ياسر سلطان
الحوار المتمدن-العدد: 4538 - 2014 / 8 / 9 - 11:01
المحور:
الادب والفن
بينالى الإسكندرية.. رهان المتوسط وإخفاقات الحدث
--------------------------------------------------------------------------------
من بين الفاعليات الدولية التي تقام في مصر يأتي بينالي الأسكندرية الدولي لدول حوض البحر الأبيض كأحد أهم الفاعليات الفنية في منطقة الشرق الأوسط, وتحتفل مصر هذا العام بدورته السادسة والعشرون, بعد تأخر خمس سنوات لأسباب متعلقة بالأحداث السياسية الراهنة. شارك في فعاليات البينالي في هذه الدورة 18 فنان وفنانة يمثلون 13 دولة عربية وأوربية, وترأس لجنة التحكيم الأمريكي أولو أوجيب. وحصل على جوائز البينالي الثلاث فنانون من مصر وسلوفينيا وليبيا. أما الجائزة الكبرى وقدرها مئة ألف جنيه مصري فكانت من نصيب الفنانة المصرية هدى لطفي, وهي فنانة بصرية تراوح في أعمالها بين وسائط عدة, وعرض عملها الفائز تحت عنوان "بيادات" وهو من أعمال الفيديو.
لم يسلم هذا البينالي كغيره من الفاعليات الدولية الأخرى من التعرض لمجموعة من الإنتقادات. وعادة ما تتوزع هذه الإنتقادات بين فريقين, أحدهما يصب جام غضبه على البينالى والقائمين عليه حين لا ير إسمه محشوراً بشكل أو بآخر في لجنة من اللجان, أو مدعواً للحديث في إحدى الندوات أو الفاعليات المصاحبة, وهذا هو كل ما يعنيه على الأرجح, فلا يهتم بمستوى الأعمال أو طريقة إنتقائها, وثمة فريق آخر ينتقد الأعمال المعروضة بشدة إنطلاقاً من رؤيته الشخصية الضيقة للعمل الفني, ومن هؤلاء على سبيل المثال من يصيبه التوتر والإكتئاب حين يلمح من بعيد عملاً من أعمال التجهيز أو الفوتوغرافيا أو الفيديو, أو غيرها من الأساليب الأخرى التي تتسم بالمعاصرة؛ ويتحول هذا التوتر والإكتئاب إلى نوع من الهيستيريا الحادة حين يحصل عمل من هذه النوعية على جائزة من الجوائز, وهو ما يحدث في الغالب, فتسوَد الدنيا في عينيه, ويتأكد يقينه بشراسه المؤامرة التي يتعرض لها الفن والهوية الوطنية في آن, فالهوية لدية مهددة دائماً ومحاطة بالكثير من الأعداء في الخارج والداخل, وتلك النوعية من الأعمال ما هي إلا حصان طروادة الذي يختبىء خلفه هؤلاء الأعداء منتهزين الفرصة من أجل الإنقضاض على تلك الهوية وتمزيقها شر ممزق.
هذا الهجوم المبني على تلك الرؤى الضيقة يثلج بالطبع صدور المسؤلين عن هذه الفاعليات, ويدفعهم إلى التمسك أكثر بالتركيبة الهشة للجان المشرفة والمنظمة للبينالي أو غيره من الفاعليات الأخرى, مادام كل يغني على ليلاه, فلا أحد يعيرها إنتباه, أو يلتفت إلى الطريقة التي يتم بناءاً عليها إختيار الأعمال المشاركة. والسؤال الذي يجب أن يطرح نفسه هنا هو, هل هذه الأعمال المشاركة في بينالي الأسكندرية تمثل بالفعل أفضل الخيارات المتاحة؟ أم أن البينالي كان من الممكن أن يحظى بمشاركات أخرى أكثر قوة وتمثيلاً للحركة الفنية في الدول المشاركة؟. خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد قبيل الإفتتاح راح الفنان صلاح المليجي رئيس قطاع الفنون التشكيلية المصري يعدد العقبات التي واجهت البينالي, وكيف أنه أقيم في ظل ظروف وإمكانات إستثنائية, وكأنه يجيب على هذا التساؤل, بأن لم يكن في الإمكان خير مما كان, في حين إنهالت التهاني بإقامة البينالي على الجالسين فوق المنصة من قبل الحاضرين من كتاب وصحافيين وفنانين, معتبرين أن إقامة البينالي هي خطوة إيجابية في حد ذاتها بصرف النظر عما أحاط بها من ملاحظات أو سلبيات, فهو إنجاز يحسب للوزارة وللقائمين عليها على كل حال, وليس لأحد أن يعترض أو يفُت في عضد القائمين على البينالي في تلك اللحظات التاريخية التي نحاول خلالها الخروج من عنق الزجاجة وعبور الأزمة التي نمر بها, وهى نغمة يرددها البعض بكل أريحية هذه الأيام.
