غانم كعبي
الحوار المتمدن-العدد: 4523 - 2014 / 7 / 25 - 14:08
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
داعش ظاهرة اجتماعية؟
ما يدعو إلى التساؤل في شيء من الحيرة والاستغراب, احتلال ثاني اكبر مدينة في العراق وسقوط عدد من المدن العراقية بيد مجموعة مسلحة صغيرة العدّ والعدد خلال فترة وجيزة, تسمي نفسها الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). إن صور الإعدامات التي نشرتها هذه المجموعة المسلحة لا تكفي لتفسير, على إنها مجموعة إرهابية وحسب. بل إن خطر تجدد العنف يبقى قائماً بفعل استمرار آلية الرغبة من جهة, وتراخي الروادع والمحظورات من جهةٍ ثانية. أم يمكننا أن نفسر هذه الظاهرة بغياب الدولة التي تحتكر العنف حسب بمفهوم توماس هوبز, الإنسان للإنسان ذئب والكل في حرب ضد الكل, ونحن بأمس الحاجة إلى لفياثان لينهي العنف الذي يتجه باتجاه العدّمية.
المجتمع العراقي في كل مرة ينذر العنف بالتفجّر, في حين يتعين على الآخرين التمييز ما بين العنف غير شرعي وعنف مقدّس شرعي. أثبت علماء الاجتماع الذين اعتنوا بدراسة الاضطراب وعدم الاستقرار والفوضى في المجتمعات. إن نفس النظام, سواء كان نظاماً سياسياً أو اجتماعياً, يسلك سلوكاً مختلف وحركة مرتبكة في حالات الاتزان منه في حالات عدم الاتزان, حين يدُفع بهذا النظام إلى حدٍ أكثر من اللازم وأنه في هذه الحالة سيخَرق قواعدهِ التقليدية ويسلك مسلكاً شاذاً. عندما تصبح بيئةً ما شديدة الاضطراب وتتوفر ظروف معينة, تفقد النُظم نسّقها الطبيعي وهو ما يمنح المجموعات المتطرّفة إمكانات عمل أوسع, بمعنى استغلال فرص الاضطراب والفوضى لتتوسع وتنتشر هذه المجاميع وأفكارها. ومن الواضح أن أي مجموعة من هذه المجموعات الصغيرة والمسلحة تستطيع أن تمارس تأثيراً لا يتناسب مع حجمها وقوتها الذاتية إذا احتلت نقطة إستراتيجية في اللحظة المناسبة. لقد ساهم العديد من العوامل بالطبع في صعود نجم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) غير إن علّم النُظم غير المستقرة وغير المتزّنة يوضح في الواقع, انه في لحظات عدم الاستقرار القصوى والقلق الاجتماعي, كما هو الحالة في العراق, تحدث ثلاث ظواهر: أولاً تكتسب تدخلات الخارجية الإقليمية أو الدولية بعداً اكبر وأثقل. ثانياً تلعب الصدّفة وظروف معينة دوراً متنامياً, وأخيراً تولد تأثيرات ضخمة تزداد بشكل مضطرد مثل كرة الثلج. إن ما تقدمه وسائل الإعلام الخاصة بداعش أفضل مثال لتأثير كرة الثلج المتدّحرجة, إذا يكفي أن يصوب مسلح من عناصر داعش آلة التصوير على أبرياء أطلق عليهم النار أو توثيق مجزرة لجز الرؤوس, لكي يفرض على العالم كلهِ صورتهِ ويعطي بذلك هذه الزمرة أهمية اكبر بكثير من التي كانت تستطيع الحصول عليها بمفردها. ومنذ لحظة القتل والإعدام تصبح هذه المجموعة حديث الساعة وتغطي وسائل الإعلام الأخرى أنشطتها مما يدعم تأثيرها على الرأي العام, وبذلك تكون حلقة تغذية ايجابية. ويمكن أن تؤدي آليات أخرى إلى نفس النتيجة, ففي ظل العولمة التي تربط القارات والدول بعضها ببعض, تستطيع المصالح الخارجية بسهولة أن تمول جماعة صغيرة مسلحة بالمال أو أي دعم اخر, بحيث يتضخم حجمها الطبيعي بدرجة هائلة, والنتيجة اجتذاب مزيداً من الدعم والمسلحين. أما التدخلات الخارجية فهي من حدبٍ وصوبٍ سواءً كانت إقليمية من دول الجوار أو دولية, فهذه التدخلات مفروض منها ولا تحتاج إلى إثبات. وتساهم هذه العوامل الثلاثة: التدخل الخارجي والصدفة وتأثير التغذية الايجابية (كرة الثلج). في تفسير ازدهار أنواع متعددة من التعصب والتطرّف في فترات الاضطرابات الصاخبة, كما أنها تفسر لماذا جماعة غير ذات بال أصلا, أن تتحول فجأة إلى جماعة محورية؟.
وهنا اعتقد خلال العقد القادم سيصاحب تزايد القلق الاجتماعي في العراق أكثر ظوهراً لمجموعات محمومة بالكراهية والتي حاولت وستحاول التسلل إلى الأجهزة الأمنية, هدفاً منها لتسهيل العلميات الإرهابية. ومن الواضح إن البطالة والفقر والأمية وأخيراً الموقف السلبي من النظام السياسي الجديد, هي من أهم مصادر القلق الاجتماعي. هذه المجموعات المسلحة والتي كانت قبل أشهر, صغير الحجم والتأثير قد تكون لها أهمية في الوقت الراهن وتستطيع أن تبلغ مرحلة الانطلاق كما حصل في مدينة الموصل, حين توفرت الظروف المناسبة, مثل الثقافة والنظرة إلى الدين بوصفهِ حلاً, إضافة إلى ظروف اجتماعية (البطالة والأمية والفقر) أو عندما تكون الأحزاب الرئيسية في حالة شلل أو إخفاق انتخابي. إننا نعيش بالفعل في عالم يتمكن بالكاد من احتواء تأثير إشكال التعّصب المختلفة, فثمة تنظيمات مصممة على فرض مبادئها الأيدلوجية الشمولية ليس على المجتمع فحسب ولكن على العالم بأسره. إن اعتقاد الكثيرين بتجاوز الإيديولوجيات المتعّصبة وغير المنطقية والمحرّضة على الحقد والكراهية ستزول من المجتمعات بمفاهيم الحداثة والديمقراطية, كلما أصبحت المجتمعات أكثر مدنية وتحظر, ما هو إلا تضّليل من هذا الاعتقاد المطمئن. إن النزعات الطائفية والاثنية والجهاديين الساعين للاستشهاد, ظواهر لا تنتمي لماضٍ ذهب ولن يعود وإنما ظهورها بهذه الصورة هو نذير شؤم لمستقبلنا جميعاً. وبدلاً من نهاية التاريخ كما يراها فرانسيس فوكياما أو نهاية الأيدلوجيات التي كثر الحديث عنها, قد نشهد ظهور عدد كبير من هذه الأيدلوجيات الجديدة سواء على الصعيد الإقليمي أو العالمي. ومما لا شك فيه ستلهب كل أدلجة جديدة حماس أنصارها برؤية شمولية ومتعصبة للحقيقة.
د. غانم كعبي
برلين 24/7/2014
#غانم_كعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