باسل احمد الدقن
الحوار المتمدن-العدد: 4546 - 2014 / 8 / 17 - 09:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ما هي النزعة التاريخية عند بوبر؟ يشمل بوبر بهذا المصطلح جميع مفاهيم التاريخ التي تعتقد أنها قادرة على فهم بطريقة مقنعة موضوعية هدف العالم، أي قادرة على تحديد القوانين العالمية التي توجه تطور التاريخ البشري، وبالتالي القدرة على تقديم توقعات لمستقبل العالم. ويشير بوبر إلى الفلاسفة الرئيسين الذين بنوا نظم فكر من هذا النوع : أفلاطون، هيغل (الأكثر تأثيرا من الآباء المؤسسين للأفكار التاريخانية) وماركس. والذين كرس لهم مناقشة وتحليل مستفيض ونقد لاذع للغاية في كتابه "المجتمع المفتوح وأعداؤه." ما هي السمات العامة التي تميز النزعة التاريخية , ولماذا أسلوبهم لا يتوافق مع ما هو صالح ومفيد ؟.
تفاؤل معرفي ⇆ معصوميه الإنسان عن الفشل في معرفة الواقع الموضوعي ككل.
الحقيقة ≅الكشف و الواقع كمكملات فكرية واضحة تماما للإنسان.
المعرفة الإنسانية = الابسمتية episteme (معرفة أكيدة) ضد الرأي DOXA (او تخمين كما قد يقول بوبر)، أي قدرة الإنسان للوصول الى حقيقة الأشياء.
الادعاء في اعتبار مجمل الواقع (مثلا مسار التاريخ ككل), وفقا للمبدأ الهيغلي "الحقيقي هو الكامل", أي لا يمكن أن نفهم جزء واحد دون الكل (وهذا الكل يشمل الأصل ، والبعد الزمني).
بوبر يتحدث عن النظريات الشمولية (باليونانية Olos كل شيء, كامل). التي تعارض بشكل عام الطريقة الذرية" للعلم التجريبي، وتعتبره غير كافي لدراسة الواقع الاجتماعي والتاريخي. لأنه لا يمكن إجراء تجارب اجتماعية صالحة إلا بشكل كلي (التي صعب جدا تحقيقها، إن لم يكن مستحيلا). والفرضيات أو النظريات من هذا النوع ليست تجريبية، او علمية ولا حتى ذو خصائص ما قبل علمية.
تحديد القوانين التاريخية والعالمية للتنمية وبالتالي المتأصلة في مسار العالم. هذه القوانين لديها إمكانية تقديم تنبؤات عن المستقبل وتجعل حتى من الممكن معرفة الهدف النهائي من التاريخ. على سبيل المثال الماركسية تقول بعد نهاية الرأسمالية ودكتاتورية البروليتاريا، سيأتي المجتمع الاشتراكي دون الطبقات. وهذه القوانين تضع الضوء على مصير العالم، ومصير التاريخية حيث يخضع الجميع. وهذه القوانين تشرح معنى التاريخ (وهنا ندخل في مجال الماهيات).
انتقادات بوبر للخصائص الرئيسية للنزعة التاريخية
بالرغم من أن بوبر يعترف بوجود اختلافات بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية , فهو لا يفصل بينهما بطريقة صارمة. لهذا السبب يعتقد أن يجب تطبيق المنهج العلمي كما حدده على كلاهما. لأن هذا المنهج هو الوحيد القادر على ضمان معرفة صالحة وغير دوغمية (لامتحجرة فكريا) , ويبدد مخاطر مثل الايدولوجيا وتراكم السلطة والاستبداد. ويقول بوبر بأنه واجب أخلاقي حقيقي. و "هنا تظهر كل الابستمولجية البوبرية (أي نظرية المعرفة العلمية والغير علمية)، مثل مسألة الأسس، وبالتالي صلاحية الافتراضات العلمية , بالتالي مشكلة الأسلوب، لأن الأسلوب هو الذي يعطي أساسا صالحا للعلوم. وهنا وقبل كل شئء يأخذ بوبر في الاعتبار الطريقة التاريخانية ويخضعها للتحليل النقدي.
الابستمولوجية المتفائلة وتلك المتشائمة
على العكس يقترح بوبر نظرية معرفية متشائمة , الوحيدة القادرة على الحفاظ على نظرة نقدية نحو الافتراضات. "متشائمة بمعنى أنها لا تعتقد في إمكانية التوصل إلى الحقيقة المطلقة الموضوعية. التي عادة ما يجد فيها البحث غايته النهائيه ( كما هو عنوان كتابه: البحث بدون نهاية-" Unended Quest"). بوبر لا يؤمن ان المعرفة = الابسمتية (المعرفة الاكيدة)، بل على العكس يعتقد أن المعرفة هي دائما رأي (DOXA) , او تخمين قابل للفحص والنقد، يجب أن توضع على المحك. وهو معيار بوبر للانتقال من معيار قابلية التحقق الى معيار قابلية الخطأ (أي المعيار الفاصل بين العلم وغير العلم). المعرفة تمضي عن طريق التجربة والخطأ: الأخطاء هي محرك البحث (العلم تطور دائما من خلال نقد نظريات السابقة لم تعد قادرة على شرح ملاحظة لظاهرة جديدة). العالم نفسه الذي صاغ الفرضية يجب أن يسعى أولا لايجاد الظروف التي تدحض نظريته.
