|
آفاق الحرب العالمية لمكافحة الإرهاب
جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي
(Bashara Jawad)
الحوار المتمدن-العدد: 1284 - 2005 / 8 / 12 - 11:35
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
منذ الحادي عشر من أيلول 2001 وكرد على الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية في عقر دارها تشن إدارة بوش حربا لا هوادة فيها ضد ما تسميه بالإرهاب العالمي دون أن تنجح في تقديم تعريف علمي واضح ودقيق لمفهوم الإرهاب . فليس مصادفة بعد سلسلة الهجمات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في لندن وشرم الشيخ أن ترد الإدارة الأمريكية في هذه المعركة بسلاح المصطلحات والمفاهيم وقامت بتغيير تسمية استراتيجيتها إلى " المعركة العالمية ضد التطرف العنيف" وهي تسمية فضفاضة وأشمل من التسمية السابقة التي كانت تعرف " بالحرب الشاملة لمكافحة الإرهاب" فهل هذا يدل على عجز أم تغيير في التوجه الاستراتيجي الأمريكي بغية عدم تجاهل البعد السياسي والأيديولوجي للصراع القائم ؟ يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت واعية لكافة أبعاد هذه المواجهة المدمرة والخطيرة فالرد العسكري الذي أعلنته أمريكا على هجمات الحادي عشر من أيلول 2001 قد أعطى نتيجة محدودة توجت بنصر عسكري تقليدي تجسد بإطاحة نظامي طالبان في أفغانستان والبعث في العراق لكن الرد العسكري لم يؤد إلى إضعاف أنصار الحرب المقدسة ضد الوجود العسكري الأمريكي في العالمين العربي والإسلامي . أطاحت حرب أفغانستان بنظام طالبان وأرغمت القاعدة على العمل السري والأختباء تحت الأرض واعتقال وقتل الآلاف من أتباعها في مختلف أنحاء العالم كما تم تفكيك خلايا سرية نائمة وإبطال مفعول عبوات ناسفة وسيارات مفخخة وتفجيرات كانت معدة ضد أهداف حيوية واستراتيجية ضد سفن راسية في مضيق جبل طارق ومحاولات استخدام مواد سامة في بريطانيا وفرنسا واسبانيا وإطلاق صاروخ أرض ـ جو من طراز ستينغر ضد طائرة مدنية في مطار هيثرو البريطاني وإسقاط طائرة على مبنى القنصلية الأمريكية في كراتشي وتفجيرات متعددة ضد سفارات غربية في بانكوك وبيروت وسينغافورة .كما تدعي واشنطن بأنها تمكنت من قتل واعتقال حوالي ثلثي من قادة القاعدة في أكبر عملية مطاردة الإنسان في تاريخ البشرية وأشهر هؤلاء القادة رمزي بن الشيبه الذي اعتقل في أيلول وعبد الرحيم النشيري الذي تقل في اكتوبر وأبو زبيدة في نوفمبر وخالد شيخ محمد في آذار ورضوان اسماعيل الدين المعروف بالحبلي في آب بينما قتل آخرون كقائد سنان الحارثي في اليمن في نوفمبر في افغانستان في ديسمبر . قدر بروس هوفمان الخبير بالإرهاب من مؤسسة راند الأمريكية للبحوث عدد قتلى القاعدة بـ 4000 عنصر لكنه أشار إلى أنه تم استبدالهم بسرعة بمجرد تعرض البعض منهم للقتل أو الاعتقال فالقاعدة تعيد تنظيم نفسها باستمرار وبالرغم من تعرض المنظمة للإرهاق والضعف إلا أنها قادرة دوما على تجنيد عدد كبير من الأتباع والمتعاطفين ومواصلة استراتيجيتها . منذ أيلول 2001 غيرت القاعدة من تكتيكها وتبعثرت في أوسع مساحة ممكنة من الأرض وشجعت المجموعات المحلية على التحرك المستقل باسمها ونشر أيديولوجيتها وتكنيكها عبر الانترنيت فقد تم استبدال قادة ميدانيين وكوادر قيادية اختفت بكوادر وسيطة من الدرجة الأدنى أقبل خبرة ومراسا بيد أنهم قادرون على أخذ زمام المبادرة وقيادة العمليات كما صرح نائب الأميرال لويل جاكوبي في نهاية 2004 بصفته مديرا لوكالة الاستخبارات العسكرية التابعة للبنتاغون . بينما علق مختتما الخبير بالإرهاب والعميل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سي آي أيه مارك ساغمان والذي درس بإسهاب