أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الكعبي - أم غاوية 3














المزيد.....

أم غاوية 3


حيدر الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 4523 - 2014 / 7 / 25 - 09:42
المحور: الادب والفن
    



تبدو أم غاوية كأنها ضُفِرت من الأسلاك، أو من قصب الأهوار الذي تُصنع منه شبّاباتُ الرعاة، حتى كأن وظيفة هيكلها العظمي الوحيدة هي نشر الثوب الذي يغطيها وإعطاؤه شكلاً. والثوب— وهو في الغالب أزرقُ نيليّ مزين بنقوشٍ أو دوائرَ أو بتلاتٍ أو نُقَط— يشِفُّ عن هيكلها العظمي ويظهرها في مظهر مومياء تمشي، وإن تكن كتلتها الضئيلة المتلاشية أقوى مما يوحي به مظهرها. ولم تكن قد بعدت عن الحقيقة كثيراً حين قالت: "الشر مطَّشِّر بخشيمي،" لكن بصرها وسمْعها بدآ يخونانها الآن. وراحت طبقة ملحية تزحف على مقلتيها وتضيّق فتحتيهما. وأخذت المرئيات تتشح بالضباب. وازداد محجراها عمقاً وعَظْما حاجبيها بروزاً. وخلا حاجباها من الشعر أو كادا. وحلَّ محلَّ الشعر قوسان من الوشم. وأخذتِ الأصواتُ تأتيها من مكان ناءٍ يزداد نأياً كل يوم. ولم تكن أسنانها أسعد حظاً، فقد أصبح باطنُ فمها كموقع أثري لمدينة زالت من الوجود. وأسنانها القليلة المتبقية لم تكن سوى نتوءاتٍ عظميةٍ ركيكةٍ غيرِ متقابلة لم تعُدْ لها وظيفةٌ تُذْكر سوى كونِها شاهداً على فمٍ ذهبت أيامُ مجده وطعن في السن والخراب. وقد انخسف لحم الخدين وراح يعترض مضغ الطعام. وكان عليها أن تصغّر اللقمة وتحصرها بين السن المتقلقل واللثة العارية التي نَحَتَها وأبلى نسيجَها طولُ التجارب والعراك مع الخبز، وأن تقنع بتحويل اللقمة من جهة الى جهة في فمها قبل أن تزدردها ازدراداً. أما رأس أم غاوية فلم يكن كبيراً كما تبديه العصابة السميكة. إذ ما إنْ تخلعْها حتى ينكشفَ شيءٌ كجوزة الهند، تكسوه طبقة صوفية جعداء متفاوتة الإرتفاع حالَ فيها أثرُ الحنّاء واختلط بلون الرماد. وبدا أنفها كبيراً على وجهها الصغير المكرمش، مثلما بدا ثوبها فضفاضاً على جسدها الضئيل وعلى القصبات الأربع التي تشكل أطرافها. كانت حين تلف العصابة حول رأسها تلفها بمهل، فتتوارى شعيرات رأسها الشحيحة عن الأنظار شيئاً فشيئاً، وتكتسب مظهراً أكثر رزانة وأقل إثارة للشفقة. كان ثوبها بلا جيوب. كانت العصابةُ جيبَها. وكانت تدس فيها الكيس القماشي الصغير أو (الصرة) التي تخبيء فيها دريهماتها المعدودة. كذلك كانت تُخفي في طيَّات العصابة أشياء أخرى متنوعة كعلبة ثقاب أو لفافةِ ورقٍ مخروطية تحوي حبوبَ دواء تحصل عليها من المستوصف في طريق عودتها الى البيت، وهي تعتقد أن الدواء إنْ لم ينفعْ فهو لا يضر.



#حيدر_الكعبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أم غاوية 2
- أم غاوية 1
- توطِئة - أوكتافيو باث
- بصرة عام 11 (الحلقة الرابعة)
- بصرة عام 11 (الحلقة الثالثة)
- بصرة عام 11 (الحلقة الثانية)
- بصرة عام 11 (الفصل الأول)
- المتنبي شهيداً
- كتابة على حيطان الطفولة
- المثقف محمود عبد الوهاب
- قصف
- مَرْثاة
- أحلام أدوية الملاريا (2) / براين ترنر
- في الحشائش العالية / براين ترنر
- الى النسور: يوتوبيا مضادة / براين ترنر
- أحلام أدوية الملاريا 1 / براين ترنر
- تأبين / براين ترنر
- ما أشدَّ هذا البريق! / براين ترنر
- خدَّة وخَدَر / براين ترنر
- تشريح / براين ترنر


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الكعبي - أم غاوية 3