محمد إبراهيم حجازي
الحوار المتمدن-العدد: 4537 - 2014 / 8 / 8 - 18:00
المحور:
القضية الفلسطينية
قطاع غزة بما يحويه من متناقضات متصارعة , يشكل ملخصا للحالة الفلسطينية عامة , صراع مفتوح مع الإحتلال مع مقاومة ممزوجة بحجم هائل من الضحايا طيلة السنوات الماضية , غابة من البنادق تتلاطم فيها وتوظفها أجندات بهويات مختلفة , حالة إهمال مقصودة أو في أحسن الحالات غير محسوسة من قبل السلطة الفلسطينية , بكامل هيئاتها و مؤسساتها , بإختصار شديد مكان غير صالح للسكن , فيه الكثير من المآسي " الماء , الكهرباء , البنية التحتية , التلوث الذي وصل لمياه البحر ...... إلخ " كما ذهب إلى ذلك تقرير وكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة , في السياسة ممنوع على الغزيين أن يكونوا جزءا من فلسطين أو من السلطة الفلسطينية , هكذا تريد إسرائيل , وجزء من القيادات الفلسطينية التي تحاول العبث بالتركيبة السياسية للشعب الفلسطيني , ولكن رغم ذلك تبقى غزة ضمان للمشروع الوطني و حاميته .
أرادت إسرائيل من قطاع غزة أن يذهب بعيدا عن القضية الفلسطينية و ينفصل عنها , أو أن يشكل مشروعا منفردا لدولة دينية تلقى بثقلها على العالم العربي و على مصر خاصة , وتفشل حل الدولتين , كل الحكومات المتعاقبة في إسرائيل أجمعت على ضرورة فصل غزة عن الضفة الغربية لإفشال حل الدولتين , ولخلق كيان ذو مواصفات خاصة يجزء التمثيل السياسي للفلسطينيين , و يضرب الممثل السياسي للفلسطينيين منظمة التحرير , وبالتالي يضرب المحدد الأساسي للجماعة السياسية الواحدة , تتعدد الأهداف و الغايات و الهدف يبقى و احدا , تشتيت النضال الوطني للفلسطينيين وصولا لطمس و تبديد القضية الفلسطينية , حتى عندما صنعت إسرائيل روابط القرى و الإدارة المدنية في الضفة الغربية في السبعينيات من القرن الماضي لم تنقلها لقطاع غزة , حتى لا تجعل من الشكل الإداري السياسي موحدا للفلسطينيين , ففي المجال التعليمي أيضا كان هناك نظامين مختلفين نظام مصري في غزة و نظام أردني في الضفة الغربية , وجعلت من التطور الإقتصادي و الإجتماعي مختلفا عن الضفة الغربية , و أستكمل ذلك بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة هذه السيطرة بقوة السلاح ما كانت لتتم لولا موافقة إسرائيل لأنها رأت بذلك تجسيدا لخططها السياسية لفصل غزة عن الضفة الغربية , و أحدثت سيطرة حماس على القطاع تغييرات إجتماعية هائلة , نحتاج لسنوات طويلة للتخلص منها أو للتخفيف من أعبائها , أصبحت غزة بكاملها تعيش على برامج الإغاثة الدولية , وكالة غوث وتشغيل اللاجئيين , يستفيد من برامجها أكثر من 88 ألف أسرة , وفي الحرب الحالية و السابقة كانت وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين هي الحكومة الفعلية التي يناط من خلالها إغاثة القطاع و تأمين مستلزمات الحد الأدنى لحياة الإنسان , هناك أكثر من 12 ألف موظف يديرون برامج وكالة الغوث التعليمية و الصحية و الإجتماعية , وهناك الآلاف الذين يستفيدون من برامج المانحيين لمنظمات المجتمع المدني , وهناك موظفي السلطة الفلسطينية الذين تناقص عددهم بشكل واضح خلال السنوات السبع العجاف ويقدروا الآن بحوالي أقل من 60 ألف موظف , وهناك أيضا موظفي حركة حماس و حكومتها ويقدرون بحوالي 40 ألف موظف كان يجري تأمين رواتبهم من الضرائب التي فرضتها حماس على كل شئ في القطاع , إلى جانب التمويل السياسي الموجهة من قبل حركة الإخوان المسلمين و حلفائها في المنطقة قطر و تركيا , وهناك المجموعات المسلحة بكافة أذرعها و تقدر بالآلاف , يحصلون على تمويل موجه سياسي بشكل واضح , وهذا التمويل سمح بالتدخل الإقليمي الفج بالقضية الفلسطينية , وفتح صراعات داخلية للتطاول على الوطنية الفلسطينية و ممثلها منظمة التحرير و السلطة الفلسطينية , إلى جانب التشكيك المستمر بوحدانية التمثيل السياسي لشعبها , إن أي حديث عن مستقبل قطاع يبقى غير موضوعي بدون ربطه بهذ المتغيرات السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية التي باتت تتحكم بالقطاع و تبعده عن سياقه الطبيعي و الوطني , في الحرب المجرمة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة , لم تذهب الرؤية السياسية الإسرائيلية أكثر من ذلك , فالأهداف العسكرية ٍتبقى منسجمة مع الرؤية الإستراتيجية , لم تطرح إسرائيل هدفا لعملياتها طيلة الخمس سنوات الماضية " ثلاثة حروب " الإطاحة بحكم حماس أو القضاء على حركة حماس , لانها تعلم جيدا بأن علها أن تطرح سؤال ماذا ستفعل باليوم التالي للحرب هل تقوم بإعادة طواقم الإدارة المدنية إلى القطاع و بالتالي تتحمل وزر أكثر من مليون و 800 ألف فلسطيني وتكون قوة إحتلال واضحة أمام القانون الدولي , أم تعيد قطاع غزة للسلطة الفلسطينية ويبدوا الرئيس عباس و كأنه عاد على ضهر دبابة إسرائيلية الأمر الذي لايمكن لأي فلسطيني القبول به حتى ولو غزة بقيت مائة عام تحت سيطرة حركة حماس , كان هدف الحربين الماضيتين هو إعادة الرشد لحركة حماس و تحقيق قوة الردع , من خلال تثبيت مقولة الغذاء و الدواء مقابل الهدوء ومنع إطلاق الصواريخ , لاتختلف الحرب الحالية عن الرؤية الإسرائيلية في الحربين السابقتين من ناحية الأهداف , ولكن في هذه المرة كانت المقاومة مستعدة وخاضت مواجهات بطولية حققت خسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي , إطلاق الصواريخ كان أكثر دقة و غطى مساحات شاسعة من فلسطين التاريخية , و المتغير الأهم في هذه الحرب هو إستخدام المقاومة للأنفاق الحدودية بشكل فعال لمباغتة العدو و تحقيق خسائر في صفوف جنوده , و بالتالي حدد نتنياهو و الكابينت المصغر هدف العملية هو القضاء على الأنفاق الحدودية و تدميرها , إختلاف بالتكتك ولكن الرؤية بقيت كماهي .
