أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نعيم فرحات - يا سميح القاسم-على دمشق الشام روحك راجعه-















المزيد.....


يا سميح القاسم-على دمشق الشام روحك راجعه-


محمد نعيم فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 4556 - 2014 / 8 / 27 - 13:50
المحور: الادب والفن
    


يا سميح القاسم: "على دمشق الشام روحك راجعه"!

محمد نعيم فرحات*
في حياة الجماعات وخصوصا في زمن الأزمة والردى، ينتظر الناس رجالا بعينهم، وهكذا بالضبط ، في لحظة صعبة، لا يتسع لها وصف، كانت تفيض بالوجع والمرارة والضرورة من كل حيث وحدب ، ظهر سميح القاسم في حياتنا، كمقاتل تولد على هيئة شاعر، وكقائد عالٍ في أهم الجبهات، جبهة المعنى والكلام المستقيم كشرط لاستقامة كل حال.
وتقول الرواية بأن ذلك قد حدث في بلاد جعلها الله موطنا لترتيل آياته عن " الكلمة – بما هي- من الروح القدس" ، حيث القول يصبح أيقونة الحياة، والقوة التي تسرى في الوجود وفقهه، ككتاب مسطور، وكرسالة لا حدود لصداها، وهكذا كان الحال، منذ علم آدم الأسماء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

في صلب تقاطعات شاقة، وزمن لا يروي لنا التاريخ ما هو أصعب منه، قام رجل منا وفينا، مع رجال آخرين توزعوا على مساحة الوجع الفلسطيني الشاسعة ، ضد الاحتلال والظلم والقهر والإقصاء والعدوان والفساد والرداءة والهوان والخيبة والبشاعة والبؤس واليأس، كانت الكلمات هي سلاحه وسلاحهم، الأول والأقوى والأجمل ، كلام مقاتل صعد لتوه من روح جريح، غير أنه بشرنا في زمن يفيض بقطران اليأس، بأن الغد يمكن أن يكون لنا، بثمن الكبد والصبر والمطاولة والعودة لروح جسور، ورمى على قارعة وعينا الأمل الذي يغري بجعل الغد عينه، فرحا وجمالا وإباءً وانعتاقا لنا ولغيرنا، وطالبنا بفعل ذلك ما استطعنا إليه سبيلا وأكثر.
لقد كان سميح القاسم من الآباء المؤسسين للصوت الأول والأعلى الذي إستوى في كلمات ردت على الكارثة والانكسار الفلسطيني بقيام إسرائيل، كلمات تشكلت كمقاومة تؤسس لكل قتال وجودي ممكن، الذي كانت تحتاجه جماعة عاشت عملية طرد من الواقع والنصوص والتاريخ على يدي ظالم مقتدر بصورة "تتعدى حدود العصر والتاريخ" كما قال ادوارد سعيد يوما، من على جبهته العريضة التي أقامها خلف خطوط العدو البعيدة.
وكان أن صار صوته وأصواتهم نشيدا، وصار للنشيد رايات وعلامات لها قلاع وجبال من المعنى والصبر والوعد والأمل المستولد من نفس العذاب، كما صار لها شاهداً وشهيداً، وعلى وقع النشيد مضت ألوف مؤلفة من جيل نكبة إلى آخر بحثا عن الإنعتاق الصعب.

وكما يطوي الليل ظلامه الدامس كان سميح القاسم مثل الخيل الجموح التي تطوي ليلها ومسافاته الشاقة " منتصبة القامة" في نواصيها الوعد، فما هان، وما هانوا، وما هانت ، إلى أن صارت راياتهم هي شاهد قبورهم، ووصايا أودعوها أمانة عند الوارثين، فطوبى.

* * *

لقد تربينا فيما تربينا، على كلام أرسله لنا سميح القاسم في الأزمنة الصعبة، كي يستعيدنا من الوجع والركام، ويعيدنا لأنفسنا رغم جراحنا البليغة غانمين بعض روحنا، في الطريق المضني كي نربحها كلها، وعوّدنا على تصعيد علاقتنا معه بالصوت والصدى، قبل أن نرى قوامه وجماله ، وهناك في المكان الأثير من وجداننا وأمالنا ورهاناتنا، كان يأخذ مكانته التي

تليق به وبحضوره ،وعندما جلس على أرائكنا لم يأتِ من بعيد، لقد نزل نحوها من ضباب الوعي ، وقليلون هم الأشخاص الذين لا نحتاج لرؤيتهم عن كثب، إلا على سبيل التأكد من لمسهم، لمس العين واليد والكلمات لأنهم أصلا هناك، فينا.

