أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - حسن خليل - العاصفة














المزيد.....

العاصفة


حسن خليل

الحوار المتمدن-العدد: 4538 - 2014 / 8 / 9 - 20:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    



في عام 2009 – علي ما أذكر – كتبت أن عاصفة ستهب علي العالم و سيكون مركزها بحرنا المتوسط . لم يكن هذا غريبا فمعظم المهتمين بالشأن العام كانوا يتوقعونها بشكل أو أخر . و ها نحن في قلب العاصفة فعلا نراها رؤية العين تدمر دولا و تقتلع شعوبا و تبيد أعراق و تسحق ما بناه البشر في عقود يوما وراء يوم. و تقول في نفسك ليست هذه عاصفتي . كنت أحلم بعاصفة تدمر الفقر و الفساد و الجهل و الغباء و ليست عاصفة تدمر الحياة و الإنسان. عاصفتي فتحت الباب قلبت التربة فظهر العفن و حتي نحن الذين كنا نعلم بوجوده رعبنا من منظره و حجمه و ظلاميته و حجم عاصفة الدمار التي أطلقها.

في الحياة قوي البناء و التكاثر و الحرية تعمل دائما لكن فيها أيضا قوي الدمار و من حسن حظنا أن قوي الدمار مؤقته و غير دائمة . فالأعاصير و الزلازل و البراكين و الحرائق لابد لها أن تنتهي. و حتي بدون أن تقاوم الحياة الحريق سينتهي من تلقاء نفسه حينما تنفذ المواد القابلة للاشتعال . و حتي الأوبئة المدمرة تنتهي تحت ثقل انتشارها نفسه . فالعاصفة لا تنتصر أبدا ليس هذا فحسب بل أنها عبر التدمير و الخراب و القتل تفتح للحياة – عدوتها اللدود – أفقا أوسع و أساسا أشد و أكثر الأراضي خصوبة هي التي بنتها البراكين و الغابة التي تحترق تعود أكثر أخضرارا و تنوعا و بهاء. فقوي الدمار ضرورية للحياة بنفس مقدار ضرورة قوي الحياة لقوي الدمار

و تسأل نفسك الم تمر كل المجتمعات المتقدمة بنفس هذه العواصف؟ ألم تتعرض روسيا لإعصار عاصف في مطلع القرن راح ضحيته ملايين بلا عدد في حروب و مجاعات و أضطراب بلا حد ثم تعرضت للعاصفة النازية التي دمرتها و معها أكثر من 20 مليون من البشر الذين هم مثلنا تماما في حقهم في الحياة ثم أعصار نهاية النظام السوفييتي . ألم تمر قلعة أوروبا ألمانيا بأعصار التحول الاجتماعي الفاشل عام 1918 كي تصل للمحرقة الكاملة في الحرب العالمية التي جعلت هذا الشعب المنعم يقف وسط الخرائب طوابير كي يحصل علي كسرة خبز ليس أكثر. و الصين المرشحة لتسيد العالم الآن ألم تمر بعاصفة الاحتلال و التمزق و الانقلاب الاجتماعي عام 1949 و ما قبله؟ ألم تؤدي العاصفة الصينية لمصرع عشرات الملايين في الحروب و المجاعات . كيف كان يفكر الصينيين وقتها ؟ و حتي الولايات المتحدة لم تبدأ صعودها – رغم غناها الفاحش و أتساعها – إلا بعد عاصفة الحرب الأهلية التي ارتكبت فيها فظاعات بلا حصر

ثم تعود لنفسك أن من الصعب أن يفكر الإنسان الفرد بمقياس تاريخي يتجاوز حياته و تقريبا من المستحيل أن يشعر بما يتجاوز حدود نفسه و الأقرب إليه فما بالك و الخوف و الذعر من الدمار يحيط به هو نفسه و الأقرب ألية . فمهما قلت لهذا الصيني أو الروسي أو الألماني أن عالم رحب سينفتح رغم العاصفة بل بسبب هذه العاصفة ذاتها لن يكون هذا ترضية كافية . و كيف يكون و الدمار و الحرائق تلتهم من تعرفهم و تبيد عالمك إبادة

