|
موقع التصوف في الفكر الفلسفي العربي الاسلامي ( الحلقة الأخيرة).
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 4532 - 2014 / 8 / 3 - 16:20
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
التطور في الاشكال التنظيمية للصوفية: نظرنا سابقا في الفكر الصوفي ولاحظنا أنه كان يتطور مع التحولات في المجتمع وتبدل اوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وكان في تفاعل مع الثقافات الأخري للشعوب التي اتخذت الاسلام منهجا وودينا في الحياة وربطته بتقاليدها وخصائها المحلية. استمر هذا التحول والتراكم المعرفي الصوفي حتي كانت القفزة بقيام الطرق الصوفية بهدف ربط الفكر بالعمل واتخاذ اشكال تنظيمية تساعد في تحقيق اهداف الصوفية وتوسيع نشاط المتصوفة في المجتمع. بدأت هذه الاشكال التنظيمية تظهر بصورة جلية عندما قام ابوهاشم الصوفي(ت 150 ه )والذي كان يلقب بالصوفي من انشاء اول تنظيم صوفي في مدينة الرملة بالشام والرباط ، اتخذ هذا التجمع الصوفي اسماء مختلفة مثل " الرباط" ، "خانقاه: وهي كلمة فارسية" ، "الزوايا" ومازال هذا الاسم سائدا في بعض مناطق السودان مثل عطبرة التي تشتهر بوجود زاوية لكل طريقة من الطرق الصوفية في اغلب احيائها، "التكايا" كما عند البكتاشية ،ومازال اسم التكايا يطلق علي بعض مراكزالصوفية في السودان. ان قيام الطرق الصوفية كان محاولة للاستقلال عن الفلاسفة والعلماء واتخاذ مناهج وطرائق جديدة في التفكير والعبادة، ومن امثال تلك الطرق الصوفية : • تلك التي اشار اليها السراج (ت 378ه) في كتابه اللمع الاباحية ، والتي كانت تعتقد الاباحة . • وطريقة اخري كانت تري انوارا الهية مثل فرقة "الحبية" ، و"الا وليائية" و " الحلولية " ، " والواقعية " ،" والاباحية " ...الخ ، كما ذكر محمد الماتريدي ( ت 493ه ) . • كما ذكر فخر الدين الرازي (ت 606 ه )فرق النورية، والحلولية،والاباحية. • اضافة الي اصحاب وحدة الوجود والاتحاد والحلول والوحدة المطلقة. • كما اتخذت الطرق الصوفية عي اختلاف تنوعها تعاليم عامة التزمت بها الطرق مهما كانت تسميتها ، ومكان وجودها ، اهم هذه التعاليم : 1- الاحتفال بدخول المريد أو الحوار في الطريقة بطقوس دقيقة مرسومة علي أن تهيأ لها نفسيا 2- التزي بزي خاص . 3_ اجتياز المريد لرياضات شاقة في الخلوة والصلاة والصوم . 4- الاكثار من الذكر مع الاستعانة بالموسيقي والحركات الايقاعية البدنية التي تساعد علي الوجد ، كما هو الحال في الاحتفالات الموسمية للطرق الصوفية في السودان والتي تتميز بايقاعتها المعينة من ضرب للطار والنوبة وغيرهما من الايقاعات مصحوبة برقص جماعي، وقد اسهمت تلك الاشكال في انتشار الطرق الصوفية في السودان وتوسيع رقعة الاسلام داخله. 5_ الاعتقاد في القوي الروحية الخارقة للعادة التي تصدر من المريد والشيوخ أثناء الذكر والتي تمكنهم من اكل الحجر ، والتسلط علي ارادة الثعابين السامة وقراءة الافكار والاخبار بالغيب ، ولقد درسنا في مؤلفي "لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي" الاشكال المختلفة للقوي الخارقة للعادة أو "الكرامات" كما يطلق عليها في السودان كما وردت في كتاب "طبقات ودضيف الله " 6_ احترام المريد للشيخ الي درجة تقترب من التقديس والطاعة العمياء. • واهم هذه الطرق الصوفية التي اتخذت اشكالا ومناهج تعدلت مع التحولات في المجتمع مثل : 1_ القادرية : : وهي اولي الطرق التي تنسب الي الشيخ عبد القادر الجيلي (ت 561 / 1166 م) والتي كانت تتسم بالتساهل وعمل الخير. وانتشرت في معظم انحاء العالم ، ووصلت الي السودان من المغرب ، وانتشرت في ربوع السودان المختلفة ، وتطور تنظيمها مع تطور المجتمع. 