خالد حسن يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4537 - 2014 / 8 / 8 - 14:37
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
شكلت زيارة التاريخية السابقة لرئيس الصومالي حسن الشيخ محمود, والوفد الحكومي االذي كان رافقه حينها, ممثلا بكل من السيدة فوزية يوسف الحاج آدم, نائبة رئيس مجلس الوزراء ووزيرة الخارجية,السيد عبداللاهي عيل موجي وزير الإعلام,بالأضافة إلى عدد من مساعدي الرئيس الصومالي, في العام الماضي, كواحدة من أهم زيارات الرؤساء الذين مروا على حكم الصومال, ومنهم عبدالرشيد علي شرماركي,محمد سياد بري,عبداللاهي يوسف أحمد حسن الشيخ, ممن زاروا الولايات المتحدة, إلى أن الزيارة التي تمت في ظل الأسبوع الثالث من شهر يناير2013, جاءت في أسواء الظروف التي مرت بها الصومال في ظل تاريخها الحديث, وإلى هذه الحقبة ذاتها تنذرج زيارة الرئيس الصومالي السابق عبداللاهي يوسف أحمد, والتي تمت في مرحلة الحكومات الإنتقالية الصومالية, رغم أن زيارة الأخير لم تكن بزيارة دولة وبدعوة أمريكية.
إلى أن الزيارة الأخيرة لرئيس الصومالي حسن الشيخ محمود, جاءت في ظل ظروف سياسية مميزة للغاية بالنسبة لشعب الصومالي والمجتمع الدولي, ألا وهي في ظل تقدم العملية السياسية والتي يرعاها المجتمع الدولي في الصومال, وذلك باشراف المكتب السياسي للأمم المتحدة بقيادة السفير السابق أوغسطين مهيجا.
فالأرضية التي استندت إليها الزيارة تمثلت في إتساع رقعة مؤسسات الدولة أكانت نيابية,خدماتية أو أمنية, وركيزتها الأساسية إعداد دستور الدولة الفيدرالية وإنتخاب المؤسسة النيابية, والتي أصبحت أكثر كفاءة من نظيرتها السابقة من خلال دخول نواب أكثر تميزا عن زملائهم السابقين, رغم أن أداء المجلس الحالي متواضع مقارنة مع المجلس السابق, نظرا لقوة التحديات التي يوجهها على الصعيد الأمني والسياسي, وفي ظل رعاية واهتمام دولي بالغ الأهمية في سبيل الأسهام لبناء مؤسسات الدولة الصومالية, إلى جانب تحقيق الحكومة الصومالية المصغرة وحلفائها الأفارقة انتصارات عسكرية وأمنية على حركة الشباب المتطرفة في الصومال, خلال الفترة السابقة, والأهم بعد أن حققت البلاد الأساسيات التي مكنتها من إجتياز المرحلة الإنتقالية والتي طالت فترتها إنطلاقا من مؤتمر المصالحة الوطنية الصومالي المنعقد في جيبوتي عام 1991.
كما سبق زيارة الرئيس الصومالي ووفده إلى الولايات المتحدة الأمريكية في يناير 2013, جملة من الزيارات المكوكية والتي قام بها إلى عدد من الدول منها جيبوتي,أوغندا,إيثوبيا,كينيا,تركيا,السودان, بالأضافة إلى سلسلة من الزيارات التي قام بها عدد من الوزراء في حكومة الدكتور عبدي شيردون السابقة لعدد من الدول.
وقد أسست هذه الأرضية السياسية والدبلوماسية وزيارات وفود أجنبية إلى الصومال بناء الثقة في المؤسسات الصومالية ورأس الدولة ممثلا في رئيسها الحالي الدكتور حسن الشيخ محمود, وبتالي الحصول على دعوة لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية, الدولة الأكثر تاثيرا في السياسة الدولية الراهنة.
