|
الربيع العربي إلى أين ..عَود على بدء..
مسَلم الكساسبة
الحوار المتمدن-العدد: 4530 - 2014 / 8 / 1 - 09:21
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
... وبالنسبة للحركة الجماهيرية العربية في مطلع هذا العقد والتي عرفت بالربيع العربي .. ازعم مرتاحا لصدق زعمي كوني تابعت ، بل كنت ممن شارك بالدفع باتجاه شحن الجماهير ضد الاستبداد والفساد والذي هو الأب الشرعي لمعظم مظاهر تخلفنا وانحدارنا ، وكان ذلك في وقت مبكر جدا قبل انطلاق حركة الربيع العربي بتونس بسنوات طويلة ، وهذه مدونتي التي أنشئت وعنونت لذات الغرض منذ 2006 ، أي قبل انطلاقة الربيع بحوالي 6 سنوات ، حيث أسميتها منذ إنشائها عام 2006 بـ " جياد الإصلاح في العالم العربي" وهي تسمية تشير لمضمونها والقصد من إنشائها وأهدافها بشكل واضح ، وقصدت به تحديدا إصلاح النظم السياسية ومنظومة النفوذ والقوة والفساد المنبثقة عنها والتابعة لها ..وهو ما يتضح أيضا - إضافة لعنوانها - من خلال محتواها والمقالات التي تضمنتها المدونة .. وقد استمرت الكتابة بها منذ 2006 وحتى نهاية 2011 حينما أوقف الموقع المستضيف نفسه خدمات التدوين ..وكما يظهر فإن آخر مقالة بها هي بتاريخ : 18/12/2011 في ذكرى انطلاق الثورة التونسية ، وهي نفسها ذكرى وفاة بوعزيزي تونس نفسه . رابط المدونة : http://blacksteed.arabblogs.com/reform/
بل وقبل إنشائها كمدونة شخصية وصفحة خاصة بي كنت كتبت في مواقع أخرى متفرقة مثل : إسلام اون لاين" المنتديات " وانصبت معظم النقاشات حول ذات الاطروحة المتمثلة في شحن الجماهير ضد الاستبداد ، و الجزيرة نت وتحديدا في" حلقات النقاش " محورا كاملا حول فقه وتأصيل أطروحة تمكين الشعوب من السلطة والقرار والمقدرات ، والذي يختصره مصطلح "ديمقراطية" ، والمقالات محفوظة لدي على أقراص مدمجة بصيغة هايبر تكست كصور كاملة بشعار الجزيرة نت نفسها..إذ لم اعد أجد المقالات نفسها على موقع الجزيرة نت بدورها .. إما لأن حلقات النقاش ذاتها الغيت أو تغير الرابط الخاص بها ..لكنها –أي الكتابات – على أي حال محفوظة لدي كما ذكرت . وكلها انصبت حول ذات الأطروحة .
أقول بصفتي مهتما ومتابعا منذ وقت مبكر ، بل واعتبر نفسي بمعنى ما مشاركا بالدفع باتجاهه استطيع أن أؤكد أن حركة أو ما اصطلح على وصفه بحراك الجماهير العربية ، كان حراكا عفويا نظيفا خاليا من أية شوائب .. وانه حراك دفع إليه ما قاسته وواجهته تلك الجماهير من مصائب الاستبداد وتخلف النظم السياسية التي تحكمها ، وشعورا منها أن تلك المعاناة والتخلف هي بسبب تخلف أساليب الحكم بالدرجة الأولى وما يعتورها من فساد وتسلط واستفراد بصناعة القرار التي هي صناعة كل الصناعات ..
لكن الاستبداد الذي نهب منهم أوطانهم ومقدراتهم لم يأل جهدا في أن ينهب منهم بدوره ربيعهم ذاته ، ثم يمتطيه ويلوي عنانه باتجاه أغراضه الخبيثة ، وهو ما زال يحاول ، لكن الجماهير ما زالت تدير صراعها الطويل معه وتدرك أن المعركة طويلة .. تربح جيبا هنا وتخسر جيبا هناك لكن النصر حتما والمستقبل لن يكون لجانب الفساد والاستبداد بل لجانبها.
أقول هذا الكلام لما المحه بين حين وحين من محاولات بعضها عن اقتناع وحسن نية وبعضها موجه لشيطنة حركة الجماهير العربية ووصفها بأنها موجة موجهة بقصد إثارة الفوضى والخراب ؟! وهو رأي بعيد عن الدقة والصواب .. لا أنكر أن المستفيدين في وقت لاحق ركبوا موجة الربيع العربي وأنشأوا ربيعا موازيا خاصا بهم ومنه تحريك الخلايا النائمة من جماعات التكفير والأصوليات المختلفة ، ومنه التمكين لبعض الجماعات واعتلائها قمة الموجة وإغرائها بخبث ودهاء كبيرين بأن الفرصة قد سنحت لتطبيق فكرها ومنهجها ، والتي بدورها بسذاجة لا تحسد عليها ما كذبت خبر .. مما حدا بالجماهير بدورها لتشعر بخيبة أمل وحملها على أن تقارن بين تلك الجماعات الظلامية الفكر والأداء وبين الأنظمة التي ثارت عليها ، ولتشعر بالتالي أن تلك الأنظمة رغم استبدادها وفسادها كانت ارحم ، وهو مكر خبيث من دهاة الاستبداد ومن القوى التي دبرت ومكرت لها حين وجدت أن وصول تلك الجماهير للسلطة ليس في صالحها وإن كانت في الظاهر تتباكي على غياب الحرية والديمقراطية في العالم العربي .وأن من مصلحتها أن تفزع لتلك الأنظمة للتمكين لها ومساعدتها على الاستمرار ، لان وصول الجماهير للسلطة يعني أول ما يعنيه كف أيدي تلك القوى عن التحكم والهيمنة بالمنطقة إلا كأنداد متساوين ، وهو أيضا يعني احتمالا كبيرا لنشوء وحدة عربية كبرى لا تريدها تلك القوى الماكرة.
