خالد حسن يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4540 - 2014 / 8 / 11 - 13:47
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الابل من أبرز المواشي والحيوانات الأكثر حضورا في الصومال, شعرا,غناء,أمثال وحكايات عبر التاريخ,حيث الناقة والجمل الأكثر ترددا في التراث الشعبي لغتا وتاريخ.في حين أن الناقة تمثل برمز العطاء والخير وإشارة لاستمرارية الحياة,كما تمثل البقرة الحلوب عادتا لسكان انهار شبيللي وجوبا من الصوماليين,طبيعة الحياة وحركة الترحال الدائمة لغالبية السكان الرعاة استدعت الحضور المكتف للإبل,فالجمل رمز لصبر وتحمل مشقات الرحيل,والناقة رمز للعيش اليومي واستمرارالحياة.
وفي ثرات القبائل شكلت الابل كرمز للمكانة الطبقية, فمكانة القبيلة والأسرة المعينة اجتماعيا ارتبطت بما لها من قطعان ثروة الابل, وعلى ضوء ذلك تم تحديد المكانة والمنزلة الاجتماعية في اوساط الرعاة ومع من يحيطون بهم من السكان المزارعين وأهل الحواظر,والذين يعتبرون بناقصي أصالة وتاريخ, خاصة وان افتقادهم للإبل دلالة لعدم عراقتهم الاجتماعية تاريخيا, وأنهم في وضعية دخلاء أو فروع أو اغصان نتاثرت من أشجار هنا وهناك في موسم الخريف.
ومن قلت إبله قل مقداره واعتبر فقيرا وسط قومه,وعادتا فان البدوي في وارد استعداد مسبق لخسارة كل ماشيته من أغنام,خرفان وابقار, إلى أنه لايتخيل قط العيش والاستمرارية بمعزل عن وجود الابل, حيث تعتبر الأخيرة بخط الدفاع الأخير أمام نكبات الطبيعة وحضور الضرر الاجتماعي من أي اتجاه قد ينال من ما يملك من ثروة, وفي بلد يتعرض لكل نصف عقد لخلل الطبيعة واحتباس مياه الأمطار والتي تمثل بمصدر الحياة, لاسيما وان الابل تلعب دورها في موسم الجفاف, وبتالي تلعب الابل حينها وسيلة الانتقال نحو بيئة طبيعية أفضل على صعيد حضور وتوفر موارد المياه ومزيدا من العشب.
وهناك رمزية ربطت مابين الناقة والمرأة,طالما أن كلاهما ثمتل برمز العطاء والخير, فالأولى نموذج لمدى مثانة القدرة الاقتصادية للجماعة وعلاقتها الداخلية فيما بين أفرادها ومع المحيطيين بهم جغرافيا, أما الثانية كنموذج لرحم رمز استمرار الحياة والتكاثر السكاني ,خاصة وأن لناقة دور بارز في الرابطة الاجتماعية, كونها بعامل هام وأساسي لعقد الزواج في اوساط الرعاة,والذين كانوا لايقبلون بأقل من مئة ناقة, عند زواج الفتاة من شاب يتقدم إلى عائلتها, وقد كانت المائة من النوق بكافية لقبول تزويج الشاب بالفتاة, وفي حال قلة عدد الابل عن العدد المذكور, فان الاستعاضة عن فارق العدد المطلوب كان يستعاض به, عن طريق تقديم ما دونها من المواشي, أكانت من الابقار,الخرفان والماعز, وذلك على حسب تسلسل الأهمية الاقتصادية لهذه المواشي, وهو مايشير إلى أن حضور المرأة في موسم الزواج كان بجزء من الدورة الاقتصادية ومتطلباتها(المرأة مقابل لثراء الاقتصادي).
وفي سبيل تنمية اقتصاد الجماعة القبلية والحفاظ على مكانتها الاجتماعية, كان مقدرا على أبناء الرعاة في الريف في أن يلعبوا دور قرصنة الابل ونهبها وسلبها من مالكيهم, عبر شر الغارات عليهم أو نهبها وهم في غفلة عنها لسبب ما, والملحوظ أن النهب كان محصورا على الابل عن ما دونها من المواشي في ثرات الرعاة, والذين يتعففون عن نهب الابقار,الخرفان والأغنام, وفي ذلك دلالة على أنهم كانوا عمليين جدا حيث تسهل السيطرة على الابل وقيادتها بسهولة عند ممارسة النهب,مقارنتا مع بقية المواشي, ناهيك عن سهولة إخفاء الابل في اصقاع بعيدة عن أعين الناس.
كما أن الابل ظلت كمادة يتم من خلالها ممارسة العقوبات الاجتماعية, فالحماعة المعينة حينما ترغب في تأديب أو معاقبة أخرى مماثلة لها ,كانت تتجه لحرمانها من ملكية الابل, والتي كانت تنزع منها عبر القوة والإغارة المفاجئة, ناهيك عن أن ذلك كان يحدث,حينما يسعى طرفا ما لإظهار قدراته وقوته كضرورة اجتماعية لاستعراض العضلات على جهة اجتماعية ما,ونظرا لذلك فإن القبيلة,العشيرة أو الجماعة, كانت ترسل عدد من أبنائها المتفانيين والذين ينقطعون عن الحياة والزهد فيها لصالح رعاية وحماية الابل,وبتالي يموتون دونها ,حتى ان كانوا مراهقين.