2_ الرفاعية: تنسب الي السيد أحمد الرفاعي (ت 570 /1173 م) ، ومريديها يعتقدون في القوي الخارقة مثل : ابتلاع الحجر والافاعي الحية والزجاج أو خرق اجسامهم بالمسلاة والسكاكين ، وأنهم يلقون بأنفسهم من رؤوس النخيل فلا يصيبهم ضرر لايمانهم بالقدرات الخارقة التي تأتي بواسطة كتاب " الحجاب: كما في العامية السودانية" والتعاويذ المعينة، ولقد رأينا في معركة كرري 1898 م في امدرمان بالسودان كيف كان انصار المهدي يعتقدون بكتابة الحجاب الذي يقيهم من الرصاص، ولكن حصدهم الرصاص حصدا ، وتمت الهزيمة في موقعة كرري التي استخدم الانجليز احدث الاسلحة النارية مثل مدفع المكسيم، وبذا تم اسدال الستار علي دولة المهدية ، وتمكن الانجليز من استعادة السودان ووضمه الي امبراطوريتهم الاستعمارية ، وتبددت تلك الاوهام والخرافات. 3_ المولوية: وتنسب الي الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي (ت 672 / 1273 م) ، وكان في طريقته خروج علي المأثور من تقاليد الصوفية ،بافراده للموسيقي مكانا في تعاليم طريقته، وتشجيعه الناس علي العمل او اتخاذ الحرف. وكان من الذين تغيرت اوضاعهم الطبقية بارتباطه بالبلاط السلجوقي الحاكم ، واصبح يدافع عن النظام الحاكم ، وتخلي عن الانحياز للفقراء والمساكين ، مما ادي ببعض الصوفية للثورة عليه واتهامه بخيانة مبادئ الصوفية والانحياز للارستقراطية ، وقاموا بثورة مسلحة ضد الدولة التي تحالف معها الرومي ، وهذا شكل جديد من اشكال اثر التحولات الطبقية في قادة الطرق الصوفية نفسها. 4_ البابائية : وهي تنسب الي شيخها بابا اسحاق الكفر سودي ( من قرية كفر سود حلب )، وتفرعت منها في تركيا طريقة البكتاشية المنسوبة الي محمد الخراساني الملقب بالحاج بكتاش ( الكبير )في القرنين السابع والثامن الهجريين ، وقد اعتمدت تلك الطريقة علي التشيع في تكوين عقائدها كما تأثرت بالمسيحية في طقوسها الأخري مثل الاعتراف ، وهذا يوضح أثر المسيحية علي تطور الفكر الصوفي نفسه. 5- النوربخشية : وهي تنسب الي محمد نور بخش ( واهب الأنوار )، وهي تطور جديد في الاهداف السياسية حيث طرحت فكرة المهدية لتحقيق تلك الأهداف ، وقامت بثورة صوفية سنة ( 828 ه ) وتوفي عام( 869 ه) ، وكان جوهر دعوته أنه (المهدي المنتظر ) الذي سوف يملأ الارض عدلا بعد أن ملئت جورا. ولقد اعتمدت علي منهج اشراقي واضح متفاعل بالافكار الفلسفية والكلامية التي سبقت فكرة الانسان الكامل المقترن بالامتياز العلوي علي هذه الطريقة . 6_ هناك حركات أخري مثل : طريقة " النعمة الالهية " التي تنسب الي نعمة الله الولي ( ت 832 ه) ، علي الرغم من اعتقادها في المهدية ووحدة الوجود ، الا أنها لم تعتمد تاكتيك العمل المسلح لتغيير النظام ، بل اكتفت بالتبشير. اضافة الي طريقة أخري وهي طريقة (المشعشعين) التي قام بها محمد بن فلاح الموسوي (ت 866ه ) والتي اعتمدت علي فكرة الانسانية الكاملة والقطبية وفكرة ختم الاولياء علي منهج حلولي شيعي مستخدمة وسائل الاتصالات السابقة في اظهار الكرامات ( كالرفاعية) وهي تحت تأثير الشعشعة ، أي الذكر الصوفي الخالص . وهناك طريقة أخري نجحت في تحقيق أهدافها السياسية بالوصول للسلطة وهي الطريقة الصوفية علي حساب الدولة العثمانية مستفيدة من أفكار المهدية والقطبية للنور بخشية والمشعشين ، ونودي باسماعيل بابا للمهدي مثل الانسانية الكاملة. اضافة الي طريقة أخري تبنت المهدية مثل : الشاعر نسيم البغدادي المقتول الذي تبني الطريقة ( الحلوفية ) في بلاد الشام. وكذلك حركة بن تومرت (485 ه – 524 ه ). 