحازة، الحيادية منهجها،لكنها دائما تسكب الزيت على النيران،من باب حرية التعبير،تسمح للحقائق أن تطفو على سطح الأخبار،وأن من حق كل مواطن في هذا الزمن،أن يعرف كل شيء عن أحداث الساعة،كون الإنسان ميل متأرجح من أميال الزمن. أحد المعتقلين كانت لي معه صلة علاقة قديمة،أيام صعود الحزب وهيمنته على كل مرافق الحياة،حاول كسبي،رغم أن الرفاق كانوا سيوف بتارة،من لا يرضخ لدعوته يقيده في خانة المناوئين للحزب والثورة،وبعد تقريرين وربما تقرير واحد يكفي لاعتقاله من قبل أمن البلدة وبعد فلقة محترمة يخضع مستسلماً ليكون حزبياً مثابراً. هذا الرفيق كان يختلف عن رفاقه،سبب اختلافه يرجع لثقافته،كان قارئاً نهماً،يقرأ أكثر من عشرة ساعات في اليوم،يذهب إلى كل مكتبة أو إلى العاصمة لشراء الإصدارات الجديدة،هذه الثقافة أنامت فيه جرثومة العنف وأنهضت فيه عنادل الحياة الحالمة،كانت محاولاته ثقافية نوعاً ما،بعدما عرف ميولي الأدبية وكتابتي الشعر،كلما كان يأتيني يترك أوامر الحزب جانباً،ويؤيد المقولة التي صارت تتسكع في الشوارع وعلى الجدران وأمام أبواب الدوائر الرسمية،(المواطن الجيد هو البعثي الجيد)،أو(سائر مع خط الثورة)كان يرى فيّ مواطناً صالحاً،حتى لو كنت خارج الاجتماعات الحزبية،كان يفتتح جلساته معي بالحديث عن الصفحات الثقافية في الصحف اليومية،نخوض متاهات الثقافة التي نملك،نتحدث عن عناوين الكتب ونشرح مضامينها المغلقة بتأويلاتنا الفقيرة وثقافتنا المتواضعة. كان لابد من زيارته،حراك اجتماعي كجزء من أخلاقياتنا المتبقية. بعد صلاة العصر استأذنت من(وداد): ((صباح..أطلق سراحه)) ((فرحت بخروجه،أنه إنسان معتدل وصاحب كلمة)) ((كانت مشكلته الوحيدة تواجده ضمن أصحاب المناصب)) ((لا أجد مبرراً يدينهم،كانت رقاب البلاد كلها خاضعة تحت سكين الشوفينية)) ((مشكلتنا الجديدة،لا يوجد من يفهم الحياة،ليس لدينا من يمتلك ميزان العقل ليوزن بها الأمور،ويعالج مسبباتها،نحتاج لمن يمتلك الشجاعة الكاملة لفتح أبواب المستقبل وردم الأنفاق القديمة)) ((ما لم نتعاون ستواصل سفينتنا الغرق)) ((سيستغرق هذا أجيالاً وأجيالا)) صمت. تناولت عكازي وخرجت،وجدت المساحة المسطحة أمام منزله غاصة بالمركبات،ما أن رآني نهض واستقبلني بحرارة،أجلسني لصقه،كثر من الوجوه كانت معروفة لدي،بعد جملة تراحيب والسؤال عن الصحة والأحوال..قال(صباح)وعلى ما يبدو قبل مجيئي كان يتحدث عن قصته داخل المعتقل قبل أن يبتدرني بالعناق: ((كدنا أن نضيع بلا سبب)) قلت: ((الباطل سراب،حبل واهن،عندما تشعر أنك على حق،لابد من انَّ ساعة العسرة تهيأ لك مفتاح الفرج،حمداً لله على سلامتك أخي العزيز أبو الـ نور)) ((آه يا بدر..لكم كنت مشتاقاً للقراءة،رغم فوضى المعتقل،رغم الأجساد المتكدسة،والتي لم تعرف لم هي متواجدة في هذه العنابر العفنة،وجدت دافع القراءة يلح)) ((ولا يهمك،يمكنك أن تتزود من مكتبتي ما ترغب،لدي كل الإصدارات الحديثة والتي بدأت تمطر ـ بعد سنوات كساد ـ على شوارع عاصمتنا الحبيبة ـ بغداد ـ )) ((سأقضي بقية حياتي القادمة قراءة كل الكتب الجديدة)) تدخل أحد الحضور: ((أستاذ صباح..