نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1280 - 2005 / 8 / 8 - 11:08
المحور:
كتابات ساخرة
هل التخلف والطغيان والاستبداد آفات كالطاعون والكوليرا والإيدز تنتقل بالتلاقح بين الشعوب والأمم وتصبح كالوباء الذي يجتاجها ويهددها بالديكتاتورية والإنقراض؟وهل انتشرت عدوى الطغيان والقمع والتعسف والقوانين العرفية في بريطانيا وتجلت بحزمة من القوانين التي تشابه مثيلاتها في محميات الظلام؟وهل وصلت رسالة بن لادن الحضارية وملالي الطالبان إلى قلب عاصمة الضباب لتخترق تلك المجتمعات المحصنة بشتى أنواع اللقاحات الديمقراطية ضد مختلف الأوبئة السياسية وكانت أقوى من كل تلك المضادات والصادات الحيوية؟ وهل هذا الداء في أوج انتشاره هذه الأيام مع الإجراءات التي أعلنها,ويزمع تطبيقها توني بلير متنكرا لكل ذاك التاريخ الزاهي من ممارسة الديمقراطية ؟ ويعتبر ذلك تخليا واضحا- حسب رأي أحد نجوم الإرهاب(حرسه العزيز القدّار)- عن حقوق الإنسان, وانضمام بريطانيا لنادي الدول التي تنكر "حنة الحقوق وأثرها". ألم يثر الظهور المتكرر لإيان بلير اليومي على شاشات التلفزة البريطانية شجون وأحزان المواطن العربي لتذكره بالظهور الدائم لجنرالا ت الرعب والقمع على الشاشات أولئك الذين يسيّرون دفة الحكم بـ"الجزمة" العسكرية والهراوة والبسطار ؟ وكان قد سبقه لهذه الإجراءات معلمه وسيده جورج دبليو بوش , فماذا تختلف وزارة الأمن الوطني الأمريكية عن أي فرع من الفروع الأمنية صاحبة السطوة والقوة واليد الطولى في ترويع السكان الآمنين الخائفين من رعب الإعتقال التعسفي,وزج الأحرار في المعتقلات بدون محاكمة وأسباب؟وهل ستؤدي هذه الإجراءات وتوابعها إلى حملة من نشطاء المجتمع المدني ,والمطالبين بحقوق الإنسان الانكليز للتخفيف من وطأتها على المواطن البريطاني يوما ما ,وبذلك تكون عدوى الشمولية ,وجرثومة التسلط والطغيان قد انتفلت أخيرا – وبحمد الله –إلى بلاد شكسبير ,وسنطالب أحبابنا الإنجليز بـ"اللحلحة والنحنحة" والقيام بالإصلاح ,وما حدا أحسن من حدا في آخرة النهار.
فهل سيكون هناك ربيع موؤود لنيويورك, وآخر للندن, وثالث لباريس, ورابع لروما,ويكون مصير دعاته وفرسانه السجن والنفي والإبعاد ,وسيُضرب جورج غالاوي عن الطعام في سجن أبو زعبل "تبع "الإنجليز طبعا ,وتمنع عنه الجرائد وزيارة السيدة والدته له ,والمستر ابن خالته,وصديقه الحميم ,في آن ,أبو إلياس, وسنخسر عند ذاك –وبكل أسف- قوافيه التي تتغزل ببطل القادسيات؟وهل سيكون هناك معارضة بريطانية في الخارج تضم كافة أطياف اللون السياسي بما فيهم أبو عكازة,وأبو عمامة, وأبو قتامة والشيخ الجليل علامة بن أبي جهل(الذين سيفرون طبعا من حالة الأحكام العرفية لأنهم تعودوا -وياعيني عليهم -على الديمقراطية),مع جون,وجورج ,ودافيد بن يتسحاق مو داير بالو,في نفس الوقت, باعتبارها معارضة علمانية وليبرالية؟
هل سيصبح الهايد بارك مجرد ذكرى من ذكريات الماضي التليد البريطاني كمنبر لحرية التعبير عن الرأي, وشاهد على مد الحرية وازدهارها يوما ما في عاصمة الضباب ,وسيكون هناك مبايعات بالروح وبالدم ,ومسيرات تأييد شعبية مليونية للساكن في عشرة داونينغ ستريت,وسيتم التمديد لبلير زعيما ملهما ,وقائدا متفردا, وحكيما متفوها مدى الحياة, وسيحكم بالحديد والنار, ويركب سيارات الشبح المصفح من عيون الحساد- كش برة وبعيد - والمعارضين الأشرار,ليطيح به جنرال آخر في نهاية المطاف وهو يحج ذات يوم إلى كنيسة المهد في أرض الميلاد كما حصل مع جنرال من سليلي الأمويين مؤخرا؟وهل سيصبح الخفراء والعرفاء وحملة رتبة الشاويش في بريطانيا هم نجوم المجتمع البارزين وأصحاب الملايين الملهمين الذين يتحكمون بالاقتصاد والثروات؟ والسؤال الذي يثيره الآن "عتاولة " القمع البريطاني ,والباحثون في شؤون الديكتاتورية الإنجليزية الوليدة, كيف انتقل هذا الفيروس القاتل وجرثومة التطرف والأصولية ويطالبون ,ومن الآن, بحجر صحي على كل من يود الدخول إلى بلاد الفرنجة والأمريكان الكفار للتأكد من خلوه من كافة الأمراض والعلل الشمولية السارية والمعدية والتي حملها رسل المحبة والسلام من ورثة إمارة الطالبان؟
