|
عن السياسة والأدب والفكر
علي أبو خطاب
الحوار المتمدن-العدد: 1284 - 2005 / 8 / 12 - 11:03
المحور:
الادب والفن
أن بين السياسة والأدب والفكر حدود لا ينبغي أن يتم تجاوزها لمصلحة أي من الطرفين ولكن لا ينبغي أبداً هدمها ، مثلاً للسياسي أن يتفحص الفكر الثقافي وينشد منه ما يمكن ترجمته لواقع وله أيضاً أن يطلع على الأدب ويستفيد منه كمرآة ونقد المجتمع ليحل مشاكله، كما أن للمثقف والأديب أن يدلي بدلوه في مجال السياسة حين يتعلق الأمر بما فيه مصلحة الشعب وتقدمه ،لكن من الخطأ الفاحش خلط أوراق السياسة بالثقافة وممارسة الدور الثقافي والسياسي معاً والا اضر ذلك بصورة المثقف والمبدع ، فمثلاً إن كان المثقف الاشتراكي منخرطاً في حزب شيوعي فسيرمى حينها بسهام الستالينية ومجازرها وهلم جرَّ ، وما نلاحظه على رواد الفكر كالممهدين للثورة البلشفية وللثورة الفرنسية وغيرها كانوا مصلحين اجتماعيين ومثقفين ومفكرين أدلوا بآراء سياسية لكن لم يتحولوا لساسة إيمانا منهم بأن لكل دوره ولا ينبغي أن يأخذ كلا من الثقافي والسياسي دور الآخر وتذكر هنا ما يقوله جبرا إبراهيم جبرا في كتابـــــه " معايشــة النمرة " :- " والحضارات المهمة تتداخل فيها العلاقات بين الثقافي والسياسي لصالح كليهما وهو أمر يعود إلى أقدم الأزمان في حضارات وادي الرافدين بوادي النيل ونتمثله على أوضحه فيما بعد في طلب أمير مقدونيا إلى الفيلسوف أرسطو أن يثقف إبنه الاسكندر ، غير أن كليهما يدرك أيضاً أن الثقافة في جوهرها شئ والسياسة في جوهرها شئ آخر ، وان الثقافة معنية أساساً بالمعرفة والفكر والخيال والتعبير ، وإن السياسة معنية أساساً بالفعل وتنظيمه في ضوء هذه الثقافة بكل نوازعها واكتشافاتها ومتطلباتها " كما يقول حنا مينا في كتابه " كيف حملت القلم " :- "أن السياسي يبقى سياسياً وخطابه السياسي يختلف عن أي خطاب آخر ، لكن هذا الخطاب يكون سطحياً فقيراً ناقصاً إذا لم يتعزز بالشواهد من حياتنا ، ولكي يكون كذلك فأنه مطالب بل محكوم بالعيش والقراءة والحصول على المعرفة وتكوين ثقافة عامة وحس ذوقي يتيح له إبداء رأي فيما يعرض له من شئون الأديب ليس سياسياً لكنه في الأدب الذي يزاوله ،وعنه يكتب خطابه ، ينبغي ألا يكون جاهلاً بالسياسة أو الاجتماع أو التاريخ وغير مفصول عن الحياة من حوله ما دامت هذه الحياة هي الحياة وحدها تقدم له مادته التي يشتغل عليها ، وتؤمن له أن يعرف الشعب والجمهور والطبقة بكل ظروفها وشروطها ونواحي تفكيرها وتطلعاتها ومشاكلها ، والا ظل انتماؤه والرغبة في التعبير عنه يدوران في فراغ ويستندان إلى فراغ أيضاً " وأدعو لعدم انخراط المبدعين لأحزاب سياسية بل أيضاً لعدم تبني مقولات احزاب سياسية وأن يضعوا كل رأى مهما ظنوه صحيحاً موضع الشك والتمحيص ،وألا يعتبروه كمسلمات، كما فعل الفكر الديني حين ناقش التراث الديني وحتى ما كان يعد كمسلمات . أما بالنسبة للمشهد العربي فارى ان رواد كأمثال أدونيس وغيره (الذين أيدوا الحزب القومي السوري) وسميح القاسم ومحمود درويش ونزار قباني وعبد الوهاب البياتي وغيرهم ( مؤيدي القومية العربية ) وغيرهم من المثقفين اليساريين والوطنيين قد أخطأوا في إيمانهم بسياسيين سواء قوميين كعبد الناصرأو وطنيين كعرفات أو اشتراكيين كستالين وكما أنهم أخطأوا في تبنيهم أيدلوجيات وطنية أو قومية أو حتى يسارية ( رغم أن فكرها ) أممي تؤدي للتعصب ، وأنا لا أتهم الوطنية والقومية عامة بالتعصب بل أتهم المثقفين الشوفينيين الذي ينتموا لهذه الاتجاهات لأن المثقف الحقيقي سواء وطني أو قومي أو اشتراكي هو مثقف إنساني ويمقت التعصب ويعشق العدالة وما أجمل عبارة نزار قباني في كتابه "الكلمات تعرف الغضب " حين سُئل :- " هل تنتمي شعرياً إلى حزبٍ ما " فأجاب :" أنتمي إلى حزب الإنسان " .
وأنا لا أنادي هنا بالفصل بين السياسة والإبداع فالإبداع لا يخلو من أيدلوجية لكني ادعو لاتحاد كونفدرالي أو فدرالي يحفظ لكل منهم استقلاله ويقارب بينها لكن ليس لوحدة الشاملة ،وحذار ألف مرة من التأييد المطلق للسياسيين وإن زعموا شعارات العدالة والديقراطية وغير ذلك من شعارات نبيلة فقد تكون كلمة حق يراد بها باطل فلا يجوز أن نهلل بالشعر النثر لكل ثورة ولكل قائد دون استيعابها أولاً بشكل جيد وبالتالي لنعرفها على حقيقتها ويكفي أن نأخذ عبرة من درس الناصرية التي هلل لها طويلاً كثير من المثقفين ثم تكشفت اخطاءها بعد النكسة من فساد ودكتاتورية وغيرها بل ويا للسخرية في نفس الوقت الذي كان يهلل فيه المثقفين للناصرية كان السجون ممتلئة مثقفين أيضا ومن لم يسجن قطع عيشه كما حدث للخمسين أستاذا الذين فصلوا من الجامعة بعد أزمة الديمقراطية 1954، ولماذا نذهب بعيداً وهناك كتاب يهللون للسلطة الفلسطينية وقائدها في حين أن الفساد الإداري قد أصبح جلياً للجميع ، إن الانتماء الحقيقي يجب أن يكون للإنسان وقضاياه بغض النظر عن أيدلوجيته . وأخيراً يحق لنا أن نتساءل مع المبدع الراحل الحاضر جبرا إبراهيم جبرا في كتابه معايشة النمرة أيضاً :- " هل استطاع العالم العربي في دوله المستقلة منذ أواسط القرن العشرين أو قبل ذلك أن يجعل لكل من الثقافة والسياسة مجالها الخاص ويربط في الوقت ذاته بين مجالين جدلياً جاعلاً الفعل السياسي مستنيراً بالخطاب الثقافي ؟ هذا سؤال علينا أن نطرحه بأشكاله المتباينة وينبغي أن تكون لنا جرأة في البحث عن جواب مفصل عنها " .
#علي_أبو_خطاب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة بين مطرقة تأويل الدين و سندان المجتمع
-
يا عمال / عاملات العالم التحموا
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|