|
ثقافة العنف والرأي الواحد (الأنا) ... كلنا داعش وإن لم ننتم !
محمد ناجي
(Muhammed Naji)
الحوار المتمدن-العدد: 4537 - 2014 / 8 / 8 - 17:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دعوت ، وغيري من قبل ، في أكثر من مناسبة إلى ضرورة أن نقف لنراجع تراثنا وثقافتنا ، بجرأة وشجاعة ، لنعرف مواطن الخلل ، وأسباب تخلفنا والأزمات التي تمر بها مجتمعاتنا اليوم ، وإلا سنظل نراوح ضمن حدود دائرة التخلف الملعونة ، وما أن نتخلص من داعش , إلا ونبتلى بماعش ، ولنبقى مامش ! فثقافتنا بائسة ، وهي أرضية مناسبة وحاضنة ولاّدة للطغاة والبغاة من كل شكل ولون حتى اللحظة ، وداعش وليد طبيعي وشرعي ، وإن كان مسخ ، لمجتمع وثقافة (الغلبة والاستئثار) والغزو والحروب والعنف الفظ واللامحدود المقترن بهما . ونرى أن (داعش) تمتد جذورها عميقا في الصحراء والشعر العربي ، الذي نفخر بمعلقاته ! وهي تستقر في أعماق اللاشعور الجمعي والفردي . ومن يقرأ بتمعن وعقل مفتوح ، ولو شيء من تراثنا يجد أن الدود – من مختلف الملل والنحل – نخر وغيّب وطمر كل ما هو ايجابي وإنساني في هذا التراث ، وعلى مر تاريخنا لدينا أكثر من (داعش) ، وإن اختلف المكان والتسمية . إن جوهر الموقف والمبدأ (الداعشي) واحد ، وهو تهميش وإقصاء ونفي ومسخ (الآخر) وصولا بهذا الفعل إلى أقصى مدى بالتغييب الفكري والجسدي ، وإن وجد فرق بين ماعش وداعش فهو نسبي ، وفي شكل ودرجة النفي والتغييب والمسخ ومدى العنف والتطرف ومكانه وزمانه . فإذا كانت (داعش) - في رأي البعض الذي يهرب من مواجهة الحقيقة - حالة استثنائية وغريبة على ثقافتنا ، وإنها تستند إلى فهمها الخاص وتفسيرها المتطرف والمتخلف للتاريخ والتراث والدين ، لتبرير القتل والدمار وهتك الأعراض والتجاوز على المقدسات وهدمها ، فهذا ليس جديد ، حيث سبق ورجمت الكعبة بالمنجنيق واستباح المسلمون نساء المسلمين في مدينة نبي المسلمين ؟! إن (داعش) كمظهر للأزمة المزمنة في الموقف من الآخر المختلف الذي ذكرناه من قبل ، نجدها في صلب ثلاثة من أبواب وأغراض الشعر العربي الخمسة ، فالفخر والمدح والهجاء كلها تعظم (الأنا) الجمعية والفردية وترسخها ، ويلازمها بالضرورة تحقير الآخر وصولا إلى تغييبه وتسقيطه وتمجيد تصفيته جسديا ومصادرة أمواله وسبي نسائه بالغزو ! ونشرب إن وردنا الماء صفوا *** ويشرب غيرنا كدرا وطينا وهنا : ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم *** ومن لا يَظلم الناس يُظلم وفي : ودع كل صوت غير صوتي فإنني *** أنا الصائح المحكي والآخر الصدى وهنا : أبا كل طيب لا أبا المسك وحده *** وكل سحاب لا أخص العواديا يدل بمعنى واحد كل فاخر *** وقد جمع الرحمن فيك المعانيا ثم لغرض نفعي ذاتي بحت ، وبقدرة شاعر ! تنقلب صورة (أبا المسك) - الذي جمع فيه الرحمن المعانيا - بزاوية 180 درجة ، لتظهر لنا داعش هنا : وأن ذا الأسود المثقوب مشفره *** تطيعه ذي العضاريط الرعاديد من علم الأسود المخصي مكرمة *** أقومه البيض أم آباؤه الصيد وهنا : معللتي بالوصل والموت دونه *** إذا مت ضمآنا فلا نزل القطر ونحن أناس لا توسط عندنا *** لنا الصدر دون العالمين أو القبر وهنا فيما قاله شاعر النيل : والله ما غالها قدما وكاد لها *** واجتـث دوحتها إلا مواليـها وقولـة لعلـي قالـهـا عـمر *** أكرم بسامعها أعظم بملقيـها