لذا لم يجر الحديث بإستفاضة عن الكيفية التي يتم بواستطها إختيار الفنانين المشاركين, أو الآلية المتبعة في إختيار الأعمال, وهل ثمة قاعدة بيانات موجودة بالفعل وتتجدد بإستمرار يتم الإعتماد عليها, أم أن الأمر كله يتم وفقاً لإجتهادات شخصية, وتوصيات فردية من قبل المحيطين والمقربين؟ والإجتهادات الشخصية هي التعبير الأخف وطأة من تعبير المصالح شخصية, هذه المصالح الشخصية التي تعكسها على سبيل المثال طريقة إختيار الفنانين العرب المشاركين في هذا البينالى, وهم ستة فنانين يمثلون خمس دول هى سوريا وليبيا والجزائر والمغرب وتونس؛ فهؤلاء الفنانين الستة تم إختيارهم بناءاً على توصيات من قاعات فنية خاصة موجودة في دُبي, وهى قاعات تستقطب فنانين من كافة أنحاء الوطن العربي من أجل العرض لديها حصرياً أو من خلال إتفاق, أو عن طريق الإستضافة الفنية الموسمية؛ وترشيح أحد فنانينها للعرض في بينالي الأسكندرية أو القاهرة أو غيرهما هو بالطبع يعد خدمة إضافية تقدمها تلك القاعات لفنانيها. فالفنان الجزائري حمزة بونوة على سبيل المثال تم ترشيحه من قبل قاعة الخط الثالث في دُبي, والفنانان السوريان قيس سلمان وتمام عزام رشحتهما للعرض قاعة أيام في دُبي, أما الفنانة الليبية أروى أبو عون والمقيمة في كندا بشكل دائم تم ترشيحها للعرض في البينالي من قبل قاعة "ميم آرت" في دُبي أيضاً, وهي من بين الفنانين الثلاثة الحائزين على جائزة البينالي. وكذلك الحال مع كل من الفنان المغربي حسن دارسي والتونسي زياد زيتون.
فلماذا يتم الإعتماد على مخاطبة قاعات خاصة في دُبي لترشيح فنانين عرب للمشاركة في فاعلية دولية تقام في مصر؟ لماذا لا يتم مخاطبة الفنانين أنفسهم مباشرة أو من طريق مؤسسات فنية تعمل في هذه الدول؟ سوف نسلم بأن الأمر لا يتعدى كونه نوع من الإستسهال, أو أنه ربما يمثل قصوراً في وجود قاعدة بيانات واضحة تتجدد بإستمرار حول الفنانين العرب والأجانب يمكن اللجوء إليها في أمور كهذه.
ولكن ألم يكن في إمكان اللجنة العليا تحاشى هذا القصور -إذا ما إفترضنا أنه السبب بالفعل- فيتم الإستفادة من شخصيات ومؤسسات مصرية تعمل في مصر بدلاً من اللجوء إلى قاعات العرض الخاصة في دُبي؛ وفي مصر يوجد العديد من المؤسسات الخاصة التي أصبح لديها خبرة تراكمية في تنظيم المعارض والفاعليات الفنية, ولديهم خبرة أيضاً في التعامل مع المؤسسات الدولية المعنية. كما كان يمكن أيضاً أن يتم توسيع دائرة الأعضاء في اللجنة العليا للبينالي بإضافة دماء جديدة ومختلفة عن الهيكل التقليدى الذي تشكلت على أساسه. هناك العديد من الطرق والأساليب المختلفة التي كان يمكن اللجوء إليها بدلاً من الإعتماد على رؤية مجموعة من القاعات الخاصة خارج مصر, يصب ترشيحها لفنانيها في رصيدها لديهم, فيبدوا الأمر كما لو أنه تبادل للمصالح, حين يعطي القطاع لهذه القاعات الخاصة هذه الميزة.. والتساؤل هنا, ماذا تعطي هذه القاعات الخاصة في المقابل؟
هناك بالطبع الكثير الذي يمكن أن تقدمه تلك القاعات, أبسطها الإستضافات الفنية, والإستفادة من المناخ التسويقي المنتعش في دُبي, والذي يتسابق في التواجد فيه فنانون كثر, من بينهم من يعمل في قطاع الفنون التشكيلية وقريب الصلة من اللجنة العليا للبينالي, وهو ليس ببعيد على الأرجح من هذه الإختيارات, بل أن هناك حديث حول إستعداده حالياً لتولي مهمته كقيم على بينالي القاهرة الدولي الذي ينعقد خلال الفترة القادمة تحت عنوان مقترح وهو "التوجه نحو الشرق", فنأمل من الآن أن يكون مقصده من الشرق هو ذلك الحيز الثقافي وليس قاعات العرض الخاصة في إمارة دُبي, التي تمتد سطوتها على فاعليات مصر الثقافية.
------------------------------------------------------------------------
#ياسر_سلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