|
الخارج محطة لجوء ومنهل ابداع
خلدون جاويد
الحوار المتمدن-العدد: 1279 - 2005 / 8 / 7 - 11:57
المحور:
الادب والفن
انقذ توفيق الحكيم المسرح المصري بالتجديد الذي أسبغه على مادته ، فبدلا من المسرح الاضحاكي والابكائي ، على حد تعبيره ، فان الحكيم قد اقحم المسرح الثقافي في خاصة متميزة وذلك عبر " اهل الكهف " و " شهرزاد " و" الخروج من الجنة " وقد انتهل الحكيم من ينابيع اوروبا وترجم وأمد البيئة المصرية بمعين كبير ولذا اسموه استاذ الجيل ، كما دعاه لطفي السيد قائلا له : " انت شيخ طريقة " . ان تقييم الذات بلا ادنى مغالطة او مبالغة هو موقف اخلاقي صحيح ، وان العودة الى الاستشهاد بالشاعر ميخائيل نعيمة وبهذا الصدد بالذات يدفعنا الى التمعن كثيرا ومجددا بما لدى الآخرين . أي ان تشغيل عنصر المثاقفة في الذهن العربي هو كسر لحالة الركود والملل التي تتفشى في الاوطان المختلفة . ففي صدد المفاضلة مابين الشعر العربي والعالمي ، اجترح ميخائيل نعيمة مأثرتي الجرأة والريادة وكذلك فعل السياب عندما أطل على مالدى الآخرين . عايش نعيمة الأدب الروسي والامريكي وهو كناقد قد أعطى رأيه بلا مواربة ، أما بدر شاكر السياب فهو طفرة عبقرية في الشعر العربي اذ انطلق من الجذور ليتألق في جماليات الرتم الموسيقي والتعبيري الاوروبي الحر وانه ليس شتيمة او مثلبة ان ينتهل السياب من اساطير العالم القديم وطقوس البابليين والمصريين والفينيقيين والاغريق ، كذلك الكتاب المقدس وتجربتي اليوت وستويل ، هذا اضافة الى حكايا بلده الشعبية . يقول احمد أمين في مقالة بعنوان بين " اليأس والرجاء " منشورة في الرسالة عام 1933 ، العدد 16 وحول دعاة اللغة والادب :" الأدب الأجنبي أدب الثقافة والفن والعلم ولاشئ من ذلك في الادب العربي ، وان من يشاء ان يفتح عينيه فليفتحها على ادب اجنبي ولغة اجنبية والاّ ظل أعمى " لكن الذي تجذر في الأدب العربي وعايش الآداب العالمية متنقلا بين لبنان وروسيا واميركا وهو متمكن لغويا مثل نعيمة قد كان له الحق ان يكشف عن حقيقتنا ويؤكد حاجتنا الماسة الى الجديد . وهو ليس من ( دعاة الادب ) على حد تعبير أحمد أمين . ان تعلم طرائق مختلفة يفضي الى ابداعات بأبعاد مختلفة . كان ناظم حكمت يكتب ، على سبيل المثال الى صديقه كمال طاهر بأنه يتنقل بين العمود والقصيدة المموسقة والنثر . كل الطروز هي اجناس ادبية ممكن الاستفادة منها . أما التصور بأن القصيدة العمودية هي الجمال النافل الفرد فهذا خطأ أثبتته الحياة . أما اتهام توفيق الحكيم وميخائيل نعيمة وطه حسين والسياب بالوباء وبالعقوق والطعن في كرامات الأجداد فهذه اساليب رجعية دونية . ان نوافذ البيت الكثيرة حالة صحية بينما هواء الأقبية الفاسد هو ( كعب أخيل ) الانسان بل هو مدفن على قيد الحياة . وتندرج تحت هذا الاطار المتحيز والبائس فكرة تفضيل الماضي على الحاضر ، والفكرة على الانسان ، والحزب على الفرد ، والمعتنق على حق التحرر ، والسلفية على المستقبلية . واذا كان كل شئ يقدس الماضي في المصنفات الابداعية فأين اذن الحاضر ؟ اذا كنت اكتب دوما وأبداً عن المتنبي والمعري وأبي تمام فأين اذن ادب الشباب الصاعد ؟ أين آخر اسلوب ادبي وفني ؟ . اذا كان مسؤول الصفحة الثقافية يملؤها بالاسماء القديمة فأين نحن المساكين واين اسماؤنا واسهاماتنا ؟ نحن الحاضر برؤآه وتمرداته وحنينه الجديد الى الابداع الفذ المتألق المشرف على القادم والغريب ؟ ... هذا مثال مجرد وبقية القضايا حتى السياسية والفلسفية منها تنطبق انطباقا تاما . خذ بأيدينا يارب وانقذنا من الادمغة المتحجرة . وفيما يخص مغترباتنا وعلى الرغم من حالة الارتباك النفسي التي اصابتها ، فان حاجتنا يوما بعد يوم " هذا اذا ظل المنفى وجودا متصلا بالعراق ولم يعد برمته اليه " لتزداد الى تأسيس اختصاص يضطلع بما هو جديد واعني بالآداب العالمية ، فلا شئ في صحافتنا عن ادباء الدول التي نعيش فيها . هل نحن أقل قدرة عن استيعاب لغات الآخرين والتجذر في تراثهم وفولوكلورهم وتاريخهم السياسي ، أم أن المنفى مايزال غضرا ومرفوضا في آن ؟ أم أن انشغالات الأديب تبقى بحدود الكتابة الصحفية في الشأن العراقي . ان مفهوم المنفى لا يتقاطع على الاطلاق مع الاندماج الأدبي والفكري عموما . لدينا لا شك نشاط ملحوظ لهذا الاديب أو ذاك من الذين عكفوا على الترجمة الاّ انها نزرة وقليلة . باختصار نريد ان نعرف عبر مثقفي منفانا العراقي حجم استيعابهم للمحيط المعاش منعكسا في ترجمات ولقاءات وكتابات تحليلية . واذا لم يحدث هذا سابقا بما فيه الكفاية فان استيعابهم للغات عالمية عديدة لا بد ان تدفعهم الى الانتهال من علوم وآداب بني البشر جميعا ولفائدة وطننا العراق . ان هذا الجسر بالعالم لم يجر تشييده بعد ، وهو جدير بالتشييد قريبا وقريبا جدا ومتى ما توفر السلام تنتعش الحياة والآداب ولكن :
" متى يبلغ البنيان يوما تمامه اذا كنت تبنيه وغيرك يهدم " ؟ ...
السياب المترجم ونازك الملائكة وسواهما كانا من الطليعة الادبية المبدعة والرائدة في العمل الترجمي والابداع الشعري وهما مفخرة جديرة بكل احترام وتخليد . طه حسين ، الذي قرأ الديكارتية وغيرها واعجب بالشعب الفرنسي المغرم بالتحليل والاستنتاج ، على العمى منه ، قد كان الأديب الفرد القادر على هز شجرة التراث العربي واسقاط اليابس منها والتشكيك ببعض الأصالات فيها . ونحن كم علينا ان نتضافر جهودا من أجل مد وطننا القاصي في دنوه والداني في تنائيه ، بالكلمة الشافية والامثولة الغالية والحركة الترجمية والروابط الادبية ، وتشكيل اجهزة اجتماعية تعد لارضية العودة والحفاظ على الجذور ، وتتناسغ على اصعدة التطور الفكري والمادي وتعمل على مقاربة ذهنية مابين ماهو من الماضي وماهو تحرري ، اقليمي وعالمي ، حزبي ولاحزبي ، مقاربة تشد لحمة العمل الوطني وترتقي بالشعب . ان اسقاط الدكتاتوريات الكامنة فينا يتم عبر التعبئة العامة للثقافة وعبر تلاقحها الانساني ومن اجل تصفية جيوب التزمت والاحتراب والمكاره بين الفصائل السياسية والبنى الاجتماعية المختلفة ونحن بحاجة الى محق آثار الدكتاتورية وتفعيل السلام والامن وفتح النوافذ على مالدى الآخرين مع الاحتفاظ بأصالة الذات ومدها بالقوة والثبات والجدة والموهبة . وعي الشعب ككريات الدم ، اذا تلاقحت في عائلة وفصيلة واحدة ضعفت وانهارت ’ واذا اختلطت بالآخرين عاشت وتطورت . ان المنع ترغيب والكبت يولد الانفجار والمنطقة جميعا مقبلة على اسقاط الدكتاتورية السياسية وهلم جرا . وان الغد لناظره قريب
#خلدون_جاويد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احتفاليتي بالجواهري الكبير ... نموذج رقم 7
-
احتفاليتي بالجواهري الكبير نموذج رقم 6 ..... الجواهري في ودا
...
-
الجواهري في ذكراه
-
بنو ثعلبة وجون شتاينبك
-
آهات عراقية من الدانمارك ...
-
رياض البكري أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق .
-
اكتشاف قصيدة منقوشة على نصب جواد سليم
-
رسائل محبة .... للعراقيين فقط ! ...
-
هاملت البراءة .... يمضي الى مثلث الموت
-
مقدمات لقصائد ندمت على كتابتها
-
البدرُ باق ٍ .. وقرصُ الشمس ِ ينبجس ُ
-
الشخائنهيد – لاخائن ولاشهيد
-
في ذكرى الشاعر الشهيد رياض البكري
-
ضيف من الحرس التروتسكي القديم
-
نشيد الآمال في عيد العمال
-
لو كنت امرأة لما تزوجت ابن سينا
-
هل ينتفع العراقيون من نيتشه التحرري ؟
-
جورية للعراق الأمير
-
شمعة ذكرى الى أم عراقية ...
-
رسالة ارسطاطاليس الى حضرة الرئيس
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|