|
ما بين الحُلم الطوباوي والحُلم الواقعي ..
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4538 - 2014 / 8 / 9 - 12:18
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أبدت الزميلة ليندا كبرييل أسفها على ما ورد في مقالتي التي حاولتُ فيه تسليط الضوء على جوانب من مقالها وكتبت لي في تعقيب تقول :"
يؤسفني أستاذ المحاجنة المحترم أن أقرأ أنك عملت لثلاثة عقود في مراكز تأهيل المرضى النفسيين ويكون هذا رأيك " . فقد كان رأيي وما زال ، بأن ما قامت به المرأة المصرية من فضح إعتداءات زوجها على الأيتام الضحايا ، قد يكون فيه خير كثير ، خاصة وأنه كان بإمكانها أن تبحث عن بدائل أُخرى . قبل العودة إلى الموضوع الأساسي ، فبودي أن أُقدم لمقالي بما يلي :
ألمدينة الأفلاطونية ألفاضلة بمعناها ألمجازي، حُلم كُل من يبحث عن العدالة المُطلقة ، مدينة الفلاسفة التي تعيش مركباتها بإنسجام وتناغم مُطلقين ، لا ظالم ولا مظلوم ، لا جريمة ولا مُجرمين ، سُكانها أرواح طاهرة لا تعرف للشر معنى ، ليس فيها مُحتاج أو معوز .. وما الأيديولوجيات اللاحقة ، وخصوصا الدينية ، في تصورها للعالم الأخر بجنته ونعيمه الأزليين ، إلا تصور للمدينة الفاضلة والتي ينهل ويعُّب سكانها من المُتع ، حسية أو روحية ، ما شاؤوا . لكن الأديان "فهمت " النفس البشرية بصورة أفضل مما فهمها دُعاة "الأفلاطونية ألمجازية " ، فقررت بأن الخير والشر قائمان في الإنسان ، ولا يُمكنه تجاوزهما في حياته ألدنيوية الزائلة . لا أدّعي بأنني من أنصار ألفهم ألتسطيحي للخير والشر ، لكنني من أنصار تذويت منظومة قيمية في نفوس وسلوك أفراد المُجتمع ، تكون مرجعيتهم في تفاعلهم مع الأخر ، وتكون مدعومة بمنظومة قانونية تردع من تُسول له نفسه الإخلال بمنظومة القيم هذه . بدءا من الإعتداء على حرية الأخر وحيزه الفردي وإنتهاءا بقتله. هل ستتوقف الجرائم ؟؟ هل يستطيع القانون أن يحل المشكلة ؟ أم هل يستطيع التثقيف لحقوق الإنسان ، أن يضمن له حريته وكرامته ، أن يضمن مجتمع العدالة المُطلقة ؟ مجتمع السعادة والإنسجام ؟ نعم ، فكّر البعض وحاول بناء المدينة الفاضلة الأفلاطونية في عصرنا هذا ، حاول ذلك الإشتراكيون ، المثاليون ، الثوريون ،الليبراليون ، القدماء منهم والجدد ، والرأسماليون ، وكُلهم إدعى وصلا "بليلى" ، لكن ليلى لا تستجيب ...!! ولعل "ليلى " أي الحُلم الطوباوي ، أمر مستحيل التحقيق ، لأننا بشر ..!! ولنتفق مع حكمة السيد المسيح التي تُقرر بأن " من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر " ، لأن من طبيعة بعض الناس وظروف تنشئتهم أن تقودهم نحو الخطيئة ، ألشر والجريمة . لستُ في معرض إستعراض "عضلاتي " ألفكرية ، وأنا ممن لا يحبذون الكتابة المُجردة ، لكن ، كان لا بُد من هذه المُقدمة ، لكي أُوسس لموقفي من نسبية العدل والعدالة ، العقاب والعقوبة بالنسبة للجريمة والشركاء فيها . ويختلف الحلم الواقعي عن نظيره الأفلاطوني ، من وجهة نظري ، هو قابلية تحقيقة على أرض الواقع ، بعد أن نكون قد أخذنا بالحُسبان المُتغيرات والثوابت . لدي حُلم بزوال الظلم وتوفير ظروف حياة إنسانية للجميع وبالتحديد الأطفال وكبار السن ، وتحقيق المُساواة التامة للمرأة . كما وأحلم بالقضاء نهائيا هلى كل أشكال الجرائم ، لأن وراء كل جريمة ضحية أو أكثر ، ولا يهم نوع الجريمة في هذا السياق ، لكن هل نستطيع أن نقول بأن الدول الأكثر تقدما ، تستطيع أن تكفل لمواطنيها ، مجتمعا خاليا من الجريمة ؟؟ لذا فإننا نرى بأن الدول المتقدمة قد طورت أجهزة لمكافحة الجريمة ، واجهزة أُخرى موازية لتأهيل المُجرمين . فجهاز الشرطة يتحمل مسؤولية مكافحة الجريمة ، وجهاز الإدعاء العام أو النيابة العامة يتولى مسؤولية تقديم المُجرمين إلى القضاء ، أما السلطة القضائية فهي المُخولة وصاحبة الحق الحصري في تحديد من هو المُذنب بناء على دلائل وقرائن فقط . ومع ذلك ، فقد طورت الدول المُتقدمة والمُتحضرة أليات لمُساعدتها على إلقاء القبض على المُجرمين ، وهي قضائية مشروعة ، كالتنصت على إتصالات المُجرمين ورجال العصابات ، تشجيع بعض المجرمين للشهادة ضد شركائهم أو رؤسائهم . ومن هنا قامت هذه الدول ببناء برامج حماية الشهود المشهورة ، والتي تضمن للمُجرمين المُستعدين للتعاون مع الشرطة وتزويدها هي والنيابة العامة والقضاء ، بالمعلومات والأدلة الجنائية ، عن شركائهم أو رؤسائهم ، بهدف إدانتهم في المحكمة ، تضمن لهم مكاسب نفعية مادية . وعلى ماذا يحصل ُ هؤلاء الشهود ؟ على حصانة عن جرائمهم التي سبقت إتفاقهم مع اجهزة فرض النظام ، على إسم جديد وتغيير مكان السكن ، وراتب شهري !! فهل خان جهاز القضاء الذي يوافق على هكذا اتفاقيات مع المُجرمين ، الأمانة ؟ بالطبع لا ، فهو يزن الأمور بميزان الربح والخسارة ، ويرى في القضاء على منظمة إجرامية ، هدفا أسمى من سجن مجرم واحد . ينتشر هذا البرنامج وحسب معلوماتي في كل دول العالم المتحضر والمتمدن ، فإنقاذ ضحايا مُحتملين ، هو بحد ذاته إنجازا كبيرا ، ولو كان على حساب عدم تطبيق بنود القانون والعقاب على قسم من المُجرمين .. وأعتقد بأن الغالبية تعرف مصطلح " شاهد الملك" ، اليس شاهد الملك مجرما ؟؟ وأنا شخصيا وإنطلاقا من فهمي المهني ، أرى بأن إنقاذ الضحايا ، يجب أن يكون صاحب الأولوية ، ثم تأتي محاسبة المجرمين ، محاسبتهم قضائيا فقط ، وليس في الساحات العامة . أصدر الزملاء المُتفاعلون مع مقالتي ومقال الزميلة ليندا كبرييل حكمهم بإدانة الزوجة ، فهي في نظرهم شريكة كاملة لزوجها ، وربما يكون هذا هو واقع الحال . لكن الا نعتبر خطوتها "ظروفا مُخففة " ؟؟ وهل محاسبتها بنفس الشدة هي وزوجها المُجرم ، سيشجع الشركاء الأخرين في الجرائم والغير راضين عن شراكتهم في الجريمة ، على الإعتراف بجرائمهم لاحقا ؟؟ وأود أن أُنهي مقالتي بمثال بسيط ، عن القتل (سلب حياة الإنسان ) ، الضحية ميت والمُجرم حي ، لكن .. الأول قتل عن سبق إصرار وتخطيط ،مُجرم يقتل رجلا مُسنا ليستولي على تحويشة عمر المُسن الثاني قتل بطريق الخطأ ، سائق دهس طفلا وهو يقود سيارته الى الخلف ، ولم يُشاهده في المرأة الثالث قتل وهو يدافع عن نفسه ، كفتاة قتلت معتديا جنسيا وهو يُحاول إغتصابها الرابع قتل لأنه أهمل في عمله ، كطبيب يتسبب خطأه بوفاة المريض كل هؤلاء قتلوا ، لكن هل يتساوى هؤلاء أمام القضاء وأمام الناس ؟ علما بأن النتيجة واحدة .. قتل أحدهم!! فلو قامت الأُمهات في أرجاء الوطن العربي اللواتي يتعرض أبنائهن وبناتهن للإعتداءات الجنسية داخل العائلة ، وكُنّ على علم بما يتعرض له الصغار ، لكنهن سكتن خوفا من المجرم أو من الفضيحة لمدة طويلة ، لو قامت هؤلاء الأُمهات بالتبليغ عن الجريمة ، بعد مُضي فترة زمنية من علمهن بالجريمة ، هل نتعامل معهن كشريكات بالجريمة ؟؟ مع العلم بأن ربع الأطفال يتعرضون لإعتداءات جنسية داخل العائلة ، ولا يستطيع أحد إقناعي بأن لا أحد داخل العائلة ، لم يكن على علم بما يجري ..!! لا أكتبُ دفاعا عن المرأة المصرية ، لكن كُلي أمل بأن يقوم كل من كان شاهدا على إعتداء على كبير مُسن أو صغير قاصر بالتبليغ ولو بعد حين .. فالموضوع بالنسبة لي هو موضوع تشجيع الضحايا والشهود على كشف الجريمة ..
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إضاءة على مقال الزميلة ليندا كبرييل : مُتلازمة ستوكهولم وأهد
...
-
ألناسخ والمنسوخ وما بينهما ..
-
ألرد الأريب على تساؤلات سامي لبيب...
-
مكاسب ألحرب ..!!
-
ألمشاعر وسياسة ألقوة ..!!
-
تابوهات وطابوهات : حوار عن الحوار في الحوار ..!!
-
بعد زوال حماس ..!!
-
الألم النفسي : قراءة للحالة ألعربية الإنتحارية (3)
-
ألحرب وألأخلاق
-
الألم النفسي : قراءة للحالة ألعربية الإنتحارية (2)
-
مردخاي كيدار : دكتور في -الإغتصاب -..!!
-
داعش : الإستثناء عن -القاعدة - ..!!
-
التنزيه لسياسات أليمين الإسرائيلي ..!!
-
أنا فلسطيني شريف .. نقاش هاديء مع الزميل ماجد جمال الدين .
-
حياة جدعون ليفي في خطر ..!!
-
الإعلام الإسرائيلي : لا صوت يعلو فوق صوت دوي المدافع .
-
ألشعب أليهودي بين التنظير والواقع ..
-
أخوية ألدم ..!!
-
-أفضال- الإسلام السياسي ..
-
الألم النفسي : قراءة للحالة ألعربية الإنتحارية
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|