|
الأسد يخون معارضيه - قراءة في خطابه الأخير -
منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 4535 - 2014 / 8 / 6 - 19:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الأسد يخون معارضيه "قراءة في خطابه الأخير"
" قصر الشعب" هو المكان الذي اختاره الدكتور بشار الأسد ليؤدي فيه اليمين الدستورية لولاية رئاسية ثالثة، في كسر لتقليد كان قد اختطه والده، وسار هو عليه في ولايتيه الرئاسيتين السابقتين اعني "مجلس الشعب"، فبدلا من أن يذهب هو إلى البرلمان ليقسم اليمين الدستورية أمام أعضائه قام بإحضارهم إليه في قصره. في الواقع ليس هذا هو التقليد الوحيد الذي كسره، بل جدد في طريقة استعراضه لحرس الشرف، وفي سيره على السجادة الحمراء وسط حشد من الناس تم انتقاؤهم بعناية، بدلا من استقبال مسؤولي الدولة والحكومة له. وجدد أيضا في الاستعراض الذي أداه ضابطان من الحرس الجمهوري يحمل أحدهما المصحف، ويحمل الآخر الدستور السوري الذي أعده هو على طريقته. ولم ينسى أن يقلد صديقه الرئيس الروسي بوتين في طريقة فتح الباب له ليدخل إلى قاعة الاحتفال. في الواقع الاعتبارات الأمنية ليست هي السبب في اختيار المكان لأداء القسم الدستوري كما ذهب كثير من المراقبين، رغم أنها، بلا شك، حاضرة في كل تحرك له حتى في بيته، بل الحاجة إلى مكان فسيح لاستعراض عظمته المستجدة، ولكي يوجه من خلالها رسائل سياسية عديدة للخارج والداخل على حد سواء. لقد أراد أن يقول للعالم خصوصا الذي ناصبه العداء أنه باق، وأنه قوي، وأنه يحظى بدعم شعبه، وأنه لمنتصر، وليس لديكم بديل عنه. لكنه لم يكتفي بالدلالة الرمزية لكل إجراء وترتيب في حفل القسم، بل قال كل ذلك صراحة في خطابه. فالانتخابات الرئاسية التي أجراها على طريقته أيضاً لم تكن " عملية سياسية إجرائية...بل معركة كاملة الأبعاد .." ، بالنسبة له، لكنها في حقيقتها لم تكن معركة من أجل " السيادة والشرعية والقرار الوطني وكرامة الشعب "، كما قال، فمعركة من هذا النوع تطلب حقيقة مشاركة الشعب فيها على طريقته، وفق دستور وقوانين يعدها بنفسه، وتكون تنافسية فعلاً في أجواء من الحرية والديمقراطية الحقيقية، وتكون نزيهة أيضاً. فالانتخابات التي جرت في سورية كانت كالعادة مفصلة على مقاس الرئيس، وهي كغيرها من انتخابات سورية لم تكن نزيهة، ولم تكن تنافسية فعلاً بل مكيفة إخراجيا. بالطبع هذا لا يعني أبداً أن النظام ليس له أنصار ومؤيدون شاركوا بكثافة في الانتخابات، بل السؤال يتعلق بنحو نصف سكان سورية المهجرين في الداخل والخارج، وبفقدان سيطرة النظام على أكثر من ثلثي جغرافية سورية. لكن بعيدا عن الوقائع الإجرائية للانتخابات الرئاسية السورية ، فأهميتها بالنسبة للرئيس تكمن في توجيه رسالة سياسية لمن يصنفهم بـ" أعداء سورية"، بأن الشعب السوري، بغالبية العظمى، يؤيده ويقف معه، وليس ضده كما يدعي أعداؤه، وبالتالي فإن شرعيته كاملة غير منقوصة. لقد هزمت الانتخابات السورية بحسب منطوق الرئيس جميع أعداء سورية وشعبها، وهم في الداخل السوري كل " من نأى بنفسه عن المعركة...ومن وقف ضد رغبة الشعب[كذا] بمقاطعة هذا الاستحقاق الوطني الأهم، أو دعا إلى مقاطعته وتأجيله.." كل هؤلاء كان موقفهم " مطابقاً تماما لموقف أعداء الشعب " بحسب قوله. ومع أن مقاطعة الانتخابات، أو طلب تأجيلها هو حق ديمقراطي طبيعي، فإن وضع كل من قاطع أو طالب بالتأجيل في خانة "أعداء الشعب "، يجعلهم لا يستحقون وطنهم ولا يستحقون " العيش فيه.. ". هذا يعني ببساطة أن نحو أربعة ملايين سوري من الذين خرجوا من بلادهم بعد أن أرغموا على ذلك لن يعودوا إليها، فالبلاد " تنظف نفسها من هؤلاء..". . وقد شمل تهديده الصريح " أعداء الشعب "، من المقاطعين وطالبي تأجيل الانتخابات، بأن لا مكان لهم في سورية!! لا ينسى الرئيس السوري أن يتوقف مطولا عند ظاهرة انعدام الأخلاق في المجتمع والتي يعدها " الأساس الأخطر الذي بنيت عليه الأزمة" في البلاد بحسب رأيه، ولا ينسى أيضا أن يتوقف مطولا عن ظاهرة الفساد في البلاد، وخصوصا، الفساد " المالي والإداري " منه، والذي يعده أساس " الفساد الأخلاقي "، وكلاهما معاً ينتجان " الفساد الأخطر وهو الفساد الوطني..". بالطبع الرئيس السوري ينسى أن نظامه يحكم سورية منذ قرابة خمسة عقود، وإن الفساد الذي يتحدث عنه هو نتاج نظامه، إنه أسلوبه المعتمد في إدارة الدولة والمجتمع. لكن بعيداً عن الفساد ورؤية الرئيس السوري له، وبعيداً عن تهديد الرئيس السوري لدول عديدة دعمت الإرهاب بحسب قوله بأنها " سوف تدفع ثمناً غالياً.."