وبعد ذلك كله ,هل سيقوم نشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني البريطاني بزيارة إلى مسقط, وصنعاء, ونواكشوط ,وطرابلس الغرب ,وجيبوتي لشرح أوضاعهم أمام قادة هذه الدول,وإلقاء كلمات أمام البرلمانات ,ومجالس الشوربا – عفوا الشورى-المعيّنة من الأبواب السامية العالية يشرحون فيها معاناتهم , وطلب يد العون والمساعدة منهم لتحريرهم من قوانين الطوارئ والأحكام العرفية التي تطبق عليهم وتكبلهم, والإطلاع على تجارب هذه الدول الديمقراطية في مجال قمع الحريات وأكل ,وبلع ,وعدم هضم حقوق الرجال والأطفال والنسوان على حد سواء؟
ولكن يعتب البعض على بلير عدم ارتدائه البذة الماريشالية مثل بقية "الشباب" وحمل عصاها والتلويح بها أمام الجموع الهاتفة في ميدان الطرف الأغر بالروح بالدم نفديك يابلير,وفعلا كان تصرفا غير مقبول منه ,كما أكدت بعض الأوساط التي تفهم في "إتيكيت"وأصول الديكتاتوريات,وتقاليد الشموليات ,ولكن نحا البعض منحى الصفح عنه كونه غراً وحديث العهد بالتجربة الشمولية وهذه العنتريات,وبسبب عدم توفر النية السيئة لديه مسبقا ,والله أعلم ,على كل حال . ألم يتم التمديد لجورج بوش وبلير وانتخابهم ,ورغم أنف المعارضين للحرب على العراق,كزعماء ملهمين يقودون حربا مقدسة ضد الإرهاب ,ولو استمر الحال على ما هو عليه –وبمعية فقهاء الإرهاب إن شاء الله- فسيتم انتخابهم رؤساء مدى الحياة تماما مثل بعض أصحابنا في الدول التي أنهكتها آفات التسلط والطغيان؟
وسيكون هناك حظر إلكتروني, وستشفر بعض المواقع التي تتحدث بالسياسة والقيل والقال والعياذ بالله, وتتطاول على المعصومين من الزعماء الانجليز ,فيما ستفتح مواقع السكس والاستهبال أمام الجمهور الغلبان,وستصادر أعداد من الإيكونوميست ,والدايلي تلغراف ,والغارديان,وتغلق الميرور بسبب كاريكاتير يتطاول فيها على الرفاق المناضلين من زملاء بلير في مهمته الدقيقة في المرحلة المصيرية.وسيكون هناك قانون للعقوبات – عفوا - للمطبوعات فقط للتمجيد ببلير وشلة الأنس من أنسباءه الأبرار, وستنتشر دوريات المخابرات في شوارع وحارات لندن ومانشستر وبيرمنغهام على الدوام,وتراقب التلفونات ,وتحصى الأنفاس,وتنتهك الحريات,وستُحل كل النوادي والجمعيات ,وتحظّر كل الأحزاب ,ويهاجر البريطاني لطلب حق اللجوء السياسي في الصومال ,وإريتريا ,وبورما, وأوزبكستان ,ويعيش على الصدقات التي تقدم له من زكاة الفطر والمحسنين الكرام الذين يرفلون بنعيم الظلم والاستبداد . وستطلق بريطانيا حملات عامة في دارفور والقاهرة وكمبالا وقندهار لتحسين صورتها أمام الرأي العام العربي والعالمي الذي سيخدش حيائه السياسي من هكذا ممارسات.وستزور لجان التفتيش وتقصي الحقائق وأعضائها من كمبوديا ,وسورينام ,وصعيد أفغانستان ,وبدو تركمانستان سكوتلندا لدراسة واقع السجون ومدى مطابقتها للمواصفات المثالية الموجودة في فيافي الرعيان,وأحراش الظلام ,وغابة الكواسر والذئاب.
وسيذهب رسل السلام ودعاة الإصلاح من أصحاب الدشاديش والجلابيب والعمامات الرعيان في زيارات مكوكية للضغط على بلير لتقديم تنازلات في مجال حقوق الإنسان ورفع حالة الطوارئ,والطلب منه القيام بإصلاحات جذرية تعيد الإنسان حتى ولو للحقبة الجاهلية الغنّاء.وسيقف الإنكليز طوابيرا طويلة أمام سفارات ليبيريا ,وزائير ,والصين ,وفييتنام للهروب من جحيم الشموليات الغربية إلى جنات عدن الديمقراطية في الشرق .
كل من قال , ويقول,ويتجنى بأننا لم نساهم في الحضارة البشرية هو مجانب للصواب وكلامه مردود عليه, وهاهي الإجراءات وقوانين التعسف التي تسن في غير مكان أكبر دليل لدحض هذا الزعم والافتراء ,فها نحن نقوم بتصدير الإرهاب ,والديكتاتورية وبشائر الطغيان ,ونشر سحب الظلام فوق عواصم النور والتألق والضياء.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