ما أخبار الزملاء)) ((مررنا بمواقف محرجة،أكثر الحالات التي شغلتنا هو مرض الزميلين ـ حبيب و أسماعيل ـ كادا أن يموتا،بقيا لأيام طويلة داخل صالة طوارئ في أحدى المستشفيات وتحت حراسة محكمة)) كلمة(حبيب)مثل مطرقة هوت على رأسي..قال أحدهم: ((على ما يبدو الرحمة انتهت،حتى الأمراض المستديمة لا تنفع ولا تشفع لمبتليها هذه الأيّام)) قال(صباح): ((لا أتمنى أن تمروا بما مررنا به،هذا زمان العجب)) بعد نصف ساعة تقريباً نهضت،مشى معي إلى الباب الخارجي..قال: ((تمنيت أن نجلس وقتاً طويلاً،أريد معرفة أخبارك الثقافية)) ((عن قريب سأزورك،ربما هناك أشياء كثيرة تشغلني،لمست مفتاحاً لها،أنك تمتلك هذا المفتاح المفقود)) ((أكون شاكراً لو طلبت مني أية معلومة أو حكاية ما كان يدور في المعتقل)) ((دعنِ أراجع نفسي،سأكون عندك عندما أكون جاهزاً)) تعانقنا وتفارقنا. لم يكن(صباح)بمنأى عني،كنّا نترافق أحياناً أو نتقاطع في السوق،أو في الطريق،نقف لدقائق،أحدثه عن مشاريعي الكتابية ويتلهف لقراءتها،قرأ لي عدة مخطوطات قبل طباعتها،سرد لي وقائع حياتية قديمة، وحوادث عاشها،كونه هاوي صيد،معظم لياليه صرفها داخل غابات الظلام بحثاً عن الأرانب،كونها الطعام المفضل لديه،أفادتني حكاياته الشخصية في كتابة بعض القصص القصيرة وفصول حافلة بالغرائبية من حكاياتي،وصلت البيت،كانت(وداد)جالسة في أرجوحة الحديقة..قالت: ((زيارة سريعة)) ((ليس هذا المهم،بل مفتاح القفل الذي كنت بحاجة إليه وجدته)) ((كثرت مفاتيح الأقفال لديك،أخشى أنك سترميها سريعاً،كونها لا تفتح لك باب الحكاية)) ((بل هو مفتاح أبواب الحكاية كلها)) ((وهل أدخلت ـ صباح ـ ضمن مشروعك الجديد)) ((ليس هو بالضبط،بل صاحبنا ـ حبيب ـ )) ((حبيب!)) ((تكلم ـ صباح ـ عن المعتقل ومر أسمه على لسانه)) ((ربما هناك ألف ـ حبيب ـ في المعتقلات)) ((لم يمر ببلدتنا سوى ـ حبيب ـ واحد تبؤ منصباً حزبياً مهماً)) ((إن كان هو وما هي خطوتك التالية؟)) ((اتفقنا على جلسة قادمة،سأطرح عليه الكثير من الأسئلة)) ((لو كان هو،لا عذر لك بعد ذلك،عليك أن تبدأ بـ حكي حكايتك)) ((ربما سيدفعني نحو مغامرة جديدة)) ((ستضيع نفسك في متاهات،أرى تمسكك بأسلوبك المعهود في الحكي ينقذك من هذا التردد)) ((التجديد هو مطلبي)) ((وهل يفلح التجديد في إحداث تغير جوهري في الحياة؟)) ((ما حكوه لنا كانت خاضعة لقوالب جاهزة أو بالية لذلك مضت إلى النسيان)) ((ولكن التجديد يتطلب عقول متجددة)) ((بالفعل،أرى أن أوان التجديد قد جاء كون العقل اليوم بات فارغاً أو حائراً،أنه يبحث عن وسيلة خلاص)) ((حسناً..وما هي خطوتك الأخيرة كي تحكي؟)) ((ربما سأزور ـ حبيب ـ لو عرفت محل سكناه)) ((قد لا أوافقك على هذا،لا تتصل بكائن خرج من ثوبه وكاد أن يقذفني في الجحيم)) ((كل شيء من أجل الحكاية)) ((ماذا لو عرف أنك زوجي،أو أنني زوجتك)) ((سأكون حذراً في هذا الجانب،من أجل أن يحكي لي بصدق)) ((آه..كنت السبب في هذه المعمعة التي سلبتك عقلك)) ((تعقيد الأمور شرارة المغامرة،أشعر أنها بدأت تكتمل)) ((لو عرف بنا ربما لن يفه بشيء ذي أهمية)) ((سأسعى كي لا يعرف عنّا شيئاً)) صمت. بدأ الغروب يستفز بقايا النهار،قمنا ودخلنا البيت.