تفاؤل النزعة التاريخية - الجدل مع الوضعيون الجدد - ليس منهج مفيدة: من الممكن دائما، يقول بوبر، العثور على تأكيدات إذا كان هذا هو الذي ما يبحثون عنه > الانسان يبدأ دائما من الناحية النظرية أو من فرضية أو حتى مشكلة في عقله, ويميل إلى رؤية وتفسير الحقائق التجريبية وفقا لتوقعاته الاولية ، وبالتالي بطريقة جزئية > ومن هنا يقول بوبر لا للاستدلال الاستقرائي. العلوم التجريبية - يقول بوبر - لا يمكن ان تمضي قدما إلا بخطوات صغيرة، واختيار دائما قطاع محدود للتحقق أو عدد محدود من الخصائص التي تنتمي إلى نفس الظاهرة. هذا هو لأنه لا يمكن فهم "الكل" , نظرات الإنسان دائما انتقائية بالضرورة. وخصوصا التجربة لا يمكن ان تتم بشكل كلي، أخذين في الاعتبار جميع المتغيرات الموجودة، بما في ذلك عامل الوقت على نحو تاريخي.
شكلين مختلفين من الشمولية
بوبر يميز بين شكلين مختلفين من الشمولية التي تعني "الكل" بطريقتين مختلفتين:
أ- الكل باعتبارها جميع الأطراف وجميع العلاقات القائمة بينهما؛
ب- الكل كهيكل: تحديد بعض الجوانب التي تعطيه للشيء مظهر هيكل منظم وليس مزيج غير منضبط أو انصهار غير واضح المعالم , لمثال على ذلك هو علم النفس الغشتلتي[2]
هذا النموذج الأخير يسمح، على عكس الأولى، بالدراسة العلمية، لأنه ينطوي على اختيار موضوع واحد للتحقق
مخاطر هذا النوع من النزعة التاريخية
المبالغة في تقدير القدرة البشرية ("التفاؤل المعرفية") والموقف الشمولي، هي سمات النزعة التاريخية، وهي تحمل الكثير من المخاطر: على سبيل المثال، إعادة تشكيل المجتمع وهيكلتة بطريقة جذرية ، وفقا لقوانين التاريخ المزعومة (على سبيل المثال، تنبأت الماركسية بنهاية وشيكة للرأسمالية ومرحلة دكتاتورية للبروليتاريا قبل الوصول الى المجتمع الاشتراكي، دون الطبقات، كموعد نهائي للقصة. الأنظمة الشيوعية حاولت تنفيذ هذا النبوءة عمليا . و أكثر مأسوية هي حالة النازية، التي تعمل على إبادة ما وصفته عدوها العنصري, في ضوء انتصار الأقوى ولأفضل الجنس الآري المزعوم . بوبر يريد ان يقول أن التاريخانية (historicism) تصلح جيدا لان تستخدم أو ان يتم تحويلها إلى أيديولوجيات وأن تصبح فعلية في حالة وصولها الى للسلطة، حتى الحصول على الشمولية وبالتالي الى مجتمع غير ديمقراطي. نموذجية الأنظمة الاستبدادية والشمولية هي الإرادة لتشكيل "مجتمع جديد" وبناء "الإنسان الجديد"، استنادا إلى القوانين التاريخية المزعومة أو المصير التاريخي. النبوءة في هذه الحالة يصبح هدف سياسي لتحقيق بشكل نشط وبأي ثمن، لتوجيه القوى الجتماعية نحو التنمية الاجتماعية المتوقع شكلين متعارضين للهندسة الاجتماعية
بوبر يعرف هذه النزعة بالميكانيكية التاريخانية او بالهندسة الاجتماعية، لأنها تسعى إلى بناء وتشييد مجتمع من خلال خطة تنظيمية شاملة.