وماهو ملحوظ في أهمية زيارة الرئيس الصومالي والوفد الحكومي المرافق له, خلال الزيارة المشار لها, أنها نالت حفاوة الأستقبال من أطراف سياسية امريكية إبتداء من رأس الدولة الأمريكية, ممثلا برئيس باراك أوباما,وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون,نخبة من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ والقادة في وزارة الدفاع(البنتاجون), وقد طرح الوفد الصومالي حينها عدد من الملفات الساخنة ومنها الوضع الأنساني الأغاثي,الحالة الأمنية,منح الثقة لمؤسسات الدولة الصومالية في ظل رغبتها في أن تتعامل بندية مع الأطراف الخارجية المماثلة.
كما لايمكن إغفال عامل استراتيجي هام ومشترك مابين الصومال والولايات المتحدة الأمريكية, والذي يمكن أن يقال أنه كان له دوره الأساسي في تسريع قدوم الوفد الصومالي وأستقباله, وهو جهود الحرب على الإرهاب, والتي تاتي في الأولويات الأمريكية الحالية على صعيد السياسة الخارجية لهذا البلد, إذ تمثل الولايات المتحدة من أبرز الدول المنخرطة في مواجهة حركة الشباب المتطرفة في الصومال.
ولايمكن القول أن الحكومة الأمريكية أعترفت فيما مضى بالحكومه خاصة في ظل وجود علاقات بين البلدين منها الدبلوماسية, منها نشاطات كل من رئيس البعثة الصومالية في الأمم المتحدة, والسفير الأمريكي في كينيا والقائم بالأعمال عن الصومال, إلى أن الصحيح, هو أن ما تم, كان مجرد إعادة لرفع سقف العلاقات بين واشنطن ومقديشو.كما أنه كانت هناك العلاقات الأمنية والدبلوماسية الصومالية-الأمريكية, وهو ما أكدته الزيارات المتكررة لنواب الكونجرس الأمريكي إلى الصومال فيما مضى وغير ذلك من التعاون.
إلا أن الزيارة يناير 2013 والتي عززتها الجهود المشتركة للحرب على الإرهاب, كانت الممر لفتح المزيد من أبواب التعاون مع الصومال, من قبل المجتمع الدولي عامتا.ولايمكن إغفال أن الولايات المتحدة مهدت لمصالحها الاستراتيجية الإقتصادية في الصومال لاسيما بعد تقدم جهود الأكتشافات النفطية, وفي ظل وجود عقود وامتيازات حصلت عليها شركات أمريكية في السابق, وفي ظل النشاط الدولي الحالي المحموم على مصادر الطاقة في العالم, وتراجع نشاطات القراصنة الصوماليين والذي ساهمت معه إدارة أرض البونت في الصومال بجزء كبير من الحيلولة دون وقوعه.
فما تم تسميته بالاعتراف الأمريكي بالحكومة الصومالية, بمعنى أدق, هو رفع وثيرة العلاقات الصومالية-الأمريكية سياسيا,إقتصاديا وعسكريا, وقد بدأت أثار مفعول الاعتراف(المجازي),على تصريحات الحكومة الايثوبية والتي رحبت بدورها بهذه الخطوة فيما مضى, وبشكل عام فإن رفع سقف العلاقة المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية مع الصومال سيسهم في تخفيف القبضة السياسية والتدخلات العسكرية المباشرة لجيران الصومال تجاه أراضيه في القادم المنظور, بمعزل عن آلية برنامج الأميصوم الإفريقي, وتبقى الاحتمالات مفتوحة في كيفية إستثمار القيادة السياسية الصومالية لهذه المستجدات.
وفي الإتجاه الداخلي فإن الخطوة الأمريكية كان يفترض أن تقوض إلى حدا ما دور كل تلك القوى المحلية الطموحة والتي لعبت على حبال محاربة الإرهاب في الصومال, في حين كانت تقدم أجندتها الخاصة لتصفية حساباتها مع خصومها السياسيين, وبحيث تصبح الحكومة الصومالية البديل السياسي عن هذه القوى, مما يجعل التعاطي والتعاون مقتصراً على الحكومة الصومالية في المرحلة القادمة, إلى أن ذلك لم يتم على أرض الواقع.