نافذة الحكاية
كان بمفرده. جالساً على كرسي بلاستيكي،نهض وأجلسني قبل أن يدخل البيت ويأتي بكرسي ويجلس قبالتي،على وجهه بان آثار السجن،تلك السمرة الخفيفة التي كان يتصف بها،استحالت إلى قهوة سادة،بدا أكبر من عمره.. قال: ((رغم أنني لا أتمنى لعدوي أن يمر بما مررنا به،لكن كنت أتمنى أن تستطلع أحوالنا كي تكتب عنّا)) ((عشت فترة في معتقل،معتقلات اليوم قاسية،سابقاً كان من الممكن أن تصل إلى أي معتقل بيسر،يمكنك أن ترشي السجانين،حتى المدير،أمّا اليوم من يعتقل يضيع خبره لسنوات)) ((لم تنفعنا أعمارنا ولا أمراضنا المزمنة،كل معتقل مجرم وإن لم تكن ضده تهمة)) ((يوم اعتقالك دمعت عيون ـ جلبلاء ـ كلها)) ((هذه مشاعر نبيلة من إنسان أنا فخور كوني عايشته)) ((أن ما شغلني هو،أخبار الرفيق ـ حبيب ـ)) ((كاد أن يلفظ روحه لولا إسعافه والبقاء لفترة طويلة في ردهة الطوارئ)) ((لا أكتمك الحقيقة،تشغلني حكاية ـ حبيب ـ العمود الفقري فيها)) ((لدي الكثير من تفاصيل حياته،يمكنني أن أسرده لك بكل مصداقية)) ((قد لا تكفي حكاياتك عنه لتكملة مشروعي)) ((ما أعرفه من تفاصيل عنه،فوق احتمال رواية)) ((ما عندك من كلام يفيدني،ولكن رؤيته باتت شرارة حكايتي)) ((حبيب ـ عشت معه ليالي طويلة،بعد تهجير القرى ورجوعه إلى البلدة)) ((أن ما يهمني تلك الفترة التي عاشها قبل تهجير القرى)) ((في المعتقل حكى لي أسراره،قالها بندم،كان يتكلم وما بين حكاية وحكاية كانت عيناه تغرورقان بالدموع، كان نادماً على ما فعل)) ((وددت أن أسمع سيرة حياته من لسانه)) ((يمكننا أن نزوره)) ((من أجل هذا جئتك)) ((أي وقت ترغب،أخبرني كي نزوره)) ((في أقرب فرصة)) ((غداً في الصباح)) ((أتفقنا)) *** (صباح)سرد لي تفاصيل اعتقاله،كان غارقاً في نومه،بعد وجبة متاعب صحية جراء تهيج مثانته بأكداس حصا وصلبان رملية،تمكن من النوم أخيراً بعد جرعات من المهدآت،وشرب حساء أرنب كما وصفول له. *** ((كنت كالحالم،كابوس ثقيل جثم على صدري،كنت أتقلب في الفراش،أكافح للتخلص من شرنقة أذرع تلتف حولي وتخنقني،قبل أن تند مني صرخة،فتحت عيني وجدت رجال غرباء متعسكرين من أخمص أقدامهم حتى رؤوسهم،جلست أنظر إليهم،لم يمهلونِ فرصة كلام أو سؤال،كمموا فمي وعصبوا عيني وشدّوا وثاق يدي وجرجروني ورفعوني ووضعوني في مركبة انطلقت بنا،وجدت من غير اللائق أن أسأل،أنت تعرفني وتعرف طباعي،خلت القضية تتعلق بما جرى بيني وبين زوجتي السابقة،بعدما افترقنا وحصلت بيننا مشادة بخصوص ملكية البيت،كل توقعاتي كانت تصب في هذا الجانب،انتظرت ساعة الوصول لمعرفة دواعي هذه الهمجية في ظل الديمقراطية،واضعاً في بالي ما جرى لبعض الزملاء،عندما أتت أرهط مسلحين ليلاً والبعض نهاراً،قادوهم تحت ذرائع شتى،بملابس وباجات حكومية،بمركبات دفع رباعي،لا يركبها إلاّ رجال يمتلكون امتيازات نادرة،يقتلون،يعتقلون،كأن قانون الحكومة وضع لحمايتهم،تلك الأرهط،كانت تسرح