حرقتُ دارك لا أبقي عليك بها *** إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها أما توظيف الدين والمقدس ومن بعده الفتاوى ، وفقا للهوى والمصالح ، فحدث ولا حرج ، وداعش ليست الأولى ولن تكون الأخيرة . فقد قُتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين ، وتزعمت زوجة نبي المسلمين وأم المؤمنين للحرب ضد خليفة المسلمين وابن عم نبيهم ، ورفع القرآن على رؤوس الرماح في الحرب بين المسلمين - وكما سبق ذكره – رمى الحجاج ، حافظ القرآن ، بيت الله بالمنجنيق ! ووضع عبيد المال والسلطان كثير من الأحاديث النبوية والفتاوى خصيصا لتناسب الطاغية الداعشي ، وتبرير سلطته الإلهية فـ(حاكم غشوم خير من فتنة تدوم) ، و(السلطان ظل الله في الأرض) ، التي يراها الداخل لقصر السلطان العثماني (توبكابي) في اسطنبول حتى اليوم ! داعش موجودة في (موقعة الطف) ، وما فعله جيش المسلمين بجسد سبط نبي المسلمين وسبي نساء آل بيته وحملهم للرؤوس على الرماح إلى قصر خليفة المسلمين في الشام ! وفيما كرر فعله المتوكل العباسي خليفة المسلمين الذي هدم قبر الحسين بن علي أربع مرات ، حتى قال فيه الشاعر : فلقد أتاه بنـو أبـيـه بـمـِثْلِهِ *** هـذا لَعَـمْرُك قبرُه مهـدومـا أسِفُوا على أن لا يكونوا شاركوا *** فـي قتله، فـتتبّعوهُ رميما
داعش نجدها في أفعال خلفاء المسلمين الذين ابتكروا وأبدعوا في قتل خصومهم ، فحرقوا ابن خليفة المسلمين الأول في جوف حمار ! والقوا بغيره في التنور ، وقطعوا أوصال آخرين ، ووضعوا بعض آخر أحياء في أسس البناء وجدرانه ، وبنوه عليهم . داعش وعنفها موجود في نكبة البرامكة وفي قتال الأمين والمأمون ، وفي صراع ورثة الخلفاء والسلاطين من الأزواج والأبناء والجواري والغلمان والمماليك ، وما فعله بعضهم ببعض من قتل وسمل للعيون وتشريد . ( راجعوا موسوعة العذاب لعبود الشالجي) . داعش تستمد مواقفها من تراث في اضطهاد الديانات والطوائف الأخرى من (أهل الذمة ، والعجم والموالي) ، وفرض نمط معين من اللباس والسلوك عليهم . داعش هي فرهود اليهود وتهجيرهم ومصادرة أموالهم . داعش في قتل العائلة المالكة ، وسحل جثث الخصوم الموتى في الشوارع في 14 تموز 1958، وسحلهم اليوم بعد حرقهم وربطهم بالهمرات ، أو بتعليقهم في أعمدة الكهرباء ، أو في ساحة التحرير ، في مواجهة نصب الحرية ! هي في تسفير الأكراد الفيليين ومصادرة أملاكهم ، وانتهاك حرماتهم وهم عزل ، في طريقهم إلى المجهول ، هي بالاعتداء على دولة جارة (إيران) ، ومحرقة بشرية لمدة ثمان سنوات شعارها ديني طائفي (الفرس المجوس ... والطريق لتحرير القدس يمر من عبادان ) ، ثم في غزو دولة جارة وشعب شقيق (الكويت) وانتهاك حرماته . داعش هي في قصف المدن والعتبات المقدسة بالصواريخ ، وأخذ الناس من الشوارع ودفنهم أحياء وهم في حافلة النقل ، هي في إبادة ١-;---;--٨-;---;--٠-;---;-- ألف كردي في الأنفال ، في قصف حلبجة بالكيمياوي . تاريخ طويل عريض يضج بالظلم والعنف والقسوة المفرطة وغير المبررة . قد يتبرأ بعضنا من هذا التاريخ ويدينه آخرون ، ولكنه السائد حتى اليوم ، ويفرض نفسه في تراثنا وثقافتنا - معارضون ومؤيدون - والغالبية الساحقة في الشارع العربي الإسلامي من عامة الناس والسياسيين والمثقفين تؤمن وتفخر به ، وتتغنى بأمجاد الماضي ، وتعتاش عليه ، وتضفي عليه هالة مقدسة ، خاصة وبعض أبطاله ، رموز سياسية أو ثقافية أو رموز الإسلام ، وصحابة رسول الله ، وخلفاء المسلمين وولاة أمرهم ، وقراء القرآن وحفظته ، ومنهم خال المسلمين وكاتب الوحي ! تلفتوا حولكم اليوم في العراق ، وطول بلاد العرب وعرضها ، ستجدوا (داعش) في كل شيء ، في السلوك واللغة و(الإبداع) ، حتى في أسلوب التحشيد والمواجهة العشائري الميليشياوي وما يرافقه من ردح ومفردات طائفية كالشيعة الروافض والسنة النواصب ، يبدو طبيعيا لا يثير الاستغراب . داعش تكمن وتعشش وتفقس في العقل والفكر العراقي والعربي السائد ، الذي لا يزال يتمرغ في الماضي ، حيث توقف زمنه عند عتبة (السقيفة) ، ولم يستطع مغادرتها ، ولا يزال الناس عنده بين ناصبي ورافضي ، فلم الاستغراب حين أصبح خارج الزمن ؟ وأخيرا داعش هي ظاهرة لأزمة فكرية وحضارية ، لا يقتصر حضورها في خليفة المسلمين الجديد ، بل في عبيد المال والسلاطين ووعاظهم من (دواعش) السياسة والدين و(مبدعي) الثقافة ، الذين يعيدون إنتاج الثقافة (الداعشية) ، بالأمس واليوم وغدا ، وإشاعتهم لموقف ثقافي عام هش ومتواطئ معهم . هذا غيض من فيض ، يشير إلى أن التوقف والمراجعة أصبح أكثر من ضروري لمن يريد الحياة الحرة الكريمة ويطمح لمكان تحت نور الشمس ، فكفى تهربا من مواجهة الحقيقة بالتفسير السهل لظواهر الكوارث المتلاحقة ، وتعليق الفشل والعجز والتخلف على شماعة المؤامرة فـ(لم يدخل اليهود من حدودنا *** بل نفذوا كالنمل من عيوبنا) ... وكلنا داعش وإن لم ننتم !
#محمد_ناجي (هاشتاغ)
Muhammed_Naji#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حذار من المبالغة بشعار (التغيير) !*
-
بدون مجاملة ...
-
المغنّي والسلطان !
-
بعد (ربيع الغضب) مرحبا 2013 ... ولكن !
-
1/4 كلمة
-
(المهزلة) بالألوان والسينما سكوب
-
في حضرة الجهل والدجل
-
أيها السادة : سقط طاغية ولم يسقط الطغيان
-
حقيقة (الإيمو) الضائعة بين عبد الخالق حسين ووزارة حقوق الانس
...
-
آخر نكتة ... القضاء يهدد المالكي بالإعتقال
-
الحجاج ... وأهل الشقاق والنفاق !
-
العراق .... المهزلة برائحة الدم !
-
صرخة في البرية !
-
العراق ... فساد أفراد أم نظام ؟
-
( الإنسان يمكن أن يتحطم لكنه لن يهزم)
-
لا قاعدة ولا بعثية ... بدْمانَه نِشْري الحرية !
-
عشرين عام إنكضت ... وشذكّرك بينه !
-
حقوق الإنسان ثقافة إنسانية
-
الدكتور قاسم حسين وشخصية العراقي الضائعة بين علم النفس والتا
...
-
تكريم البصير وأعلام الحلة والعراق
المزيد.....
-
قارنت ردة فعله بصدام حسين.. إيران تعلق على مقتل يحيى السنوار
...
-
الجيش الإسرائيلي ينشر فيديو معدلًا من مسيرة يقول إنه يصور لح
...
-
أبرز ردود فعل قادة ومسؤولين دوليين على مقتل يحيى السنوار
-
مصر تعلن تعديل أسعار البنزين ومشتقات الوقود ابتداء من اليوم
...
-
بسبب صورة.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية توبخ سلطات جارتها الج
...
-
الجيش الإسرائيلي: رصد إطلاق 15 صاروخا من لبنان باتجاه إسرائي
...
-
تقرير: هكذا تلقى الأمريكيون خبر مقتل السنوار
-
وزير الدفاع الياباني يعد بإرسال معدات عسكرية إضافية إلى أوكر
...
-
اختبار جديد بالليزر يكشف عن الخرف بمختلف أنواعه في ثوان
-
العلماء يكتشفون أصل معظم النيازك التي ضربت الأرض
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|