موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4539 - 2014 / 8 / 10 - 19:33
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
تقديم :
صراع الحضارات .. لصمويل هنتنجتون , كثير هم من قرأ له .. و أكثر منهم هم من هاجمه , في هذا العمل أحاول أن أقدم قراءة جديدة لصراع الحضارات .. تكون قراءة نقدية علمية , و نود ذكر ملاحظتين أننا إعتمادنا على مرجع واحد ( صراع الحضارات لصمويل هنتنجتون , ترجمة طلعت الشايب .. تقديم د. صلاح قنصوة) .. و قد نقلنا مع تعديل ما ألزمنا أن نعدله (فقط) _مع التحفظ من الترجمة في كثير من المواقع في المؤلف_ , و نتحفظ فيما يتعلق بتقديم د. صلاح قنصوة للمؤلف .. نرى فيه نقدا في غير محله .
العرض :
بداية , يذكر صمويل هنتنجتون حال العالم بذكر حالة أناسه فيما بعد الحرب الباردة التي توجت بإنهيار الإتحاد السوفييتي .. بقوله : (( الناس يكتشفون هويات جديدة ... و لكنهم في أحيان كثيرة يكتشفون هويات قديمة , و يسيرون تحت أعلام جديدة ... و لكنهم في أحيان كثيرة يسيرون تحت أعلام قديمة تؤدي إلى حروب مع أعداء جدد ... و لكن في أحيان كثيرة مع أعداء قدامى )) (1) .
و يضيف : (( بالنسبة للشعوب الباحثة عن هوية , و التي تعيد إختراع العرقية فإن العدو ضروري )) (2) .
الناس لم تبدأ البحث عن هويات لها أو إختراعها مع لحظة سقوط الإتحاد السوفييتي , بل إن ذلك سابق على سقوطه _و نعني بسقوطه كبنية فوقية_ و الأرجح أن ذلك بدأ في السبعينيات إن أردنا أن نأرخ البداية .. لكن هذا لا يمنع من القول أن هذه الظاهرة _البحث عن الهوية أو إختراعها_ تزايدت و بدأت تظهر كبديل صراعي عن الصراع القديم و الذي أخذ مسمى صراع الإيديولوجيا , و إن كان هنتنجتون يرى أن محرك التاريخ يتغير .. فقد كان بيد الملوك و الأمراء ثم الدول ثم الإيديولوجيا ثم الحضارات أو الهويات و هو الحالي .. فقد قال ذلك عن قراءة تجريبية للتاريخ , و هو في ذلك لا يؤاخذ إن خرج بهذه الرؤية .. فالتجريبية ظاهرية و هي خادعة بذلك , و إن كانت الظواهر واقعا معاشا .
و لا يُغفل هنتنجتون ذكر ثنائية النقيض التي ما إن يفترض أحد أطرافها حتى يتشكل الطرف الآخر في إطار {البحث عن الهوية أو إختراعها} .. فإن يعني وجود , و الذي يصبح حينها وجود {عدو} ضرورة لتتشكل { الأنا } .
فموضوع الكتاب الرئيسي يزعم أن : (( الهويات الحضارية هي التي تشكل أنماط التماسك و التفسخ و الصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة )) (3) , و الأجزاء الخمسة الواردة في الكتاب تفصيل للنتائج (الطبيعية) لهذا الإفتراض على حد زعم المؤلف _و كل ذلك بناء على قراءته التجريبية_ , و هي (4) :
الجزء الأول / لأول مرة في التاريخ نجد الثقافة الكونية متعددة الأقطاب و متعددة الحضارات , التحديث مختلف بدرجة بينة عن التغريب , و لا ينتج حضارة كونية بأي معنى و لا يؤدي إلى تغريب المجتمعات غير الغربية .
الجزء الثاني / ميزان القوى بين الحضارات يتغير : الغرب يتدهور في تأثيره النسبي , الحضارات الآسيوية تبسط قوتها الإقتصادية و العسكرية و السياسية , الإسلام ينفجر سكانيا مع ما ينتج عن ذلك من عدم إستقرار بالنسبة للدول الإسلامية و جيرانها , و الحضارات غير الغربية عموما تعيد تأكيد ثقافتها الخاصة .
الجزء الثالث / نظام عالمي قائم على الحضارة يخرج إلى حيز الوجود , المجتمعات التي تشترك في علاقات قربى ثقافية تتعاون معا , الجهود المبذولة لتحويل المجتمعات من حضارة إلى أخرى فاشلة , الدول تتجمع حول دولة المركز أو دولة القيادة في حضارتها .
الجزء الرابع / مزاعم الغرب في العالمية تضعه بشكل متزايد في صراع مع الحضارات الأخرى و أخطرها مع الإسلام و الصين , و على المستوى المحلي فإن حروب التقسيم الحضاري و بخاصة بين المسلمين و غير المسلمين ينتج عنها { تجمع الدول المتقاربة } و خطر التصعيد على نطاق أوسع , و بالتالي جهود من دول المركز لإيقاف تلك الحروب .
الجزء الخامس / إن بقاء الغرب يتوقف على الأمريكيين بتأكيدهم على الهوية الغربية , و على الغربيين عندما يقبلون حضارتهم كحضارة فريدة و ليست عامة , و يتحدون من أجل تجديدها و الحفاظ عليها ضد التحديات القادمة من المجتمعات غير الغربية , إن تجنب حرب حضارات كونية يتوقف على قبول العالم بالشخصية متعددة الحضارات للسياسة الدولية و تعاونهم للحفاظ عليها .
و قد إختزل المؤلف تفاصيل الأجزاء الخمسة بتجزئتها نقاطا كافية و وافية للتحليل , ففي الجزء الأول :
* الثقافة الكونية متعددة الأقطاب و الحضارات ==> تلغي زعم ==> العولمة .