وتمرح،تثير الرعب،يداهمون المنازل،يحطمون الأبواب والنوافذ،بطريقة بربرية،مثل الدببة الجائعة،أو مثل الفيّلة الغاضبة،يأخذون من يريدون،وبعد يومين تكتشف البلدة أنهم قتلوا وأحرقت جثثهم،دوائر الشرطة والجيش تنفي بقيامها بأية اعتقالات،فتسجل دعوات ـ حبر على ورق ـ ضد مجهولين يتنكرون بلباس الحكومة،يمارسون القتل تحت أجندة أجنبية،حضرني المشهد وخلت قضية قتلي وحرقي لا مناص منه،لكن ظنّي لم يكن في محله،كدسونا في غرفة مستطيلة،وجدت نفسي بين زملاء من البلدة،لحظتها عرفنا أن القضية تتعلق بحياتنا السابقة،بدأت فكرة تصفيتنا تتفاقم وفرص النجاة تتضاءل،بقينا بين سجناء قذرين،أرجو المعذرة،أنهم ليسوا كما ذكرت،أنهم أبرياء السجن قذرتهم،غيّرت براءتهم إلى وحشية في المظهر والتصرفات،من كافة شرائح المجتمع،وسط فوضى حكايات يشيب لها الرأس،أن أوّل سؤال واجهنا جميعاً جعلنا خائرين،فقدنا روحنا وانتظرنا خاشعين ساعة شنقنا)) *** صمت. ((أصبحت حكايات،المهم أنكم عدتم سالمين)) ((ما زلت أشعر بالخوف،في كل لحظة أتوقع أن رجالاً مسلحين سيقتحمون المنزل ويعتقلونني طالما الشائعة تروج لها الفضائيات وتتناقلها الألسن)) ((كيف صدقوا مثل هذه المهاترات)) ((قالوا أنكم أعدتم تنظيم صفوفكم،وهيأتم أنفسكم لقيام ثورة مسلحة لاسترجاع السلطة بعدما أعلن المحتل أنهم مغادرين البلاد في الأشهر القليلة القادمة)) ((عندما لا توجد تهمة أو دليل إدانة لابد أن المعتقل يجابه بهذه ـ الكليشة ـ الجاهزة)) ((بقينا تحت الاستجواب،طلبوا منّا أن نعترف بهذه التهمة مقابل إطلاق سراحنا بعد أن نوقع تعهدات نعلن فيها توبتنا وطلب الرحمة من الحكومة)) ((هذه كمائن سياسية شيطانية)) ((لو فعلنا ذلك لوجب علينا القصاص،كما حصل مع الكثيرين،جلبوا أسلحة وقنابل وأحزمة ناسفة وأوقفوهم بينها وتم التقاط الصور لهم،مع تأكيد على أنهم يعملون ضمن فرق إرهابية،بناء على طلب المحققين،كي يكون مبرراً لاعتقالهم،تحصن موقع الحكومة أمام الرأي العام العالمي،مقابل إطلاق سراحهم،لكن الذي حدث أن كل من كذّب وحمّل وزره كذباً تلك التهم الجاهزة،من أجل تمتين موقف الحكومة،وجد نفسه مداناً بمواد قانونية،تجرمه فحق عليه العقاب،وتم شنقه)) صمت. أستغرق بنا الوقت ساعتين قبل أن أتركه على أمل أن نلتقي صباحاً. *** كانت(وداد)متعبة،غارقة في قيلولتها العصرية،لم أرغب بإيقاظها،توجهت نحو غرفتي،سحبت مجموعة أوراق وبدأت أدوّن ما قاله لي زميلي(صباح)،راجعت بعض الفقرات في الدفتر الصغير،كانت الأفكار تغزوني وتقلقني،وجدت أن ما حكاه لي يقترب كثيراً من حكايات(وداد)ولو أنه كان متحمساً في سرده،كأنه كان هو من عاش تلك الوقائع العاطفية،أو كان شاهداً عليها،بينما(وداد)كانت تحكيها ببرود وبخوف واشمئزاز،فطبيعة الحكي بتلك الطريقتين لم تغيرا من جوهر الحكاية،فالمسالك المختلفة دائماً تلتقي في ذات الهدف. هذا الانسجام والتوافق لم توقدا شرارة الرغبة كي أحكي،كان(حبيب)درب سالكة للوصول إلى جوهر معركتي،أعدت كتابة الكثير من المقاطع،تمكنت من إضافة فقرات أخرى توالدت في مملكة خيالي،وقبيل الغروب،تركت طاولتي وتوجهت لإيقاظ(وداد)،نهضت،بدت متناعسة،ظلّت ترمقني بنظرات فهمتها.. همست: ((بدر.. مشتاقة إليك)) ((شوقي أكثر)) ((الليلة لي)) ((حسناً..