|
طبيعة السلطة بعد ثورة 25 يناير والصراع الطبقى (1)
رياض حسن محرم
الحوار المتمدن-العدد: 4522 - 2014 / 7 / 24 - 12:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مازالت السلطة السياسية فى مصر غير مستقرة منذ 25 يناير 2010 وحتى الآن، وما زالت التفاعلات السياسية تتسارع وتتطور مما يحدّ من قدرة تحليل الظاهرة فى سيرورتها لأننا نواجه واقع سياسى يتغير بسرعة أكبر من القدرة على وضعه على طاولة البحث والتحليل، فمن المعروف أن الإنتقال من مرحلة الثورة الى مرحلة الدولة هى من أصعب المراحل التى تمر بها الثورات كما فسّر ذلك الفيلسوف الألمانى "هيجل" بأن هذه النقلة تعد تخليا عن متعة العمل الثورى والحرية المطلقة بلا قيود الى الدخول طوعا فى قفص الدولة وحالة الإنتظام المؤسساتى الحقوقى والقانونى الذى تم التمرد عليه "ناهيك عن مشاركة قوى سياسية وشبابية لا يستهان بها من الفوضويين والمتمردين الذين يعادون فكرة الدولة أساسا". يعتبر البعض أن ثورة يناير "ثورة على الثورة" بمعنى أنها قامت احتجاجا على ميراث ثورة يوليو فكما نعلم فقد قامت ثورة يوليو ضد نظام ملكى قد انتهت صلاحيته وعجز عن الاستمرار، وأن ثورة يناير قامت ضد ذلك النظام الجمهورى الديكتاتورى الذى تمخض عن ثورة يوليو وقد تحول الى نظام فاسد يسعى لتوريث الحكم أى تحول ببساطة الى نظام وراثى شبه ملكى، وخصوصا بعد القضاء على المنجزات ذات الطابع الإجتماعى ليوليو وتحويل الإقتصاد الى اقتصاد تابع وبيع شركات ومصانع القطاع العام والغاء المكاسب التى تحصّل عليها العمال وصغار الفلاحين وإعادة الأراضى الزراعية الى كبار الملاك منذ 1977 وبلغت الردة ذروتها فى بدايات القرن الجديد بتحالف صريح بين سلطة رجال الأعمال والكمبرادورية الرأسمالية، وتحولت السلطة الحاكمة الى رأسمالية المحاسيب وهيمنة رأس المال العالمى ونجاحه فى دمج مصر فى التقسيم العالمى الرأسمالى وتحول النظام الى أبشع الأشكال القمعية مع تعمق التفاوتات الطبقية وإستشراء البطالة وهيمنة نمط مافياوى على جميع الأطر الإقتصادية، كل هذا كان سببا لتفجير ثورة يناير. إن القضية الأساسية لأى ثورة هى قضية السلطة وأن التحول التصاعدى للثورة يتواكب مع نضج الصراع الطبقى "هذا المصطلح الذى يصيب البرجوازية بالرعب بمجرد سماعه فهو يذكرهم بالطبقة العاملة النقيضة لهم وحلفائها من الطبقات الشعبية ويرتبط عضويا بالماركسية وعدوهم التاريخى البروليتاريا"، وكما يقول "ماركس" (إن التاريخ المكتوب حتى الآن هو تاريخ الصراع الطبقى بين المستغلين "بفتح الغين" والمستغلين "بكسرها")، ولا ننسى إن الرأسمالية المصرية ذات الطابع المتخلف تكنلوجيا وفكريا قد استطاعت من خلال استثمارها للفساد ولعلاقاتها المعقدة مع أجهزة الدولة أن تسيطر ليس فقط على الثروة والسلطة ولكنها إستطاعت أيضا إستلاب الوعى الجمعى للطبقة العاملة وتمييع الصراع الطبقى لها ولشرائح من الطبقة الوسطى لتزييف الاستغلال الطبقى مستعينة فى ذلك بتحالف غير معلن مع الرجعية الدينية واعتمادا على تغلغل الفكر الدينى الشعبوى المبرر لهذا