أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أحمد سعده - ما بعد الحرب على غزة.















المزيد.....

ما بعد الحرب على غزة.


أحمد سعده
(أيمï آïم)


الحوار المتمدن-العدد: 4552 - 2014 / 8 / 23 - 11:44
المحور: القضية الفلسطينية
    


مِنْ رَحم الأسطورة تتوالد أساطير سُرعَان ما تنمو وتكبر لتصير قدراً لا مناص منه يَستحوذ على قُلُوب وعُقُول وأرواح البشر المُؤمنين بهذه الأساطير، فتسلب قُدرة أبصَارهم وبَصِيرتهم وبَصَائِرهم على الرؤية الصحيحة بعد أن تُصيبهم بكل أنواع العَمَى والحَوَل فيضربون في صحراء التيه بلا دليل. ولأن الشعب الفلسطيني معنيُّ دائماً بتحرير أراضيه والتخلص من قبضة العدوان الإسرائيلي وحصاره الخانِق ما يستلزم بالطبع مُساندة حقيقية ودعم من الدول العربية وبخاصة دول الجوار، قَفَزت إلي ساحتنا السياسية أسطورة "الوحدة العربية" التي أَغرَقَت شُعوبنا وثقافتنا بشتى أنواع خداع النفس والتضليل حول مستقبل ومسار وصيرُورَة القضية الفلسطينية، ولم تكُن هذه الأسطورة بكل ما تخفيه ورائها من حقائق محض مصادفة بل كان مقصود إليها قصداً.
والمسار الفعلي الحقيقي للقضية الفلسطينية تعلمه أمريكا وإسرائيل وأُورُوبا كما يعلمه حُكَامنا العرب وحتى القيادات الفلسطينية، لكنهم لا يَبُوحُون به، وهو ضم الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وغزة وترحيل السكان، وبنفس الطريقة التي تم بها ضم أراضي الجولان إلى إسرائيل، ولكن "لأن لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السماوات وقت" فإن إسرائيل تنتظر الوقت المناسب لضم هذه الأراضي، خاصة في ظل تعطُشها للأراضي بعدما ضاقت عليها الأرض، ومع الهجرات اليهودية إليها، ما يجعل من التوسُّعِ بالنسبة لها حياة أو موت. وحُكامنا لا يبُوحُون بهذا علناً لتفادي الغضب الشعبي المتوقع، وخداع الشعوب العربية بما تُبدِيه الأسطورة على السطح إلى أن تطفُو الحقائق الجديدة الخَفِّية من تحت السطح كأمرٍ واقع يخضع له الفلسطينيون وسائر الشعوب العربية.
ورغم كل مُحاولات المقاومة في غزة وتضحياتها وبطولاتها، إلا أن الترويج الحماسي لقدرتها في ظل الأوضاع الحالية على إنهاء الحصار لا يعدو أكثر من أن يكون "أسطورة" جديدة ضمن ميثولوجية كاملة من الأساطير يسبح فيها عالمنا العربي، فالمقاومة أضعف من أن تقلب المعادلة رأسا على عقب! ولن يتغير شىء من الواقع في ظل الاختلال الحالي لموازين القوى، ولن تتخلى إسرائيل عن حصارها، وكلامي مرير لكن لا أجد غيره. وهذا بالطبع لا يعنى التسليم بواقع العُدوان وبمعايير قصوى للاحتلال، فالمقاومة مهما كان ضعفها إلا أنها تُحبط وتُربك مخططات إسرائيل التوسعية باستبسالها، وتُؤجِل الأقدار المحتُومة "إلى حين"، كما أن المقاومة بالفعل لا تملك غير أن تدخُل حربها "الدِفَاعِيَّة" وحيدة مسكينة في مأساة حقيقية، فلا ينتهي يوم من الخرابِ والتدمير إلا ويأتي آخر لا يحمل معه أي بشارة بل يأتي بأوجاع وآلام جديدة بعد أن أصبح السكان في غزة يعيشون فَظَاعَة المُعَاناة كل يوم في انتظار "الغد الجميل" الذي لا يأتي أبداً، وهذا الغد الجميل الذي ينام الفلسطينيون يحلمُون به هو تحرير الأرض وإنهاء الحصار، لكن الحلم سُرعان ما ينقلب إلى كابوس، والغد المنتظر يتحول إلى واقع حزين، أيْ واقع الاستيطان، الخراب، التدمير، ورائحة الموت والدم.
ولا يمكن أن نُنكر أن المقاومة قد كسرت أنف إسرائيل التي تُحارِب اليوم من خطوطها الداخلية وهي صاحبة سياسات نقل المعركة إلي أرض العدو. لكن لا يمكن أيضا مقارنة وضع المقاومة الحالي بأوضاع تاريخية تَحرُّرية سابقة كان لها معاييرها وشروطها وسياقها الزمني، فحروب التحرير في فيتنام استطاعت تحقيق النصر والتحرر من براثن أمريكا، بعد أن قدم المزارعون الفيتناميون أكثر من مليون شهيد وثلاثة ملايين من الجرحى مقابل بضعة آلاف من الأمريكيين وأجبروا أمريكا إلى العودة أدراجها، والأمازيغ الجزائريون ضربوا نموذجا في الصمود ضد الاستعمار الفرنسي وقدموا مئات الآلاف من الشهداء من أجل طرد الاستعمار الذي دام 132 عاماً، غير أن اليوم لا يُشبه البَارِحة، فالاستعمار في الجزائر وفي فيتنام وفي ليبيا كان من أجل خلق مستعمرات لاستنزاف مواردها، أما الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين فهو من أجل المأوى، ومن أجل الميعاد. فرنسا وإيطاليا تتأسفان على ما حدث في السابق وتشعران بالذنب تجاه الجزائر وليبيا بل أنهما في الطريق لتعويضهما؛ أما إسرائيل فلم تكن فقط الدوافع الإمبريالية هي السبب الوحيد في اختيار أرض فلسطين لإقامة مشروع دولتها وتفضيلها على الأرجنتين وأنجولا رغم كثافتها السكانية، فإسرائيل لديها ما تُؤمِن به على أرض فلسطين، لديها الأيديولوجيا الدينية والوعود الإلهية التَورَاتِيَّة التي تتمحور حول ثلاثية الإله، الأرض، والشعب، فالإله يحل في أرض الميعاد، لتصبح أرضاً مقدَّسة ومركزاً للكون، ويحل في الشعب ليصبح شعباً مختاراً، ومقدَّساً وأزلياً. وفوق هذا وذاك تلقى مساندة ودعم الغرب الذي تتبع له معظم دولنا العربية إن لم يكن كلها.
وأنا لا أكتب هذا الواقع المرير بقصد زرع الإحباط في النفوس، لكن أكتب بهدف تنشيط التفكير الجاد والتأمُّل الموضُوعي العميق، فلو كان هناك بصيص أمل فلن يدنو إلا بفضل هذا التفكير. وقد قرأت في الفترة السابقة مقالات لكُتَّاب يُركِزُون، مع كل إخلاصهم للقضية الفلسطينية، ومع كل حَصِيلتهم الفكرية، على أُمُور بالغة السلبية والضرر خاصة فيما يَخُص الهُجُوم على المقاومة واختزالها في حركة حماس، بل ولم يَتَفَوَّه بعضهم بكلمة واحدة ضد إسرائيل وما ترتكبه من مذابح إبادة جماعية في غزة، ورَوَّج هؤلاء لأسطورة جديدة حول "قُدرات إلهية" لمصر في وقف العُدوان على غزة، وبالطبع الدفاع عن فشل هذه القُدرات بخلق ترسانة من التبريرات اللاإنسانية لاستمرار العدوان الإسرائيلي كعقاب على رفض المقاومة للمبادرة المصرية الأولى، رغم أن المقاومة قبلت بالمبادرة الثانية وكان جَزَاؤُها جزاء سنمار.
وبنظرة موضُوعية للمشهد الحالي تغدو النتيجة المريرة الحتمِّية بعد أن تضع هذه الحرب أوزارها وأثقالها هي وللأسف: مزيد من تشديد الرقابة على المعابر، وإحكام الحصار على غزة بعد تدمير القدرة الصاروخية للمقاومة وليس رفع الحصار كما تتوهم المقاومة، ولن تُغَيِّر أي مبادرات عَبَثِّية من الواقع شيئاً بل ستكون بمثابة "صك البراءة" لإسرائيل أمام المجتمع الدولي المُتخاذل من الأساس.
وقد صارَ من أَوجَب الوَاجبات على الشعوب العربية والفلسطينيين بالأَخَّص التَخَلُّص من كل الأساطير، بصفتها حلولاً للقضية، قبل أن تُباغتهم الصدمة الحقيقية الكبرى التي ستقلب نظرتهم عن الموضوع. ما يعني ضرورة التخلي عن الأوهام حول وضع القضية الفلسطينية ومسارها، وأن يكفوا عن تَوقُع خير من الدول العربية أو المجتمع الدولي، حتى لا نستيقظ ذات صباح كئيب على واقع "الضم" وسيناريو "الترحيل". ورغم أني من أشد أنصار فكرة حل الدولتين وإقامة دولة واحدة ثنائية القومية، غير أنني أراه حلا على المدى البعيد. لذا ينبغي على الشعب الفلسطيني أن يضع سياسات للمواجهة بالحقائق وليس بالأوهام، ويتبني استراتيجيات جديدة تنطلق من حلول فعلية وعملية قادرة على صناعة واقع جديد يبدأ بدينامية مركزية ذاتية، تُحَدِد كيف ومتى ينبغي التقدم أو التراجع، وتُقرِر أين ومتى يستخدم السلاح، وغيرها من استراتيجيات بعيداً عن خداع النفس الذي يَقُود الشعب الفلسطيني بسرعة مجنُونة إلى الجحيم.



#أحمد_سعده (هاشتاغ)       أيمï_آïم#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول الموقف المصري من الحرب على غزة.
- الجرف الصامد من غزة إلى سيناء.
- السِيسِي على خُطَى الشيطان.
- هل صليت على النبي اليوم؟!!
- عنف ذكوري بشع في الشارع العام ضد الصحفية سارة سعد
- تحرش
- مصر .. كابوس الانهيار!!
- تعريف موجز بفيلم الخروج للنهار.
- قراءة في مستقبل مصر ما بعد الانتخابات الرئاسية.
- انتبهوا .. مصر على أعتاب جهنم
- أُمي الغالية, أفتقدك جدا .. وسأظل أفتقدك للأبد.
- النساءُ .. الجاريات المعتقات
- المعطف الأحمر (قصة قصيرة)
- مسجد الرحمة
- الديمقراطية .. الكنز المفقود
- رسالة إلى امرأة غائبة
- مِنَ العشيرةِ إلى الدولة... استغلالٌ لا ينتهي.
- حتى لا تصبحَ الثورةُ المصريةُ في ذمّة التاريخ
- الانقلاب العسكري
- مصر الدولة .. أم الثورة!! ؟


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أحمد سعده - ما بعد الحرب على غزة.