سأترك الكتابة هذه الليلة من أجلك)) استقامت وفتحت ذراعيها،دنوت وأحاطت عنقي بيديها وبدأت تمطرني بالقبلات..قلت: ((لا تثيريني)) ((لا أحتمل شوقك) ((دعيها لليل،أريدها استثنائية)) ((أريدها أكبر حكاية)) ((كما ترغبين،عندها أستطيع أن أنطلق لخوض حرب حكايتنا الورقية)) ((من أجل هذا سعرت تنور عاطفتي كي أؤجج رغبتك الثورية في الحكي)) ((هذا يعني أنك حقاً شريكي في الحكي)) ((وفي الفراش أنسيت هذا)) ((والفراش أيضاً))
نافذة أخرى للحكاية
وجدناه داخل حديقة شبه يابسة،كان ضئيلاً،متناعساً،حاول أن ينهض،لكن(صباح)أبتدره ومنعه من التحرك،عانقه وعانقته..قال(صباح): ((على ما يبدو إنَّ الحريّة أعادت لك بعض قواك المسلوبة)) ((لا أريد أن أسمع هذه الكلمة السخيفة،حريّة..أنها العبودية،الحريّة أكذوبة عالميّة)) ((حقاً..ألسنة الساسة جعلتها المفردة القذرة بعدما كانت عروس المفردات في كل لغات البشرية)) صمت. نظر إلي،أغمض عينيه وفتحهما،عرفت أنه سقط في دائرة الشك،كان السؤال في عينيه يتلاعب،لم أرغب أن أعلن عن نفسي،تركته يجتهد. قال(صباح): ((كيف حالك؟)) ((كما تراني،أقضي معظم وقتي هنا،أشعر بحياة قاسية،علل ما قبل الشيخوخة لا تتركني،جاءت باكرة لتعطلني وتلقيني فزاعة ما عادت تخيف الطيور)) تدخلت في تلك اللحظة: ((أستاذ ـ حبيب ـ كيف حالك؟!)) رمقني بنظرة متعبة،ظلّ ناحتاً عينيه فيّ..قال: ((هل أنت من ـ جلبلاء؟)) ((أباّ عن جد!)) ((لم أعرفك)) ((بل تعرفني مثلما أعرفك)) ((ذاكرتي متعبة وقواي العقلية مشتة،السكّر والضغط وتوقف كلية واحدة وتسارع ضربات القلب ومشكلات القولون والأمعاء والأثنا عشري،وسوفان الرقبة،كلها اجتمعت في جسدي في وقت مبكر)) ((أنا بدر!)) ((بدر..يعني قمر)) تدخل(صباح): ((بدر..كاتب الحكايات)) تنفست الصعداء بعدما توقف عن الكلام،خشيت أن يفه بأكثر من ذلك،ليعرج على من أكون وزوج من أكون..قال: ((لو كنت معنا لكتبت حكايات مثيرة)) ((من أجل هذا جئتك)) ((يكفيك أستاذ ـ صباح ـ أنه يمتلك ذاكرة قويّة وهو قارئ فطن ونهم)) ((أن ما يشغلني هو حكايتك)) ((حكايتي أنا!)) ((شاءت الصدفة أن ذاكرتي بدأت تلح على كتابة حكايات بلدتنا،وجدتك أكثر الشخصيات استحقاقاً للتدوين)) ((ربما ستغدو حكايتك دارجة لو حشرتني فيها)) ((حسناً..قبل أن نخوض متاهات الحكاية،لابد منك أن تتذكرني جيداً)) ((لست على ما يرام كي أدقق في ملفات الماضي،كلها ركام فوضى ومكابدات)) ((كي لا أتعبك،أنا بدر،أتتذكر تلك الليلة العصيبة)) ((ليلة عصيبة!