أن كنت في غزة فسيكون الأمر سهلا . فهناك خط واضح علي ناحية قوي الحياة و علي الأخري قوي الدمار و الخراب. و حينما ستأتيك الرصاصة ستقول لنفسك لقد وقفت مع الحياة و أن كان لي عشر أعمار لوقفت في نفس الخندق . و حينما سيسقط من تحب ستتمسك بخندقك أكثر . لكن ما العمل حينما تكون الخطوط متقاطعة و متشابهه بل و غائمة ؟

فحتي حينما تلعن داعش و جماعات الظلام المجنونة و حينما تسخر من تلك الأفكار المغرقة في رجعيتها و السائدة رغم ذلك فكيف تنسي أن القوي المسيطرة علي هذا الكوكب و التي تدعي الاستنارة و الديمقراطية و حقوق الإنسان هي السبب المباشر وراء تلك الجماعات المتوحشة . أليس الإفقار و التهميش و الجهل هم نتاج مباشر لتركز الثروة في كل بلد و في العالم. أليست حتي الأفكار الدينية المغرقة في رجعيتها هي صدي خجول للنازية و الفاشية و الصهيونية التي أفرزتها بلاد الحضارة؟ . أليس النظام الرأسمالي العالمي هو سبب البؤس و الحروب أليس ما نراه هو نتيجة لأقصاء الإنسان و تقديس وهم الربح و المال عوضا عنه.

ثم تسأل نفسك و لم الكتابة فهل مازال لها معني ؟ و هل هناك من لدية وقتا ليقرأ حتي لو أراد وسط القصف و الصور ؟ و تسأل نفسك عالمنا حيث تتدفق الصور و المعلومات و الأكاذيب لا تعطي للعقل فرصة أن يفكر و يميز بين الغث و السمين . عالم الاتصالات و المعلومات هذا يغرق الكل بالمعلومات حتي لا يصبح لها معني . فما فائدة الكتابة و حتي الحوار ؟ فالعاصفة تطير كل الأوراق في الهواء و تخلطها فلا يعود لها نفع

علي أن أكثر ما يقلق حينما تزيح مشاعرك جانبا هو غياب تلك النواة من قوي البناء التي ستعيد خلق الحياة و تظهر علي العاصفة . تلك المضادات الحيوية متناهية الصغر التي سيقدر لها في النهاية أن تقضي علي الوباء

أخير أقول لست وحدك ..
خطر العاصفة ليس أن تجعلك خائفا مذعورا أن تجعلك تكاد تموت من القلق علي من تحب سواء تعرفهم أم لا . كل هذه مشاعر طبيعية بل و مطلوبة خطر العاصفة أنها تغلقك علي ذاتك تقطع صلتك بمن هم معك كما الحروب فضباب الحرب يعزلك عن رفاق السلاح الذين تستمد منهم الدعم المادي و المعنوي . لكن عليك أن تدرك أنهم هناك يعانون كما تعاني و يقومون بكل ما يمكنهم و أكثر .و إذا كانت العاصفة ستهب اللحظة القادمة عبرك و تستخرج أحشائك فهذا لا يعني إلا أمرا واحد و هو أن ليس هناك وقتا لتضيعه لتمد يدا لهؤلاء الذين يسيرون علي نفس الدرب ..

حسن خليل
9 أغسطس 2014



#حسن_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة اليسار المصري الراهنة
- تحيا غزة
- داعش و أمور أخري
- الرئيس الجديد
- بين الحلم و الواقع
- تحديات أمام الحركة العمالية المصرية
- الانتخابات الرئاسية المصرية 2014
- الدستور الجديد (دروس تاريخية)
- حسن خليل - كاتب وناشط يساري مصري- في حوار مفتوح مع القارئات ...
- الموقف من مشروع دستور 2013
- طريق الثورة للانتصار
- الثورة أوسع كثيرا ..
- الحياة السياسية بعد ثورة يونيو – 2 - الجيش و الشعب و الإخوان ...
- الحياة السياسية بعد ثورة يونيو – 1 -
- تعليق علي بيان سيء السمعة
- سيناريوهات الثورة
- الحياة السياسية و حملة تمرد
- الثورة شبه المتماثلة
- عن ضرورة حزب التحالف
- عيد العمال .. عيد الثورة


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - حسن خليل - العاصفة