|
شحاذون وقتلة ...
عمرو عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 4522 - 2014 / 7 / 24 - 11:49
المحور:
كتابات ساخرة
بقلم/ مريم عبد المسيح كنت ماكثة في منزلي وتناهي إلي مسامعي صوت جهوري لرجل غريب وهو يتحدث مع جارتي التي تسكن وحدها بالطابق السفلي من منزلي .. وسمعته يطلب منها المساعدة فظننته سائل إحسان .. ولكن ما سمعته من حديث بينهما جعلني أتيقن من أن الأمر غير ذلك تماما!!
سمعت جارتي العجوز وهي تكاد تبكي من شدة التأثر من كلماته بأن هذا "الإحسان" سيذهب للثكالي والمرضي والفقراء والأرامل ولإطعام الأيتام وتوفير ملابس لهم في العيد، فدخلت إلي منزلها وأتته بما جادت به يدها.
كانت المفاجأة أنه نظر باحتقار إلي ما قدمته له في يده، قائلا: = ما هذا؟ .. - ردت في دهشة: أنا يا إبني ماليش عائل وأعيش علي معاشي البسيط وأنا ما تعودت علي رد سائل.. = قال بلهجة متجهمة: ياستي أنا احدثك عن ثكالي ويتامي وأرامل فتعطيني خمسة جنيهات فقط؟؟!! - ردت السيدة العجوز : إن اعطيتك أكثر من ذلك سأمكث أنا في الشارع لأطلب الإحسان. = قال بلهجة مستفزة وهو ينهي الحديث معها بغضب: شكرا يا حاجة.
وتكرر السيناريو نفسه في الطابق تلو الآخر حتي وصل إلي شقتي. فإذا به يدق الباب بعنف، وبإصرار غريب وكأنه يستفز من بالمنزل لكي يفتح رغما عنه، نظرت من العين السحرية لكي اتبين ملامح هذا الطارق المريب.. رأيته واقفا يدون شيئا ثم أخفي الورقة والقلم في جيبه قبل فتح الباب، وظلت عينه متربصة بالباب في انتظار أن يفتح له، وبدا وكأنه لن يترك الجرس حتي يتم له ما يريد.
ومن شدة إصراره علي طرق الجرس وبعد ان كادت رأسي تنفجر من قسوة دقاته، فتحت الباب وقد قررت ان أواجهه بعد أن استجمعت شجاعتي، وتحت إلحاح فضولي لمعرفة سر هذا الطارق الغريب.
سألته: = هل من خدمة؟ - قال: انا أحمل التبرعات لكي انقلها للشيخ فلان الفلاني، ليوزعها علي البسطاء والمحتاجين. - قلت: لقد سددت (عشوري).. = نظر لي باستغراب وبدأ أنه لم يفهم مقصدي. - سارعت بالرد: يعني سددت زكاتي. = قال الرجل: إذا وماذا تقصدين بكلمة (عشور)؟ - قلت: أني امرأة مسيحية. = رد بقوله: إن زكاتك أو عشورك هذه لا تفرق بين مسلما ومسيحيا كما قد تظنين إنها تذهب للمسلمين فقط. - استفززتني عبارته وشعرت بغضب مكتوم فأنا لم أكن يوما متعصبة، وسرعان ما رددت: قلت لك سددت زكاتي ورجاء أن تتفضل إلي حال سبيلك. سألني بلجهة تحذيرية: أمصرة علي الامتناع عن الدفع؟ - رددت بحسم: نعم. = فأخرج من جيبه ورقة وقلما وكتب رقم شقتي والدور الذي أسكن فيه ولمحت بسرعة أن الورقة التي يحملها مليئة بالعناوين. - عاجلته بسؤال: لماذا كتبت رقم شقتي لديك؟ وما هذه العناوين؟ ولماذا تكتب بطريقة وكأنك ستعاقبني علي عدم الدفع؟ .. فلم يرد، وسارع بالنزول علي السلم.
تابعته بنظري أثناء نزوله، وسارعت بالدخول إلي منزلي وأغلقت الباب وراء ظهري.. ودارت بعقلي اسئلة كثيرة..
تري من هذا؟ ومن أين أتي؟ وماذا كان يريد؟ والأهم: إلي أين تذهب هذه التبرعات؟ بل والأهم منه: لماذا دوَّن عنواني مع أني لم أدفع له شيئا؟ هل يدوِّن عناوين من يدفع ومن لا يدفع أيضا؟!!! ولماذا يكتب العناوين أصلا؟ وإلي أي يد تقع هذه الكشوف بالأسماء والعناوين. أسئلة مريبة تحتاج إجابات..!!!