عشت مئات الليالي العصيبة)) ((ليلة مشينا معاً نحو وحدتنا العسكرية في شرق البصرة)) حاول أن يفتح عينيه على سعتيهما،كانت كرتا عيناه غائرتان،لم يكن يتملك تلك الوسامة التي ظلّت محفورة في ذهني،أين هي تلك الإشراقة التي كانت تشرق على المسارح وفي المسيرات الشعبية؟،حقاً أن الزمن ملعون ومجنون وسارق نظرات الوجوه..تكلم: ((آه..ما الذي أتى بك من الموت؟)) ((لم أمت،بتر قدمي)) ((آه..فلت من عشرات المعارك الشرسة،ها أنت ما زلت تمتلك قواك العقلية والبدنية)) ((يبدو أن الحزب أخذ كل عافيتكم)) ((كنّا معتوهين)) ((هذه حال الدنيا،لا شيء يثبت،كل محدث لا بد أن يذهب بشرٍ أحدث)) تدخل(صباح): ((كيف تدير حياتك؟)) ((الجيران يمدون يد العون لي)) ((تم جلب خادمات بيوت،يمكنك أن تطلب واحدة ـ تداريك ـ ))..قال(صباح) ((فاتحت مكتباً،سيزورني شخص ويرتب لي الأمور)) قلت: ((أستاذ حبيب،أن ما أريده هو جواباً لسؤالي القديم)) ((لم أعد أتذكر سؤالك)) ((يمكنني أن أطرحه بشكل آخر،فالجواب هو صلب حكايتي)) ((ذاكرتي متعبة،ربما لا تسعفني على سرد ما جرى لنا من بعد إصابتك)) ((ربما لن أحتاج لهذا)) قال(صباح): ((أستاذ حبيب..بدر..يروم كتابة حكايتك،يريد أن يصنع منك رواية)) ((ومن أنا كي يكتبني رواية؟!)) ((كل ما يبغيه،ما يريده منك،سماع ما حكيته لي من لسانك)) ((حكيت لك ما حكيت،يمكنك أن تحكي له كل ما حكيته لك)) ((حكيته له مثلما حكيته لي،لكن خياله لم يقر بما حكيت،يريد سماعها منك)) ((أشعر بوهن،الكلام الكثير يضر بي)) قلت: ((ليس بالضرورة أن تحكيها دفعة واحدة،يمكنني أن أزورك أو أبقى معك لفترة زمنية تكفيك أن تحكي حكايتك لي)) صمت. قال(صباح)): ((يمكنني أن أعيدها لك وعند وجود ثغرات يمكننا أن نأتي إلى ـ حبيب ـ لكي يفسر لنا غوامض الأمور)) ((يمكنني ذلك))قال(حبيب) ((حسناً..أنا بحاجة إلى تجاربك العاطفية فقط))قلت. ((آه..أنك تثير في دمامل الخبث))قال. ((عفواً..لك الخيار أن تساندني أو تمتنع،لكن ما أود حكايته قد يمسك في الكثير من التفاصيل))قلت. ((حسناً..كانت لدي رغبة أن أكتب سيرة حياتي للخروج من هذه الشرنقة الحياتية،وبدأت بذلك عندما كنت جندياً،كتبت الكثير من الأوراق،وبسبب التنقلات والمعارك لم أستطع تكملة سيرة حياتي))قال. ((لو عثرت على تلك الأوراق لربما جنبتك تعب الحكي))قلت. ((لازالت موجودة كما هي رغم مرور سنوات عليها))قال. ((حسناً..يمكننا أن نعمل معاً لرواية الحكاية))قلت. ((لكنني لا أجيد فن الروي))قال. ((لا يهم ذلك،ستكون شريكاً معي في سرد الحكاية،فما أروم أن أحكيه،سيخضع لقالب فني جديد يقبل إشراك جملة رواة،وربما القرّاء أيضاً،يتضافرون من أجل تكملة فقرات الحكاية معاً))قلت. ((حسناً..أمهلنِ بعض الوقت،وضعتني في مخاض،سأراجع أوراقي،ربما هناك أشياء لا تسرني أو يمكن إضافتها))قال. ((هذا ما لا يسرني،أريد حكايتك كما ولدت،لا أرغب أن تحرك الأشياء التي استقرت))قلت. ((حسناً..))قال. قال(صباح): ((وما دوري أنا؟)) ((أنت متواجد في الحكاية))قلت. فرح،فرك يديه..