صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1283 - 2005 / 8 / 11 - 11:28
المحور:
مقابلات و حوارات
حوار مع صبري يوسف، أجرت الحوار: ابتسام حنّا ـ 5 ـ
ـ أعرف أنّ وقتكَ مكثّف وممتلئ ، لكن أتساءل عندما تجلس في خلوة صغيرة مع نفسكَ بماذا تفكّر في لحظات سريعة؟!
صبري يوسف،
أفكِّر برواية بل بروايات لم أكتبها بعد، بمسرحية من فصل واحد أو عشرات الفصول، أفكّر بالسجون التي عبرتها عبر محطّات غربتي بسبب إختراقي حدوداً دوليّة بشكل غير قانوني، أفكّر باللحظات التي ودّعتُ فيها دمشق وطائرتي تعلو في قبّة السماء وتبتعد رويداً رويداً، فلا أستطيع أن أنسى خفوت تلألؤات شهقة عاصمتي وأنا أعبر دكنة الليل والطائرة تقلّني إلى عالمِ مجهول! أفكّر بدموع أمّي وأبي وأنا أتسلّل من بين أحضانهما قاصداً غربة لا تخطر على بال، أقكر بطفولتي التي تطهّرني من خشونتي وقساوتي في حقّ نفسي، أفكّر بأنثى من لون الليل تعانقني على أصوات نقيق الضفادع على مقربة من سهول القمح التي ترعرعتُ بين أحضنانها، أقكر بفقري المدقع على إمتداد مساحات فسيحة من العمر وأضحك من غيظي تارة وإندهش من قدرتي على تحمُّل جموحي العشقي في عوالم الشعر، أفكّر ـ أحياناً ـ بالنصّابين الذين نصبوا عليّ آلاف المؤلّفة من الكرونات مما إضطررت أن أودّع شقتي المتواضعة وأعمل وأعيش وأنام في بوتيكات غائصة في دهاليز وأقبية مريرة لا تصلح أن تعيش فيها قططاً أليفة وأندهش على طاقتي وقدرتي على تحمّل مرارات ليالي الشتاء الطويلة وخيوط العناكب تظلّل سقيفة الأقبية التي كنت أرخي أوجاعي تحت ظلالها، تجرّعت آلاماً وأحزاناً لا تطاق من أجل أن أستعيد ديوناً تراكمت عليّ بسبب بعض خونة هذا الزمان، أفكّر أحياناً بالجغرافية الممتدّة من المحيط إلى الخليح وأندهش كيف خفَّ ويخفّ وزن هذه الرقعة الجغرافيّة إلى أن أصبح وزنها يعادل وزن خفيف الخفيف! أفكّر بالسياسات الهوجاء لهذا العالم، وأتساءل: لماذا جئت إلى الحياة؟ فلا أرى جواباً دقيقاً أكثر من إنسياب دموعي على خدود الروح! أفكّر أن أصيغ نظريّة إنسانيّة رحبة لهذا الإنسان المشلوح على وهاد ومعارج الأرض، كي أستطيع بعدها أن أنام نوماً عميقاً! .. أفكّر بالانتحار من شدّة قرفي من ممارسات قباحات هذا الزمان، لكن قصائدي الهائجة عشقاً تخرجني من دوّامات القرف وتفرش لي فوق ظلال الدنيا وروداً من نكهة النعناع، فأقفز بفرحٍ عميق فوق ضجر هذا الزمان معانقاً بكلِّ إنتعاش تجلّيات الروح وهي تعانق رعشة العشق على إيقاع هديل الحمام! ..أفكّر بآلاف المؤلفة من الأفكار ويغيظني جدّاً أنني سأعيش مرّة واحدة لأنني أراني محصاراً بالأفكار التي تراودني فأتساءل متى سأفرش هذه الرؤى فوق زبدِ البحر وبين زرقةِ السماء، لهذا أراني مترهبناً للكتابة، تاركاً خلفي الحياة برمتها وكأن الكتابة هي حياتي التي جئتُ من أجلها! .. دعينا ممّا أفكِّر به وإنتقلي إلى السؤال الذي يليه! ( هاهاهاهاهاهاها).
صبري يوسف ـ ستوكهولم
.........................................
أجرت الحوار عبر الانترنت: ابتسام حنّا
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