كمعارضة لهذا النوع من الهندسة بوبر يقترح الهندسة الاجتماعية الجزئية: ففيها مهمة المهندس تصميم الآلة (النظم الاجتماعية)، و ومهمة الميكانيكي الاجتماعي (او عالم الاجتماع) تشغيلها, أي دراسة المجتمع ومؤسساته لغرض محدد لجعلها تعمل على النحو الأفضل, وصيانتها، وتصميم آليات جديدة. ولكن هذا يجب أن يتم لقطاعات محدودة، وبخطوات صغيرة وبشكل تدريجي ( كما يفعل المهندس في الواقع) . على عكس النظرة الكلية وموقفها واسع النطاق. هذا هو النهج العلمي: اختبار تجريبيا كل عنصر جديد، والتحقق من كل رد فعل لتدخلاتنا، وبالتالي السعى للسيطرة وتوقع النتائج المترتبة من المشاريع والإصلاحات الاجتماعية وتأثيرها على المجتمع. على عكس المهندس الاجتماعي الكلي، يفقد بسهولة السيطرة على الإصلاحات، والتغييرات أو هل للتاريخ معنى ؟
تحديد القوانين التاريخية والعالمية، بالإضافة إلى رسم نوع من مصير العالم , حيث يخضع له الجميع بالضرورة ، وأيضا لإعطاء التاريخ معنى وبالتالي وضع نهاية يتجه اليها الجميع. هذا يعكس موقف بوبر الذي سماه المنهجية الماهيوية: مبدأ أخذه بوبر من أرسطو , ويعني البحث عن شيء يمكن أن يخترق جوهر الأشياء حتى يستطيع تفسيرها تفسيرا وافيا. الماهية هي التفسير النهائي للأشياء، الأكثر جوهرية والأكثر تميزا (الماهية ضد الاسمية) . في اللحظة التين نحدد فيها الماهية , لا يبقى لأي تفسير آخر أي ضرورة، أو بالأحرى لا يوجد لأن البحث انتهى. على سبيل المثال، في حين أن essentialists يتساءلوا: "ما هي المادة؟"، الantiessenzialisti كما هو بوبر يتساءلوا: "كيف يتصرف هذا الجزء المعين من المادة ؟" وهنا يقول بوبر في حين أن العلوم الطبيعية قد تجاوزت موقف المنهجية الماهيوية ، العلوم الاجتماعية، على العكس لا تزال في هذا الموقف.
نبوءة تتحق بذاتها
ذكرنا معيار قابلية التحقق, والسهولة التي من خلالها يمكن التأكد من قانون تاريخي معين من خلال البيانات التجريبية. وإذا تم دحضها من قبل بعض الأحداث الراهنة، المذهب التاريخاني بالرغم من ذلك لا يتجاهلها، ولكنه يميل إلى تأجيلها للوقت الذي يناسب تأكيدها: أي انها ستحقق بطريقة أو بأخرى عندما يحين وقتها. في علم الاجتماع، بما يتعلق بالنبوة التي تتحقق بذاتها, يقول ميرتون"إذا كان الشخص يعرف وضع ما كوضع حقيقي، هذا يصبح حقيقي فيما يترتب عليه. وبالاشارة الى مثال أدلى به ميرتون: إذا كان الناس يعتقدون دون أي سبب أن بنك معين سوف يفشل، سيقوم الجميع بسحب ودائعهم, ونتيجة ذلك سيفشل البنك. النبوءة بذاتها هي في الواقع تعريف خاطئ للحالة، ولكن هذا التعريف يؤدي إلى سلوك يجعل النبوءة تتحقق. إنه من الواضح أن هذه الآلية تشكل تأكيد كاذب للقانون او للنبؤة و يبرز بشكل واضح عدم استدامة معيار قابلية التحقق لاستكشاف نظرية معينة تجريبيا.
الخلط بين الاتجاهات والقوانين
بوبر يجلب حجة أخرى لنقد معيار قابلية التحقق والتاريخانية: التاريخانية تخلط بين الاتجاهات والقوانين، وبالتالي تعمل تعميمات غير مبررة: مثلا يكفي ملاحظة اطراد لأحداث في حالات محدودة وفي أوقات محددة، لأن يطبقون هذا الاطراد في أي زمان ومكان، ويحولونه الى قوانين عامة. بهذه الطريقة التاريخانية تبدل الخاص بالعام, ولا تأخذ في الاعتبار العديد من المتغيرات التي تحدث في الحالات المختلفة. بوبر يضرب مثل عن النظرية الكلاسيكية اليونانية لدورية الزمن. حيت يلاحظ ان هناك انتظام مفترض في تتابع أنواع الحكومات, والذي عمموه على كل التاريخ. وفي هذه الحالة سيكون من السهل العثور على أدلة متزايدة في اختيار تلك الوقائع التي تؤيد هذه النظرية.
بوبر في نقدة يعتمد على مقولة لهيوم : مهما تكرر نظام ما, حتى لو كان شروق الشمس كل صباح, لا يمكننا أبدا تحويله إلى قانون عالمي, أي صالح في كل مكان وزمان.
مصدر (ويكيبيديا)
#باسل_احمد_الدقن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