قال: ((كانت لدي أمنية أن أكتب حكاية لكنني عجزت)) ((يمكنك أن تكتب حكايتك داخل المعتقل))قلت. ((أنها فكرة معقولة))قال(صباح) نهض(حبيب)مستنداً على عكازه،دخل البيت،بقينا نتحاور عن جمالية القرية في هذا الزمن،بعدما صعد الحزب وأغتصب السلطة،بدأت هجرة الفلاحين إلى المدن،بحثاً عن عيشٍ أفضل،لكن سنوات الحصار الكبير،بدأت الناس تزرع أية رقعة أرض من أجل العيش،ها هم الآن بدئوا يهربون من ضجيج المدن ونتانتها،شاع الفساد وأختلط الحابل بالنابل،فوجدت الناس الهروب إلى القرى خير منقذ،فالعيش صار أفضل بسبب توفر المال،ووصول الخدمات إلى كل القرى. عاد(حبيب)يحمل طرداً عليه غبار،جلس وفتح الطرد،أخرج بضع(كاسيتات أشرطة)،وكدس أوراق مكتوبة بخط منمق..قال: ((هذه الأوراق فيها كل ما تريد،وهذه الأشرطة الممغنطة فيها حكايات صوتية،يمكنك أن تكتبها)) ((بدأت الشرارة تحرقني،ربما سأنهض وأفر إلى البلدة لبدء حكايتي))قلت. تدخل(صباح): ((يجب أن تقرأ هذه الأوراق قبل الشروع بالحكي)) ((حتماً سأقرئها عدة مرات))قلت. قال(حبيب): ((مطلبي الوحيد عدم ذكر الأسماء الصريحة)) ((هذا أوّل الشروط التي عاهدت أن لا أعمل به))همست مع نفسي. أعدت الأشرطة الممغنطة إلى الظرف،وبعد حوارات جانبية تشعبت نحو حرب(إيران)و(حرب الخليج) و(سنوات الحصار)و(حرب السقوط)وما جرى من فوضى في حياتنا،ودعناه على أمل أن نلتقي في مرات لاحقة لسد الثغرات التي تتوالد حتماً عند الكتابة،لتكملة مشروعنا الروائي المشترك.
متاع الحكاية
هل بدأت حكايتي؟ أظنها لم تكتمل كي أكتبها،قرأت أوراق(حبيب)،وسمعت الأشرطة الممغنطة،قبل أن أحوّل الحكي الملفوظ عبر ألسنة الفواكه إلى كلام مكتوب،كانت الأوراق مشروع حكاية شبه كاملة،لا مقتطعات من سيرة أدبية متعثرة كما قال،وجدت من المناسب أن أترك ما كتبه(حبيب)كما هو،دون المساس بقدسية رغبته في تدوين جزء حيوي من حياته السابقة،سأتركها كما هي،تأخذ حيزها ومكانتها،ولكن ما فاجأني أنني وجدت باقة أوراق فيها مقاطع شعرية وخواطر ومذكرات ليست يومية،بعد قراءتها عرفت أنها تعود إليه،من خلال طبيعة رؤيته الكتابية وحلمه ومطاردته فتاة واحدة ظلّت تؤرقه وظلّ يبكيها أو يغنيها بصمت وعزلة ورغبة وأمل وذوبان. كانت المشاعر بحاجة إلى القليل من التعديلات ليست جوهرية بقدر ما هي تشذيب الجوانب المترهلة والمكررة وتصحيحات قواعدية،لم أتدخل فيها،خشية أن تتبدل لهجته وتشوبها لهجة دخيلة،مما تشكل طفرات ذوقية عند متلقيها،بدأت أكتب وأمزق،تراكمت الأوراق من حولي،لم تسعفنِ(وداد)بكنس الغبار المتراكم،لتحديد مسار يقودني نحو بر الحكاية بعد التخلص منها. *** جاءت الشعلة بعد ستة أشهر من زيارتي الوحيدة إلى قرية(تل الجن)والتي تبعد عن بلدتي(جلبلاء)بنحو ثلثي نهار،في الطريق الماضي إلى بلدة(خانقين)يوم رافقني(صباح)للقاء(حبيب)،يوم وجدناه بيأس تام يراقب حياته المنقرضة. جاءني(صباح)بعينين