ورغم أن التقارب الأمريكي مع الحكومة الصومالية, كان قد سبب حالة من الفزع والاسثياء, كما هو واضح من تصريحات سابقة لإدارة هرجيسا(الانفصالية), ونخبتها السياسية, إلى أن ذلك لم يغير شيئا من علاقة واشنطن مع الجهويات الصومالية, في حين أنه كانت هناك حالة حذر دبلوماسي وقفت وراء تصريحات رئيس إدارة أرض البونت السابق الدكتور عبدالرحمن محمود فارولي(نموذج البيان الرئاسي الصادر عن مكتبه), إلى أنها بدورها أنتهت إلى نفس المنحى مع إدارة هرجيسا في ظل عهد الدكتور عبدالولي محمد علي, الرئيس الحالي لإدارة أرض البونت.
وأهم ما ترتب على التعاون الصومالي-الأمريكي الجديد هو حالة التعامل المتعدد من قبل الأمريكيين مع الإدارات المؤقتة في البلاد وبمعزل عن الحكومة الصومالية, وهو ما يعد ماثلا في تجربة الأمم المتحدة,الاتحادين الأوروبي والافريقي وهو مايمثل بخطوة تؤسس لاستمرار واقع الثجزئة الصومالية الراهنة, رغم أن هذه القوى الخارجية تقع عليها مهمة ثأهيل الصومال نحو استعادة وحدته وقدرته كدولة, ويبرر الحضور الأجنبي بأن الضرورة السياسية البرجماتية تفرض عليهم التعامل مع الجهويات, في سبيل التنسيق بينهم وبين الحكومة الاتحادية.
وتأتي زيارة الرئيس الصومالي الحالية إلى الولايات المتحدة, انطلاقا من مشاركته في القمة الافريقية-الامريكية, والتي تشمل التعاون بين الطرفين, في إطار خطوة وبرنامج أمريكي لإستثمار مصادر الخيرات الإفريقية, بعد أن اشتدت الدائرة على الاقتصاد الأمريكي والدور الخارجي لواشنطن, حيث أعلن الرئيس باراك أوباما, عن عزم مساهمة رجال المال الأمريكيين في استثمار 33 بليون دولار أمريكي في القارة الإفريقية.ولاشك أن كل دولة افريقية ستقوم بتسويق مصادر الطاقة والموارد المتاحة لها, لصالح الشركات الأمريكية, وهو ما يعني أن الصومال ستفعل عقود في هذا الإطار مع الجانب الأمريكي, وبتالي فإن القادم المنظور في الصومال سيكون لصالح الدور الأمريكي, في حال قدرة الحكومة الصومالية تسويق ذاتها مع الجانب الأمريكي.
وطالما أن واشنطن لا تمنح عادتا من رصيدها المالي للمساعدة الخارجية, دون ثمن, لدى سيكون القادم المنظور الصومالي بمسألة ذات ارتباط شديد مع السياسة والقرار الأمريكي, وهي حلقة بالغة الخطورة, وليس معروفا كيفية تخلص الصومال منها مستقبلا في ظل هشاشة الدولة الصومالية, وحاجتها الماسة لدعم الخارجي المستمر..
لاسيما وأن الفترة السابقة شهدت حالات عدم انسجان سياسي بين منصبي رئاسة الدولة والحكومة, ناهيك عن مواجهات مستمرة ما بين مجلس النواب والحكومةو على قضايا منها عدم الكفاءاة الأمنية للحكومة,وتكرار وقائع الفساد الإداري والمالي, واعتراض النواب المستمر على تعدي الحكومة والرئاسة على الدستور بصفة متكررة.
#خالد_حسن_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