7_ الطريقة السنوسية: وهي تطور جديد في استخدام العمل المسلح في مقاومة المستعمر ، والتي أسسها ( محمد بن علي السنوسي ) حيث شرع يطبق دعوته في برقة الصحراء حيث أسس أول زاوية ( الزاوية البيضاء) في برقة ثم جعل مقامه الرئيسي من واحة بالقرب من واحة سبوة اللليبية، وكانت تعتمد الزاوية التعاليم الآتية: أ_ مركز للثقافة والتنظيم الصوفي ، ب_ يقوم عليها مقدم هو القيم علي شؤونها وهو المسؤول عن شؤون قبيلته وتوجيهها. ج_ ويليه وكيل الدخل والخرج المسؤول عن الامور الاقتصادية، د _ علي كل عضو من أعضاء الزاوية أن يتبرع بحراثة يوم وحصاد يوم ودراسة يوم الرخي الزاوية مما يسهل عمران الزاوية ، ه_ تستقبل هذه الزاوية الفقراء والسابلة والمحتاجين والغرباء حتي انتشرت هناك ما بين ( 120- 300 زاوية ) ، ومما يذكر أن البطل عمر المختار كان شيخا لزاوية ( القصور) قرب بنغازي. و_ نشرت الدين الاسلامي في مجاهل قارة افريقيا ، وكان من تعاليم السنوسية: * التخلي عن تقاليد الطرق الصوفية الأخري في الذكر والاكتفاء بتلاوة القرآن والتقشف والتسامح، * _ تنقية الاسلام من الشوائب ، * التمسك بالنهج الايجابي في العمل والحياة، والاعتماد علي الجهد والعمل المنظم بدل الركون للخمول والخرافات ، والتخلي عن الاعتقاد بالكرامات والاساطير ، والاستفادة من العلم الحديث في مواجهة معضلات الحياة. وكانت الطريقة المهدية قد سارت علي خطاها ، وهي الطريقة التي أسسها محمد احمد المهدي في السودان، وقام بثورته المشهورة ضد الاستعمار التركي للسودان. هذا اضافة للطريقة البدوية والشاذلية التي كانت لها تمارس طقوسها في اغلب انحاء العالم الاسلامي ، والتي كان لها وجودها في السودان.
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موقع التصوف في الفكر الفلسفي العربي الاسلامي(3).
-
موقع التصوف في الفكر الفلسفي العربي الاسلامي (2).
-
موقع التصوف في الفكر العربي الاسلامي
-
كيف تناول الحزب الشيوعي السوداني قضية المرأة؟
-
كيف تناولت الماركسية قضية المرأة؟
-
عزيزاتي واعزائي كتاب وقراء الحوار المتمدن.
-
رسالة الي قراء الحوار المتمدن - شكر وتقدير
-
تاج السر عثمان - عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني -
...
-
تعقيب علي د. سلمان محمد احمد سلمان: موقف الحزب الشيوعي السود
...
-
يسألونك عن البديل لزيادة الاسعار؟
-
الزيادات في الاسعار .. مزيد من افقار وارهاق الجماهير
-
لا للتدخل الامريكي في سوريا
-
تفاقم أزمة النظام والدعوة الي الحوار
-
الاحداث في مصر: العنف والارهاب مصيره الي زوال
-
صفحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني: الصراع الفكري عام 195
...
-
ثورة أم انقلاب : قراءة في التجربة السودانية
-
في الذكري ال 42 لانقلاب 19 يوليو 1971م
-
الثورة المصرية تدخل موجة جديدة من تطورها
-
التمايز الايديولوجي بين الشيوعية واليسار
-
الذكري 24 لانقلاب 30 يونيو 1989م
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|