دامعتين،ينعي خبر وفاة(حبيب)في مشفى البلدة بعد إصابته بجلطة دماغية أخرسته. موته دفعني إلى مخاض الحكاية. بدأت أكتب بحماسة ولهفة،واضعاً في بالي تقديم عرفاناً أو وثيقة للذكرى،(وداد)دمعت عيناها أيضاً ما أن صفعها الخبر،وجدتها رغم أنها كانت تمقته لسبب مذكور أعلاه،أو كما سيأتي ذكره أدناه،كونه حاول إغواءها وفشل في مسعاه،ليس كما جاء على لسان(وداد)،بل كانت أوراقه تؤكد على أنها كانت رفيقة معقدة،رفضت الاحتراق بـ نار الحياة السريّة معه. عانيت كثيراً لوضع مفتتح الحكاية. في البدء كان القرار أن أكتفي بحكايته عبر أوراقه وإضافة فصل أخير لما جرى بعد توقف الحرب وأعرج إلى حكايتي مع(وداد)،لكن هذا الأسلوب الكريه ما عاد ينهض أو يثير ذاكرة القارئ،بعدما تحصف وتثقف وأمتلك آليات نقدية تساعده على خوض متاهات الحكايات المعقدة لفكها وبيان قوتها أو تفاهتها،فقارئ اليوم(ضمني)و(حقيقي)،لم يعد قارئاً خارج(النص)،يمر على الحكاية مروراً عابراً،فهو منتج ومتفاعل ومكمل للنص،يتدخل في مصائر وسير ووضع الحلول التي يقترحها للشخصيات،قارئ اليوم ناقد فاعل ومتفاعل. ليس آخراً.. (صندوق الحكاية) أستقر بي رأي ملزم،أن أجعل من حكايتي وحكاية(حبيب)عملاً مشتركاً،أوراقه وأشرطته الممغنطة،دليل لا يمكن نكرانه أو التلاعب بما جاء فيهما،يحكي هو وأنا أحكي،علي أن أجعل حكايتينا متناغمتين،أحداهما تكمل قيافة الأخرى،راويان يرويان،حاكيان يحيكان حكاية متداخلة،ذلك مطلبي التجديدي في فن الحكي. تركت ذاكرتي تختار المسلك المؤدي إلى ضفة الحلم،كون الحكايات الثورية هي التي تحكي حاكيها. أخيراً.. (عنوان الحكاية) لم أجتهد لوضع العنوان الرئيس لحكايتي،في البدء وجدت العنوان(فواكه قلبي)كما وضعه(حبيب)في مقدمة أوراقه،عنواناً مغرياً وذو دلالة عاطفية جاذبة،لكنني آثرت تلك الليالي في قرية(المنسيّة)،لسبب نفسي ضاغط تعذر عليّ الفكاك منه ومخالفة ما أملاه عليّ مزاجي.
#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليالي المنسية/رواية/القسم الأوّل/(منعت في الأردن من قبل الرق
...
-
ليالي المنسية/ القسم اثاني
-
أولاد اليهودية(رواية)10
-
أولاد اليهودية(رواية)9
-
أولاد اليهودية(رواية)8
-
أولاد اليهودية(رواية)7
-
أولاد اليهودية(رواية)6
-
أولاد اليهودية(رواية)4
-
أولاد اليهودية(رواية)3
-
أولاد اليهودية(رواية)2 /حازت على المرتبة الثانية/في مؤسسة ال
...
-
أولاد اليهودية(رواية)1
-
قضية فرحان/قصة قصيرة/
-
المسكين مخلوف /قصة قصيرة/
-
مزبلة الرؤوس البشرية/قصة قصيرة/
-
حدث في ليلة مأزومة/قصة قصيرة/
-
في أزمنة ليست سحيقة//قصة قصيرة//
-
ليسوا رجالاً..(قصة قصيرة)
-
بعد رحيله..جائزة محي الدين زنكنة للمسرح
-
مسرحية(ماما..عمو..بابا..ميت)القسم الثاني..الأخير
-
ماما..عمو..بابا..ميّت(مسرحية)القسم الأوّل
المزيد.....
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|