* الإختلاف بين التحديث و التغريب ==> تلغي زعم ==> الرأسمالية _لربما يستغرب القارئ هنا خروجنا بهذه النتيجة .. و في ذلك إنما نحن بهذه النتيجة نستبق الآتي المؤدي لها و التفاصيل المختزلة لها في الفصل المقرر لها في المؤلف , نعلم أن المؤلف <هنتنجتون> إستخدم لفظة <رأسمالية> في أكثر من موقع في مؤلفه .. لكن نعتقد بجهله الإقتصادي فلا يميز بين ما هو رأسمالي و ما هو ليس كذلك , لكنه كتجريبي يمكن أن نلتمس مواقع الزلل و نغفر للتجريبية مثل هذه الهفوة أمقصودة كانت أو لم تكن_ .
و في ذلك إقرار ضمني باللا عولمة التي تصف العالم كوحدة واحدة .. و أيضا باللارأسمالية , و في ذات الوقت لا ينكر التحديث التكنولوجي و العلمي الحاصل .. دون أن يكون هو _أي التحديث_ طريقا نحو التغريب , و التي تعتبر نقطة كثيرا ما يحاجج بها أنصار سيادة المفهومين المتناقضتين ( الرأسمالية / العولمة ) , فلا يصبح صاحب الأدوات أو السلع اليابانية (يابانيا) .. و كذلك لا يصبح (صينيا) صاحب الأدوات أو السلع الصينية , و ذات الأمر على الأمريكية و غيرها .
أما الجزء الثاني :
* ميزان القوى بين الحضارات يتغير .. فهو بين :
( آسيوي يتوسع .. و إسلامي يتفجر .. و الغربي بين التدهور و إعادة تأكيد الذات ) .
و هو بذلك يختصر صراع السيادة بين ثلاث .. جاعلا من الهوية أو الحضارة سببا في هذا التغيير و التحرك _و سيأتي التعقيب على ذلك فيما بعد_ .
أما الجزء الثالث :
* النظام العالمي قائم على الهوية أو الحضارة .
* المجتمعات التي تشترك في علاقات قربى .. تتحد و تتعاون .
* المجتمعات القربى أو الدول تتجمع حول دولة المركز في حضارتها .
* الجهود المبذولة لتحويل المجتمعات من حضارة إلى أخرى فاشلة .
النظام العالمي قائم على الهوية و الحضارة (!) .. هل يقصد هنتنجتون أن النظام العالمي قائم على إسلوب الطبقة الوسطى ؟! , هو لم يقصد ذلك في أغلب الظن .. لكنه إقترب كثيرا من ذلك .
أما كون المجتمعات المتشابهة أو القربى تتحد و تتجمع حول دولة واحدة مركزية _أو إثنتين_ .. فهو تفاؤل في غير محله و إن بدت بعض ملامح هذا القول واقعة في الواقع المعاش .. إلا أن الواقع ذاته يبشرنا بمزيد من الإنقسامات بين الحضارة الواحدة نفسها _و منطقتنا العربية تدل على ذلك_ .
أما فشل تحويل المجتمعات من حضارة إلى أخرى .. فلماذا؟ , يجيبنا هنتنجتون فيما بعد .
الجزء الرابع :
* مزاعم الغرب في العالمية تضعه في صراع متزايد مع الحضارات الأخرى .
* إن حروب التقسيم الحضاري ينتج عنها تجمع الدول المتقاربة و تنبئ بخطر التصعيد .
أن العالمية الغربية أو {العولمة} مجرد زعم وهمي .. و رغم ذلك يخبرنا هنتنجتون أن هذا الزعم رغم وهميته يضع أصحابه في موقع خطر و من ثم صراع مع الآخرين .. و متزايد هو هذا الصراع .
قد تبدو المعلومة القائلة : (إن حروب التقسيم الحضاري ينتج عنها تجمع الدول المتقاربة) عادية جدا .. لكنها ليست كذلك أو على الأقل لم تكن كذلك , ففي حين كانت الإيديولوجيا هي المُقربة و المُبعدة .. أصبحت الهوية أو الحضارة المقررة _كما يقول هنتنجتون_ .
الجزء الخامس :
* بقاء الغرب و الهوية الغربية متوقف على أمريكا .
* تجنب حرب كونية متوقف على قبول العالم بالشخصية متعددة الحضارات .
و هو في قوله (بقاء الغرب و الهوية الغربية متوقف على أمريكا) إنما يبدي تخوفا ضمنيا من إنقسام سيؤدي إلى تهديد الهوية الغربية بصفتها هوية واحدة في مقابل هويات الآخرين , فضعف آخر في الغرب هو لصالح الآخرين _في رأيه_ .
أما في النقطة الثانية فهنتنجتون يؤكد مرة أخرى أن القول بالعولمة و التمسك بها سيؤدي إلى مزيد من الصراعات و التي بدورها تتجه إلى التصعيد , و لتجنب كل ذلك يجب على (( العالم )) قبول (( الشخصية متعددة الحضارات )) , فالعالم ليس هوية واحدة أو وحدة واحدة .
و بتلك الأجزاء الخمسة يمضي هنتنجتون في طريق التفاصيل لتأكيد مزعمه القائل : (( الهويات الحضارية هي التي تشكل أنماط التماسك و التفسخ و الصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة )) .
يتبع ..
المرجع :
صدام الحضارات , صمويل هنتنجتون , ترجمة طلعت الشايب .. تقديم د. صلاح قنصوة , دار سطور – القاهر , الطبعة الثانية 1999 , الصفحات بالترتيب : (1 : 36) , (2 : 37) , (3 : نفس المصدر) , (4 : 37 – 38) .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