عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4556 - 2014 / 8 / 27 - 09:17
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
أولاد إسماعيل في القصة
إسماعيل جد العرب بلا منازع ولا يمكن لأحد أن ينكر هذا ولكن كيف يكون إسماعيل العبراني الأرامي الإبراهيمي جدا للعرب وقبائل العرب تنتشر في الجزيرة قبل ولادته وولادة أبيه بل هم أصلا من أولاد سام والتأريخ يقول أن إسماعيل بفعلة أبيه إبراهيم قد جاورهم هو وأمه حيث كان في أسكنهم في واد غير ذي زرع عند بيت الله القديم وجوار جرهم كما يقول المؤرخون ,العرب بالرواية والحدث والتأريخ أمة قيل إسماعيل فمنى صار الجار جد لهم ,فمن هم العرب الذين بشار بهم بأنهم أبناء إسماعيل ؟.
في النصوص التي كتبها الناس أن العرب أنماط وليس نمط واحد قهم ((العَرَب والعُرْب ومصغرهما الْعُرَيْب أمة من الناس،منشؤها شبه جزيرة العرب،لسانها عربي ولغتها عربية))، هذا ما تنص عليه المعاجم والقواميس ،بعض الاخباريين والمؤرخين العرب الذين قسموا العرب الى عرب بائدة وهم عرب بادوا وهلكوا لا يعرف من جدهم الأعلى ومن أين أتول وإلى أين ذهبوا يكتفي التاريخ أنهم بادوا وهلكوا وهم قوم عاد وثمود وقوم نوح من بعدهم إجمالا بلا دليل ،وعرب عاربة وهم القحطانيون عرب الجنوب وأصولهم ترجع الى العرب البائدة هؤلاء ما زالوا لليوم وقد عاصروا إسماعيل وكانت بينهم مصاهرة وبالذات جرهم ،وعرب مستعربة وهم العرب العدنانيون من ذرية اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام وبعضهم يكتفي بـالعاربة والمستعربة ,والمستعربة لأنهم استعربوا من بعد وذلك لأنهم ليسوا بعرب !!!!!!.
أما العرب الخلص الأصل فهم ((العرب العاربة أو العرب العرباء هم العرب الصرحاء الخلص في عروبتهم،وجدهم هو يعرب بن قحطان وهو اول من انطق الله لسانه بلغة العرب،وهو أبو اليمن كلهم))، هكذا يقول الاخباريون والمؤرخون العرب في مصادرهم، وينسبون القبائل العربية القديمة مثل عاد وثمود والعمالقة ومدين وحضرموت وطسم وجديس وجرهم الأولى الى العرب العاربة أو العرباء والمسمى واحد ويشيرون الى ان اكثر هذه القبائل قد بادت واندثرت لذلك يطلقون عليها مسمى القبائل البائدة أو العرب البائدة وهم في عرفهم قبائل،بادت أو باد اكثرها.
هنا في هذا التفصيل الإخباري المؤرخ يحاول التغطية والتشويش على الكثير من الحقائق المتعلقة باللغة والوقائع التأريخية ليصل لنتيجة يريد فيها الخلط والتدليس عن حقيقية عزل العرب عن أصلهم التأريخي والبيئي ,العرب أصلا كما يقال هم سكان الجزيرة وامتدادها من اليمن إلى جزيرة الفرات حتى كل جزيرة الشام وسهل حوران فقط ,البيئة الجافة والحياة الصعبة والتنقل وعموم صفة البداوة هي الطابع الغالب وإن قامت بعض الممالك العربية واستقرت قبائل منهم فمرد ذلك لعوامل بيئية أيضا توفر الماء ووجود سلطة قوية مدعومة أما بعنصر ثقافي أو رسالة دينية.
أما من ناحية الاشتقاق اللغوي المزعوم ,الجذور والنسبة للجذر ليس لها قانون موحد ولكم هناك منطق غالب وذوقية تتعلق بالمسموع لا بالمقاس اللفظي فمثلا صيغة الإنتساب ليعرب هو يعربي وجمعهم يعاربه أو يعربيون جمع مذكر سالم ومفردها عربي ,ومنه أيضا أشتقاق أعاريب أو أعاربة وجمعهم أعراب وجمع أعراب عُرُبْ ومفردها إعرابي ,ولا يمكن اشتقاق أسم عربي أو عرب من يعرب واللغويون الملتزمون بالمنطق اللغوي والشواهد يؤكدون ذلك,هنا يمكننا أن ننفي أن تكون أقوام اليعاربة أو الأعاريب وهم ما يطلق عليهم خطأ العرب العاربة بشقيها الباقي والبائد وهذا مهم جدا في الترتيب التاريخي المنطقي.
نأتي مرة أخرى على اليعاربة البائدة وهي أقوام (عاد وثمود والعمالقة ومدين وحضرموت وطسم وجديس وجرهم الأولى) النصوص الدينية الصريحة وخاصة نصوص القرآن الكريم تؤكد على هلاك هذه الأمم بسبب من أعرابيتها المتصلة بكونهم أشد كفرا ونفاق بما عصوا الله وبما كانوا يفترون وهذه النصوص القرآنية على سبيل الشاهد والمثال :.