لا أدري لماذا وبعد أن خرجت من دوامة تساؤلاتي التي لم أجد لها إجابة شافية، تذكرت حدثا مماثلا، حينما كنت أري من شرفتي بعض الأطفال يدخلون المنزل ويطرقون ابواب السكان، طالبين الاحسان، بينما تنتظرهم في الشارع سيدة لا يظهر عليها أي من ملامح البؤس.. وكل صبي أو صبية منهم يعطيها ما تمكن من الحصول عليه من السكان.
والسؤال يتردد ايضا .. الي اين تذهب هذه النقود؟ ومن هذه السيدة؟ ومن اين هؤلاء الأطفال؟ هل هم أطفالها أم أطغال من؟ وهل لهؤلاء الأطفال علاقة بما نسمعه كثيرا من نداءات متكررة بالميكروفونات عن فقدان الأهالي لأبنائهم الصغار؟
وتري هل ذلك الطفل الذي أراه محمولا علي كرسي متحرك تدفعه امرأة تمسك بمكبر صوت تسأل الناس الصدقة وهي تبكي وتنوح بينما لم تنزل من عينيها قطرة دمع واحدة، والغريب أن وجه الطفل دائما يبدو شاحبا وفي حالة اعياء تام، تدور به في الشوارع، باختلاف وحيد هو أن الطفل يتغير كل عام أو كل موسم، ولكنه دائما مقطوع الساقين، ومصاب بالأنيميا الشديدة، كأطفال الصومال - عافانا وعافاكم الله. وفي الثلاث سنوات التي شاهدت فيها تلك المرأة تحمل طفلها، لم أجده مرة مستيقظا... تري هل هذا الطفل ميت أم ماذا؟؟
فكرت في مرة أن أتتبعها وبالفعل نفذت قراري، ورأيتها تذهب وتجلس عند جامع قريب من منزلنا حيث تركت الطفل بجوار المسجد وذهبت لتشتري طعاما .. وحينما عادت ظننت أنها ستوقظ الطفل لكي يشاركها الطعام، ولكن فوجئت انها جلست جانبه وراحت تأكل وحدها ، تاركة الطفل نائما وربما ( ميتا )!! أو ربما بدلا من إطعامه تقدم له أدوية تبقيه شبه ميت أو مغمي عليه لكي تستدر به عطف الناس!! وتعجبت من كونها سيدة ثلاثينية وتبدو قادرة علي العمل الشريف , أو حتي لو كانت أمه لربما زاولت مهنة الشحاذة لكن دون أن تعرض طفلها لهذه العذابات والمذلة.
وانتظرت طويلا ربما يصحو الطفل لكنه ظل ساكنا علي كرسيه المتحرك، بينما جلست هي تعاود طلب السؤال من الذاهب والغادي مجددا..
وظلت هكذا حتي أتتها سيدة اخري فأخذت منها الطفل وكأنها تتناوب معها الوردية، لتبدأ معه رحلة السؤال ويبدأ الطفل رحلة جديدة من العذاب، إن كان علي قيد الحياه.. أو ميتا، فإن كان حيا يظل طوال اليوم بلا طعام أو شراب.. وإن كان ميتا، فهو محروم حتي من إكرامه بدفنه، وليس المتاجرة بجثته!!
الأغرب من كل هذا، الشحاذ الذي يدعو عليك ويقول لك بالحرف: (ربنا يحرق بيتك وقلبك علي أعز ما لديك، إذا لم تعطني إحسانا لله ) !!! أو (يارب لا تلحق تعود لمنزلك وتصاب في حادثة )!!!
أعاذني الله وإياكم..............................................
وقد رأيت هذه الحالة ممثلة في رجل اربعيني جالس علي إحدي منافذ خروج المترو، وقد اثار اشمئزازي كما اثار شعوري بالفزع من دعواته التي يلقيها جزافا علي الناس.
الأعجب من ذلك ان وعندما تكون جالسا علي احدي الكافيهات لتجد من يأتيك طالبا منك أن تنتحي به جانبا ليحدثك علي انفراد سائلا: (اسم الكريم أو الكريمة؟) .. وإذا رد أن اسمه (أحمد) علي سبيل المثال... قال له صلي علي النبي (ص).. أخوك في الاسلام ضاعت نقوده وهو مسافر الي احدي المحافظات ومعي أمي امرأة عجوز وتكلفة التذكرة عشرون جنيها للفرد، فهل تنقذ أخاك المسلم في ضيقته؟ ويتكرر السيناريو لكن باختلاف بسيط إذا جاء رد ( الضحية ) بأن اسمه (جرجس) قال له: مجد سيدك .. أخوك في المسيح طالب مساعدتك.. إلخ.