الإستغلال. يعتقد البعض أن الصراع الطبقى لا يمكن أن يلعب الدور الرئيسى فى مجتمعاتنا بحكم سيادة الثقافة الزراعية المتخلفة وضعف الوعى الطبقى والتنظيمات السياسية بوجه عام، والواقع أن الصراع الطبقى يكمن فى لب كل الصراعات السياسية والاجتماعية "ولكنه قد لا يظهر بشكل سافر كما فى البلدان الصناعية المتقدمة"، ولكن سواءا كانت تلك الصراعات عرقية أو دينية أو وطنية أو إجتماعية فهى جزء من الصراع الطبقى الذى قد يختفى تحت بعض التشوهات التى يغلفها الارتباط العضوى بين الرأسمالية المحلية والعالمية وتداخل البناء العضوى لتلك الطبقة بمكونات تاريخية سابقة عليها بما يجعل منها رأسمالية تابعة من النوع الرث تؤثر عليها بنية ريعية استهلاكية غير انتاجية ناهيك عن الانقطاع التاريخى لتطور هذه الطبقة كما حدث مرات بالاحتلال الانجليزى وبالقوانين الناصرية، هذا التشوه البنيوى لا يمكنّنا من تفعيل القوانين الماركسية فى تحليل قوانين الصراع الطبقى عليها. مرّت مصر فى تاريخها الحديث بأكثر من ثورة ( وتعنى التغيّر السريع والعميق الذى يحدث فى النظام السياسى والاقتصادى والاجتماعى) ويمكن رصدها سريعا فيما يلى: 1- يمكن إعتبار أن وصول "محمد على" الى الحكم وظروف تلك المرحلة أول ثورة قام بها الشعب المصرى فى التاريخ الحديث وكانت بداياتها ثورة المصريين الاولى والثانية ضد الاحتلال الفرنسى وارغام الباب العالى على تنصيب محمد على حكم مصروما أحدثه من تغيرات عميقة فى التركيبة الاقتصادية والاجتماعية وما قام به من القضاء على المماليك وانشاء أول جيش مصرى من أبناء الفلاحين واحداثه نهضة اقتصادية وتعليمية هائلة، التى لم يوقفها الاّ تحالف القوى الاستعمارية على مصر فى معاهدة لندن 1940. 2- الثورة العرابية "التى سمّاها الجمهور هوجة عرابى " وتعد أول ثورة يلتحم فيها الشعب المصرى مع الجيش بشكل مباشرمطالبا بالدستور وبنظام برلمانى حر والثورة ضد التدخل الاستعمارى، وشاركت النخبة المثقفة من المصريين فى صفوقها كالشيخ محمد عبده والثائر الجماهيرى عبدالله النديم وتأسس فى غمارها الحزب الوطنى برئاسة "شريف باشا"، وقد وقف كبار ملاك الأراضى الزراعية فى معسكر الثورة المضادة الى جوار الخديوى توفيق أمثال خنفس وسلطان باشا وسيد الكمشوشى. 3- ثورة 1919 والتى تعد ثورة وطنية ديموقراطية حقيقية شارك فيها جموع الشعب المصرى بصورة شاملة أفقيا ورأسيا حيث كانت جماهيرها الرئيسية التى أشعلتها ودفعت ضريبتها الكبيرة من شهداء وجرحى ومعتقلين هم الطلاب والطبقة العاملة فى الورش والعنابر والفلاحين الفقراء "ذوى الجلاليب الزرقاء" وشارك فيها أيضا المثقفين والرأسماليين وكبار ملاك الاراضى ( يكفى أن نضرب مثلا على ذلك بذكر من نفى مع سعد زغلول الى مالطة من الزعماء وهم "حمد الباسل" من كبار أعيان الفيوم و"محمد محمود" من كبار ملاك الاراضى الزراعية و"اسماعيل صدقى" الرأسمالى العتيد ورئيس اتحاد الصناعات)، وشاركت أيضا المرأة والأقباط بدور بارز وبطولى ، ورغم أن الثورة كان منطلقها المطالبة بجلاء الإحتلال الانجليزى لكن كانت للمطالب الديموقراطية كالدستور والبرلمان وحريات التعبير والتنظيم والمظاهرات واصدار الصحف دورا متقدما، وحافظت بشكل خاص على طابعها العلمانى بأن استعارت شعار الثورة الفرنسية "الدين لله والوطن للجميع". 