|
*الفراديس* لهشام نزيه، الوجه العربى للسيمفونية العالمية *كارمينا بورانا* لكارل أورف
إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة
(Ereiny Samir Hakim)
الحوار المتمدن-العدد: 4547 - 2014 / 8 / 18 - 02:46
المحور:
الادب والفن
قدم الموسيقي المبدع هشام نزيه هذا العام، عمل من أهم أعماله الفنية المميزة، وهو موسيقى مسلسل السبع وصايا، والذى يجدر الإشارة إليه هنا فى بداية المقال انه حجر أساس الإقبال الجماهيرى على هذا العمل الدرامى، وقد سمعت هذا ورأيته فى تعليقات الكثير من مشاهدى المسلسل، بأن أول جذب لهم لمتابعته هو تلك الصبغة الصوفية الغامضة فى موسيقاه وتواشيحه، والتى جعلت شريحة ليست بقليلة من جمهور الموسيقى تلتحق بفئة جمهور المسلسلات، لتتابع الغموض وحالة المزيج النفسي والروحى الذى زرعه هشام فى المسلسل فى صورة موسيقى، وما قد استرعى انتباهى مع تلك التوليفة الغريبة التى قدمت فى ابداع مُلحَّن، هو ذاك التشابه بين مقطوعة الفراديس للفنان المصرى هشام نزيه والسيمفونية العالمية كارمينا بوراناCarmina Burana للموسيقار الالمانى كارل أورف Carl Orff، وهذا ما سأتناول توضيحه فى هذا المقال.
ماهية مقطوعة كارمينا بورانا
أولا أود أن اُعرِّف ماهية سيمفونية كارمينا بورانا: تعني كلمة كارمينا بورانا "أغاني بويرن"، وهو عنوان لكتاب ضم المجموعة الكاملة للقصائد العلمانية اللاتينية التي كتبها شعراء مختلفين في القرن ال12 وال 13 الميلادي، ويبلغ عددها ما يقارب 250 قصيدة، وقد جمع الشاعر الألماني يوهان أندرياس شميلر المجموعة وطبعها عام 1847م، ثم قام الملحن الالمانى كارل أورف بتلحين 24 قصيدة منها، والتى تتنوع مواضيعها بين الدين والحِكم وأغاني السكارى وأغاني الحب العاطفية والماجنة، وأصبح أشهر مقطع بها هو القطعة الأولى أو "فورتونا" "O Fortuna" الخاصة بإلهة القدر، وقدمت سيمفونية كارمينا بورانا لأول مرة في عام 1937.
تبدأ كارمينا بمقدمة تناجي ربة الأقدار فورتونا، ربة الحظ والثروة والانتقام وسيدة القدر عند الرومان، وهي الصورة الأخرى لكلمة فورتومنا التي تعني المنقلب، لأن فورتونا تقلب عجلات السنة الضخمة فتوقفها على السعادة أو الحزن أو الحياة أو الموت، وتبدو فورتونا هنا المتحكمة بالمصائر والأقدار، ربة الحياة الدنيا بما فيها من أحزان وويلات، ومتع ومسرات، حيث تتناول القصائد متع الحياة الدنيا في أشكالها الأربعة: (الحكم) في المقدمة، و(الشباب) في القسم الأول الربيع، و(الخمر) في القسم الثاني في الحانة، و(الحب و النساء) في القسم الثالث محكمة الحب، وحيث أن عجلة الفورتونا دائرة إلى الأبد، فلا شيء من المتع و الملذات له الأزلية والدوام، و لا يبقى إلا ربة الأقدار تدير عجلتها كيفما تشاء في دورة أزلية في حياة و مصائر البشر، لتختتم هذه المتتالية بذات المقدمة التي بدأت بها.
وتنقسم الأقسام الدينية إلى جزأين فى المقطوعة هما: 1. Fortuna O: أو فوروتنا (آه يا إلهة القدر) 2. Fortune plango vulnera: أندب جروح إلهة القدر
ثانيا: ماهية أنشودة الفراديس
الفراديس هى من كلمات الشاعر الإمام محيي الدين بن عربي، الملقب بالشيخ الأكبر، حيث وتنسب إليه الطريقة الأكبرية الصوفية، ولد فى الأندلس فى 1164 م، وتوفى فى دمشق فى 1240 م، ، وقد تحدث في "الفراديس" عن خلق ادم رامزا به إلى البشرية، ومعاناتها بين اختيارها للطاعة والمعصية، وعن احتواء الإنسان للعجز والقوة معا.
المرآة العربية للسيمفونية
وبعد أن قمت بتعريف موجز عن كل من كارمينا بورانا والفراديس، والتى يتوفر كلام كل منهما على شبكة الانترنت، لذا لن أطيل فى وصفهما وذكر الكلمات، وسأتكلم عن التشابه فى نطاق الجوهر التعريفى الذى ذكرته لكل منهما.
