البدراني الموصلي
الحوار المتمدن-العدد: 4547 - 2014 / 8 / 18 - 14:15
المحور:
كتابات ساخرة
نداء هام الى من لا يهمه الامر ولن يهمه ابدا .
وهل هناك في هذا الوطن الجريح من لا يهمه الامر ؟؟؟ معقولة ؟؟؟ نعم معقولة جدا , وهل انا عاقل لأتوجه بنداء هام جدا الى من لا يهمه الامر ؟؟ نعم فمازال في جمجمتي بعض العقل , ولماذا افعل ذلك ؟؟؟ لأن ما يضطرم في داخلي لا يمكن تغطيته ببرقع الهدوء واللامبالاة .
ولنفصخ هذياني اعلاه , وكأننا خبراء تفصيخ السيارات .
هل هناك من لا يهمه الامر ؟؟؟ الجواب – رغم مرارته – نعم , وازيدكم مرارة فوق مرارة لأخبركم ان هؤلاء الذين لا يهمهم ولن يهمهم الامر هم علية القوم ونخبتهم بمقاييس هذا الزمن الذي وصفه الجواهري بوضوح :
أكفرا بالقياسات وما قيس ومن قاسوا ...... أم العبدُ على الأحرار قوّامٌ ونخّاسُ
أم الخيرُ شكى الندرةَ حيث الشرُ أكداسٌ
وقد اوقعني الجواهري في ورطة عويصة أخرى أصعب من سابقتها , فقد صار لزاما علي أن أُدخل شعره – أعلاه – الى ورشة التفصيخ ايضا .
ما القياسات ؟؟؟ نحن امة تزخر قواميسها بالكلمات التي تدل عليها , ولا اراني قادرا ان احصيها كلها وسوف يفوتني الكثير منها . فمثلا , قيم البادية ليس لها حصر, وتشبه في سعتها سعة البوادي التي تغطي خرائط بلداننا ولعلها هي نفسها فوق قمم الجبال و بين الوديان ومختلف تضاريسنا الجغرافية ومنها نتمثل بالشجاعة والمرؤة والوفاء والكرم والأيثار والنخوة والشهامة و و و , اعذروني لا استطيع لمها كلها )
قيم الدين : اضافت الى قيم البادية كما كبيرا ينتشي بسمو معانيها الطيبون ، فعمل الخير والاحسان وعرفان الجميل والتسامح والعفو عند المقدرة والرحمة والكلمة الطيبة والصدق والاخلاص وصفاء النية وبياض السريرة والصفح عن الاساءة , وحنو الكبير على الصغير وبر الصغير للكبير والحسنى بين الجميع والحلال والحرام ( وهذان قيمتان نسبيتان مدرجتان ضمنا في كل ما ذكرناه ) , وكلها ابجديات الديانات التي تسمى سماوية أو تلك الأرضية , واعذروني عن البقية , وتذكروا ان الدين في بلادنا ليس الاسلام وحده , بل هو طيف واسع من الوحي والايحاءات والخلجات التي راودت نفوس بضعة افراد تميزوا بحساسية مرهفة فاخترعوا تلك القيم او عززوا ما كان موجودا منها في محيطهم وزمنهم وجمعوها في قوالب واعطوها ما شاؤا لها من تسميات, وهدفهم وغايتهم هما الرقي بالانسان روحا وجسدا .
وقيم المجتمع لو حاولنا ان نستلها من بين ما ذكرنا , ونثريها بما في قواميس الأمم الأخرى , قربت منا تلك الامم ام بعدت عنا , جمع اناسها الحساسون قيما قديمة او عززوها او اخترعوها جديدة تماما , ووضعوها في قوانين و لوائح واسموها ما شاؤوا وكان هدفها وغايتها هما الرقي بالانسان روحا وجسدا ايضا . وأضافوا اليها معطيات من واقع مجتمعاتهم المعاصرة التي نشأت خارج البوادي وقمم الجبال وبطون الوديان , مثل حقوق المرأة ومساواتها – التي تستحقتها بجدارة – مع الرجل , والنظر الى طفل اليوم باعتباره رجل الغد ويجب ان نتعامل معه من هذا المنظور وان نصد عنه نوازع التخلف والالتفات الى الماضي لنحجب عنه ما هناك من تناقضات ولا معقول ., فأننا سنجد الشعور بالمسؤلية والاتقان فيما نعمله والأيفاء بالوعد والعهد , والنزاهة في اللسان واليد والعفة بالابصار والافكار حد التجرد و و و وكثيرا غيرها .
لا شك ان هناك تداخلا بين مجاميع هذه القيم ,وليس ضروريا الالتزام بتصنيفها كما اوردتها , ولكن من المهم ان نتفق انها بعض من القياسات التي اراد بها الجواهري ان نفهم شعره الوارد اعلاه , والسؤال الذي يؤرقني هو : اين هي ؟؟؟؟ لنركن الجواب جانبا كي لا نضيع .