وتمعن أساليب القاعدة كخبير نفسي ودرس خلايا القاعدة في أوروبا عقب في سلسلة من المحاضرات في عدد من الوكالات الحكومية الأمريكية قائلا: قد لاتحدث في الأمد القريب هجمات استعراضية هائلة من طراز هجمات أيلول 2001 بل المزيد من الهجمات من نوع ما حدث في مدريد في ولندن وشرم الشيخ وبالأخص في أماكن أخرى في أوروبا. لاينبغي أن يغيب عن أبصارنا أن القاعدة تعمل بسرعتين فمن جهة تقدم الدعم التقني والمالي للجماعات الإسلاموية المتطرفة لمهاجمة الغربيين وحكومات الدول الإسلامية التي يعتبرونها عميلة وخائنة ، وفي نفس الوقت التحضير سرا وبتأني وبطء لعمليات كبرى استعراضية تحدث دويا إعلاميا كبيرا وتوقع الكثير من الضحايا ضد الولايات المتحدة الأمريكية أساسا تفصل بينها بضعة سنوات لازمة للإعداد الدقيق والتنظيم المتقن كما يشير دانيل بينجامان المسؤول عن مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ويعمل اليوم كباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية .منذ أربعة أعوام والتهديد الإرهابي لم ينخفض بل تفاقم حسب تقديرات مركز مكافحة الإرهاب الحديث العهد في الولايات المتحدة الأمريكية الذي أشار إلى أن العمليات الإرهابية تضاعفت ثلاث مرات سنة 2004 ووصلت إلى 655 عملية مقابل 175 عملية سنة 2003 أدت إلى قتل 1907 وجرح أكثر من 7000 ضحية وقع 198 اعتدائ إرهابي في العراق سنة 2004 أي تسع مرات أكثر مما وقع سنة 2003 لذلك حاولت الإدارة الأمريكية إخفاء هذه الحقائق والمعطيات الجديدة لأنها سوف تولد لدى المواطن شعورا بالهزيمة في معركة الإرهاب كما يؤكد لاري جونسون نائب مدير سابق في شعبة مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية. مازال للقاعدة نفس الأهداف السياسية التي تتلخص بتوسيع رقعة الصراع ونشر الجهاد ضد الغرب وطرد الكفار من الشرق الأوسط وإصابة الهدف الحقيقي الذي هو في نهاية المطاف الأنظمة العربية والإسلامية الموالية للغرب التي تنوي إطاحتها في الباكستان والعربية السعودية ومصر والنظام العراقي الحالي الذي جاء في أعقاب سقوط نظام صدام حسين الديكتاتوري . فغزو العراق قدم فرصة لاتقدر بثمن للإرهاب الدولي ونفس جديدا لتنظيم القاعدة الذي تعرض لضربات موجعة في أفغانستان وذلك لسببين : فلقد اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية في في أوقات حاسمة وحساسة إلى سحب جزء كبير من إمكاناتها ووسائلها العسكرية من جنوب شرق آسيا سنة 2002 مما أتاح للقاعدة فرصة تكوين ملاذات جديدة في المناطق المتاخمة لباكستان . فلقد تم نقل وسحب 70 إلى 80 بالمائة من التجهيزات والقوات الخاصة والمخابرات إلى العراق لإطاحة صدام حسين وكان ذلك من الأسباب التي مكنت أسامة بن لادن البقاء على الحياة والمكوث في المنطقة وإعادة تنظيم وتجميع قوى منظمته القاعدة كما تعتقد جولييت كاييم العضوة في اللجنة القومية للإرهاب وعملت في وزارة العدل في عهد كلينتون ودرست مادة مكافحة الإرهاب في جامعة هارفرد. وبالتالي فإن عملية غزو العراق وفرت للقاعدة إمكانية تحشيد وتجنيد وكسب عناصر جديدة متحمسة ومندفعة لم تكن تأمل بها قبل الغزو إلى جانب توفير أرض للتدريب وقاعدة جديدة للانطلاق . نشرت دراسة في شهر آذار 2005 من قبل مركز الأبحاث الشاملة للشؤون الدولية الإسرائيلي الذي تابع مسار 154 عربيا وأجنبيا قتلوا في العراق منهم 33 قتلوا في عمليات انتحارية تقول أن الغالبية الساحقة من هؤلاء لم يسبق له أن اشترك قبل ذلك في أي نشاط إرهابي قبل وصولهم إلى العراق . ومن هنا، وعلى عكس ما أشيع بأن القاعدة تنظيم شبحي حلت محله مجموعة من الخلايا الإرهابية الطوعية فهذا التنظيم مازال يسيطر وينظم وينسق العمليات ولديه دور عملياتي