لذلك لم يكن سميح القاسم بحاجة لأن نزوره أو يزورنا سعيا على الأرجل، كما لم نكن بحاجة لنكسةٍ تجلل نكبةً كي تجعل الأمر ممكنا، لقد كان يرانا، وكنا نراه حيثما ولى وجهه ووعيه وذائقته، وتسرب فينا وسرى في الزمن : من وراء ظهر الغاشمين، وعلى عين العزل والقهر والقطع والعسف والحصار وجدرانه المتطاولة ، وبمقدار ما ساهم في تحويل الكلمات لحّدٍ من حدود حياتنا فقد جعلها فضاءً فسيحا لها في آن.

* * *

وأما المرض اللئيمُ سليلُ الغدر وحليف الوجع، فلم يكون على هول بؤسه أكثر من مانع رديء يشوش علاقتنا مع سميح القاسم، بيد انه نجح في تضييق فرص حضوره الجسدي دون أن تكون لهامته القدرة على منع سميح القاسم منا وعنا،بل على العكس، لقد فاقم من حضوره الرمزي والجمالي في مخيالنا على نحو أعمق. لا،لم تكن للمرض يوما قامة تحّول دون التلاقي المتصاعد، بين رجل حقيقي أصيل ووجدان شعبه وأمته وزمنه.

أما مغناة موته فقد وضعت سميح القاسم في سجل الخالدين، بعد أن أكدته في فضاء النصر العميق الذي جرى في حدود حياة الشخص نفسه، نصر يحيل إليه تأمل الفارق بين ما كان عليه الحال عام 1948 وما صار عليه يوم موته.

* * *
يا سميح القاسم حيث أنت بعهدة ربك وملكوته: يا الذي من كبار الشعب والأمة الباقين كـ"حجر يشد البحار إلى قرون اليابسة"، ويا المقيم في كل المجازات المترامية للقول وللفعل، والمدى المخملي للذاكرة، كي نلقاك في المكان العالي، (قد) لا نحتاج كثيرا للمكتبات والكتب أو المنابر أو الذكريات، التي اتسعت لبعض ما قلته، أو كنت تود قوله، وليس لكل قولك، إنك هناك، في صوت الروح الصاعد ضد الظلم والقهر والعدوان، وفوق خطوطها وخلفها.

وأنت هناك، في قلاع غير قابلة للسقوط، أوقعت هزيمتها في الغزاة بيقينها ، قلاع بنت نفسها، كلمةً فموقفاً فجمالاً فمعنىً، حتى صارت دليلا عظيماً على الحق والصبر والحلم والعنفوان والبسالة والرهان.

وأنت هناك لأنك سليل فلسطين، ومعانيها الرحبة الممتدة من السماء حتى الأرض ففي كل صوب ونحو، وأنت هناك لأنك أخذتنا برفق الكلام وبصوابه، وبشدة الموقف ولينه، دون أن تترك لنا ترف الدعوة أو الاختيار، وقلت لنا تلك هي دروب الخلاص: لا تأثموا فتضيعوها، فإذا ذهبنا في الدروب سنرى الزهو في عينيك وروحك، وإذا أثمنا ستهددنا باسم القصاص المّر، وفي كل حال سوف نراك، تلقانا ونلقاك.
وأنت هناك، كما قالتك مغناة الشام ونشيدها في يومك" على دمشق الشام روحك راجعه"، مغناة وضعت قمراً من فلسطين في مدار الشام البهي الجميل العالي، وقدمت له عرشا من الكلمات التي تليق به، فصارت وشاحاً لفتى الأمة الأغر، وفاض النشيد: تيناً وزيتوناً، سميحاً وشاماً.
* * *

السلام على روحك يا سميح القاسم ، والسلام لفلسطين وبها، والسلام على الشام ولها، والسلام على من يذهبون كي يعودوا بالإنعتاق لا أقل، ولا تراجع .
---------------------
* كاتب وأستاذ جامعي من فلسطين



#محمد_نعيم_فرحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نعيم فرحات - يا سميح القاسم-على دمشق الشام روحك راجعه-