، وبعيداً عن انتقاداته اللاذعة لكثير من الدول العربية والإقليمية وخصوصا دول الخليج العربي، بل وبعيدا عن شكره بالاسم لحزب الله وإيران وروسيا والصين، فإن ما يهم السوريين هو رؤيته للخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد . في هذا المجال لم يترك الرئيس السوري مجالا للتكهنات، بل كان واضحا تاماً. فمنذ بداية الأزمة أراد السير في مسارين متوازيين: "ضرب الإرهاب، والقيام بمصالحات محلية". فمنذ البداية لم يكن هناك حراك شعبي سلمي يطالب بالإصلاح ومن ثم بالتغيير بل إرهابيون يستحقون الضرب فقط على حد قوله. الغريب بالأمر إذا كان النظام قد اعتمد المصالحات المحلية منذ البداية لماذا لم يستمع إلى طلبات المتظاهرين التي وصل هتافهم بها إلى عنان السماء؟!! رغم أنها كانت تستهدف إصلاح النظام في البداية، وليس إسقاطه. لقد قال الرئيس، وهو صادق في قوله هذا، أنه منذ البداية كان " على قناعة تامة أن الحلول الناجعة هي حلول سورية بحته، لا دور لغريب فيها..". وأن هذه الحلول تبنى " على المصالحات الداخلية التي أثبتت فعاليتها في أكثر من مكان" بحسب رأيه، رغم أنها في حقيقتها لا تعدو كونها مصالحات أمنية وليست سياسية. ويستدرك الرئيس ليقول مع ذلك فإن هذه المصالحات "لا تتعارض ولا تحل محل الحوار الوطني الذي بدأته الدولة( أين ومتى؟) مع مختلف القوى السياسية والحزبية والفعاليات الاجتماعية.." وأن هذا الحوار سوف يستمر فيه " بانفتاح تجاه كل الأفكار"، فهو لا يرتبط " بالظروف الراهنة التي تمر بها البلاد.." بحسب رأيه، بل هو حوار حول "مستقبل الوطن وشكل الدولة في كل المجالات..". إن هذا القول للرئيس السوري الذي نستحسنه، والذي كانت المعارضة السورية بمختلف فصائلها وقواها قد طالبت به في بداية الأزمة، وإن قسما مهما منها لا يزال يؤمن به وبضرورته ، فهو اليوم لا يشمل " القوى التي أثبتت عدم وطنيتها" بحسب قوله، فتهربت من "الحوار في البدايات"، أو تلك القوى التي " راهنت على تغيير الموازين.."، لكنها غيرت اتجاهها كي " لا يفوتها القطار.."، وتلك القوى التي " ادعت الوطنية والخوف على البلاد" لكنها عملياً أمنت " الغطاء للإرهابيين..". واستثنى من الحوار أيضاً ما أسماها بـ " القوى العميلة "، وكل من لم يشارك معه في حربه لأنه " خائن لوطنه " من وجهة نظره. باختصار الحوار الذي تنشده السلطة كما كان في البداية سوف يكون في النهاية مع الحاشية والمريدين فقط. لقد دفن الرئيس السوري في خطاب توليه الرئاسة للمرة الثالثة، مسار جنيف التفاوضي، الذي لم يؤمن به يوما" بل وكل مسار تفاوضي لا يكون هو مقرره وراسم لحدوده، ومحدد لأهدافه، وآفاقه.
#منذر_خدام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظام يجيد تفويت الفرص
-
الانشقاقات المعاكسة
-
هل يقبل الشعب السوري بقاء النظام من جديد
-
غزوة - الأنفال- في الساحل لاسوري
-
مسار التفاوض الموازي
-
أزمة أوكرانيا امتحان للقطبية الروسية
-
مشروع دستور للجمهورة العربية السورية
-
اعادة احياء البنى الأهلية في سورية
-
تفكيك النظام السوري
-
مركزية الرئيس في النظام السياسي السوري
-
مشروع دستور مقترح
-
السياسة عندما يرسمها الأمنيون
-
مؤتمر جنيف2 وأراء الناس به
-
المعلن والمستور في الخطاب الدبلوماسي الأمريكي
-
جهل مركب أم حملة إعلامية ظالمة
-
الواقعية السياسية تنتصر أخيراً
-
أوهام تعاند السقوط
-
مؤتمر جنيف2 وسقوط الأوهام
-
حظوظ مؤتمر جنيف2 بين النجاح والفشل
-
ويبقى للتاريخ قول....
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|