** أسئلة كثيرة تراودني بلا إجابة ومنها .. إلي متي تبقي كلمة (وانا مالي) علي ألسنتنا .. ونظل نري المشاهد المريبة ثم نصمص شفاهنا قائلين (خلينا في حالنا) ..!
إن رجلا كالذي يجوب الشوارع ليأخذ بيانات المواطنين وعناوينهم قد يكون منتميا لجماعة إرهابية تستهدف جمع معلومات ما قبل ارتكاب جريمتها، وقد يكون ناويا علي إشعال الفتنة كما يحدث أحيانا ببعض قري الصعيد بأيدي الجماعات المتأسلمة تمهيدا لتحديد بيوت الأقباط واستهدافهم فيم بعد... وقد يكون مستهدفا جمع تمويل للجماعة ذاتها تمهيدا لتفجير موقع أمني أو مصلحة جماهيرية، وهو أمر يجب علينا كمصريين أن نتحسب له جيدا، بعد أن علمتنا السنوات القليلة الماضية أن "الإخواني" او الإرهابي، يعتبر كل من دونه كافرا أو مرتدا أو خارجا عن الدين... (يعني حلال الدم والمال والعرض).
قد يكون الطفل الذي تراه علي يد شحاذة مثيرة لشفقتك، ابنا مفقودا من جارك في نفس الشارع .. وقد يكون بإمكانك أن تنقذ حياة الطفل وتعيده لأسرته المكلومة .. وربما تكون انت سبب في انقاذ طفل ربما يكون في الرمق الاخير أو يلفظ انفاسه الاخيره وتعيد له حياته..
وإنك إذا اصبحت أكثر إيجابية وقمت بالإبلاغ عنها بدلا من منحها - وغيرك - مالا، الله وحده يعلم أي تذهب به... ولو وجدت امرأة كهذه رادعا من المواطنين نكون بذلك قد منعناها من العبث بحياة أطفال آخرين تقوم بقطع أطرافهم أو تشويههم كي تحولهم إلي أداة لكسب الرزق الحرام...
إنك بذلك تكون قد تمردت علي محاولات إعلام غسيل العقول حقن تفكيرك بأنك إذا توجهت إلي قسم الشرطة لكي تبلغ عن جريمة، فإنك تحول من شاهد إلي متهم.. فإذا ابلغت عن سرقة تصبح أنت السارق وإذا أبلغت عن جريمة قتل تصبح أنت القاتل، إلخ، بذلك تكون قد أرضيت ضميرك حقا.
وبدلآ من ان نعطي صدقاتنا للقاصي والداني دون تأني، قائلين ( الله اعلم بالنوايا ) فالأجدي أن نقدمها لجهات معلومة رسمية أو أهلية، لأن ليس كل من يقول إحسان لله يذهب لله لأنه ربما يصب في مصلحه أعداء الله ويستعمل في ما لا يرضي عنه لا العبد ولا الله.
أخيرا فإننا بحاجة لأن نكون أكثر إيجابية في التعاطي مع ما نراه ونمر به كل يوم، هذا هو التغيير الحقيقي الذي ينبغي أن ننتظره من أنفسنا في مصرنا الجديدة.. فالله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم.
#عمرو_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السيسي يؤدب أميركا
-
صفعة روسية ل-CIA- تكشف مؤامرة حرق مصر
-
إلي سيادة الرئيس السيسي
-
أدلة الحكم بإعدام الإخوان..-بالفيديو-
-
الأصول القبطية لمحمد رسول الله
-
العدوان الثلاثي الثاني علي مصر
-
محمد النبي القبطي
-
عودة يهوذا الخائن
-
سايكس بيكو.. النسخة المتأسلمة!
-
حماسرائيل
-
كوكاكولا أحلي مع الإعلام الماسوني
-
داعش صنيعة الماسونية العالمية
-
رداً علي فتوي داعش بعدم قتال الصهاينة
-
الجيش المصري ليس للإيجار
-
الكابالا
-
نصر أكتوبر جديد
-
تجار الغضب
-
يوم القيامة ( علي الطريقة اليهودية) !!!
-
( بربرية ) الإسلام! ... (2)
-
( بربرية ) الإسلام! ... (3)
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|