ممكن للكلمات التالية أن يكون لها معنى عند الحديث عن علاقة السلطة الفلسطينية بقطاع غزة " غزة زائدة عن الحاجة , لا أحد يريد غزة " بهذه العبارات ممكن فعلا تلخيص المشكلة , تناقص مستمر و تدريجي بالخدمات المقدمة , تآكل مستمر برواتب الموظفين و خصم أجزاء متتالية من رواتبهم , غياب الرؤية السياسية الإستراتيجية لعلاقة غزة بحكم الضرورة , بالمشروع الوطني الفلسطيني و بمشروع الدولة الفلسطينية , الذي يوحد غزة الآن مع الضفة الفلسطينية و فلسطينيي الشتات و ال 48 هو المعاناة , الدم النازف و حجم و فداحة المشهد الدموي لغزة , الغزيون و الفلسطينيون من حولهم في صراع مستمر لإفشال مخطط شارون لفصل غزة عن الضفة , و الصمود الشعبي الفلسطيني في غزة يجب أن ننظر له من هذه الزاوية , هدف المقاومة الآن في المعركة الدائرة و الإلتفاف الشعبي الذي لم يعلن ألمه ومعاناته للعدو حتى هذه اللحظه , هو للدفاع عن وحدة شعبنا , ووحدة الموقف الفلسطيني على مستوى قيادة السلطة و منظمة التحرير , وإن جاء متأخرا , أتى وتفاعل من خلال صمود و آلام الفلسطينيين .
في الإقليم فضح صمود غزة و بسالة المقاومة , المتاجريين بالقضية الفلسطينية الذين أرادوا توظيف معانات الشعب الفلسطيني و دمه النازف , في إختلافاتهم و صراعاتهم المذهبية أو محاولة إستعادة دورا مفقودا لمحور حركة الإخوان المسلمين و ممثليهم في قطر و تركيا .
و أخيرا لن تسمح إسرائيل لغزة بأن تتوحد مع الضفة الغربية , حتى ولو إضطرت لخوض الكثير من الحروب , لأنها تدرك أن غزة هي بوابة الحل السياسي في حصول الفلسطينيين على دولة , وكان من الممكن أن يتم عزل غزة عن القضية الفلسطينية فيما لو بقي حكم الإخوان السلمين في مصر , ثورة مصر في 30 يونيو , هي التي أفشلت هذا المخطط , تلاقت رؤية حماس بإعتبار غزة جزء من مشروع إسلامي في المنطقة تقوده مصر الإخوانية في ذلك الوقت , مع رؤية شارون بعزل غزة وذهابها بعيدا بإتجاه مصر , غياب الإرادات السياسية الفلسطينية سمحت لهذه المخططات بالتلاعب بنا و التجاذب فيما بينها .
إسرائيل أيضا لن تسمح بالتكامل الإقتصادي بين غزة و الضفة الغربية و مدينة القدس , غاز غزة المكتشف مجدي جدا من الناحية الإقتصادية ولو قدر للفلسطينيين للإستثمار فيه لحلت كل مشاكلنا الإقتصادية و تحررنا من إلتزامات المانحيين السياسية , و الضغوط التي تمارس علينا مقابل الدعم المقدم حتى من العرب أنفسهم .
قدر لغزة أن تقاتل دفعا عن و حدتها السياسية مع الضفة الغربية و مدينة القدس , و قدر لغزة أيضا أن تدافع عن وطنيتها و أن تكون جزءا من كيان فلسطيني موحد لكل الفلسطينيين في مواجهة مشرع فصلها و ذهابها إلى مشروع ذو هوية إسلامية , فشل مع سقوط حكم مرسي في مصر ,
وقدر أيضا لغزة أن تعيد وهج القضية الفلسطينية على الصعيد العالمي , توحد الفلسطينيين في الميدان في مواجهة العدوان في كل أماكن تواجدهم , وتتعثر القيادة الفلسطينية من تحقيق المصالحة الفلسطينية و إستعادة وحدة المؤسسات الفلسطينية , و الحياة الديمقراطية .
#محمد_إبراهيم_حجازي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