4- ثورة يوليو 52 والتى بدأت كما سمّاها قادتها انقلابا، ولكنها حققت تغيير طبقى واجتماعى واسع استحق ان يطلق عليها اسم ثورة، فما أعلن من المبادئ الست لها ليست برنامجا لإنقلاب بقدر ماهى خطة لثورة وما تحقق من تحولات اجتماعية كبرى ابتداءا من قانون الاصلاح الزراعى وتوزيع الأراضى على المعدمين وما سمى بقرارات يوليو الإشتراكية وحديث الميثاق عن حتمية الحل الإشتراكى والمكاسب الاجتماعية للعمال ومجانية التعليم وغيرها الكثير قد كست وجه الثورة بطابع إجتماعى منحاز لطبقات إجتماعية بعينها. 5- ثورة 25 يناير وموجتها الثانية فى 30 يونيو (وسنتحدث عنها تفصيلا) ( لا يوجد تحليل طبقى متماسك من منظور ماركسى عن ثورة يوليو الاّ ذلك التحليل الذى أنجزه "حزب العمال الشيوعى المصرى" فى بداية السبعينات تحت عنوان ( حول سلطة البيروقراطية البرجوازية والتحالف الطبقى فى مصر وطبيعة الثورة المقبلة) وهو فى حقيقته تطوير لكتابات فوزى جرجس وأنور عبد الملك وسمير أمين ومحمود حسين وآخرين). ..يتبع
#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسار وثورة يناير
-
اليسار الجديد وإشكالية الثورة
-
أمريكا والإسلام السياسى
-
الأقباط وثورة 30 يونيو
-
الأقباط وثورة 25 يناير
-
الأقباط والثورة (1)
-
الكبت الجنسى كمدخل طبيعى للتحرش
-
داعش .. ومحاولة الإستيلاء على العراق
-
دون مكابرة .. مصر بلد فقير الموارد
-
المشير عبد الفتاح السيسى .. وصناعة الزعيم
-
ملاحظات سريعة حول الانتخابات الرئاسية
-
الإخوان المسلمون والصعود الى الهاوية
-
الإسلاميون ونهاية التاريخ
-
حقيقة -الجيش المصرى الحر- فى ليبيا
-
الجنرال السيسى .. والغموض المتعمد
-
إنتقال الحكم .. إنقلاب أبيض فى البيت الحاكم بالسعودية
-
فتاة المصنع .. فيلم يخصم من رصيد محمد خان السينمائى
-
حقيقة علاقة عبد الناصر التنظيمية بالاخوان و حدّتو
-
تدمير البحرية التجارية فى مصر .. خطة ممنهجة
-
فنزويلا بين الثورة والثورة المضادة
المزيد.....
-
قرية زراعية عمرها 300 سنة.. لِمَ يعود إليها سكانها بعد هجرها
...
-
فيديو حصري من زاوية جديدة يوثق لحظة تصادم الطائرتين في واشنط
...
-
حزب -القوات اللبنانية- يطالب الحكومة بالتوضيح بعد مسيّرة -حز
...
-
قنبلة داعش الموقوتة تهدد بالفوضى في الشرق الأوسط - التلغراف
...
-
أبو عبيدة يعلن أسماء الرهائن الإسرائيليين المتوقع الإفراج عن
...
-
اتفاق الهدنة: إسرائيل وحماس تتبادلان قوائم المقرر إطلاق سراح
...
-
بعد تمرير خطة اللجوء.. هل انكسر -الجدار الناري- عن اليمين ال
...
-
أيقونة معمارية شاهدة على التاريخ.. العزبة القيصرية -إيزمائيل
...
-
بالفيديو والصور.. موجة ثلوج غير مسبوقة تشهدها بعض المدن الجز
...
-
الرئيس الجورجي: دول غربية ضغطت علينا للوقوف ضد روسيا في نزاع
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|