|
مُرَاجَعَة استراتيجية فلسطينية لا بدَّ منها!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4549 - 2014 / 8 / 20 - 15:48
المحور:
القضية الفلسطينية
قطاع غزة ما زال (واقِعاً، ومن وجهة نظر القانون الدولي) جزءاً من "الأراضي الفلسطينية" المشمولة بالاحتلال الإسرائيلي منذ حزيران (يونيو) 1967. والضفة الغربية (والتي تضم أيضاً القدس الشرقية) ما زالت هي أيضاً مشمولة بالاحتلال نفسه؛ وهذه حقيقة لا ينتقص منها، ولا من قوَّتها، وجود السلطة الفلسطينية فيها، أو في بعض أجزائها. إنَّ إسرائيل ما زالت (واقِعاً، ومن وجهة نظر القانون الدولي) قوَّة (أو سلطة) احتلال في القطاع والضفة، ولا يَحْقُّ لها، من ثمَّ، أنْ تُصَوِّر أيَّ عمل عسكري تقوم به في القطاع والضفة ضدَّ الفلسطينيين على أنَّه ممارَسَة لحقها المشروع (دولياً) في الدفاع عن النفس؛ فهذا الحق لا يتمتَّع به "المُحْتَل"، أيُّ مُحْتَل. وفي مخاطبتها الدائمة للرأي العام الدولي، والرأي العام الغربي على وجه الخصوص، تقول إسرائيل وكأنَّها الفضيلة بعينها: منذ 2005 ما عُدْنا هناك؛ لقد أَخْرَجنا كل جنودنا، وكل مستوطنينا، من كل قطاع غزة؛ ومع ذلك، ما زال يُعْتَدى علينا؛ فالصواريخ الفلسطينية ظلَّت تُطْلَق من القطاع على بلداتنا الجنوبية المحاذية له؛ وقد حَكَمَت "منظَّمة إرهابية"، هي "حماس"، قطاع غزة؛ وهذه المنظَّمة معادية لنا، لا تَقْبَل وجودنا، فضَرَبْنا حصاراً على القطاع حتى نَمْنَع هذه المنظَّمة من التَّسلُّح، ومن زيادة وتطوير قدراتها العسكرية (الإرهابية). وعملاً بهذا المنطق الإسرائيلي (الشَّاروني) المتهافِت، يمكن أنْ تُخْرِج إسرائيل جنودها، وكل وجودٍ بَشَريٍّ لها، من مدينة ما، في الضفة الغربية، وأنْ تَضْرِب، من ثمَّ، حصاراً حَوْلها، قائلةً القول نفسه في مخاطبتها المجتمع الدولي! إسرائيل لم تُعْلِن "إنهاء احتلالها" لقطاع غزة، أو "انسحابها" منه؛ فكل ما قالته هو إنَّها، و"من طرف واحد"، "انفصلت" عن قطاع غزة، ونَفَّذَت "خطَّة لفَكِّ الارتباط" معه، مُعيدةً نَشْر جيشها على حدود القطاع. إنَّها لم تتفاوَض مع الفلسطينيين، ولم تُوقِّع معهم اتفاقية، في هذا الأمر؛ إنَّها حتى لم تُنسِّق معهم تنفيذ خطتها؛ وكلُّ ما فَعَلَتْهُ إسرائيل لا يتعدَّى جَعْلَ احتلالها لقطاع غزة من النَّمَط الذي تَرْجَحُ فيه كثيراً كَفَّة "الإيجابيات"، من وجهة نظرها، على كَفَّة "السلبيات"! وإسرائيل لم "تَنْفَصِل" عن قطاع غزة، في "الطريقة الشَّارونية"، إلاَّ لتؤسِّس لانفصالٍ دائمٍ بين القطاع والضفة؛ فهي، وعلى وجه العموم، أغْلَقَت "المَمَر (البرٍّي)" الوحيد، الذي يَصِل بين شطريِّ إقليم "دولة فلسطين"، والذي يجتاز أراضٍ إسرائيلية. والآن، هل من "حلول تفاوضية" لِمَا تَعْتَبِره إسرائيل "مشكلة أَمْنِيَّة" لها مع قطاع غزة؟ إنَّ "الحل التَّفاوضي" لهذه "المشكلة" هو أَمْرٌ ما زال ممكناً، على أنْ يكون مدار التفاوض الجديد (أكان مباشِراً أم غير مباشِر) هو تنظيم ذلك "الانفصال" الإسرائيلي القديم، في آب (أغسطس) 2005، عن قطاع غزة في "اتفاقية جديدة"، يُنْجِزها، عن الفلسطينيين، "الوفد الفلسطيني المُوَحَّد"، وتُوقِّعها عنهم "دولة فلسطين" المُعْتَرَف بها دولياً على أنَّها عضو غير كامِل العضوية (حتى الآن) في الأمم المتحدة. هذه ليست بـ "اتفاقية حل نهائي ودائم"، ولا بـ "معاهدة سلام"؛ إنَّها فحسب اتفاقية تؤسِّس لـ "هدنة مشروطة، طويلة الأجل، قابلة للتمديد" بين إسرائيل وقطاع غزة، بصفة كونه جزءاً من إقليم "دولة فلسطين". في هذه الاتفاقية، لن يكون من شروط تلك الهدنة "نَزْع سلاح المقاوَمة" في قطاع غزة؛ ويجب أنْ يكون من شروطها قبول إسرائيل بند ينص على أنَّها بإخراجها كل جنودها، وكل مستوطنيها، من كل قطاع غزة، قد "انسحبت" منه، وعلى أنَّ "انسحابها" هذا قد جَعَل قطاع غزة "أوَّل جزء من إقليم دولة فلسطين تنسحب منه إسرائيل (أيْ يُرْفَع عنه الاحتلال الإسرائيلي)". وهذا "الانسحاب" الإسرائيلي إنَّما يعني، والآن على وجه الخصوص، أنَّ كلَّ حصارٍ إسرائيليٍّ للقطاع قد انتهى، ويجب أنْ ينتهي، وأنْ لا دَخْلَ لإسرائيل، من الآن وصاعداً، بـ "الميناء البحري"، أو "المطار"، أو "معبر رفح". إنَّ "نسخة"، أو "نسخة معدَّلة"، من هذا "الحل التَّفاوضي"، يمكن أنْ تكون صالحة في الضفة الغربية أيضاً، أيْ في مُدُن وأجزاء الضفة التي لا تبدي إسرائيل معارَضَة شديدة لـ "الانسحاب" منها الآن، على أنْ يكون "معبرٌ برِّيٌّ" بين الضفة والأردن مشمولاً بـ "الانسحاب الإسرائيلي". وبعد ذلك، وتأسيساً عليه، تبدأ مفاوضات بين "الدولتين" من أجل التَّوصُّل إلى "اتفاقية حل نهائي ودائم"، أو "معاهدة سلام"؛ فالصِّلة بين الطَّرَفين (الدولتين) تظل محكومة بـ "اتفاقية هدنة مشروطة، طويلة الأجل، قابلة للتمديد" إلى أنْ تتمخَّض مفاوضاتهما عن "معاهدة سلام"، تتضمَّن حلولاً نهائية للمشكلات التي لم تُحَلَّ بَعْد. وفي موازاة هذه المفاوضات، تتوفَّر "دولة فلسطين"، مع أطراف أخرى، على إنجاز مهمَّتَيْن حيويتين: الأولى هي التأسيس لمَمَرٍّ حيويٍّ يَصِل بين قطاع غزة والضفة الغربية، يمتد في محاذاة حدود مصر مع إسرائيل، وصولاً إلى طابا، ومنها، بحراً، إلى العقبة؛ ومن العقبة إلى الضفة الغربية عَبْر المعبر البرِّي بين الأردن والضفة. والثانية، هي نَقْل مخيَّمات فلسطينية من دولٍ عربية إلى الضفة الغربية؛ فـ "موقِع" اللجوء الفلسطيني يجب أنْ يتغيَّر، وعلى هذا النحو، قبل الحل النهائي لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين. ما السبيل إلى كل ذلك؟ لا سبيل إليه الآن، أو من الآن وصاعداً، إلاَّ "المقاوَمة"، في قطاع غزة والضفة الغربية، وبكل صورها وأشكالها؛ فـ "التَّفاوض" الذي يَسْتَهْدِف التَّوصُّل إلى "حلٍّ نهائيٍّ"، أو "معاهدة سلام"، ليس خياراً واقعياً الآن؛ لأنَّ الشروط الواقعية لنجاحه معدومة، أو شبه معدومة. إنَّ "الغاية" الآن هي تشديد ومضاعفة وتطوير "المقاوَمة" بما يشدِّد لدى إسرائيل الحاجة إلى مفاوضات تقود (فحسب) إلى "اتفاقية هدنة مشروطة، طويلة الأجل، قابلة للتمديد". ورُبَّ مُعْتَرِضٍ يقول إنَّ الأخذ بهذا الخيار (أيْ خيار المقاومة) قد ينتهي بـ "نتائج" تَذْهَب بـ "تَوَقُّع" القائلين والآخذين به؛ وعلى هذا الاعتراض نَعْتَرِض قائلين إنَّ فشل هذا الخيار (وإذا ما فشل) يجب أنْ يُفْهَم على أنَّه خير وأقوى دليل على عُقْم الخيار الآخر، خيار التفاوض تَوَصُّلاً إلى معاهدة سلام الآن؛ فما تَعْجَز عن الحصول عليه من طريق المقاوَمة، أو من طريق مفاوضات أَنْتَجَتْها مقاوَمة، لا يُمْكِنكَ الحصول عليه أبداً من طريق مفاوضات بلا مقاوَمة؛ ولقد أَثْبَت تاريخ "مفاوضات السلام" بين إسرائيل والفلسطينيين أنَّ هذه المفاوضات لا تأتي بالسلام؛ وإنَّما بمزيد من الاستيطان والتهويد، وبمزيد من أسباب الضَّعْف للقوَّة التفاوضية للطرف الفلسطيني.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إضاءات سياسية من الحرب على غزة!
-
تَحَري صدقية -الخَبَر-!
-
ما بَعْد الهُدَن القصيرة!
-
ومضات 6
-
الأسطورة والهزيمة والانهزامية!
-
الحرب إذا غَدَت مرادِفاً للجريمة!
-
-النَّصْر- و-التَّحَدِّي- في غزة!
-
الحرب كالمطر لجهة خَيْرِها وشَرِّها!
-
الفلسطينيون يَصْنَعون تاريخهم الآن!
-
نتنياهو هُزِم!
-
عندما -تُجَرَّم- المقاوَمة!
-
-غزَّة-.. قصة دم مختلف!
-
-الجرف الصامد- في عالَمٍ عربيٍّ منهار!
-
-الانتفاضة- ضرورة ولكن..
-
تقسيم العالَم العربي بَيْن اتِّجاهَيْن
-
مرَّة أخرى عن صلة -التسارع- ب -تباطؤ الزمن-
-
أكراد العراق في مواجهة الفرصة التاريخية!
-
كيف يتسبَّب -التَّسارُع- في -إبطاء الزمن-؟
-
-النُّقْطَة- التي منها وُلِدَ الكون!
-
حقيقة -التباطؤ في الزَّمَن-
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|