الأمور أكثر تعقيدا وتشابكا من محاولة تسطيحها بهذا الشكل والقول أن الربيع العربي كان موجها من قوى معادية لإثارة الفوضى والخراب ..بل الرأي الأوضح صوابه انه كان حراكا عفويا صادقا دفعت إليه رغبة تلك الجماهير للخلاص وطول ما عانت من الفساد والاستبداد والتخلف..لكن تم ركوب الموجة فيما بعد وتم استغلال بعض الجماعات التي كان بعضها ساذجة قليلة الخبرة ، لكن بعضها الآخر كانت جماعات مسيرة مسخرة مدفوع ثمنها ، وبواسطتها تم اعتلاء الموجة وإفساد أو محاولة إفساد تلك الحركة التاريخية الرائعة وتحييرها بدورها لصالح تلك الأنظمة والقوى المتحالفة معها لتنهبها كما نهبت غيرها من كدح ومقدرات هذه الأمة .
وإن الأمر الآخر الذي أسهم في إحباط حركة الجماهير العربية ولو إلى حين هو الفراغ العلمي التقني الذي تعاني منه الأمة والذي خلق فراغا معرفيا حضاريا ثقافيا متشعبا عمق ورطة الأمة مع قوى التخلف والاستبداد ومكن لها .. بحيث انه كلما هدم عرش طاغية وأطيح بنظام مستبد لم تجد الجماهير مشروعا جاهزا ليملأ الفراغ فيقفز الإسلام السياسي والقوى الإسلامية مرشحة نفسها لهذا الدور والتي هي في الحقيقة بدورها لا تملك مشروعا ناجزا ناضجا ينسجم مع روح العصر والمنجز الحضاري الإنساني الكبير لتقدمه للجماهير كحل وكبديل مُرض سوى التغني بأمجاد الغابرين ، فيضطر الناس للقبول بها لعدم وجود غيرها ، لكنها ما إن تحل محل تلك الأنظمة حتى تنكشف ويبدأ التخبط والمشاكل فيبدو الأمر كما لو أن من أطاحوا بتلك الأنظمة قد أخطأوا بما فعلوا ، ثم لا تلبث الأمور بعد المقارنة أن تؤول لأحد حالين : إما الانقلاب على الثورة والربيع والعودة لنموذج مستنسخ من العهد السابق(مصر) ، أو الدخول في فوضى (ليبيا واليمن) ، وهو ما جعل البعض يتهم الربيع العربي بأنه موجه لخلق الفوضى..وهو تحليل وتفسير ساذج مبتسر لا يرقى إلى جذور ولب المشكلة كما وضحناها هنا .
فالجماهير الصادقة في ثورتها والتي ملت من الاستبداد والفساد ولم يعد بمقدورها الصبر هي فعلا كما اذهب هنا وفي جل ما كتبت عن الربيع العربي كانت صادقة وعفوية في حركتها ، لكنها لا تملك مشروعا ناضجا ناجزا خاصا بها ..في حين أن تلك القوى المتلهفة لتلقف ما يسفر عنه حراكها وثورتها هي بدورها قوى تقوم على فكر إما ماضوي أصولي إقصائي متخلف لا يعي مقتضيات الواقع ، سواء كانت هي أصولية دينية أو قومية أو حتى علمانية ، أو هي تقدم طرحا ليس له صدى أو قاعدة جماهيرية عريضة تقبله ويراعي طبيعة الجماهير وانتمائها الثقافي وتكوينها النفسمعرفي ، فهي لا تملك في الغالب الأعم رؤية واضحة ومشروعا مقنعا محكما له صدى وجذورا في التربة ذاتها .. كما أن الجماهير ذاتها بدورها لم تنضج بما يكفي لتقرر ما ذا تريد بالضبط .. إذ ماذا بعد الشعب يريد إسقاط النظام .. ما هو البديل بعد إسقاطه ، وما هو المشروع .. الجماهير لم تع بما يكفي لتدرك أن الهرع للماضي للبحث عن حلول مدبلجة منه لم يعد مجديا في حين أن المشروع المعرفي الحضاري التقني العربي غير ناضج أو مكتمل بعد.. لكن على كل الأحوال فإن حراك تلك الجماهير كان عفويا وصادقا ونبيلا تماما وليس صحيحا ما يذهب إليه البعض في شيطنته واتهامه بأنه موجه لغايات غير بريئة أبدا. على أن هذا لا ينفي -مكررا - أن هناك قوى محلية وخارجية ركبت الموجة وحاولت وما زالت حرف هذا التيار الجارف عن قصده وتطويعه لغايات أخرى مضادة .. لكنها محاولات لا تمس أصالة ها الحراك أو تنفي عنه نبله وعفويته .
#مسَلم_الكساسبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبرة من التاريخ ، عين على الحاضر .
-
أزمة وجودية ومنعطف خطير ..!
-
مقاربة أخرى نحو دولة الحداثة والإصلاح ..
-
فنتازيا على الأرض أغرب من الفنتازيا ..
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(12-3 )
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(12-2 )
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(12-1)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(11)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(10)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(9)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(8)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(7)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(6)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(5)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(4)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(3)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(2)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(1)
-
ميكانيزمات الاستبداد وتحولاته الحتمية.... (2-2)
-
ميكانيزمات الاستبداد وتحولاته الحتمية.... (1)
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|