وما هو الشئ الذي قيس او يراد قياسه ؟؟؟ انه ايها الأعزاء عملي وعملكم وعمل علي وزيد وعمر , انه عمل اخي احمد واختي هيفاء واصدقائي عبد الاحد وجوان وهزار وذنون , وجارتي ام ميلاد وولدها صباح . انه عملنا جميعا ايها الاعزاء , ان كان احدنا يعمل فنيا في الميناء العميق في اقصى جنوب الوطن او عامل مطعم في شقلاوة او سرجنار , وان كان احدنا مديرا لدائرة تضم عشرات الموظفين والموظفات او كان مجرد فرد من هؤلاء الموظفين والموظفات , او حتى من كان محيط عمله بيته فقط , فعليه رعاية النشئ فيه حتى يشبوا اصحاء النفس والعقل واقوياء الجسد والارادة وعليه ايضا الحنو على المرشحين للرحيل الى العدم حتى يرحلوا وانفسهم يلفها دفء الحب والحنان .
ان مايجب ان يقاس يوميا , بل كل دقيقة , هو عملنا جميعا أيها الأعزاء .
ومن يا ترى يستحق ان يقيس أعمالنا ؟؟؟ أنه نحن بالدرجة الاولى , انا وانت وهو وهي وهم .اننا جميعا نملك الحق ان نقيس اعمالنا ونقيمها ونقبل منها ما توافق مع ادوات القياس التي اتفقنا عليها , او نرفض بعض تلك الاعمال , وقد نقوم منها ما هو قابل للتقويم .خاصة ما كان منها ما يمس حياتنا افرادا او جماعات اوما كان يجب ان يكون اساسا لمستقبل ابنائي او ابنائك او ابناء الاخرين , ايا كان الآخرون .
لنترك الجواهري جانبا ,بعد استغلالنا لشعره وجعله جسرا نعبر عليه الى غايتنا الاساسية .مع اننا نرى حتى الدقيقة ان هناك عبيدا اصبحوا على الاحرار قوامين ونخاسين , عاثوا وما زالوا في وطننا فسادا وباعوا حرائرنا في اسواق النخاسة والرق وهم يلبسون كل تلك القيم السامية أردية وعمائم , وان كانت رثاثة اصولهم وعقولهم وافكارهم لا تخفى عن عيون المبصرين .
وان كنا نبحث دون جدوى عن الخير الذي بين طيات هذا الزمن الذي أقل ما يقال عنه انه رديء , فقد طمرته أكداس هائلة وثقيلة من الشر الذي عم بلادنا وأطفأ في قلوب الملايين ضوء الأمل . اكداس لم يتفوق على ثقلها وحجمها حتى اكداس النفايات والخراب التي نراها في كل زاوية ومنعطف من مدننا وشوارعنا وقرانا .
لنترك الجواهري ونعود الى ندائنا الهام جدا الى من لا يهمهم الامر ولن يهمهم ابدا , وهم علية القوم ونخبتهم , رؤساء الكتل السياسية ورعاة القطعان البشرية ( خطباء الجوامع والمواقع الدينية الذين برعوا في تغييب عقول البسطاء من الناس لأنهم هم من غابت عنهم تلك القيم والقياسات سهوا او عمدا , وهو الارجح ) وقادة الاحزاب الدينية التي ازدهرت سوقها رغم بعدها عن زمنها واستعادت عنفوانها في بلادنا وكأنها العنقاء تنبعث من تحت رماد القرون لتنشر ظلها القاتم على زمن جديد تبدلت فيه الارض غير الارض والانسان غير الانسان , غير آبهة لشئ لأنها ستندثر وتسبت قرونا وتنبعث من جديد وليتها لا تنبعث .
ونداؤنا الهام جدا بسيط جدا , وهو يا علية القوم ونخبتهم , لا تكفروا بكل تلك القيم والقياسات التي مضى اكثر من عشرة اعوام وانتم تلهجون بها من منابركم وشاشاتكم مدعين انكم اهلها وحماتاها . تذكروها او بعضها على الأقل واجعلوها منهجا لسلوككم وليس فقط مضغة في افواهكم وأردية وعمائم تجاهدون ان تستروا بها رثاثة أعمالكم وانتم تظنون ان ليس هناك من يستحق ان يقيس , بل نحن لكم بالمرصاد ولن تنطلي علينا , ونحن الضعفاء المغمورين , رثاثة عقولكم وأعمالكم اذا أصريتم أن لا تستبدلوها او على الاقل , تغسلوها بقيم الخير وذلك اضعف الايمان .
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً ولكنْ لا حياةَ لمن تنادي
#البدراني_الموصلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