تسير الابل حيث أرادت ويتركها الصوماليين تضرب في المضارب حيت أرادت دون إعاقة لسيرها الحر, ومع سيرها تشكلت الجغرافيا العشائرية, فالابل رسمت حدود تمدد الجماعة القبلية جغرافيا, فكل أرض تتواجد فيها الابل وتصل إليها فهي أراضي الجماعة, أو أنها تحضر في أراضي جماعة أخرى من ذوي الرحم أو حسن العلاقة المشتركة, وبذلك ليست من القرابة أن تجد القبيلة الصومالية في مناطق جغرافية متباعدة جدا, خاصة وان الابل من الماشية الحرة والكثيرة الحركة والتنقل, فالابل رمزية مرتبطة بالأرض وعدم المحدودية, ومن لايملك الابل محدود القدرات والإمكانيات في كل شيئ تاريخا,صلات اجتماعية,جغرافيا واقتصادا.
ولكون البريطانيين يمثلون بخبراء بسيسيولوجيا الاجتماعية والقدرة على اللمام بتراث وطبائع الشعوب التي درسوها واستعمروها, فقد لجئت الإدارة البريطانية في الصومال, حين معاقبتها لعشيرة معينة, بالتوجه إلى آبار المياه والاستيلاء على قطعانها من الابل عبر القوة المسلحة, فالبئر موضع الأمان وحضور السلام والتراخي لدى الرعاة, لما له من ارتباط بأدوات عيشهم, ومع صعوبلا السيطرة على هذه القطعان في موضع أخر, ومدى كلفته أمنيا على من تسول نفسه في التفكير بذلك, ومع السيطرة على تلك القطعان من قبل البريطاني, فقد تنحيتها من حضيرة العشيرة يؤثر على علاقتها مع المستعمر أو في مدى صمودها أمام المطالب التي يطرحها البريطاني عليهم, ومنها التحكيم بين الجماعات العشائرية.
كما أن ثورة الصوماليين ضد الاستعمار الأوروبي والتي قادها المناضل محمد عبدالله حسن,قائد حركة التحرر الوطنية الصومالية(الدراويش), في الفترة 1897-1920 انطلقت من اوساط القبائل الصومالية ذات الحظ الأوفر مع ملكية الابل, من سكان مناطق هود Hawad ونوجال Nugaal , ولعبت الابل دورا أساسي في الثورة في ترحالها الطويل واستقرارها في مراكزها بتليح Taleex,أيل Ayel,برن Badhan,ميرشي Mirishe, وغيرها, حيث أن الجمل رمز للثورة في حربها مع الاستعمار الأوروبي والإيثوبي معا,ومصدر للعيش والاستمرارية الثورية, وقد تعددت مصادر الحصول على تلك الابل أكان من خلال تبرع العشائر الصومالية للثورة أو من خلال نهبها وانتزاعها من القبائل والعشائر المغضوب عليها من قبل حركة الدراويش, والتي كانت بعضها تجد ذاتها مدفوعة أكثر لتقارب مع الاستعمار بفعل تلك الممارسة بحقها من قبل الحركة, والناقة مانديق Maandeeq في التراث السياسيي الشعبي ضد الاستعمار مثلت برمز لصومال, وارتفعت الأغاني والأشعار لتغني بها وبروائعها.
وعند وقوع الأجل المكروه لوفاة مقرونة بالقتل العمد أو الخطأ, فالابل وحضور دورها كان ولايزال يطرح ذاته في اللحظة بقوة, فالقتل هنا إذا لم يكن مقرونا بحالة تعدي سافر على رمزية المقتول وما تحمله من معاني انسانية, فما دون ذلك محل لتصالح والقبول بالدية وحتى إذا كانت حالة القتل قد تمت عن عمد مسبق من قبل القاتل, فبحكم اعتبارات اجتماعية عديدة كان الطرف المتضرر يتقبل التسوية والقبول بالدية من قبل الطرف الفاعل به, إلى أن الدية هنا والتي عودة إلى التشريع الاسلامي تصل المائة من الابل المتنوعة مابين الجمال واالنوق.
الابل حيوان صديق ومسالم في حال عدم الإعتداء عليه ويتعامل معه رعاة الابل بفن وتقدير ورعاية خاصة, وقد يسبب سواء تعامل شخص ما مع إبل مملوكة لأخر حالة صدام شخصي وتصل إلى الوقوع في ممارسة العنف فيما بينهم, فمجرد ضرب الابل على جسدها, يمثل بإهانة وتعدي على مالكها, وهي من الماشية الصبورة على الشدائد وبقائها رمز لاستمرارية الحياة ليس لرعاة فحسب, بل كشعب, حيث تلعب ثروة الابل بدور كبير في الاقتصاد الصومالي, إذ يتم تصديرها إلى الخارج باستمرار.
#خالد_حسن_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