• {وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ }الأعراف74.
• {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }التوبة70.
• {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} إبراهيم9
هذه الأمم والشعوب كانت من الأعراب البائدة بسبب كفرها وطغيانها على أمر الله فليس السبب الذي أدى إلى ذهابهم كما يفسر بعض المؤرخين هي العوامل المناخية والبيئية بل نصوص الروايات التي بين أيدينا تثبت العكس تماما {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ}الأنعام6,فما يصيب منطقة من عوامل بيئية لا بد أن يصيب جيرانهم الأقربون وهذا ما لم يثبت بدليل علمي عليه تكون عملية الإبادة التي لحقتهم سببها الرفض المطلق لأمر الله تعالى من جهة وليثبت النص الديني من جهة أخرى أن بقاياهم الباقية أو المتفرعة أو التي لم يصبها لعنة الإبادة إنما هم الأعراب كما في النص التالي الذي يبين أن قوم هود كانوا معاصرين لهذه الامم البائدة وهو من البقية الباقية {وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }هود60.
من بقى منهم اتعظوا ومنهم من منح الله له الفرصة ليكونوا شاهدا على أمم بادت وهلكت ولينقلوا لنا العبرة منهم وعنهم {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }يوسف111,حتى جاء أمر الله لإبراهيم أن يرحل إلى جبل ساعير من عربه ليرفع القواعد من البيت القديم {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }البقرة127.
أسكن الله ذرية إبراهيم إسماعيل وأمه في واد غير ذي زرع وفجر لهم عينا زمزم في قفر عند بيت الله الحرام ليكون مطمعا للآخرين للسكن قرب البئر ثم يتجمعوا من حوله ليشكوا أمة جديدة تحمل كما يسرد الإخباريون (زورا وبهتانا) جزء من الكلمة القديمة الباقية فيولد لإسماعيل عدنان ومن عدنان معد وأخوته ليكون أمة أسمها عرب وعربان وأعراب لتكون هي الأخرى أمة تصارع بقية الأمم من أولاد العم ومن الجد سام دون احترام لحق النسب والمجاورة والمشاركة لهم,من العرب جاءت أمة أخرى تحمل روح الكلمة في نسلها تصارع أخواتها وبنات عمومتها والأقربين والأبعدين كي ينتزعوا من خزاعة البيت ليكون لقريش وحدها بانتظار أخر حرف من كلمة الله الذي أسمها أحمد.
فبعث الله رسوله من العرب أشرف الأمم كما يقولون من أشرف قبائل العرب قريشا ومن أشرف بيوتات قريش من بني هاشم ليكون الحرف الذي تكتمل بوجوده أنوار الكون وتحلق في السماء كلمة الله الباقية,وأيضا ذرية بعضها من بعض,من نوج لمحمد تكتمل الحكاية ولتغطي بتمامها كل الأرواح التي أزهقت وكل الأموال التي اهدرت والأعراض التي انتهكت لأن من يكتب التاريخ كانت منتشي بفضالة كاس خمرة بقيت من فم سلطان جائر وملك قد أدمن الخطيئة أمام الله وهو يعلم أن لا نجاة له من الله ولا قدرة له بخداعة فليخدع شعب الله سادرا في غيه ملتمسا من حكاية هذا المؤرخ سببا للبقاء.
الراوي هنا كمعلم الصبيان الصغار فقد تسمروا حول مقعده وهم فاغري الأفواه تصور لهم حكايته ملاحم من البطولة والفضيلة لا يفهم منها الصغار إلى التشوق لما يأتي بعد الحدث دون أن يقف عند الحدث ذاته وتستمر الحكاية ويستمر بله الأطفال دون نهاية,فقد أنجز هذا الأفاك كذبته بتفوق وزرع ما يريد ومضى إلى غير رجعة ليأتي أخر فيسقط من الحكاية ما لا يعجبه ويبني من جديد دون أن يخل بالمنهج.
إبراهيم الأمة التي فتحت أبواب النور للناس كل الناس والذي جعل الله في ذريته النبوة والحكمة والإمامة يصورها المؤرخ كأنهم البلاء الأسود الذي حل بالأرض فكل أولاده قتله ومجرمون وسفاحين مثله مثل أولاد نوح وبالذات سام الذين بشرهم الله بأنهم بركة {وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ},أمة جبارة ظالمة هادمة ليس لها هدف في الحياة إلا التدمير ونشر البؤس والعذاب باسم الله الرحمن ذو العفو والمغفرة لأنه أخطأ حين وضع فيهم كلمته الباقية وهو غير قادر على انتزاعها منهم.
تلك الحكاية ومن البداية ظلموا الله وظلموا سام ونوح وإبراهيم وإسماعيل وأسحق كما ظلموا محمدا وأل محمد وأل عمران وكل من حمل فكرة أن لا إله إلا الله لأن من كتب التاريخ وقصه كان عدوا لله ولأنبيائه ويريد أن يقنع الناس أن الرب الجليل ممتهن الظلم وداع له وداعمه ,وأن ترك الرب وما بعث به هو جزاء ظلمه وأن الحياة بلا رب هي الحياة الفضلى,وهذه هي أخر الحكاية.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