أوجه التشابه
يكمن التشابه فى أن أشعار كلا منهما قد كتبت فى نفس التوقيت الزمنى تقريبا، كما إنها كانت أشعار من التراث الادبي اللاتينى بالنسبة لكارمينا، وكذلك بالنسبة للفراديس فهى تعود لتراث من أشعار الصوفية العربية، وتم إعادة كلاهما بإحيائهما وتقديمهما إلى الجمهور فى قالب موسيقى مهيب يعبر عن روح ارض كل منهما، وقد تم تقديم كل منهما بأسلوب كوراليّ، حيث قام بتقديم كارمينا بورانا العديد من الجوقات العالمية، وتقديم الفراديس بكورال فرقة الفنان صلاح عبد الحميد للإنشاد الديني.
أما عن جوهر الكلام فأرى فيه تشابه وتكامل قوى حيث تتكلم كارمينا عن أن الإنسان مُصير، أما الفراديس فترى أن الإنسان مُخير، وأرى فى هذا أن الاثنان يكملان بعضهما فى رؤية البشر للحياة والفلسفة الوجودية، وتروى قصة ترنح البشر فى تخبط من الأفكار بين هذا الرأى وذاك، وكلاهما فى النهاية يحكيان عن معاناة البشر الحياتية وأفكارها الروحية المتأملة والمتألمة.
تلك الحالة من التشابه فى التنفيذ والحبكة الفنية، بل وجوهر الكلام والفكر مع تشابه المعاناة باختلاف وجهات النظر، جميعها تضع كلا العملين فى حالة واحدة، حيث تقرِّب صورة فنية بعيدة عنا من الغرب، وامتزاج ابداعى مشابه لتجربه أدبية موسيقية عالمية، فى عمل فنى مصرى عربي، فنرى هذا العمل بتلك الصبغة العالمية إنما بتفرد خالص بروح الأرض التى خرج منها، حيث الاختلاف التعبيرى للموسيقى، فعبرت كارمينا عن "صرخة البشرية"، والفراديس عبرت بأسلوب "الحضرة" عن "ترجيها".
وكأن هذا العمل الأول انتظر الثانى طيلة تلك الأعوام ليكمله فنيا، فلسفةً وروحاً.
ترابط موسيقى نزيه مع فلسفة الكلمات
وأخيرا أود أن أشير إلى ما نحن بصدده هنا، حيث عمل موسيقي يرقى إلى الإبداع العالمى، بتجسيده لفلسفة معقدة كلاما، مترجما إياه فى موسيقى استطاعت أن تتغلب على ذاك التعقيد، لتُفككه وتُحلله إلى أحاسيس نفسية قادرة على إذابة صعوبة الكلمات بفهم عقلى وروحى.
وقد تعمدت فى هذا المقال أن أتحدث فى نطاق جزء واحد من موسيقى العمل متعددة المقطوعات، وتخصصت فى الكتابة عن أنشودة الفراديس فقط، فمجموعة الحضرات الصوفية الأخرى التى لحنها نزيه، والموسيقى التصويرية التى صممها، ثرية بالكتابة عن تفاصيلها، وقد أردت هنا أن أوجه النظر لتلك المقارنة، والتى أثارت فضولى الشخصى لتأملها.
وأؤكد أن هذا مؤشر لدائرة نجاح اكبر مما حققه نزيه حتى الآن، وبإمكانه أن يصل إليها يوما ما، وربما هذا اليوم ليس ببعيد.
#إيرينى_سمير_حكيم (هاشتاغ)
Ereiny_Samir_Hakim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما هو الزنا الذى لا طلاق إلا لعلتهِ؟
-
الفنان طارق لطفى يتوحد مع شخصية حمزة فى عد تنازلى
-
مَن إنسانيتهم تتوجع لأجل مسلمى غزة وتتجاهل مسيحىِّ العراق
-
أحقا مُت يا صديقى؟!
-
فى إعلان بيبسي *يلا نكمل لمتنا* نقاوة توأِد تعصب الجهل
-
تلعنون من يموت انتحارا؟!
-
بمناسبة ما يحدث لمسيحىِّ مصر والعرب والعالم
-
فى مجتمعنا .. غير القابل للتنوع
-
إنسان الروح
-
هنا احنا زى علامات التنوين
-
ربما المومسات أكثر شرفا منه
-
لما تنزعجون من العاهرات حتى الهوس؟!
-
ماذا اقول للغد؟!
-
انا الانثى التى صُلِبَت على يد حافظيها .. انا المصرية
-
التحرش فى مصر أصبح إتاوة يفرضها رجال على مشاركة المرأة فى ال
...
-
أنا هطير يا زواحف
-
حيثيات منع عرض فيلم حلاوة روح نهائيا ... وحقيقة سقوطه الفنى
-
لم تفهم يا صديقى معنى وصية سيدى *من ضربك على خدك الأيمن فحول
...
-
لو كنت عرفتك من الكهنة ورأيتك بعيونهم
-
نزيف المرأة .. وبركان الأرض
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|