ويقدم مساعدة تقنية كما أثبتت التحقيقات تورط هذا التنظيم بجميع العمليات الإرهابية الكبرى في السنتين الماضيتين في العربية السعودية وقطر ومصر واسبانيا وبريطانيا بالرغم من كونه أقل تنظيما ومركزية بعد أن فقد ملاذه الأفغاني ودعم نظام طلبان المنهار وبالتالي تغيير وسائل الاتصال إلا أن أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري مازالا يقودان التنظيم ويوصلان الرسائل والتوجيهات والأوامر لأتباعهما في كل مكان لاسيما في العراق وفي أوروبا. نشر المدعو أبو مصعب الزرقاوي في بداية عام 2004 نصا من 17 صفحة يصفته الرجل الأول لتنظيم القاعدة والجهاد في بلاد الرافدين في العراق موجها لأسامة بن لادن يطلب منه دعم ومساندة المتمردين والعناصر المسلحة وتم العثور على هذا النص مسجلا عل الدسك الصلب لجهاز كومبيوتر محمول تابع للزرقاوي وتم إرساله عبر البريد الالكتروني . يقول ميكائيل سويتنام من معهد بوتوماك للأبحاث الاستراتجية : هناك خبرة إرهابية قدمت للخلايا المحلية من قبل أشخاص تدربوا واكتسبوا خبرات قتالية وعملياتية في معسكرات متوزعة في كل مكان توجد بصماتهم على جميع العمليات والهجمات التي نفذت في السنوات الأخيرة فهذا القلب التنظيمي والنواة المركزية لهذا التنظيم العالمي قدم التكنيك والتنسيق والنصح والتوجيه ومن الصعب اختراقه حيث سهلت تكنولوجيا الانترنيت على نحو كبير نشاطات الشبكات المرتبطة به وإعطاء الضوء لتنفيذ عمليات كانت معدة منذ زمن طويل ومبرمجة مسبقا. إن شيوع واتساع نطاق العمليات الانتحارية وتزايد عدد المرشحين للشهادة في الشرق الأوسط وأوروبا يعزز مخاوف وقلق خبراء الإرهاب بالضد مما تبديه الأنظمة الرسمية من تطمينات في هذا المجال.
#جواد_بشارة (هاشتاغ)
Bashara_Jawad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المفارقة العراقية
-
دروس في الإخراج السينمائي
-
العراق بين الآمال والقلق
-
نشاط اللوبي الصدامي ـ الفرنسي في باريس ودمشق
-
الإسلام والغرب وفن صناعة العدو
-
مقابلة مع د. جواد بشارة
-
إيران وسورية في مرمى الإصابة الأمريكية
-
الخرائط الأمريكية للعراق والشرق الأوسط
-
يوميات عراقية من مدينة بغداد الجريحة
-
السينما العراقية بين الممكن والمستحيل
-
الخرائط الأمريكية اللعينة للعراق والشرق الأوسط
-
من أجل معالجة وانهاض النشاط السينمائي في العراق
-
رأيت نهاية العالم القديم
-
مراجعات في ما بعد الحداثة السينمائية من المفاهيم النظرية الي
...
-
- فقه العنف المسلح في الاسلام
-
التشكيلة الهلامية للميليشيات المسلحة في العراق
-
محاولات التجديد للأثر الفيلمي ضوئياً
-
رؤية تحليلية للسياسة الفرنسية إزاء الاستراتيجية الأمريكية -ا
...
-
مراجعات في السينما التاريخية - التحول من نصوص التاريخ الي ال
...
-
حوار مع جواد بشارة
المزيد.....
-
مصر.. حكم بالسجن المشدد 3 سنوات على سعد الصغير في -حيازة موا
...
-
100 بالمئة.. المركزي المصري يعلن أرقام -تحويلات الخارج-
-
رحلة غوص تتحول إلى كارثة.. غرق مركب سياحي في البحر الأحمر يح
...
-
مصدر خاص: 4 إصابات جراء استهداف حافلة عسكرية بعبوة ناسفة في
...
-
-حزب الله- يدمر منزلا تحصنت داخله قوة إسرائيلية في بلدة البي
...
-
-أسوشيتد برس- و-رويترز- تزعمان اطلاعهما على بقايا صاروخ -أور
...
-
رئيس اللجنة العسكرية لـ-الناتو-: تأخير وصول الأسلحة إلى أوكر
...
-
CNN: نتنياهو وافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. بوصع
...
-
-الغارديان-: قتل إسرائيل 3 صحفيين في لبنان قد يشكل جريمة حرب
...
-
الدفاع والأمن القومي المصري يكشف سبب قانون لجوء الأجانب الجد
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|